الرئيسية / من / طرائف الحكم / زاد المبلغ في عاشوراء الجزء الأول

زاد المبلغ في عاشوراء الجزء الأول

2
الموعظة الرابعة: من أسباب الثورة الحسينيّة

بيان أهمّ معالم السياسة الأمويّة وخطرها على الإسلام، ومسؤوليّة الأمّة تجاه ذلك.

محاور الموعظة

المسؤوليّة الدينيّة
المسؤوليّة الاجتماعيّة
المسؤوليّة السياسيّة
المسؤوليّة الاقتصاديّة والماليّة

تصدير الموعظة

الإمام الحسين (عليه السلام) لأخيه محمّد بن الحنفيّة: «يا أخي، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية»[1].

[1] السيّد الأمين، أعيان الشيعة، ج4، ص186.

32

21
الموعظة الرابعة: من أسباب الثورة الحسينيّة
قام الأمويّون بالعديد من السياسات التي كان لها الخطر الكبير على رسالة الإسلام وتعاليمه، وبرزت في مقابل ذلك عدّة مسؤوليّات جسيمة، نذكر منها:

المسؤوليّة الدينيّة

تعني مواجهة القضايا الآتية:

1. حكومة السلطان الجائر: عن الإمام الحسين (عليه السلام): «أيّها الناس، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطانًا جائرًا مستحلًّا لحُرم الله، ناكثًا لعهد الله، مخالفًا لسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يعمل في عباد الله بالإثمّ والعدوان، فلم يغيّر عليه بقول ولا فعل كان حقًّا على الله أن يدخله مدخله»[1].

2. محو ذكر أهل البيت (عليه السلام): وذلك من خلال افتعال الأخبار والحطّ من شأنهم، واستخدام أجهزة الدولة لتربية الناس على بغضهم، ومعاقبة من يذكر فضائلهم بأقصى العقوبات، وسبّهم على المنابر والمآذن وخطب الجمعة، ولعلّ ما قالته الحوراء زينب (عليها السلام) ليزيد أكبر شاهد على حجم الجريمة التي كان يستهدفها بنو أميّة: «فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا»[2].

3. تدمير القيم الإسلاميّة: يقول ابن أبي الحديد: «كان معاوية أيّام عثمان شديد التهتّك موسومًا بكلّ قبيح، وكان في أيّام عمر يستر نفسه قليلًا خوفًا منه»[3].

[1] أبو مخنف، وقعة الطفّ، ص172.

[2] السيّد الأمين، أعيان الشيعة، ج1، ص616.

[3] جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، تاريخ النهضة الحسينيّة، ص17.

33

22
الموعظة الرابعة: من أسباب الثورة الحسينيّة
ونقل الناس عنه في كتب السيرة أنّه كان يشرب الخمر[1].

واستخفّ بالقيم الدينيّة كافّة، ولم يعن بجميع ما جاء به الإسلام من أحكام، فاستعمل أواني الذهب والفضّة وأباح الربا[2].

4. ظهور البدع: فقد ورد في رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) إلى أهل البصرة: «فإنّ السنّة قد أميتت، والبدعة قد أحييت»[3].

المسؤوليّة الاجتماعيّة

وذلك في مقابل:

1. المظالم الهائلة على الشيعة: حيث عانى الشيعة في عهد معاوية صنوف العذاب كإعدام أعلامهم، وصلبهم على جذوع النخل، ودفنهم أحياء، وهدم دورهم، وعدم قبول شهادتهم، وحرمانهم من العطاء، وترويع نسائهم، وإذاعة الذعر والخوف في أوساطهم.

2. تفكيك المجتمع: إذ عمد معاوية في سياسته إلى إثارة عناصر التفرقة والعصبيّات القبليّة، كالصراع الذي نشب بين قيس ومضر، وأهل اليمن والمدينة، وبين قبائل العراق فيما بينها، وإثارة العنصريّة عند العرب ضدّ المسلمين من غير العرب، أي الموالي، وأثار الأحقاد القديمة بين الأوس والخزرج[4].

