تعتبر أم البنين من المتقدمات في كل شيء ، فهي من الرائدات الرساليات في المواقف ، صاحبة عقيدة ومبدأ ثابت مع الله ورسوله وال بيته الكرام ، إصرارها على الحق لا يلين ولا يتغير بالظروف والمواقف الصعبة ،
هذه المرأة ظلمت مرتين .. الأولى بما جرى عليها وأبناءها في حياتها وتحملت المصائب ، واكبر مصائبها فقدان حبيب قلبها الحسين {ع} وأبناءها الأربعة .. ثم المضايقات التي تحملتها من مروان وحزب الاموين والمنتفعين منهم حيث منعت من البكاء على أبناءها ،
مما اضطرت للخروج إلى بقيع الغرقد تعمل قبوراً رمزية لابناءها الأربعة ، وهذا لم يعفيها من المراقبة والملاحقة من الظالمين ، حيث كان مروان بن الحكم يراقبها بنفسه محاولة منه أبعاد النساء في المدينة المنورة من الوصول إلى البقيع ومشاركة أم البنين حزنها وبكاءها على الحسين {ع} ويأتي الدجالون ممن كتب عن هذه الحالة يقولون إن مروان كان يشاركها الحزن حتى انه كان يبكي لبكائها .. في وقت هو يراقب الأجواء الحسينية في المدينة بنفسه ، فتحول الجلاد إلى مشارك لام البنين في الحزن بهذه الكذبة التي صدقها البعض ، هذا غيض من فيض لكذب التاريخ …
رغم عظمة شخصيتها لم يؤرخ احد وفاتها لأسباب عديدة لمؤاخذات تحسب عليها …. منها إنها زوجة الإمام علي بن أبي طالب {ع} وموقفها منه ومن حقه وأولاده معروف للتاريخ ، هذه بحد ذاتها جريمة في نظر الطغاة عبر التاريخ ، . لذا اعتبروها في خانة المعارضة السياسية للدولة ، والثانية موقفها من السلطة الأموية بسبب مشاركتها الفعلية بابناءها الأربعة دون أن تبدي أسفا على تلك المشاركة، ثم إن موقفها امتد بعد كربلاء من خلال إقامة المأتم الحسينية ، وهذه لا بد أن نذكرها للتاريخ ….
فهي من اللواتي أسسن المجالس الحسينية في تاريخ التشيع حين كانت المجالس على مستوى عائلة الهاشميين ، مع مجلس العقيلة زينب ورباب زوجة الحسين {ع}.. أما مجالس الرجال كانت لمحمد بن الحنفية وابن عباس وعبد الله بن جعفر ، وحين قامت السلطة بإغلاق المجالس الحسينية الرجالية أولا ، بعدها عمدت بإغلاق مجالس النساء ،أغلق مجلس رباب بعد سنة من إقامته ،
ثم أم البنين التي رفضت الانصياع للأوامر وتوجهت صوب بقيع الغرقد تقوم بدور التبليغ الحسيني وتبين ظلم السلطة الأموية ، والتي ذكرنا مراقبتها من مروان وحكومته ، ثم مجلس زينب العقيلة {ع} التي رفضت رفضا باتا الانصياع لأوامر مروان مما حدا بهم لأبعادها إلى الشام حيث قبرها الشريف الآن .. هذه المواقف كافية أن تجعل أم البنين في دائرة المراقبة والإقصاء… لذلك لم يكتب احد عن تاريخ وفاتها ،ووفاءَ لهذه المرأة العظيمة اتفق خدام المنبر الحسيني في النصف الأول من القرن العشرين أن تكون ذكرى وفاة أم البنين بعد شهر واحد من رواية لوفاة الزهراء {ع} فما بين الثالث عشر من جمادي الأول إلى الثالث عشر من جمادي الثاني تتحقق المناسبتين …و في كتب عديدة لم يوجد تاريخا صحيحا لوفاتها ، هذا ليس إلا مظهر من مظاهر الحرب التي شنت على أهل البيت{ع}عامة وعلى أم البنين {ع} خاصة ….
رغم ذلك خُلدت أم البنين في قلوب الناس ، لان الله رفع شانها وخلد ذكرها مع ذكرى أبي عبد الله {ع} وكل الذين بذلوا مهجهم في سبيل الله وفي سبيل الحسين {ع} خلدهم التاريخ وتلقف الأشراف ذكراهم العطرة ، وان الله جعلها بابا من أبواب رحمته وجعلها بفضل محبة الحسين مقصد الزوار بأرواحهم وقلوبهم وبابا لقضاء حوائج المؤمنين ..
