الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني50
18 أغسطس,2023
الاسلام والحياة, زاد الاخرة
1,417 زيارة
22
وقد قال رسول الله (ص) لبعض أصحابه وهو يشير إلى علي (ع):
( والِ ولي هذا ولو أنه قتل أبيك وولدك ، وعاد عدوّ هذا ولو أنه أبوك وولدك).الوسائل : 16/178..
فإذا أوجب له انتسابه لعلي (ع) وموالاته له أن تسامحه في قتله لأبيك وولدك ، وتغفر له ذلك ، فكيف بما دون ذلك؟!..
بل لا يكتفى منك بمجرد المسامحة والعفو ، بل يجب له مع ذلك أن تحبه وتكرمه وتحترمه ، كما هو مقتضى الموالاة ، بل لو فديت له نفسك لكان قليلا في حق من هو منسوب إليه ، ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:
وما حب الديار شغفن قلبي —– ولكن حب من سكن الديارا
فأنت إذا تسامحت مع محب أمير المؤمنين (ع)فالله أولى بمسامحتك ، وأن يغفر لك كل ذنب إكراما لمحبتك إلى أمير المؤمنين (ع)، فإنّ الله أشدّ حباً منك لأمير المؤمنين (ع).
وكلما كان مقصراً في طاعة أمير المؤمنين (ع) ، ولاحظت مجرد الانتساب ، واحترمته لذلك ، فيكون احترامك لأمير المؤمنين (ع) أعظم.
إذ من هو بذاته مستحق للاحترام ربما يكون احترامك له من جهة قابليته بذاته للاحترام لا لجهة الانتساب المحض ، فيكون دالا على شدة الاحترام ، إذ لولا القوة والشدة لما غلبت على الموانع المعارضة.
فهذا أحد الحقوق وفيه الكفاية ، وأنى لك بالقيام به !..
فكيف إذا انضمّ إلى ذلك أنه من ذرية علي (ع) ؟..
وكيف إذا انظم إليه كونه من زائريه ، أو كونه من مجاوريه ، أو من خدام حضرته ، أو اسمه اسمه أو اسم أحد أولاده (ع) ، أو كونه يسمّى بما يدل على الانتساب إليهم ، كعبد علي ، أو عبد الحسين ؟..
وأما حق الرحمية ، وحق المجاورة ، وحق المرافقة ، وحق الدعاء ، وحق تعليم القرآن ، أو تعليم حرف من العلم ، أو كمال من الكمالات ، أو كونه أكبر منك سناً ، أو كونه مجتهداً لك ، أو إماماً لك في الجماعة ، أو كونه محسناً إلى بعض أرحامك ، أو إلى بعض جيرانك ، أو كونه سائلاً عنك ، أو طالباً ، أو محسناً بك الظنّ ، أو نحو ذلك مما اشتملت عليه رسالة الحقوق لمولانا علي بن الحسين (ع) ، وكلها حقوق عظيمة عند أهل البيت عليهم السلام ، ومسؤول عنها يوم القيامة .( التحف- 255 ) (7)
(7)إِنّ هذه الرسالة لا يمكن أن يغفل عنها السالكون إلى الله تعالى ، ومن أقدر من زين العباد أن يكون شارحاً لحقوق الله وعباده ؟!.. إنّ من الضروري أن يحيط السالك علماً بمجموعة من النصوص والحقوق الواردة عن أئمة الهدى (ع) في مجال السير إلى الله تعالى ، إذ هم أعلم الخلق بهذا الأمر ، فهم المعنيون في الدرجة الأولى بكل خطابات القرب .. وكم من الخيبة والخسران أن يفني الإنسان عمره في سبر كلمات من يدّعي العرفان تاركاً أصحاب البيوت التي أذن الله تعالى أن يذكر ويرفع فيها اسمه !..( المحقق )
فأنى لك بالخلاص منها ، والعذر عنها ، وقد ورد ما معناه : أن ثلاثة يشكون يوم القيامة إلى الله : مسجد مهجور ، وقرآن مطروح في البيت عليه غبار لا يتلى فيه ، وعالم في محله لا يسمع منه . عدة الداعي : 272
فما حال من أبرز للحساب ، واجتمع للشكوى عليه عند الحالكم العادل ثلاثة : بيت لله ، وكتاب الله ، وولي الله !..
