الرئيسية / الاسلام والحياة / الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الحقائق وأنوار الهداية، وتستجيش عناصر الخير والصلاح، وتطارد عناصر الشر والانحراف، وتستثير حالة الحذر من مزالق الشيطان والنفس الامارة بالسوء.
ففي بداية الدعوة الاسلامية جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشيرته الأقربين وكانوا يومئذ أربعين رجلا وقال: يا بني عبد المطلب، اني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه… (1).
ثم صدع بأمر الدعوة، وكان يخاطب المشركين في أماكن تجمعهم، وفي المسجد الحرام، يدعوهم إلى التوحيد وإلى اصلاح نفوسهم وأعمالهم.
وكان يخاطب القبائل في منازلهم، ونواديهم التي يجتمعون فيها، وهكذا استمر في استخدام هذه الوسيلة بعد قيام الدولة الاسلامية.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعلمهم موارد المعروف وموارد المنكر، ثم يحثهم على الالتزام بالمعروف، والانتهاء عن المنكر، ويتابعهم في سيرتهم، ويستطلع قربهم وبعدهم عما دعاهم إليه.
وكان للمنبر دور في تهيئة الأجواء لممارسة الخطابات النبوية، ولا زال إلى يومنا هذا.
واستمر أهل البيت عليهم السلام على هذا النهج في استخدام الخطاب لتعليم الناس وارشادهم وحثهم على تبني المفاهيم السليمة وممارسة الأعمال
١) تاريخ الطبري ٢: ٣١٩.
(٥١)

الصالحة.
والخطاب أهم وسيلة لتحريك العقل الجمعي وتوجيهه الوجهة الصالحة، وبه يتم اللقاء بأكبر عدد من الناس.
ويمكن عن طريقه ممارسة بقية الوسائل الاصلاحية الأخرى، فهو شامل لها جميعا ومتنوعا بتنوعها.
ثانيا: القصص:
القصص بطبيعتها تشد المستمع إليها وتجعله متعلقا بسمعه ووجدانه بفصولها، متتبعا لأحداثها وتسلسلها المنتظم، وتجعله دائم التأمل في مفاهيمها ومعانيها، والتأثر بأبطالها وشخصياتها، وتبقى عالقة في ذهنه ووجدانه، لسهولة حفظها ونقلها.
وقد حفلت الآيات القرآنية بأحسن القصص منذ النشأة الأولى للبشرية، وتطرقت إلى قصص الأنبياء والصالحين وخصومهم وأعدائهم، وإلى مواقفهم وممارساتهم العملية، وما قدموه للبشرية من أعمال في طريق هدايتها.
وللقصة دور كبير في تحريك العقول للتفكر، والوصول إلى الحقيقة وتجسيدها في الواقع، قال تعالى: ﴿… فاقصص القصص لعلهم يتفكرون﴾ (1).
ولكل نبي ورسول قصصا في مسيرته إلى الله تعالى، لها دور في ارشاد الناس واصلاحهم، لما فيها من مفاهيم وقيم متنوعة في جميع مجالات
١) سورة الأعراف: ٧ / 176.
(٥٢)

الحياة الفردية والاجتماعية، وفي جميع مجالات النفس الانسانية في أفكارها وعواطفها وارادتها.
ولو تابعنا قصة يوسف عليه السلام – مثلا – لوجدناها حياة واقعية كاملة، ابتداء بحسد إخوانه له، لتفضيل أبيه له عليهم، وتحول الحسد إلى حقد ثم تآمر على يوسف، ثم الكذب على أبيهم، وإلقائه في البئر. فيتوجه يوسف – وهو في هذه الحال – بكل كيانه إلى الله تعالى، فينقذه مما هو فيه، ويعيش الغربة والفراق صابرا، ثم تتسلسل القصة وتصل إلى رفض الانسياق للشهوة، والاعتصام من الانحراف، وتحمل السجن ، وفي داخل السجن يبقى متعلقا بالله تعالى طالبا منه العون، ثم تنفتح له الحياة فيصبح في مقام حكومي عال، ويعفو عن إخوانه ويجمع الله تعالى شمله مع والديه.
وهنالك قصص من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام في الاخلاص لله تعالى، والصبر على المصائب، والعمل من أجل المصلحة الاسلامية الكبرى ، وحسن الخلق مع الموالين والمخالفين، وهي بنفسها أمر بمعروف ونهي عن منكر.
ثالثا: الأمثال:
استخدم القرآن الكريم ضرب الأمثال كوسيلة من وسائل الدعوة إلى الهداية وإلى الاستقامة، والحث على الالتزام بأوامر الله ونواهيه، قال تعالى: (… ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) (1).
فقد مثل القرآن الكريم الذين اتخذوا من دون الله أولياء في عقيدتهم
1) سورة إبراهيم: 14 / 25.
(٥٣)

