والشيء العجيب هنا هو أن نعمة البيان لها صلة وثيقة بسائر الأعضاء والجوارح، وخصوصاً بالقلب والدماغ، فلو أصيب القلب بالجلطة لأصبح لسان المرء ثقيلاً فيبتلى حينها (بالتلعثم) أو ما يسمى باللكنة أو اللثغة الكلامية.
ولو أصيب الدماغ بجلطة أو بضربة أو صدمة أو ارتجاج على فرض سلامة باقي أعضاء وأجزاء البدن لتعطل اللسان عن العمل في اغلب تلك الحالات.
وللنطق اللساني صلة وثيقة أيضاً بالقوى الباطنية لدى الإنسان، فهو يرتبط بالحس ويرتبط أيضاً بالذاكرة التي تسمى أيضاً (الحافظة)، ودور الذاكرة يتحدد في مهمة تسجيل المعاني باعتبارها خزانة لحفظ المعاني والألفاظ، فعندما يريد المرء ان يشرع بقراءة سورة الفاتحة في صلاته يفترض انها قد حفظت في الذاكرة، ولو افترضنا ان الذاكرة لم تسجلها، فتصورا كيف سيتأتى لهذا الإنسان ان ينطق بسورة الفاتحة؟
بل لو لم تحتفظ الذاكرة بالمواضيع والمعلومات لتعطل دور الخطيب في الارشاد والتذكير لأنه سوف لا يجد ما يريد قوله للناس من على منبره، لذلك كان دور الذاكرة وقوة حفظها دوراً فاعلاً يساعد حتى في عملية الكتابة، فالخطاط الذي يفقد ذاكرته لا يستطيع بعدها ان يخط بيمينه حرفاً واحداً ألفاً كان أو باءً (لا سمح الله تعالى)، بل ان عدم وجود الذاكرة لعله ينقلنا بشكل قاطع إلى العدم لما يترتب على ذلك الأمر من مخاطر ومفاسد.
فالرحمن علم القرآن وخلق الإنسان ثم علمه البيان بحيث جعله يثبّت ويسجّل المواضيع والأمور التفصيلية وان ينشئ الالفاظ المناسبة للمعاني، وعلى ذلك يكون معنى الآية المباركة ان الرحمن علم الإنسان الافهام والاستفهام بالشكل الذي يمكنه إيصال ما يريده للآخرين بكل يسر وسهولة، وان يدرك أيضاً ما يريده ويقصده الآخرون.