الرئيسية / الاسلام والحياة / بداية الطريق شذرات من عبق الإمام الخامنئي دام ظله

بداية الطريق شذرات من عبق الإمام الخامنئي دام ظله

روي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُول:” جُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي بَيْتٍ وَ جُعِلَ مِفْتَاحُهُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: لَا يَجِدُ الرَّجُلُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ حَتَّى لَا يُبَالِيَ مِنْ أَكْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: حَرَامٌ عَلَى قُلُوبِكُمْ أَنْ تَعْرِفَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى تَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا”.1
________________________________________

1- الكافي، الكليني، ج2، ص 128، باب ذم الدنيا والزهد فيها، ح2.

بين الريّ والشهادة:
قالوا له (لعمر بن سعد) نعطيك ولاية الريّ. وكانت الريّ آنذاك ولاية شاسعة وغنيّة. ولم يكن منصب الإمارة – في ذلك الوقت – كمنصب المحافظ في وقتنا الحاضر، فالمحافظون اليوم موظّفون حكوميّون، يتقاضون مرتّبات، ويبذلون جهودًا شاقّة. ولكنّ الأمر لم يكن حينذاك على هذا النّحو، فالشّخص الذي يُنَصَّب والياً، يكون مُطلَق اليد في التصرّف بجميع الثروات الموجودة في المدينة، يتصرّف فيها كيفما شاء بعد أن يُرسل مقدارًا منها إلى عاصمة الخلافة، ولهذا كان لمنصب الوالي أهميّة عظمى.

وشَرَطُوا على عمر بن سعد لذلك، الذهاب لقتال الإمام الحسين عليه السلام. وهنا لا يتردّد الإنسان النبيل وصاحب القيم لحظة واحدة في رفض مثل هذا العرض، فكأنّهم يقولون له: مُت وخُذ الريّ. إذاً فما قيمة الريّ؟! لو أعطيتُ الدنيا كلّها على أن أَعبِس بوجه الإمام الحسين عليه السلام, لا أفعل، ولا أكفهرّ بوجهه، فما بالك بالنهوض لمحاربة عزيز الزّهراء عليها السلام، وقتله هو وأطفاله؟ هكذا يقف الإنسان الذي يحمل قيماً. ولكن حينما يكون المجتمع خاوياً ومجرّداً من القيم، وحينما تضعف هذه

المبادئ الأساسية بين أفراد المجتمع، حينذاك ترتعد الفرائص. وأكثر ما يستطيع المرء عمله في مثل هذا الموقف هو أن يستمهلهم ليلة واحدة للتّفكير في الأمر الذي لو فكّر فيه سنة كاملة لوصل إلى النتيجة نفسها، ولاتّخذ القرار نفسه، فلا قيمة لمثل هذا النّمط من التفكير. إلاّ أنّ الرّجل فكّر في الأمر ليلة، وأعلن في اليوم التّالي عن موافقته على ذلك العرض. ولكنّ الله تعالى لم يمكّنه من بلوغ تلك الغاية، وكانت نتيجة ذلك – أيّها الأعزّاء – أن وَقَعَت فاجعة كربلاء11.

الخوارج, زهّاد بلا بصيرة:
إن أهمل الإنسان في عبادته الحضور القلبيّ وروح العبادة – وهي نفس العبوديّة والأُنس بالله والتّسليم له – فسيكون عُرضةً لأخطارٍ مختلفة، أحدها هو التحجّر.

بعض الخوارج، الذين سمعتم أسماءَهم كثيراً، كانوا في حالةٍ من العبادة، يُصلّون ويتلون آيات القرآن بخشوع، إلى درجة أنّ بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وقعوا تحت تأثيرهم.

ففي أيّام حرب الجمل نفسها، كان أحد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام مارّاً، فشاهد أحدهم يتهجَّد في منتصف اللّيل، ويتلو بصوت شجّي حزين قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ
________________________________________
11- خطبة صلاة الجمعة – طهران، 08/05/1998.

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾12، فجاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام متحيّراً, منقلب المزاج. لذلك نرى أنّه حتى الأشخاص الأذكياء والعقلاء والمطّلعين – وكان أغلب أصحاب أمير المؤمنين المقرّبين كذلك – أيضاً يُخطئون، ومن هنا ندرك أنّ أمير المؤمنين لم يَقُل عبثاً: “أنا فقأتُ عين الفتنة، ولم يكن ليجرأ عليها أحدٌ غيري بعد أن ماج غيهبها”13، في خطبته المعروفة. والحقّ أنّ هذا الأمر يتطلّب سيفَ عليّ، وبصيرته، وثقته بنفسه، لأنّه حتّى الخواصّ أحياناً يتزلزلون.

