أكدت صحيفة “الفاينانشيال تايمز” البريطانية ان النزاعات المتفاقمة بين أقطاب الأسرة الحاكمة في السعودية والأزمات الداخلية والخارجية التي تواجهها الرياض في الوقت الحاضر مؤشر واضح على تدهور الأوضاع في هذا البلد و جرس إنذار للعائلة المالكة.
وذكرت الصحيفة في تقرير لها ان السعودية تعاني أزمات داخلية كثيرة لاسيّما في الجانب الاقتصادي منذ تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الأمور قبل نحو عشرة أشهر. وأشارت إلى أن الانخفاض الحاد وغير المسبوق بأسعار النفط في الأسواق العالمية تسبب في خلق معضلات اقتصادية بالغة في هذا البلد.
وأضافت الصحيفة نقلًا عن أحد المسؤولين السعوديين إن الإعتماد المفرط على الإيرادات النفطية والسياسات الخاطئة التي إنتهجتها بلاده طيلة السنوات الماضية في المجال الاقتصادي والإنخفاض الحاد في أسعار النفط بدأت تدق ناقوس الخطر وتثير الهواجس بشأن مستقبل الأسرة الحاكمة.
وأشارت الفاينانشيال تايمز إلى أن السعودية التي تواصل عدوانها على اليمن منذ أكثر من ثمانية أشهر تسعى إلى تعزيز نفوذها وإحياء دورها الإقليمي لمواجهة إيران ومحور المقاومة في المنطقة، لكنها بدت منذ مدة تتعرض لتهديدات الجماعات الإرهابية و المتطرفة لاسيما تنظيم “داعش”، في وقت تؤكد كافة الأدلة والقرائن المتوفرة بأن هذه الجماعات ما زالت تتلقى الدعم المالي والتسليحي من “رجال الدين” السعوديين بهدف نشر الفكر الوهابي التكفيري في المنطقة والعالم.
وأعربت الصحيفة عن إعتقادها بأن السعودية تواجه الآن وضعًا أمنيًا واقتصاديًا صعبًا للغاية على الصعيدين الداخلي والخارجي بسبب سياستها المضطربة وسلوكها غير المتوازن إزاء قضايا المنطقة لاسيّما ما يتعلق بقضايا الإرهاب ومصادر الطاقة، مشيرة إلى أن الرياض قامت وتقوم بتصدير كميات هائلة من النفط ما أدى إلى تراجع أسعاره بشكل كبير في الأسواق العالمية.
وفي جانب آخر من تقريرها أشارت الفاينانشيال تايمز إلى أن محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي و وزير الدفاع الذي إلتقى الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما هذا العام ويدير شركة أرامكو السعودية للنفط والغاز الطبيعي والبتروكيماويات وصندوق الإستثمارات العامة في البلاد الذي تقدر ودائعه بـ ٥.٣ مليار دولار يعد نفسه لتسلم السلطة بعد والده الملك سلمان البالغ من العمر ٨٠ عامًا والذي يعاني من مرض الزهايمر.
ويتوقع المراقبون أن تحصل خلافات شديدة على توزيع المناصب الحساسة في الدولة في حال موت سلمان، فيما يؤكد مقربون من الأسرة الحاكمة في الرياض إن هذه الخلافات موجودة بالفعل وستبرز بقوة على السطح في حال تربع ولي ولي العهد على العرش الملكي. ويرى هؤلاء المراقبون أن نفوذ محمد بن سلمان يعتمد بدرجة كبيرة على مجريات العدوان السعودي على اليمن من جهة، ومدى قدرته على إحتواء الأزمة الاقتصادية في البلاد من جهة أخرى.
ووصفت الفاينانشيال تايمز النظام السعودي بأنه نظام إستبدادي تمكن من فرض نفسه على مقدرات البلاد منذ عقود بمساعدة رجال الدين الوهابيين والثروة الطائلة التي جناها من عائدات النفط الذي تزخر به أرض الحجاز.
واوضحت الصحيفة إن سلطات الرياض تعمد إلى قمع معارضيها بشدة وتسعى في الوقت نفسه إلى إرضاء الموالين لها بشتى الوسائل وقد تجلى هذا الأمر بوضوح خلال الثورات الشعبية التي شهدها العالم العربي والتي بلغت ذروتها عام ٢٠١١ وأسفرت عن تغيير أنظمة حليفة للسعودية في المنطقة في مقدمتها نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي وتغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط.
وتؤكد المنظمات العالمية المعنية بحقوق الإنسان أن السعودية توظف المؤسسة القضائية لقمع المعارضين في الداخل لاسيما الشيعة في المنطقة الشرقية والنشطاء المطالبين بالديمقراطية وتغيير النظام السياسي في البلاد. فيما تشير التقارير الحقوقية الدولية إلى أن وتيرة الإعدامات في هذا البلد قد إزدادت في العقدين الماضيين وبلغت أعلى مستوياتها خلال العام الجاري.
وتزعم السعودية أن سياستها الخارجية تهدف إلى مواجهة نفوذ إيران في المنطقة، وتتهم طهران بدعم الحوثيين في اليمن في وقت أعربت فيه الكثير من العواصم الغربية عن شكوكها بصحة هذه المزاعم.
ويعتقد المراقبون إن الإتفاق النووي الذي وقعته إيران مع المجموعة السداسية الدولية (أميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا) في تموز/ يوليو الماضي وموقف طهران الداعم لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد في حربها ضد الجماعات الإرهابية المدعومة من قبل الرياض قد زاد من حالة العداء لدى الأخيرة تجاه طهران لاعتقادها بأن الإتفاق النووي سيزيد من قوة إيران ويعزز نفوذها وتأثيرها الإقليمي و الدولي و يرفع من مستوى دعمها لمحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأميركي في المنطقة.