.. أليس رفع الله محمداً {ص} بسبب مواقفه المبدئية فقال تعالى{ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} فكل من يوحد الله ويتفانى ويجاهد لا بد أن يرفعه الله .. وهذه تجربة حسية في واقعنا الإسلامي ، كذلك أم البنين من يذكر فاطمة الزهراء {ع} ومصيبتها وتضحياتها بأولادها الحسن والحسين عليهما السلام لا بد أن يمر على اسم أم البنين .. وحين نقول شرف آم البنين لأنها تذكر على منابر من تشرف ساق العرش باسماءهم ، فهي تزاحم كرام آل بيت الوحي في منبر أبي عبد الله {ع} .. وأعظم شرف لام البنين المرأة المضحية ما ذكره الإمام الصادق {ع} ” يقول: إن فاطمة الزهراء حبيبة الله وحبيبة رسوله {ص} تخرج كفي أبي الفضل العباس يوم القيامة{{ في أول قضية جرميه تتقدم بها الزهراء بين يدي الله }} وتقول الهي احكم بيني وبين من قطع هذين الكفين “.
.!
أي إن كفي أبي الفضل أول الأدلة الجرمية التي تحملها الزهراء{ع} في موقف العرض بين يدي الله ، وهي مقدمة لإدانة واسعة لزمر الانحراف والنكوص عن الإمام الحق وعن شريعة سيد المرسلين .. ويقول الصادق{ع} بنفس الموضوع :” هذا جزء من فضل تقدمه الزهراء لام البنين لوفائها وحبها لأبناء الزهراء …
كتب القران تاريخ نساء عظيمات شرفت الإنسانية ورسمت صورة عقيدة الناس ، قول الله تعالى عن النساء العظيمات في التاريخ القرآني .. ذكر حواء ومواقفها مع ادم {ع} وتفاصيل دقيقة عن تاريخها ….وأم موسى {ع} التي تملكها الخوف على وليدها وقصتها مشهورة في آيات عديدة ، وآسية بنت مزاحم التي اختارت بيتا من قصب” ذهب” في الجنة بدلا من جنة فرعون الجهنمية ….وماشطة بنت فرعون وزوجة نبي الله أيوب ومريم بنت عمران عليهم السلام جميعا ،، هذه النسوة وقفن موقفا غير تاريخ البشرية ، وكانت لهن صولات ضد الباطن وانتصارا للحق ..
في العصر الحديث تم تأليف كتب كثيرة لنساء لهن دور سياسي وفني أو اجتماعي ،دونت حياتهن السياسية مثل انديرا غاندي الزعيمة الهندية ،وبنضير بوتو الباكستانية .. ورئيسة وزراء بريطانيا تاتشر .. وكتبوا عن كيلوباترا وزنوبيا وغيرهن من الممثلات والرياضيات والجميلات ….
أما المسلمات في زمن النبي {ص} فقد كتب التاريخ عن كثير منهن مثل زوجات النبي {ص} وجملوا صورهن ومواقفهن التاريخية بكل ما استطاعوا .. ولكن لم نجد من كتب عن مولاتنا أم البنين التي تعتبر سيدة من سيدات العرب والعجم ، وأم لشهداء كتبوا أروع ملحمة في تاريخ الإنسانية ، وموقف يتشرف به التاريخ وينحني له إجلالا..
وبدلا من أن يكتبوا عن امرأة تقدمت الصفوف بجهادها اخفوا قبرها وتاريخ وفاتها .. أما صفحة العطاء التاريخية في سفر الشهادة الحسينية ، فقد جاء الكتاب بواحدة من النساء رمموا تاريخا لها لتكون قرينة لام البنين ضنا منهم إن ذلك ينطلي على التاريخ وعلى المحققين … وهي تماضر بنت عمر ” الخنساء ” التي دخلت التاريخ بكذبة كبيرة لم ينجح الواهمون أن يجعلوا الخنساء قرينة لفاطمة بنت حزام الكلابية لان البائن بين الحقيقة والصدق , وبين التزوير والكذب لا يمكن أن يمررها الأقزام بحق هذه السيدة الجليلة …
حقيقة الخنساء وأبناءها :الخنساء تماضر بنت عمرو السلمية، ، لقبت بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه. اشتهرت بشعر الرثاء لإخوتها معاوية وصخر، وذكر لها شعرا رثائيا تنعى أخويها فقط ولم تنعى ولدا شهيدا في القادسية … ولكن قالوا عنها مجاهدة قدمت أبنائها الأربعة ، أعطوها من الصفات التي تجعلها في مصاف الشهيرات ..
أشتهر عنها أن لها أربعة أولاد في معركة القادسية زمن عمر بن الخطاب .. وعلى أساس إنهم قتلوا في ساحة الحرب آنذاك ،يقال أنها خاطبتهم بقولها ” يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ، ولا فضحت خالكم ، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم ، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله عز وجل:( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) .. هذا نص الخبر التاريخي المزور….