وعلى ما ذُكر، فقد قال أمير المؤمنين لصاحبه: “سأنبئك فيما بعد”14. عندما انتهت حرب الخوارج، وبقي منهم أقلّ من عشرة أشخاص وقُتل الباقون، أراد أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه الاعتبار والاتّعاظ،

________________________________________
12- الزمر، 9.
13-نهج البلاغة،ج1، ص182. غيهبها: ظلمتها الشديدة.
14- المقصود في الرّواية هو كُميل بن زياد, وقد جاءت الرواية في بحار الأنوار,ج33، ص399، بطريقة أخرى مع بعض الاختلاف، وهذا نصّها: “خرج أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة من مسجد الكوفة متوجّهاً إلى داره، وقد مضى ربعٌ من اللّيل ومعه كُميل بن زياد، وكان من خيار شيعته ومحبّيه، فوصل في الطّريق إلى باب رجلٍ يتلو القرآن في ذلك الوقت، ويقرأ قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ بصوتٍ شجيٍّ حزين، فاستحسن كُميل ذلك في باطنه، وأعجبه حال الرّجل من غير أن يقول شيئاً، فالتفت صلى الله عليه وآله وسلم إليه، وقال: يا كُميل، لا تعجبك طنطنة الرّجل، إنّه من أهل النّار، وسأنبئك فيما بعد! فتحيّر كُميل لمكاشفته له على ما في باطنه، ولشهادته بدخول النّار، مع كونه في هذا الأمر، وتلك الحالة الحسنة. ومضى مدّة متطاولة إلى أن آل حال الخوارج إلى ما آل، وقاتلهم أمير المؤمنين عليه السلام ، وكانوا يحفظون القرآن كما أُنزل، فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام إلى كُميل بن زياد، وهو واقفٌ بين يديه، والسّيف في يده يقطر دماً، ورؤوس أولئك الكفرة الفجرة مرمية على الأرض، فوضع رأس السّيف على رأسٍ من تلك الرؤوس، وقال: يا كُميل، ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾، أي هو ذلك الشّخص الذي كان يقرأ القرآن في تلك اللّيلة فأعجبك حاله، فقبّل كميل قدميه، واستغفر الله”. (المترجم)

فمشى بين القتلى، وهناك في تلك المواقع خاطب بعضهم، إلى أن وصل إلى أحد القتلى، فأشار لهم ليقلبوه، وكان ملقىً على وجهه، فقلبوه، ومن المحتمل أنّه قال لهم أجلسوه، عندها سأل صاحب: هل تعرفه؟ فلم يعرفه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام إنّه مَن كان يُرتِّل القرآن، وأَسَر قلبك.

إذاً، ما هذه التّلاوة؟! وما نوع هذه العبادة؟! إنّه ابتعاد عن روح العبادة.
إن أدرك الإنسان روح العبادة والصّلاة والقرآن، وفهم أنّ وجود وحقيقة الإسلام ولبّه – الذي تجسّد في عليّ بن أبي طالب عليه السلام – قد استقر في طرفٍ ما، يُبعِد عن نفسه كلّ الشّبهات ويلتحق به. هذا الابتعاد عن القرآن والابتعاد عن الدّين يؤدّيان بالفرد إلى التشخيص الخاطئ لهذا الموضوع، وبالتّالي إلى إشهار سيفه بوجه عليّ عليه السلام.

إذاً، فأحد أبعاد القضيّة هو هذا التّحجّر، وعدم التّفكّر، والأخطاء الجسيمة التي شاهدناها طوال فترة حكم بني أميّة وبني العبّاس.

بعض الأشخاص كانوا مقدّسين ومتديِّنين ومن أهل العبادة والزُّهد، وذُكروا في كتب التّاريخ بأنّهم من العُبّاد والزهّاد، وذوي عقل ورزانة، إلا أنّهم كانوا مشتبهين, وخطؤهم كان بمستوى عدم تمييز جبهة الحقّ من جبهة الباطل. وأعظم الأخطاء هو أن يشتبه الإنسان بين جبهة الحقّ والباطل، فلا يستطيع التمييز بينهما. الأخطاء الصّغيرة قابلة للعفو، أمّا خطأ الخلط بين جبهتي الحقّ والباطل، وعدم معرفة جبهة الحقّ فهو غير قابل للعفو.

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...