[1] أحمد بن حنبل، المسند، ج5، ص347.

[2] النسائيّ، سنن النسّائي، ج7، ص279.

[3] الطبريّ، تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص565.

[4] ابن عبد ربّه، العقد الفريد، ج2، ص260.

34

23
الموعظة الرابعة: من أسباب الثورة الحسينيّة
المسؤوليّة السياسيّة

والتي تتمثّل -بشكل أساسيّ- بالقضيّة الآتية:

الدفاع عن أحقّيّته بالخلافة: كتب الإمام الحسين (عليه السلام) في أولى رسائله إلى أهل الكوفة: «فلعمري ما الإمام إلّا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحقّ، والحابس نفسه على ذات الله»[1].

وفي المقابل، يقول (عليه السلام): «ويزيد رجلٌ فاسق، شارب للخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلنٌ بالفسق»[2].

المسؤوليّة الاقتصاديّة والماليّة

ذلك لتصحيح المسارات الآتية:

1. التمييز في العطاء: فقد منح معاوية المال بناءً على الولاء السياسيّ، فأعطى الأموال الهائلة لأسرته ووهبهم الثراء العريض، وأغدق المال على المؤيّدين له فأعطى خراج مصر لابن العاص، وجعله طعمة له ما دام حيّا[3]. وكلّ هذا معتمدًا على سياسة عشوائيّة في جمع الضرائب والأموال من خلال إعفاء مؤيّديه وإرغام معارضيه من محبّي أمير المؤمنين (عليه السلام) على دفع مبالغ طائلة.

[1] الطبريّ، تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص561.

[2] القرشيّ، حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، ج2، ص209.

[3] جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، تاريخ النهضة الحسينيّة، ص15.

35

24
الموعظة الرابعة: من أسباب الثورة الحسينيّة
2. إشاعة الفقر بين معارضيه: حتّى يبقى أكبر همّهم رفع الجوع والحرمان، فقد أجبر أهل يثرب على بيع أملاكهم واشتراها منهم بأبخس الأثمان[1].

وقد قام بأعباء هذه المسؤوليّات على أنواعها أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) الذي تكفّلت نهضته تصحيح المسار الذي انحرف عن التعاليم التي جاءت بها رسالة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وصدقت معه الكلمة القائلة «إنّ الإسلام محمّديّ الوجود حسينيّ البقاء»، ولعلّ هذا يكون من أبعاد كلمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حقّ سبطه الحسين (عليه السلام): «حسين منّي وأنا من حسين»[2].

[1] جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، تاريخ النهضة الحسينيّة، ص13.

[2] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص127.

36

25
الموعظة الخامسة: الإمام السجّاد (عليه السلام) قدوة وأسوة
الموعظة الخامسة: الإمام السجّاد (عليه السلام) قدوة وأسوة

تعرّف الجوانب التربويّة في حياة الإمام السجّاد (عليه السلام) للاقتداء والتأسّي بها.

محاور الموعظة

قدوة العابدين والساجدين
قبس من علمه وتعليمه
تعبيره عن حبّه لله
فلسفة الجهاد في دعاء أهل الثغور

تصدير الموعظة

قال الفَرَزدق في قصيدته المشهورة واصفًا الإمام زين العابدين (عليه السلام):

هَذا الذي تَعرفُ البطحاءُ وطأتَه

والبيتُ يَعرفُه والحِلُّ والحَرَمُ

هذا ابنُ خَيرِ عبادِ الله كُلِّهمُ

هَذا التَّقيُّ النَّقيُّ الطاهرُ العَلَمُ

37

26
الموعظة الخامسة: الإمام السجّاد (عليه السلام) قدوة وأسوة
كان لعليّ بن الحسين (عليه السلام) جلالة عجيبة، فقد كان أهلًا للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله[1]. ويتّفق المؤرّخون على أنّ الإمام (عليه السلام) انكبَّ على الشؤون الدينيّة، ورواية الحديث، والتعليم، وأنّه انصرف إلى بثّ العلوم، وتعليم الناس، وتربية المخلصين، وتخريج العلماء والفقهاء، والإشراف على بناء الكتلة الشيعية[2].

