واليوم في اليمن كما في فلسطين، يقصف الشعب اليمني دون تمييز بينه بحسب الدين او الانتماء او الفكر او التأييد السياسي، يقصف بأبشع الطرق، حيث ترمى الاسلحة التي إن لم تكن محرمة دوليا فهي اسلحة غريبة او قد تكون جديدة، حتى بات الاعتقاد ان العدوان الاميركي السعودي ربما يستخدم اليمن وشعبه كحقل لتجربة أنواع جديدة من الاسلحة الفتاكة وقياس القدرة التدميرية لها او فعاليتها في القضاء على اكبر عدد ممكن من البشر بأسرع الطرق وأشنعها.
فمشاهد القصف الهمجي انتشرت دون ان يرفّ جفن أي من اصحاب القرار في هذا العالم او حتى الرأي العام العربي او الاسلامي او الدولي، ورغم سلمية الشعب اليمني الذي لم يرد حتى الآن، يستمر العدوان السعودي الخليجي المدعوم اميركيا وغربيا، وقد سجلت منظمات حقوق الانسان والامم المتحدة والمستشفيات الكثير من الاحصائيات حول ذلك، كما طالبت العديد من المنظمات الحقوقية والانسانية اليمنية بإجراء تحقيقات دولية “محايدة” لكشف حقيقة محتويات صواريخ الدمار والموت التي ضُربت بها مناطق يمنية عديدة وفي مقدمتها العاصمة صنعاء، وحيث تسببت في قتل وإصابة عشرات المدنيين جراء الغازات السامة المنبعثة من الصواريخ التي سقطت على تلك المناطق.
وفي سياق متصل، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في بيان لها خلال شهر نيسان/ ابريل الماضي: إنه “توجد أدلة ذات مصداقية على أن التحالف الذي تقوده السعودية استخدم ذخائر عنقودية محظورة من صنع الولايات المتحدة في غاراته على اليمن”، واشارت الى ان هذه القنابل تعرض حياة الناس للخطر، واكدت هيومن رايتس ووتش ان السعودية والولايات المتحدة تضربان عرض الحائط بالمعيار الدولي الذي يحظر استخدام الذخائر العنقودية.
فهل هناك في هذا العالم من يسأل عن كل ذلك؟ وماذا لو رد فعلا اليمن وضرب العمق السعودي؟ هل سنرى العالم كله يهرول لوقف العدوان في تكرار لصورة وقف الاعتداءات الاسرائيلية بعد اي رد مدوٍ للمقاومة في فلسطين او لبنان؟ فالعالم هذا لا يفهم الا لغة القوة وهو لا يهتم إلا لحياة الاسرائيليين ولعله يهتم ايضا لحياة السعوديين اذا ما رد اليمن وشعبه؟
لن نتحدث عن الجرائم التي ترتكب في اليمن، من جرائم حرب او جرائم ضد الانسانية او جرائم العدوان على سيادة اليمن او حتى جرائم الابادة، انما فقط ليتحرك احد اتجاه الاطفال الذين يقتلون بأسلحة جديدة؟ وللمقارنة فقط نسأل ماذا لو استخدمت هذه الأسلحة لقتل بعض الحيوانات، هل كان سيتحرك الرأي العام في الغرب في اوروبا واميركا رأفةً بالحيوان؟ ولماذا الرأي العام الدولي قلبه يرق اتجاه “القطط او الكلاب” وحتى اتجاه تلك الحيوانات المتوحشة في الغابات والبراري، بينما لا ترق تلك القلوب على ابرياء يقتلون في اليمن اليوم، كما في السابق في فلسطين ولبنان؟.
وعن طبيعة الاسلحة التي استخدمها العدوان الاميركي السعودي اتجاه الشعب اليمني “السعيد” بصموده وعن أعداد الشهداء والجرحى من اليمنيين الذين سقطوا بنيران العدوان وعن الجرائم التي ارتكبها العدوان بحق الشعب اليمني وعن انواع الاسلحة التي استخدمت، قال الدكتور في القانون الدولي علي فضل الله: إن “الحديث عن استخدام الاسلحة المحرمة دوليا يدفعنا للغوص في مسألة التثبت فعلا من استخدم هذه الاسلحة؟ وهل تمَّ ذلك فعلا على أرض الواقع لتحديد أنواع الجرائم التي ارتكبت ومن ثم تحديد المسوؤليات”، ولفت الى انه “في هذا الاطار يمكن الاعتماد على ما تقوله المنظمات الحقوقية المحلية والدولية ذات المصداقية ومن ثم العمل على تشكيل لجان تحقيق للتأكد وتوثيق وتثبيت استخدام الاسلحة المحرمة دوليا”.
