لا يخفى على أحد أن أركان تل أبيب يخشون كثيرا الصواريخ الإيرانية ذات المديات البعيدة، كما أنهم لا يتورعون عن إبداء قلقهم البالغ من وصول هذه الصواريخ إلى حزب الله اللبناني، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن التقدير الاستخباراتي الإسرائيلي لعام 2016 يعتبر إيران العدو الأول و”جريرته” المقاومة اللبنانية، المتمثلة في حزب الله، العدو الذي لا يقل خطورة عن طهران لقربه من الحدود مع “إسرائيل”.
علاوة على ذلك، لم يقتصر رد الفعل الإسرائيلي إزاء التجارب الصاروخية الإيرانية الأخيرة، على الحملة السياسية والدبلوماسية في المحافل الدولية، بل حضر أيضا لدى المخططين الاستراتيجيين الذين رأوا أن الصوامع المحصنة تحت الأرض التي كشفت عنها إيران، سيكون لها مفاعيلها على العقيدة العسكرية الإسرائيلية في مجالي الهجوم والدفاع، وصولا إلى عدم جدوى الرهان على خيار الضربات الوقائية والاستباقية ضد هذه المنشآت.
كما تجدر الإشارة إلى أن من أهم مفاعيل الكشف الصاروخي الإيراني أنه حضر في حسابات الكلفة والجدوى لدى صانع القرار السياسي والأمني في تل أبيب. فمن جهة أثبتت إيران أن أي عدوان خارجي، بما فيه الإسرائيلي، غير قادر على تحييد التهديد الصاروخي الإيراني، وبالتالي عقم الرهان على جدوى أي خيار عسكري ابتدائي أوْ من موقع الرد.
ومن جهة مقابلة، أثبتت قدرتها على تدفيع العدو أثماناً مؤلمة بالمستوى الذي حقق ويحقق لها الردع الاستراتيجي طوال المرحلة الماضية التي سبقت الاتفاق النووي الإيراني، وما بعده. وفي هذا السياق، رأت المقاربة الإسرائيلية التي نشرها رئيس تحرير موقع (ISRAEL DEFENSE)، عمير راببورت، المختص بالشؤون الأمنية والإستراتيجية المتعلقة بإسرائيل، رأت أن خطر الاستناد إلى الردع في ظل خطورة الصوامع الإيرانية، يفترض أن يدفع صناع القرار في إسرائيل إلى خلاصة مفادها أنه من الأفضل شن ضربة وصفها بالاستباقية ضد الصوامع الإيرانية المبنية تحت الأرض.
واللافت أن المقاربة الإسرائيلية اختارت مصطلح الاستباقية في مقابل سيناريو الهجوم الإيراني المفاجئ الذي تناولته، ولم تستخدم مصطلح الضربة الوقائية لأن ذلك يعني أن إسرائيل قد تدرس خيار توجيه ضربة عسكرية ابتدائية لمنع تراكم القدرات الإيرانية. ومن الأهمية بمكان، الإشارة إلى أن هذا التقدير الإسرائيلي جاء بعدما كشفت إيران عن صوامع اطلاق صواريخ بمديات تراوح بين 1700 – 2000 كلم، ومخزن كبير يسمح بإدخال صواريخ محمولة على شاحنة، وبتزويد الصواريخ بالوقود وتركيب رأس حربي تحت الأرض بشكل سري بعيدا عن رصد الأقمار الصناعية التابعة للغرب.
لكن خيار الضربة العسكرية الإسرائيلية مشروط بتوافر معلومات استخبارية محددة وموضعية، تتصل بكل هذه المنشآت والصوامع. وهو ما افترضت المقاربة وجوده كي تواصل مناقشة جدوى خيار الضربة العسكرية الإسرائيلية لشل القدرة الهجومية الإيرانية، وتساءلت إن كان هجوم كهذا سيحقق الهدف؟ لكن المقاربة التي أشرف عليها رئيس مركز أبحاث الفضاء في معهد “فيشر” طال عنبار، قدرت أنه ما من ضمانة بأنْ يجري تدمير كافة الصوامع الصاروخية، وخاصة أن المسألة تتعلق بصوامع محصنة ليس من السهل تدميرها. وإذا لم يتم هذا التدمير، فهذا يعني أن إيران ستبقى تملك القدرة على شن هجومٍ مضاد.
أضف إلى أن إيران تملك قدرات إطلاق ثابتة ومتحركة وليس فقط صوامع. كما أنه من الوارد جدا، بحسب المصادر الإسرائيلية، أنْ تكون هذه القاذفات موزعة في مناطق مبنية في إيران، كما أن لديها منصات متحركة على شاحنات وربما يكون لديها مثلها أيضا على سفن تجارية داخل حاويات، ليس من السهل رصدها وتدميرها. هذا إلى جانب امتلاكها غواصات قادرة على إطلاق صواريخ، وتوجد معلومات عن أن إيران حصلت على صواريخ BM-25.
في ضوء هذه التقديرات، خلصت المقاربة إلى أن هجوما إسرائيليا كهذا لن يمنع إطلاق صواريخ من منصات متحركة سواء في البر أو البحر، هذا من دون حساب ترسانة حزب الله وحماس. ولفتت أيضا إلى أن خطوة كهذه لن تحظى بدعم دولي لهذا المسار، وستعرض إسرائيل لعقوبات اقتصادية من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة. وخلصت المقاربة إلى تناول الخيار البديل أمام إسرائيل في ظل عدم جدوى الرهان على ضربة عسكرية، لافتة إلى أن على إسرائيل الاعتماد على الردع والدبلوماسية، شريطة أنْ يتم خلال ذلك نشاطات تهدف إلى تحقيق إحباط لين الذي يتميز عن نشاطات الإحباط الصلب العسكري.
وعلى هذه الخلفية، دعت المقاربة الإسرائيلية إلى ضرورة استبدال بناء قدرات عسكرية لشن هجوم استباقي، ببناء قناة دبلوماسية في الشرق الأوسط وآسيا لإنتاج متعاونين مع إسرائيل، والاستثمار في محاولة استبدال النظام القائم في إيران بآخر أقل تطرفا، وحتى التفكير بإجراء حوارٍ سري مع إيران لبناء آليات تمنع المبادرة إلى هجمات مفاجئة أوْ وقوع هجمات بسبب أخطاء. لكن المشكلة تكمن في التوصية، التي ختمت بها المقاربة، أن هذا الأمر يتطلب نمط تفكير مختلفا عما هو قائم اليوم في الدولة العبرية، على حد تعبير راببورت.
من ناحيتها، أكدت صحيفة (يديعوت أحرونوت) على أن إسرائيل تعتبر التجارب الصاروخية العامة التي أجرتها إيران في غضون الأشهر الأخيرة، أنها خطوة لاختبار رد الفعل الدولي، وخاصة الأمريكي، لافتة إلى أن قرار أوباما بعدم الضغط على طهران بشأن هذه المسألة، يشجع الإيرانيين على مواصلة مخططاتهم بعيدا عن الاتفاقات الدولية المعنية بمنع انتشار الأسلحة النووية. وأضافت الصحيفة أنه ما من ثمرة لطرح هذه القضية على طاولة مجلس الأمن الدولي، في الوقت الذي تعهدت فيه روسيا باستخدام حق النقض “الفيتو” على أي قرار يصدر بحق برنامج الصواريخ الباليستية لإيران.