قدوة العابدين والساجدين

لقد سطعت عبادة الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) في حياته لتبرز في ألقابه التي منها «السجّاد» لكثرة سجوده و«ذو الثفنات» التي برزت على جبهته الشريفة و«زين العابدين» لعبادته لله و«سيّد العابدين»، وهو اللقب الذي اختاره له جدّه النبيّ (صلى الله عليه وآله) كما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ: كنتُ جالسًا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) والحسين (عليه السلام) في حجره وهو يداعبه، فقال (صلى الله عليه وآله): «يا جابر يولد له مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ليقم سيّد العابدين»[3].

وجاء في تسميته بذي الثفنات، أنّ الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «كان لأبي في موضع سجوده آثار ثابتة وكان يقطعها في كلِّ سنة من طول سجوده وكثرته…»[4] ، ويمكن أن نبيّن بعض مظاهر عبادته (عليه السلام)، ومنها:

[1] الذهبيّ، سير أعلام النبلاء، ج4، ص398.

[2] السيّد محمّد رضا الجلاليّ، جهاد الإمام السجّاد (عليه السلام)، ص17 – 18.

[3] الشيخ جعفر السبحانيّ، الأئمة الاثني عشر، ص104.

[4] ابن شهر آشوب، المناقب، ج4، ص180 – 181.

38

27
الموعظة الخامسة: الإمام السجّاد (عليه السلام) قدوة وأسوة
1. الخوف من الله -تعالى-: علّمنا الإمام السجّاد (عليه السلام) كيف نخاف الله في حواره مع طاووس اليمانيّ الذي رآه يطوف من وقت العشاء إلى السحر، ونظر طاووس إلى الإمام (عليه السلام) فرآه يرمق السماء بطرفه ويقول: «إلهي غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتّحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدّي محمد (صلى الله عليه وآله) في عرصات القيامة»، ثمّ بكى وأطال الدعاء والبكاء، فدنا منه طاووس، وقال له: «ما هذا الجزع والفزع؟! ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا، ونحن عاصون جانون، أبوك الحسين بن عليّ (عليه السلام) وأمّك فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وجدّك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالتفت إليه الإمام (عليه السلام)، وقال: «هيهات يا طاووس! دع عنّي حديث أبي وأمي وجدّي، خلق الله الجنّة لمن أطاعه وأحسن، ولو كان عبدًا حبشيًّا وخلق النار لمن عصاه، ولو كان سيّدًا قرشيًا، أما سمعت قوله -تعالى-: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَينَهُم يَومَئِذٖ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾[1]، والله لا ينفعك غدًا إلاّ تقدمة تقدّمها من عمل صالح»[2].

2. حاله عند التهيّؤ للصلاة: جاء في مصادر عدّة أنّه (عليه السلام) كان إذا توضّأ للصلاة يصفرّ لونه، وكيف لا تبرز معالم العبادة في ألقابه وهو الذي كان إذا أراد الوضوء اصفرّ لونه، فيقال له: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيجيب (عليه السلام): «أتدرون بين يدي من أقوم!»[3].

[1] سورة المؤمنون، الآية 101.

[2] الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة (أبطحي)، ص176.

[3] جعفر عبّاس الحائريّ، بلاغة الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام)، ص199.

39

28
الموعظة الخامسة: الإمام السجّاد (عليه السلام) قدوة وأسوة
وكان (عليه السلام) إذا قام في الصلاة غشي لونه لونٌ آخر وأخذته رعدة بين يدي الله -تعالى- لم يعد عندها يلتفت إلى ما حوله، لذا حينما وقع حريق في بيته وهو ساجد فرَّ مَن في البيت بينما بقي الإمام (عليه السلام) ساجدًا ولمّا سُئَل في ذلك كان جوابه (عليه السلام): «ألهتني عنها النار الكبرى»[1].

