الرئيسية / بحوث اسلامية / فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني

فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني

ومرة أخرى كتب أبو بكر لصحابيين قطعة من الأرض وأرسلها لعمر ليمضي فيه فتفل فيه عمر ومحاه فشتماه ورجعا لأبي بكر يتذمران فقالا: ما ندري أأنت الخليفة أم عمر؟! فقال: بل هو، وجاء عمر مغضبا إلى أبي بكر وقال له: ليس من حقك إعطاء الأرض إلى هذين. فقال أبو بكر: لقد قلت لك بأنك أقوى مني على هذا الأمر ولكنك غلبتني (1).
ومن هنا يتبين لنا سر المكانة التي حظي بها عمر بن الخطاب لدى قريش عامة ولدى بني أمية خاصة حتى سموه بالعبقري وبالملهم وبالفاروق وبالعدل المطلق إلى أن فضلوه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد رأينا عقيدة عمر في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يوم صلح الحديبية إلى يوم الرزية أضف إلى ذلك أنه منع الصحابة من التبرك بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطع شجرة بيعة الرضوان، كما توسل بالعباس عم النبي ليشعر الناس بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات وانتهى أمره فلا فائدة حتى في ذكراه، فلا لوم على الوهابية الذين يقولون بهذه المقالات فهي ليست جديدة كما يتوهم البعض.
ومن هنا فتح الباب إلى أعداء الإسلام والمستشرقين ليستخلصوا بأن محمدا رجل عبقري عرف أن قومه وثنيين تربوا على عبادة الأصنام فأزال الأصنام ولكنه أبدلهم بذلك حجرا أسودا.
ونرى بعد كل هذا عم هو بطل المعارضة لكتابة الأحاديث النبوية حتى يحبس الصحابة في المدينة ويمنع آخرين من الحديث ويحرق كتب الحديث حرصا منه بأن لا تتفشى السنة النبوية بين الناس.
ونفهم أيضا من خلال ذلك لماذا بقي علي حبيس الدار لا يخرج إلا عندما يدعى لحل معضلة عجز عنها الصحابة ولم يشركه عمر في منصب ولا
(١) الإصابة في معرفة الصحابة للعسقلاني في ترجمة عيينة. ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ٣ / 108.
(٥٦)

في ولاية ولا في مسؤولية ولا في بعث، وحرم حتى من ميراث فاطمة وليس عنده ما يطمع الناس فيه ولذلك يذكر المؤرخون بأنه اضطر للبيعة بعد موت الزهراء سلام الله عليها لما رأى تحول وجوه الناس عنه: لك الله يا أبا الحسن فكيف لا يبغضك الناس وقد قتلت أبطالهم وفرقت جموعهم وسفهت أحلامهم، وما تركت لهم في سوق الفضائل فضيلة ولا في ميدان الحسنات حسنة ومع ذلك فأنت ابن عم المصطفى وأقربهم إليه وزوج فاطمة سيدة نساء العالمين وأبو السبطين سيدي شباب أهل الجنة وأولهم إسلاما وأكثرهم علما.
وعمك حمزة سيد الشهداء، وجعفر الطيار ابن أمك وأبيك، وأبو طالب سيد البطحاء وكفيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أبوك، والأئمة الميامين كلهم من صلبك، سبقت السابقين ونأيت عن اللاحقين فكنت أسد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وكنت سيف الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وكنت أمين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عندما بعثك صلى الله عليه وآله وسلم ببراءة ولم يأتمن عليها غيرك – وكنت أنت الصديق الأكبر لا يقولها بعدك إلا كذاب وكنت الفاروق الأكبر الذي يسير الحق في ركابه فيعرف الحق به من بين ركام الباطل، وكنت العلم الظاهر والمنار الساطع يعرف بحبه إيمان المؤمن وببغضه نفاق المنافق. وكنت الباب لمدينة العلم، من أتاك أتاها، فقد كذب من زعم الدخول من غيرك والوصول بدونك.
فمن منهم له سهم كسهمك يا أبا الحسن ومن منهم له فضل كفضلك فإن كان للشرف دليلا فأنت دليله وأنت مبتداه ومنتهاه لقد حسدوك على ما أتاك الله من فضله ولقد أبعدوك لما خصك الله من قربه فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
لقد شط بنا القلم إلى مناجاة أمير المؤمنين المظلوم حيا وميتا وله في أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة فهو أيضا مظلوم حيا وميتا لأنه قضى حياته صلى الله عليه وآله وسلم مجاهدا ناصحا حريصا على المؤمنين بهم رؤوف
(٥٧)