ومنهجهم في الحياة ﴿كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون﴾ (١).
وضرب الله تعالى مثلا للموحدين لله تعالى ولغير الموحدين التائهين في التوجيهات المتناقضة ﴿ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون﴾ (٢).
وضرب الله مثلا في عبد أتاه الله الآيات فانسلخ منها واستسلم للشيطان: ﴿ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا…﴾ (٣).
ومثل القرآن الكريم العلماء الذين لم يجسدوا علومهم في سلوكهم العملي بالحمار يحمل أسفارا: ﴿مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا…﴾ (4).
والقرآن الكريم ملئ بالأمثال، وكذا السيرة النبوية وسيرة أهل البيت عليهم السلام.
وضرب الأمثال يقرب المعنى إلى الأذهان ويجعله متفاعلا في الضمير والوجدان البشري، وهو سهل الحفظ والنقل، وله تأثير محسوس على جميع مقومات الشخصية، لذا استخدم كوسيلة من وسائل الامر
١) سورة العنكبوت: ٢٩ / ٤١.
٢) سورة الزمر: ٣٩ / ٢٩.
٣) سورة الأعراف: ٧ / ١٧٦.
٤) سورة الجمعة: ٦٢ / 5.
(٥٤)

بالمعروف والنهي عن المنكر.
رابعا: العبرة والموعظة:
المنهج الاسلامي يتخذ من العبرة والموعظة مادة تنبيه وتوجيه وتنوير للعقل والقلب ، تستلخص منها المفاهيم والقيم الكامنة وراء المواقف والحوادث التاريخية المتسلسلة ، فهو يستحضرها ليعمقها في أغوار النفس الانسانية.
وبالعبرة والموعظة يعي الانسان مداولة الأيام، وتعاقب الشدة والرخاء، وأسباب التقدم والتأخر للمجتمعات والحضارات وهي تربية للنفوس واعداد لها لشق طريقها متوجهة إلى الله تعالى.
وبالعبرة والموعظة يرتدع الانسان عن الانحراف والرذيلة وانتهاك المقدسات، وينطلق لاصلاح نفسه ومجتمعه، حينما يرى مسيرة الأمم السابقة، فقد أغرق الله تعالى قوم نوح ونجى المؤمنين، وعذب قوم لوط وأهلكهم، وأهلك ملوكا واستخلف آخرين.
ومن مظاهر الموعظة التذكير بالموت والهلاك، والتذكير بما يصيب الأمم المتمردة على المنهج الإلهي من قلق واضطراب عقلي ونفسي ومن نقص في الثمرات والأنفس.
والقرآن الكريم والسنة النبوية وامتدادها في أهل البيت عليهم السلام مليئة بالعبر والمواعظ، وقد ورد في نهج البلاغة كثير منها فكان عليه السلام يدعو للاعتبار بالأنبياء والصالحين، وبالأقوام السالفة، ويحذر المسلمين مما أصاب الأقوام المتمردة على طول التاريخ.
(٥٥)

شاهد أيضاً

آية الله الأعرافي: الشهيد السيد حسن نصر الله مدرسة فكرية وثورية ذات تأثير استراتيجي

خلال حفل إطلاق ملصق الدورة الجديدة من مؤتمر”أمناء الرسل”.. وكالة الحوزة – أكّد آية الله ...