حدّدت النصوص الشريفة مفهوم العبادة تحديداً شاملاً، وذكرت الغاية من العبادة، وأنواع العابدين، ومن هو العابد حقّاً، ولم تحصرها في إطار العبادات المتعارفة بين النّاس. وإليكم النماذج التالية:
عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم: “أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يُبالي على ما أصبح من الدنيا على عسرٍ أم على يسرٍ” .
وسُئل الإمام الرضا عليه السلام عن علّة العبادة فقال: “… لئلّا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لأدبه، ولا لاهين عن أمره ونهيه، إذا كان فيه صلاحهم وقوامهم، فلو تُركوا بغير تعبُّدٍ لطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم” .
وعن الإمام الصادق عليه السلام: “ليس العبادة هي السجود ولا الركوع، إنّما هي طاعة الرجال، من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده” .
وعنه عليه السلام قال: “في التوراة مكتوب: يا ابن آدم، تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنى” .
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “العبادة سبعة أجزاء أفضلها طلب الحلال” .
وعن الإمام الباقر عليه السلام: “أفضل العبادة عفّة البطن والفرج” .
وعن الإمام الصادق عليه السلام: “أفضل العبادة العلم بالله، والتواضع له” .
وعن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: “ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة، وإنّما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله” .
العبادة لا تنحصر بالطقوس
العبادة في الحقيقة اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يُحبّه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وهي تتضمّن غاية الذلّ لله تعالى مع المحبّة له. وهذا المدلول الشامل للعبادة في الإسلام هو مضمون دعوة الرسل عليهم السلام جميعاً، وهو ثابتٌ من ثوابت رسالاتهم عبر التاريخ، فما من نبيٍّ إلا أمر قومه بالعبادة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ .
وعبادة الله تعالى لا تنحصر في الطقوس والممارسات التي تتعلّق بحياة الإنسان كفردٍ مستقلٍّ بذاته، بل هي تشمل الحياة الفردية والحياة الاجتماعية، وتنتظم في إطار علاقة الفرد مع الله تعالى والعلاقة مع النفس، والعلاقة مع الآخرين، والعلاقة مع الكون. وكلّ عملٍ حسنٍ يُقصد به وجه الله تعالى فهو عبادة لله تعالى سواء كان فردياً أم اجتماعياً، فالصلاة، والصدقة، والجهاد، والتفكّر في خلق الله، ومساعدة الضعيف، وإصلاح الفاسد، وأداء الأمانة، والعدل بين الناس، ورفض الظلم، وعدم شرب الخمر، ومقاطعة الربا والاحتكار كلّ تلك الأعمال هي عبادة ما دام الداعي إلى فعلها، أو تركها، هو الاستجابة لأمر الله تعالى.