3. خشوعه: وعن خشوعه، قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كان أبي يقول: كان عليّ بن الحسين (عليهما السلام) إذا قام في الصلاة كأنّه ساق شجرة لا يتحرّك منه شيء إلّا ما حرّكه الريح منه»[2].

قال أبو حمزة الثماليّ: رأيت عليّ بن الحسين (عليه السلام) يصلّي فسقط رداؤه عن أحد منكبه، قال: فلم يُسوِّه حتّى فرغ من صلاته، قال: فسألته عن ذلك. فقال: «ويحك أتدري بين يدي من كنت؟ إنّ العبد لا يقبل من صلاته إلّا ما أقبل عليه منها بقلبه»[3]. وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «كان عليّ بن الحسين يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة، وكانت له خمسمئة نخلة وكان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين، وكان إذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر، وقيامه في صلاته قيام عبد ذليل بين يدي الملك الجليل، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله، وكان يصلّي صلاة مودّع يرى أنّه لا يصلّي بعدها أبدًا»[4].

[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج46، ص80.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص300.

[3] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص231.

[4] ابن شهر آشوب، المناقب، ج4، ص150.

40

29
الموعظة الخامسة: الإمام السجّاد (عليه السلام) قدوة وأسوة
وقال الزهريّ: «كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) إذا قرأ (ملك يوم الدين) يكرِّرها حتّى يكاد أن يموت»[1].

4. حجّه (عليه السلام): جاء في حياة الحيوان للدميريّ، قال: «إنّه لمّا حجّ وأراد أن يلبّي أرعد واصفرّ وخرّ مغشيًّا عليه، فلمّا أفاق سُئِل عن ذلك، فقال: إنّي لأخشى أن أقول: لبّيك، اللهمّ لبّيك، فيقول لي: لا لبّيك ولا سعديك، فشجّعوه، وقالوا: لا بدّ من التلبية، فلمّا لبّى غشي عليه حتّى سقط عن راحلته، وكان يصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة، كان كثير الصدقات وكان أكثر صدقته بالليل، وكان يقول: «صدقة الليل تطفئ غضب الربّ»[2].

قبس من علمه وتعليمه

كان (عليه السلام) يشجّع كلّ من يأتي إليه طالبًا لعلوم آل محمد، ويقول له: «مرحبًا بوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله)»، ثمّ يقول: «إنّ طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجليه على رطب ولا يابس من الأرض إلّا سحبت له إلى الأرضين السابعة»[3]. ويقول ابن حجر في صواعقه: «زين العابدين هو الذي خلف أباه علمًا وزهدًا وعبادة»[4]. وقد تمكّن الإمام زين العابدين من بيان معالم فقه أهل البيت (عليهم السلام) وإغناء معارفه، حتّى أقرَّ كبار العلماء بأنّه الأفقه من الجميع، قال أبو حازم: «لم أرَ هاشميًّا

[1] الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج6، ص151.

[2] كمال الدين دميريّ، حياة الحيوان الكبرى، ج1، ص139.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج46، ص62.

[4] أحمد بن حجر الهيتميّ المكّيّ، الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة، ص200.

41

30
الموعظة الخامسة: الإمام السجّاد (عليه السلام) قدوة وأسوة
أفضل من عليّ بن الحسين(عليه السلام) وما رأيت أحدًا كان أفقه منه»[1]، وقال الشافعيّ: «إنّ عليّ بن الحسين أفقه أهل البيت»[2].

ويتّفق المؤرّخون على أنّ الإمام (عليه السلام) «انكبَّ على الشؤون الدينيّة، ورواية الحديث، والتعليم، وأنّه انصرف إلى بثّ العلوم، وتعليم الناس، وتربية المخلصين، وتخريج العلماء والفقهاء، والإشراف على بناء الكتلة الشيعيّة»[3]، ولكنّه لم يكن بعيدًا عن العمل السياسيّ وإدارة شؤون المجتمع وفق ما تسمح به الظروف المحيطة آنذاك.