فهل للخنساء حقا أربعة أبناء سقطوا في الحرب ؟؟؟؟….كتب الشاعر والكاتب المصري فاروق شوشة مقالا في مجلة العربي في عددها (520) مارس 2002 باسم ” بكائيات الخنساء ” وأصبح محل جدل واسع من قبل القراء والمعلقين حول أسباب عدم رثاء الخنساء أو بكاءها على هؤلاء الأبناء كما فعلت في رثاء أخويها …. ولكن جاء وفي أحد التعليقات بعنوان “لم يكن للخنساء أربعة أبناء.. ليستشهدوا ” شكك كاتبه بصحة هذه الرواية وقيمتها التاريخية للأسباب التالية :
1- تزوجت الخنساء في الجاهلية من اثنين:.. الأول هو رواحه بن عبدا لعزى, الذي أنجبت منه عبد الله الملقب بأبي شجرة, والذي اشتهر بشراسته وعنفه وارتداده عن الإسلام, بعد وفاة الرسول {ص} , ثم اشتراكه في القتال إلى جانب المرتدين, ضد المسلمين بقيادة خالد بن الوليد. هذا الابن {{عاش إلى ما بعد القادسية بكثير وذكرت الروايات أنه عاش حتى وفاة عمر}} , أي حتى سنة 23 للهجرة وما بعدها لأنه (ما استطاع أن يقرب من المدينة حتى توفي عمر, وكان يقول: ما رأيت أحدًا أهيب من عمر). وهذا الكلام يعني بوضوح أن واحدًا من أبناء الخنساء لم يسقط شهيدًا في القادسية,ولم يشارك بها لانه كافر ، وبقي حيًا إلى ما بعد القادسية بكثير.
2- الزوج الثاني هو: مرداس بن عامر السُّلمي, وقد أنجبت الخنساء منه ثلاثة أبناء ذكور وأنثى واحدة. أحد هؤلاء الثلاثة كان شاعرا مشهورا وهو العباس بن مرداس السُلمي, وله مواقف معروفة جدًا بعد إسلامه, حيث اعترض على قسمة غنائم (حُنين), أمام الرسول {ص} , فطلب الرسول {ص} من أصحابه أن يعطوه حتى يرضى فأعطوه زيادة حتى رضي. هذا لم يشارك في حرب القادسية ولو كان شارك فيها أو استشهد لذكره الرواة والمؤرخون بسبب شهرته لكونه شاعر ولكونه صحابي على الأقل ..!! , خاصة أنهم ذكروا كل من شارك, في القادسية من الشعراء الأقل شهرة بكثير من عباس بن مرداس, وهذا يعني أن اثنين مشهورين عباس وعبد الله لم يذكر لهما أي دور في القادسية ,ولا ندري عن اشتراكهما في تلك المعركة الكبيرة أي شيء. أما الاثنان الباقيان فلم يكن لهما أي شهرة تميزهما فلم يذكرهما التاريخ بشيء. فالخنساء لم يكن لها أربعة أبناء من رجل واحد, كما مر معنا, فمن أين حصل الالتباس أو الخطأ?
وكتب طه عمرين :…
حصل على ما يبدو خطأ في قصة امرأة اسمها الخنساء , غير شاعرتنا السلمية. هذه الخنساء الأخرى نَخَعية, أي ليس لها أدنى صلة بقبيلة الخنساء الصحابية الشاعرة. وبعد أن قرأ قصة الخنساء المجهولة تصرف في نهايتها { تصرف أي كتب كذبا من عنده } , ومن هنا حصل الالتباس الذي انتشر بين الناس على أنه حقيقة ثابتة. لذلك أستغرب كل من سمع القصة كيف أن الخنساء الشاعرة لم ترث أو تبكي أولادها. وحتى لا يظنن أحد أنني أفتعل الأحداث, أو أسوقها لتتلاءم مع المقال فإنني سأذكر قصة المرأة النخعية التي أوردها أبو المؤرخين العرب (الطبري) في تاريخه المعروف, إذ جاء فيه:
(كانت امرأة من النخع, لها بنون أربعة, شهدوا القادسية فقالت لبنيها: إنكم أسلمتم فلم تبدلوا, ثم جئتم بأمكم, عجوز كبيرة, فوضعتموها بين يدي أهل فارس. والله إنكم لبنو رجل واحد, كما أنكم بنو امرأة واحدة. ما خنت أباكم, ولا فضحت خالكم. انطلقوا فاشهدوا أول القتال وآخره). ….فأقبلوا يشتدون, فلما غابوا عنها, رفعت يديها إلى السماء, وهي تقول: (اللّهم ادفع عن بنيّ. فرجعوا إليها) …. وقد أحسنوا القتال, ما كُلم منهم رجل كَلمًا. أي لم يجرح احد منهم ، فرأيتهم بعد ذلك يأخذون ألفين ألفين من العطاء ثم يأتون أمهم فيلقونه في حجرها, فترده عليهم, وتقسمه فيهم على ما يصلحهم ويرضيهم … انتهى الخبر كما جاء في تاريخ الطبري حرفيًا. وهنا أسأل:
ألا تلاحظون كيف أن الطبري, اهتم بالحديث عن امرأة نخعية ربما يكون اسمها الخنساء أو لا يكون – وهي ليست شاعرة ولا صحابية ، ذكر قصتها مع أولادها الأربعة الذين لم يصب أي منهم بأي جرح, بل ظلوا أحياء يأخذون العطاء من الخليفة عمر كباقي المشاركين في القادسية.
ولكن في نفس الطبري غايات معروفة أن يأتي بديل لامرأة طرزت تاريخ الإسلام باشرف وسام .. واهدت للإنسانية شخصية مثل أبي الفضل العباس {ع} صاحب المواقف التي ينحني لها التاريخ … فسلام على أم البنين يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث يوم القيامة