الرئيسية / الاسلام والحياة / الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني19

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني19

28)ثم لا تتوهم انحصار طريق القرب إلى الله بالعبادة المعلومة من الصلاة ، والصيام ، وتلاوة القرآن ، والتعلم ، والتعليم ، واستعمال الأدعية ، والزيارات ، ونحو ذلك ، بحيث يكون كل ما خرج عن ذلك لغوا ً، وتضييعاً للعمر فيما لا فائدة به ، كما ظنّه كثيرٌ من إخواننا الصلحاء ، فإنّ ذلك قصورٌ واشتباهٌ للأمر بك. (5) 

________________________________________
(5) هذا بابٌ من الأبواب التي تفتح على صاحبه أبواباً من المعرفة والبصيرة في السير إلى الله تعالى .. فترى البعض يلخّص الطريق في مجموعة من الأذكار والأوراد ، ناسياً أنّ الدين ليس من مقولة اللفظ ، وإنما الدين قوامه المعرفة والمعاملة ، وهما يفرزان الذكر الذي ينسجم مع طبيعة الشريعة .

ولطالما كان الإنشغال بالأوراد – بغير طريقة أهل البيت (ع) – من موجبات التخدير الباطني ، فيرى أنه على شيء وليس على شيء .. أضف إلى ذلك كله أنّ حقيقة الدعاء وهي الحركة النابعة من القلب من مقولة المعاني .. والدعاء اللفظي ليس إلا كاشفاً عن تلك المعاني الباطنية .. فإذا خلي اللفظ عن استحضار المعاني المناسبة لها كان الكاشف مما لا منكشف له.. وما قيمة القالب الذي لا قلب له ؟..( المحقق )

________________________________________
اعلم أنّ مراد الشارع الأصلي من المكلفين تقوية البصيرة ، لكي يطيعوه بالبصيرة التامة ، والمعرفة الكافية ، وكل ما له دخل في تقوية البصيرة وزيادة الفطانة ، فهو داخلٌ في مراد الشارع ومطلوبٌ له ، بل يكون طلبه له وحثّه عليه آكد من غيره.

 

ومن اقتصر على العبادات التي ذكرناها ، وقصُر نظره عنها ، يغلب عليه الجمود ، وتقلّ فطانته بالموضوعات الشرعية في القبلة والوقت ونحوهما ، ويتمكن من خديعته من يريد الخديعة له في دينه من شياطين الإنس والجن ، وهذا خلاف مراد الشارع ونقيض غرضه.

 

بخلاف من يمارس الأمور ببيعٍ وشراءٍ ، ويتعلّم الآداب ، ومحاورة الخطاب ، والنكت المستحسنة للسؤال والجواب ، ويضيف ذلك إلى عباداته وأوراده ، وعلمه وتعليمه ، هو الرجل كلّ الرجل ، نِعْمَ الرجل ، والوجدان والاختبار لذلك أعظم شاهد.

وكلّما سرّحت نظرك في تعلّم شيءٍ من الصناعات المحسوسة، فتح الله لك أبواباً من العلم في المعقولات ، والأصل في ذلك أن الله سبحانه قد ربط المحسوسات بالمعقولات ، والأمور الأخروية بالأمور الدنيوية.

فمن أراد الأمور الأخروية بغير الأمور الدنيوية لم يتأتَّ له ذلك ، فقد جعل الله الأمور الأخروية لا تتم إلا بالدنيوية ، وجعل الدنيا المقصود بها التوصل إلى الآخرة محسوبة من الآخرة ، ولا تدخل في مذام الدنيا ، ولذا ورد في الحديث أنه: ملعونٌ من ترك آخرته لدنياه ، ملعونٌ ملعونٌ من ترك دنياه لآخرته .. انتهى معنى الحديث.

 

 

فإنّ الدنيا التي يُلعن من تركها للآخرة هي التي يُتوصل بها إلى الآخرة ، ولا تتم أمور الآخرة إلا بها ، وهي في الحقيقة من الآخرة ، وتركها ترك الآخرة ، والدنيا المذمومة هي التي لا يقصد بها التوصل ، وهي الفضول التي لا يتوقف عليها شيء.

فالنوع الأول من الدنيا كما لا بدّ منه في التوصل ، وهي واجبةٌ ، لذلك أيضاً بإذن الله جُعل الخوض فيها مفيداً للفطانة وتقوية الفهم والبصيرة ، وهو معنى ما في روايات التجارة: أنها نصف العقل . [ في معظم المصادر : تزيد في العقل كالكافي : 5/148 ] ..

وروي أيضاً: أنّ العبادة عشرة أجزاء : تسعة منها في التجارة ، وجزء واحد في جميع الطاعات . [ في ( الوسائل : 12/4 ) : تسعة أعشار الرزق ، بدل العبادة ] ..
ويؤيد ذلك أن النبي (ص) اتجر قبل البعثة إلى الشام ، وغيره من الأنبياء والمرسلين. (6)

________________________________________
(6) هذا هو مقتضى الجمع بين تكاليف العبودية في كل المجالات ، فإنّ الجامعية في العمل بالشريعة من مواصفات السالك الحق ، بخلاف من يريد أن يطير بجناحٍ واحدٍ فضلاً عمن يريد أن يطير بريشة واحدة !.. ومما هو مجرّبٌ بالوجدان أنّ الخلل الذي يوجبه التقصير في السعي لتأمين المعاش من موجبات توزع البال وعدم استجماع الهم ، والسالك أحوج ما يكون لدفع التشتت وما يسمى بـ ( الكثرات ) في حياته ، فإنّ كلّ شاغلٍ بمثابة خيطٍ يشدّ العبد إلى ما يوجب له التثاقل إلى الأرض .. وهذا كله بخلاف ما يحلّ بالعبد من القضاء والقدر المحض ، فإنه سيؤجر عليه وإن أوجب له التشتت قهراً ، فالله عزّ وجلّ مدركٌ لكل فوتٍ ، ومعوضٌ بما لا يخطر على بال العبد …( المحقق

شاهد أيضاً

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني50

22 وقد قال رسول الله (ص) لبعض أصحابه وهو يشير إلى علي (ع): ( والِ ...