تعبيره عن حبّه لله

مفهوم الحبّ يعبّر عن حالة تعلّق خاصّ بين المرء وكماله، والإنسان يعشق الأشياء لأنّه يرى فيها سعادته، عن الإمام الباقر(عليه السلام): «يا زياد… ويحك، وهل الدين إلّا الحبّ، ألا ترى إلى قول الله -تعالى-: «﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ﴾ الدين هو الحبّ، والحبّ هو الدين»[4].

وفي «مناجاة المحبين» يصف الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) محبّته لله -تعالى- وإخلاصه له، فيقول: «إلهي، من ذا الذي ذاق حلاوة محبّتِك، فرامَ منك بدلًا، ومن ذا الذي أنس بقربك، فابتغى عنك حولًا… يا منى قلوب المشتاقين… ويا غاية آمال المحبّين…

[1] محمّد بن طلحة الشافعي، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، ص420.

[2] السيّد محمّد رضا الجلاليّ، جهاد الإمام السجّاد (عليه السلام)، ص114.

[3] المصدر نفسه، ص79، نقلًا عن معتزلة اليمن ص17-18.

[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج66، ص238.

42

31
الموعظة الخامسة: الإمام السجّاد (عليه السلام) قدوة وأسوة
أسألك حُبّك، وحبَّ من يُحبّك، وحبّ كلّ عمل يُوصلني إلى قُربك.. وأن تجعلَ حبّي إياك قائدًا إلى رضوانك، وشوقي إليك ذائدًا عن عصيانك… يا أرحم الراحمين»[1].

وللحبّ في القلوب درجات:

أ. الحبّ الضحل والضئيل، لا يكاد يشعر به صاحبه ولا ينفع لبناء علاقة بالله.

ب. الحبّ الذي يملأ القلب ولا يترك مجالًا لشيء آخر.

ج. الحبّ الذي لا يرتوي معه العبد من ذكر الله ومناجاته، كما مرّ في المناجاة.

فلسفة الجهاد في دعاء أهل الثغور

إنّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) وإن لم تتوافر له إمكانات التضحية والقتال إلى حدّ الشهادة، كما فعل أبوه الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء. لكنّه لم يفقد فرصة المقاومة بالدعاء لأهل الثغور بغضّ النظر عن الدولة القائمة على الظلم، فهو ينظر إلى ثغور المسلمين التي يشكّل حفظها حفظًا للمسلمين وحماية لأنفسهم وأعراضهم، وأموالهم التي يعتقد الإمام أنّها تدخل ضمن واجبات الإمامة ومسؤوليّات الإمام (عليه السلام).

لهذا نراه يفتتح هذا الدعاء العظيم، بقوله: «اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وحصّن ثغور المسلمين بعزّتك، وأيّد حماتها بقوّتك، وأسبغ عطاياهم من جِدَتك». ثمّ يدعو الله أن يمنحهم القوّة بزيادة

[1] الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، ص413.

43

32
الموعظة الخامسة: الإمام السجّاد (عليه السلام) قدوة وأسوة
العدد والعُدّة ما يؤدّي إلى نصرهم، بقوله (عليه السلام): «اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وكثّر عِدّتهم، واشحذ أسلحتهم، واحرس حوزتهم، وامنع حومتهم، وألّف جمعهم… واعضدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر».

لينتقل بعد ذلك إلى الدعاء لهم بالمعرفة والبصيرة كأهمّ عنصرين يحتاج إليهما المجاهدون، فيقول: «اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وعرّفهم ما يجهلون، وعلّمهم ما لا يعلمون، وبصّرهم ما لا يبصرون»[1].