رحيم وقابلوه في آخر لحظة بالكلام القبيح ورموه بالهجر وجابهوه بالعصيان والتمرد في تأميره أسامة وهرعوا للسقيفة من أجل الخلافة وتركوه جثة هامدة ولم يشتغلوا حتى بتجهيزه وغسله وتكفينه بأبي هو وأمي، وبعد وفاته عملوا على انتقاصه في أعين الناس والحط من قيمته وتجريده من العصمة التي يشهد بها القرآن والوجدان كل ذلك من أجل حكم زائل ودنيا فانية.
وإذا عرفنا من خلال البحث، موقف بعض الصحابة تجاه شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجل الوصول للخلافة.
فإن حكام بني أمية على رأسهم معاوية بن أبي سفيان جاءتهم الخلافة بالوراثة واطمأنوا لها ولم يكن يدور في خلد أحد منهم بأنها في يوم من الأيام سوف تخرج منهم، فلماذا استمر بنوا أمية في انتقاص شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتزوير الروايات للحط من قيمته.
وأعتقد بأن هناك سببين رئيسيين وهما:
السبب الأول: إن في الحط من قيمة رسول الله، هو إرغام أنوف بني هاشم الذين نالوا عزا وشرفا بين كل القبائل العربية لوجود النبي منهم وخصوصا إذا عرفنا أن أمية كان ينافس أخاه هاشما ويحسده ويعمل كل ما في وسعه للقضاء عليه.
زد على ذلك بأن عليا هو سيد بني هاشم بعد الرسول من غير منازع وقد عرف الخاص والعام بغض معاوية لعلي والحروب التي شنها ضده لانتزاع الخلافة منه وبعد مقتله أولغ في سبه ولعنه على المنابر. فالحط من شخصية الرسول بالنسبة لمعاوية هو تحطيم شخصية علي كما أن سب ولعن علي هو في الحقيقة موجه لرسول الله.
السبب الثاني: إن في الحط من قيمة رسول الله – فيه تبرير لما يقوم به حكام بني أمية من أعمال مخزية وقبائح شنيعة سجلها لهم التاريخ – فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – كما يصوره بني أمية – بميل مع هواه
(٥٨)

ويحب النساء إلى درجة أنه ينسى واجباته ويميل إلى إحداهن إلى درجة أنه لا يعدل بينهن حتى يبعثن له يطالبنه بالعدل. فلا لوم بعد ذلك على البشر العاديين أمثال معاوية ويزيد وأضرابهم.
وتكمن الخطورة في السبب الثاني في أن الأمويين اختلقوا روايات وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبحت أحكاما يعمل بها في الإسلام، والمسلمون يأخذونها مسلمة على أنها من أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فتصبح عندهم سنة نبوية.
وأضرب لذلك بعض الأمثلة من الأحاديث المخزية التي وضعت للنيل من شخصية الرسول والحط من قيمته ولا أريد أن أتوسع في هذا الموضوع وسوف اقتصر فقط على ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما (روايات مخزية للطعن في النبي).
1 – أخرج البخاري في كتاب الغسل في باب إذا جامع ثم عاد – قال أنس: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين.
أنظر معي أيها القارئ إلى هذه الرواية المخزية التي تصور لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذا النهم من الجماع فيجامع إحدى عشرة زوجة في ساعة واحدة ويجامعهن في الليل أو النهار وبهذه السرعة ومن غير أن يغتسل من الأولى فيجامع الثانية بماء الأولى وما عليك أيها القارئ إلا أن تتصور وتتخيل كيف يرتمي إنسان على زوجته كالحيوان بدون مقدمات ولا تهيئة وقد شاهدنا أنه حتى عند الحيوانات تستغرق عملية الجماع مدة طويلة وتتطلب مقدمات وتهيأ فكيف بهذا الرسول العظيم يفعل مثل هذا؟ قاتلهم الله ولعنهم أني يؤفكون – ولأن العرب في ذلك العهد والرجال حتى في هذا العهد ما زالوا يفتخرون بقوة الجماع ويعتبرون ذلك علامة الرجولة فوضعوا

(٥٩)

هذه القصة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وحاشاه وهو الذي كان يقول: لا ترتموا على نسائكم كالبهائم واجعلوا بينكم وبينهن رسولا.
فبمثل هذه الروايات يتحامل أعداء الإسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويصفونه بأنه رجل يتهالك على الجنس والجماع وحب النساء إلى غير ذلك من التهم.
وهل لنا أن نسأل أنس بن مالك راوي هذه القصة، من أخبره بها؟ من أعلمه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجامع نساءه في ساعة واحدة وهن إحدى عشرة؟
هل النبي هو الذي حدثه بذلك؟ فهل يليق بأحدنا أن يحدث الناس على مجامعته لزوجته؟ أم أن زوجات النبي هن اللاتي حدثنه بذلك؟ فهل يليق بالمرأة المسلمة أن تحكي للرجال عن جماع زوجها لها؟ أم أن أنس هو الذي تجسس على النبي وتتبع خلواته مع زوجاته وتفرج عليه من ثقوب الأبواب؟ أستغفر الله من همزات الشياطين ولعن الله الكذابين.
ولا أشك في أن الحكام الأمويين والعباسيين الذين اشتهروا بكثرة النساء والجواري هم الذين وضعوا مثل هذه القصة لتبرير أعمالهم.
2 – أخرج البخاري في صحيحه من الجزء الثالث صفحة 132 وكذلك مسلم في صحيحه من الجزء السابع في صفحة 136 قالا: قالت عائشة أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رسول الله فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي بنية ألست تحبين ما أحب فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه ثم تمضي الرواية فتقول إلى أن يبعث أزواج النبي مرة ثانية بزينب بنت جحش زوج النبي ينشدنه العدل في بنت أبي قحافة فتدخل هي الأخرى على رسول الله وهو مضطجع مع عائشة ولابس مرطها على الحالة التي

(٦٠)

شاهد أيضاً

في فضل ليلة الجمعة ونهارها وأعمالها

السابع : أن يدعو بدعاء كميل ، وسيذكر في الفصل الآتي إن شاء الله تَعالى ص ...