ودعا فضل الله في حديث لموقع “قناة المنار” الشعب اليمني “لعدم الاكتفاء فقط بما تنشره وسائل الاعلام المحلية او العالمية من صور أو مشاهد لعمليات القصف العشوائي”، وأوضح ان “مثل هذه الصور قد لا تساعد بشكل دقيق لاثبات نوع الاسلحة المستخدمة ما قد يجعل الدول التي تعتدي على اليمن تتنصل من المسؤولية”، واكد ان “على المنظمات الدولية والحقوقية والانسانية لا سيما اليمنية منها العمل في هذه المرحلة لتوثيق الجرائم التي ارتكبت على اختلافها بما فيها استخدام الاسلحة المحرمة دوليا سواء الاسلحة العنقودية ام غيرها”.
واعتبر فضل الله، “اليوم أهم شيء التوثيق لكل الجرائم التي تحصل سواء من صور او مشاهد او تصريحات تتضمن تحريض وشهادات اشخاص”، ورأى ان “هذه الوثائق تشكل المستندات والادلة التي بها تؤسس اية دعوى في المستقبل ضد اي قضاء سواء دولي او محلي”، ولفت الى انه “بكل الاحوال هذه الوثائق تستخدم لتحريك الرأي العام فيما لو لم يتحرك القضاء ولتسليط الضوء ضد اشخاص معينيين كانوا اصحاب قرار في اتخاذ القرار للعدوان على اليمن كالملك السعودي او ولي العهد او ولي ولي العهد”.
وحول انواع الجرائم التي ارتكبت خلال العدوان السعودي الاميركي على اليمن، قال فضل الله: “في البداية هناك جريمة العدوان باعتبار انه تم الاعتداء على سيادة اليمن بالاضافة الى وجود جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب”، واضاف انه “عند الحديث عن القصف الممنهج ضد فئات معينة من الشعب اليمني أو ضد كل هذا الشعب هنا يمكن الحديث عن جرائم ابادة وذلك بموجب الاتفاقيات الدولية والمعاهدات التي ترعى وتتحدث عن هذه الجرائم لا سيما نظام روما 1988”.
وبالنسبة لطرق ملاحقة المسؤولين عن العدوان السعودي الاميركي، لفت الدكتور فضل الله الى ان “أبرز طريق لملاحقة المسؤولين عن الجرائم التي ترتكب في اليمن هي المحكمة الجنائية الدولية”، واشار الى ان “هذه المحكمة تتحرك لملاحقة الجناة بطرق ثلاث، هي: إما اقامة دعوى من قبل دولة ذات مصلحة، اما المدعي العام للمحكمة يتحرك من تلقاء نفسه، واما من خلال تحريك مجلس الامن مباشرة لهذه الدعوى”.
واوضح فضل الله، انه “في الظروف الحالية لا يتوقع ان يتحرك مجلس الامن لاعتبارات سياسية معروفة”، واضاف “لذلك هناك تعويل على تحريك الدعوى ضد السعودية والدول المعتدية من خلال اقامة الدولة من قبل الدولة اليمنية نفسها عبر الحكومة اليمنية او اية دولة ذات مصلحة تثبت انها تضررت من جراء هذا العدوان على اليمن”، ورأى ان “الاحتمال الابرز لملاحقة المسؤولين عن العدوان على اليمن يبقى عبر تحرك مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية”.
وحول وجود طرق اخرى لملاحقة المسؤولين عن الجرائم في اليمن، قال فضل الله: “يمكن البحث عن محاكم لدول تعطي لنفسها الاختصاص الدولي او الاقليمي مثل محاكم بلجيكا حيث تعطي لاي كان تضرر ان يقيم دعوى ضد هذه الدولة”.
يذكر ان العديد من المنظمات الحقوقية واللجان اليمنية قد رصدت ووثقت الكثير من جرائم العداون السعودي الاميركي ونتائج هذه الجرائم سواء منها على الصعيد البشري او المادي، ومن هذه التقارير ما اعده “الائتلاف المدني لرصد جرائم العدوان”، وما وثّقه “المركز القانوني للحقوق والتنمية” في اليمن حول الضربات الجوية واسلوبها ومدى قوتها ومشاهد الانفجارات التي احدثتها، بالاضافة الى تقرير خاص عن مئات الضحايا من المدنيين وتدمير وحدات سكنية الذين سقطوا في العدوان على منطقة فج عطان في 20 نيسان/ابريل الماضي وما سببه ذلك من اضرار كبيرة في المباني الحكومية والشركات تجارية وما تخلله من استخدام أسلحة محرمة دولياً من قبل السعودية وحلفائها.
رغم كل شيء تبقى الجرائم التي ترتكب في اليمن من قبل العدوان السعودي الاميركي تتكلم عن نفسها وعن مرتكبيها وشدة اجرامهم وعدوانيتهم، ولكن الملاحقة القانونية امام القضاء او الملاحقة السياسية والاعلامية امام الرأي العام تبقى غاية في الاهمية كي لا تضيع حقيقة من القاتل ومن المجرم مع مضي الوقت، فالجرائم التي تنتهك كل الاعراف الدينية والاخلاقية والقانونية لا تتقاضم بمرور الوقت وتبقى وصمة عار على كل من شارك فيها قولا او فعلا بشكل مباشر او غير مباشر.