لينتقل بعد ذلك إلى تحفيز كلّ أفراد المجتمع على مساعدة المجاهدين وتقديم العون لهم؛ لأنّ عدم قدرة الجميع على الحضور في الثغور لا يعفيهم من واجباتهم، في الدعم والعون والنصرة من بعيد، بالمال والعتاد ومختلف أنواع المساعدة، حتّى الدعاء. فقال (عليه السلام): «اللّهمّ وأيّما مسلم خَلَفَ غازيًا، أو مرابطًا، في داره، أو تعهّد خالفيه في غيبته، أو أعانه بطائفة من ماله أو أمدّه بعتاد، أو شحذه على جهاد، أو أتبعه في وجهه دعوةً، أو رعى له من ورائه حرمةً، فأجْرِ له مثل أجره، وزنًا بوزن، ومثلًا بمثل، وعوّضه من فعله عوضًا حاضرًا يتعجّل به نفع ما قدّم، وسرور ما أتى به…»[2].

[1] الصحيفة السجّاديّة، دعاء أهل الثغور.

[2] الصحيفة السجّاديّة، الدعاء السابع والعشرون.

44

33
الموعظة السادسة: العبّاس بن عليّ عطاء وإيثار
الموعظة السادسة: العبّاس بن عليّ عطاء وإيثار

بيان جوانب التضحية والفداء في سيرة أبي الفضل العبّاس، ومقامه عند أهل البيت (عليهم السلام).

محاور الموعظة

لمحة في سيرته العطرة
مكانته ورفعة مقامه
مواقف أبي الفضل العبّاس

تصدير الموعظة

أحقّ الناس أن يُبكَى عليه

فتى أبكى الحسين بكربلاء

أخوه وابن والده عليّ أبو

الفضل المضرّج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شيء

وجادله على عطش بماء[1]

[1] أبو الفرج الأصفهانيّ، مقاتل الطالبيّين، ص55.

45

34
الموعظة السادسة: العبّاس بن عليّ عطاء وإيثار
أبو الفضل العباس بن الإمام عليّ (عليه السلام) نموذج رائع وفريد من أبناء الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ولقد حاز أبو الفضل العبّاس قصب السبق في الفضائل ومكارم الأخلاق، فضلًا عن الشجاعة والعلم والإخلاص.

لمحة في سيرته العطرة

1. نسبه

هو من صميم الأسرة العلويّة، والدوحة الهاشميّة، فقد أخذ أبو الفضل العباس بأطراف رداء المجد من أبيه الإمام عليّ بن أبي طالب، ومن جهة الأمّ فهي السيدة فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيّة، وأبوها حزام من أعمدة الشرف عند العرب، في الجاهليّة والإسلام[1]، وكانت ولادته في سنة (26 ه‍ـ) في اليوم الرابع من شهر شعبان[2].

2. نشأته

نشأ أبو الفضل العباس (عليه السلام) في ظلال أبيه، فغذّاه بعلومه وتقواه، وأشاع في نفسه النزعات الشريفة، والعادات الطيّبة ليكون مثالًا عنه، وأنموذجًا لمثله، كما غرست أمّه السيّدة فاطمة في نفسه، جميع صفات الفضيلة والكمال، وغذّته بحبّ الخالق العظيم فجعلته في أيّام طفولته يتطلّع إلى مرضاته وطاعته، وظلّ ذلك ملازمًا له طوال حياته.

[1] أبو الفرج الأصفهانيّ، مقاتل الطالبيّين، ص56.

[2] الشيخ عليّ النمازيّ الشاهروديّ، مستدركات علم رجال الحديث، ج4، ص350.

46

35
الموعظة السادسة: العبّاس بن عليّ عطاء وإيثار
ولازم أبو الفضل أخويه السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام)، فكان يتلقّى منهما قواعد الفضيلة، وأسس الآداب الرفيعة، وقد لازم بصورة خاصّة أخاه الإمام الحسين (عليه السلام)، فكان لا يفارقه في حلّه وترحاله، وقد تأثّر بسلوكه، وانطبعت في قرارة نفسه مثله الكريمة وسجاياه الحميدة، حتّى صار صورة صادقة عنه يحكيه في مثله واتّجاهاته، وقد أخلص له الإمام الحسين كأعظم ما يكون الإخلاص، وقدّمه على جميع أهل بيته لِمَا رأى منه من الودّ الصادق له حتّى فداه بنفسه.

