بعد إسقاط طائرة السوخوي الروسية من قبل المقاتلات التركية قبل عدّة أيام قررت موسكو نشر منظومة صواريخ “إس٤٠٠” في قاعدة حميميم الجوية القريبة من محافظة اللاذقية بسوريا، ما أثار قلقًا شديدًا لدى القادة العسكرين الأمريكيين و حلفائهم في دول الناتو.
ومنظومة “إس-٤٠٠” تعد أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورًا في العالم، لقدرتها على رصد و تدمير الأهداف من على بعد ٤٠٠ كلم و التي تشمل الطائرات و الصواريخ البالستية و صواريخ كروز، و يصل مدى المنظومة إلى ٣,٥٠٠ كلم و بسرعة ٣ أميال بالثانية، فضلًا عن كشف الطائرات الشبحية.
وتتمكن هذه المنظومة من تدمير الأهداف الديناميكية الهوائية، مثل طائرات سلاح الجو التكتيكية و الاستراتيجية، إضافة إلى مصادر التشويش من طراز “أواكس” و الصواريخ المجنحة، و التي قد تصل سرعتها إلى ٤٨٠٠ كم في الساعة .
و يعتقد المراقبون أن قرار موسكو نشر منظومة “إس٤٠٠” لايهدف فقط إلى تحذير أنقرة من مغبة تكرار حادثة إسقاط الطائرة الروسية التي كانت تستهدف مقرات و مواقع الجماعات الإرهابية في سوريا؛ بل يهدف أيضًا إلى تحذير كافة دول الناتو من القيام بأي تحرك عسكري قد يهدد القوات الروسية المتواجدة في المنطقة.
وتشير التقارير الميدانية إلى أن تركيا سارعت إلى إيقاف جميع طلعاتها الجوية في المناطق القريبة من سوريا منذ نشر روسيا لمنظومة “إس٤٠٠” في قاعدة الحميميم باللاذقية، كما علّقت أمريكا و حلفاؤها الغربيون و الاقليميون كافة نشاطاتهم العسكرية في شمال سوريا حتى وقت كتابة هذا التقرير.
إذن يمكن الجزم بأن الحديث عن منظومة “إس-٤٠٠” يجسد في الحقيقة قدرة روسيا على إغلاق أجواء منطقة واسعة تمتد مئات الكيلومترات، و إمكاناتها الفائقة على إكتشاف أي هدف يتحرك لمجرد إنطلاقه من الأرض على بعد آلاف الكيلومترات. ما يعني أن زمن التفرد الأمريكي في أجواء المنطقة أصبح مستحيلًا و غير واقعيًا. و هذا الأمر يشكل كابوسًا لايقض مضاجع القادة العسكريين الأتراك فحسب؛ بل يلاحق أيضا نظرائهم الأمريكيين و حلفائهم في الناتو و يمنع مقاتلاتهم من الإقتراب من المجال الجوي السوري، لاسيما المقاتلات البريطانية الموجودة في قاعدة (أكروتيري) بجزيرة قبرص، و الأمريكية في قاعدة (اینجرلیك) بتركيا، و الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في هذا السياق أعربت الكثير من وسائل الاعلام في الكيان الإسرائيلي عن صدمتها الكبيرة من قرار روسيا نشر منظومة “إس٤٠٠” في سوريا، و نقلت عن كبار القادة الأمنيين و العسكريين الإسرائيلين قولهم أن الإجراء الروسي الأخير من شأنه أن يغيّر قواعد الاشتباك في منطقة الشرق الأوسط برمتها بإعتباره يمثل ضرورة حتمية أملتها ظروف الدفاع عن القوات الروسية المرابطة في الأراضي السورية و حماية المجال الجوي السوري . ولهذا ينبغي على جميع الأطراف المناوئة لموسكو أنْ تأخذ هذا الأمر على محمل الجد، و تبتعد عن التهور و اللعب بالنار لأن الاوضاع العسكرية و الأمنية في المنطقة باتت تنذر بمخاطر جمّة و لم تعد تحتمل التورط بأزمات كارثية جديدة.