فأيهم لا يسمع شكايته ؟..
وأي هؤلاء ينكر حقه وحرمته عند الله ؟..
فهذه حقوق عظيمة كيف يمكنك الاعتذار عنهــا في ذلك الموقف العظيم ؟.. فقد ورد : أنّ العاطس يعطس فلا يُسمت فيطالب بحقه فيقضى له يوم القيامة.
فيا أيها الأخ المسترشد !.. أنت إذا نظرت بعين العقل – التي أودعها الله فيك لتبصر بها – لا يكون همّك إلا الاعتراف بالتقصير والسعي في خلاص رقبتك من الحقوق التي لزمتك ، وترى أنهم وإن بالغوا في مسائلتك فأنت بعدُ مُطالب بالحقوق التي لهم عليك ، فيكون همّك استعفائهم ، والاعتذار منهم ، والمبالغة فيما يمكنك من الإحسان إليهم ، رجاء ليعفو الله ، ويرضيهم عن بعض الحقوق.
فأنت إن نظرت إلى الخلق بهذه العين التي أودعها الله فيك ، سهل عليك سلوك سبل الله ، وهذا هو الأمر الثاني.
الثالث : أن يستوحش من الخلق أنسا بالله ، فإنّ العاقل يلزمه أن يكون مقبلاً على شأنه ، حافظاً للسانه ، عارفاً بأهل زمانه ، مستوحشاً من أوثق إخوانه.
فمن هو هكذا دعا له علي (ع) بقوله: شدّ الله من هذا أركانه ، وأعطاه يوم القيامة أمانه . الكافي : 1/49..
وفي الكافي عن جابر قال : دخلت على أبي جعفر (ع) فقال:
يا جابر !.. والله إني لمحزون ، وإني لمشغول القلب.
قلت : جعلت فداك !.. وما شغلك ، وما حزن قلبك ؟..
فقال : يا جابر !.. إنه من دخل قلبه خالص دين الله ، شغل قلبه عمّا سواه . الكافي : 2/ 107..
وفيما كتبه أمير المؤمنين (ع)إلي بعض أصحابه : فإنّ من اتقى الله عزّ وقوي ، وشبع وروي ، ورفع عقله عن أهل الدنيا ، فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه وعقله معاين الآخرة . [ الكافي : 2/136] .. انتهى.
فالمؤمن إذا أنس بألطاف الله ، وذاق طعم حلاوة ذكر الله ، يلزمه الوحشة من مفارقة هذه الحالة ، فلا يرضى بمفارقتها.
فإذا منّ الله على عبده المؤمن بالتأييد ، ألزم قلبه هذه الحالة وأشغله بها ، ومكّنه مع ذلك من الالتفات معها إلى ما دونها ثانياً وبالعرض ، وإن كان أصل شغله بها وأصل التفاته إليها ، فلا يزال مستوحشاً من هذه الضميمة ، ويريد التفرّغ لما هو المطلوب له بالأصالة ، والمقصود له أولاً وبالذات ، إلا أن هذه الوحشة في قلبه لا تظهر على جوارحه …..(8)
________________________________________
(8)من الضروري – كما أشار المؤلف – كتمان هـذه الحالات القدسية عن الخلق ، فقد لا يكون عند الإبداء قاصداً غير الحق ، ولكن لا يؤمن منه العجب اللاحق في ساعات الغفلة التي لا يخلو منها غير المعصوم .. أضف إلى تعريض المؤمن عبد غيره إلى سوء الظنّ وتهمة الرياء ، وبذلك يكون مخالفاً أمر مولاه في أن لا يجعل نفسه في مظانّ التهم .. فإنّ عزة المؤمن من شؤون الحق التي لم يوكلها الله تعالى إلى عبده ..( المحقق )
الاسلام والحياة اية الله بحوث اسلامية حركات الدجالين في العراق 2023-08-18