3. ألقابه

إنّ الألقاب التي تضفى على الشخص تحكي صفاته النفسيّة الحسنة، وقد أُضفيت على أبي الفضل (عليه السلام) عدّة ألقاب رفيعة تنمّ عن نزعاته النفسيّة الطيّبة، وما اتّصف به من مكارم الأخلاق، منها:

أ.قمر بني هاشم

كان العباس (عليه السلام) في روعة بهائه، وجميل صورته آية من آيات الجمال، ولذلك لُقِّب بقمر بني هاشم[1].

ب.السقّاء

وهو من أجلّ ألقابه، وأحبّها إليه، أمّا السبب في إمضاء هذا اللقب الكريم عليه فهو لقيامه بسقاية الإمام الحسين(عليه السلام)، فإنّه لما عطش الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد منعوه الماء، وأخذ العباس قربة ومضى

[1] أبو الفرج الأصفهانيّ، مقاتل الطالبيّين، ص56.

47

36
الموعظة السادسة: العبّاس بن عليّ عطاء وإيثار
نحو الماء، وجلب الماء للإمام (عليه السلام)[1]، وسمّي بذلك أيضًا لسقايته عطاشى أهل البيت (عليهم السلام) حينما فرض ابن مرجانة الحصار على الماء، وأقام جيوشه على الفرات لتموت عطشًا ذريّة النبيّ (صلى الله عليه وآله).

ج.بطل العلقميّ

أمّا العلقميّ فهو اسم للنهر الذي استشهد على ضفافه أبو الفضل العبّاس (عليه السلام)، وكان محاطًا بقوى مكثّفة من قبل ابن مرجانة لمنع ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنة، ومن كان معه من نساء وأطفال من شرب الماء، وقد استطاع أبو الفضل بعزمه الجبّار، وبطولته النادرة أن يجندل الأبطال، ويهزم أقزام ذلك الجيش المنحطّ، ويبلُغ ذلك النهر، وقد قام بذلك عدّة مرّات، وفي المرّة الأخيرة استشهد على ضفافه ومن ثمّ لقب ببطل العلقميّ، وهو القائل:

لا أرهب الموت إذ الموت رقى

حتى أواري في المصاليت لقا

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا

إني أنا العباس أغدو بالسقا[2].

د.حامل اللواء

ومن ألقابه المشهورة (حامل اللواء) لواء الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد خصّه به من دون أهل بيته وأصحابه؛ وذلك لما تتوافر فيه من القابليّات العسكريّة، ويعتبر منح اللواء في ذلك العصر من أهمّ المناصب الحسّاسة في الجيش[3].

[1] القاضي النعمان المغربيّ، شرح الأخبار، ج3، ص182.

[2] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص256.

[3] أبو الفرج الأصفهانيّ، مقاتل الطالبيّين، ص56.

48

37
الموعظة السادسة: العبّاس بن عليّ عطاء وإيثار
هـ .كبش الكتيبة

وهو من الألقاب الكريمة التي يختصّ بها القائد الأعلى في الجيش، الذي يقوم بحماية كتائب جيشه بحسن تدبيره، وقوّة بأسه، وقد أضفي هذا الوسام الرفيع على سيّدنا أبي الفضل؛ وذلك لما أبداه يوم الطفّ من الشجاعة والبسالة في الذبّ عن معسكر الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد كان قوّة ضاربة في معسكر أخيه، وصاعقة مرعبة ومدمّرة لجيوش الباطل[1].

و.باب الحوائج

وهذا من أكثر ألقابه شيوعًا، وانتشارًا بين الناس، فقد آمنوا وأيقنوا أنّه ما قصده ذو حاجة بِنيّة خالصة إلّا قضى الله حاجته، وما قصده مكروب إلّا كشف الله ما ألمّ به من محن الأيّام، وكوارث الزمان.

مكانته ورفعة مقامه

إنّ لأبي الفضل العبّاس مكانة عظيمة عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد أفصحوا عنها في العديد من الكلمات والزيارات المأثورة عنهم، وفيما يلي بعض هذه الكلمات المعبّرة عن تلك المكانة العظيمة، وهي:

1.الإمام زين العابدين

أمّا الإمام زين العابدين (عليه السلام) فهو من المؤسّسين للتقوى والفضيلة في الإسلام، وكان هذا الإمام العظيم يترحّم-دومًا- على عمّه العبّاس ويذكر بمزيد من الإجلال والإكبار تضحياته الهائلة لأخيه

[1] لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (عليه السلام)، موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام)، ص362.

49

38
الموعظة السادسة: العبّاس بن عليّ عطاء وإيثار
الحسين وكان ممّا قاله في حقّه هذه الكلمات القيّمة: «رحم الله العبّاس، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتّى قطعت يداه، فأبدله الله -عزّ وجلّ- بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعبّاس عند الله -تبارك وتعالى- منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة»[1].

2. الإمام الصادق

كان الإمام الصادق (عليه السلام) هو العقل المبدع والمفكّر في الإسلام فقد كان هذا العملاق العظيم يشيد دومًا بعمّه العبّاس، ويثني ثناء عاطرًا ونديًّا على مواقفه البطوليّة يوم الطفّ، وكان ممّا قاله في حقّه: «كان عمّنا العبّاس نافذ البصيرة صلب الإيمان جاهد مع أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وأبلى بلاءً حسنا ومضى شهيدًا»[2]، وفي كلمات الإمام الصادق(عليه السلام) مقامات عظيمة لأبي الفضل العباس، وهي:

أ.نَفاذ البصيرة

أمّا نَفاذُ البصيرة، فإنّه مُنبعث من سداد الرأي، وأصالة الفكر، ولا يتّصف بها إلّا من صفت ذاته، وخلصت سريرته، ولم يكن لدواعي الهوى والغرور أيّ سلطان عليه، وكانت هذه الصفة الكريمة من أبرز صفات أبي الفضل. فقد كان من نفاذ بصيرته.

[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص548.

[2] أبو نصر البخاريّ، سرّ السلسلة العلويّة، ص89.

50

39
الموعظة السادسة: العبّاس بن عليّ عطاء وإيثار
ب.الصلابة في الإيمان

والظاهرة الأخرى من صفات أبي الفضل (عليه السلام) هي الصلابة في الإيمان، وكان من صلابة إيمانه انطلاقه في ساحات الجهاد بين يدي ريحانة رسول الله مبتغيًا في ذلك الأجر عند الله.

ج.الجهاد والشهادة مع الحسين

وثمّة مكرمة وفضيلة أخرى لبطل كربلاء العبّاس (عليه السلام) أشاد بها الإمام الصادق (عليه السلام) وهي جهاده المشرق بين يدي سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيّد شباب أهل الجنّة، ويعتبر الجهاد في سبيله من أسمى مراتب الفضيلة التي انتهى إليها أبو الفضل، وقد أبلى بلاءً حسنًا يوم الطفّ لم يشاهد مثله في دنيا البطولات.

3. الإمام الحجّة

وأثنى الإمام المصلح العظيم بقية الله في الأرض قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) بكلمة رائعة في حقّ عمّه العبّاس (عليه السلام) جاء فيها: «السلام على أبي الفضل العبّاس بن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد، وحكيم بن الطفيل الطائي…»[1].

وقد ضمّ ديوان بطولات العبّاس ومواقفه الكريمة الشجاعة في واقعة كربلاء صفحات كثيرة مضيئة لكنّ أكثرها إضاءة وشهرة مواساته

شاهد أيضاً

أطائب الكلم في بيان صلة الرحم – الشيخ حسن الكركي

كتاب أطائب الكلم في بيان صلة الرحم من مخطوطات مكتبة آية الله المرعشي العامة (1) ...