نشرت تلفزة “روسيا اليوم” الناطقة بالعربية في موقعها الإليكتروني صباح السبت 23 يوليو/ تموز 2016، تحت عنوان “”صفقة” مقايضة الأسد مردودة على صاحبها”، مقالا استوعب أول تعليق ورد روسي على صفقة الوزير السعودي عادل الجبير بمقايضة موسكو “نفوذا” مقابل التخلي عن الرئيس الأسد. وجاء فيه:
سلّطت وسائل الإعلام الضوء على ما وصفته “صفقة” عرضها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على موسكو تلخصت في التخلي عن دعم الأسد لقاء نفوذ روسي يفوق السوفيتي في المنطقة.
اقرأ عرض “الصفقة” : السعودية تعرض على روسيا “حصة نفوذ” مقابل التخلي عن الأسد
بعد أن أقام وزير الخارجية السعودي المقارنة في النفوذ والتأثير الدولي بين بلاده، وروسيا الاتحادية، وأغراها باستثمارات خليجية لا تحصى وتفوق تلك التي توظفها الصين في الاقتصاد الروسي، بما يجعلها قوة تفوق الاتحاد السوفيتي، لازمت الدوائر الرسمية الروسية الصمت، في خطوة لمس فيها البعض رويّة تعرف عن الروس قبل الرد، واعتبرها آخرون، ردا طبيعيا على مقايضات ومقارنات واهية لا تستحق التعليق عليها.
ومن بين الشخصيات الروسية المعروفة في الوسطين الإعلامي والعلمي في روسيا والعالم العربي، علّقت على عرض الوزير السعودي، يلينا سوبينينا مستشارة المعهد الروسي للبحوث الاستراتيجية، والتي كان أبرز ما استخلصته من تصريح الجبير، أنه “بدائي، وينم عن ضعف الخبرة السياسية”.
وأشارت سوبونينا، إلى أن دور روسيا على الحلبة الدولية لا يقاس بـ”البترودولار”، ومصالحها لا تقتصر على الأسد، حيث قالت: “السيد الجبير، وزير حيوي وشاب، لكنه لا يتمتع بالقدر الكافي من الخبرة الدبلوماسية والسياسية التي تخوله تقييم دور روسيا وثقلها على الساحة الدولية. وزن بلادنا لا يقاس بـ”البترودولار” أو الريال السعودي”.
وأضافت: “لا يتوجب معالجة القضية السورية بهذا القدر من البدائية، وابتزاز موسكو مرفوض في هذه الحال، والقيادة الروسية لن تبدل من موقفها في المستقبل المنظور”.
ولفتت سوبونينا النظر إلى حفاظ موسكو على علاقات جيدة مع الرياض، وتمسكها بتطوير علاقات التعاون التجاري والاقتصادي معها، معتبرة أن “هذا التعاون قد يساعد في تجاوز الخلافات السياسية بين البلدين، بما فيها حول سوريا، إلا أنه من غير المقبول ابتزاز روسيا بهذا الشكل”.
وختمت بالقول: “ترى روسيا أنه لا بد في الوقت الراهن من حشد الجهود لمكافحة الإرهاب، عوضا عن بحث مسألة مستقبل الأسد السياسي”.
وعليه، وفي تحليل طرح سوبونينا يقول لها لسان حال المراقبين في الدوائر الروسية والأوروبية والعربية والتركية، وعلى خلفية الاعتداءات الإرهابية التي ما انفكت تضرب العالم وتتنقل بين مدائن الشرق الأوسط وبروكسل واسطنبول وباريس، أحسنت على ردّك الذي قلّ ودلّ.
كما يعجب المراقبون لتصريح الوزير السعودي، إذ جاء في وقت يجمع فيه فريق عريض من المتابعين، على أن الانقلاب التركي الفاشل الذي حاول الإطاحة بسلطة منتخبة وشرعية في بلد له ثقله في المنطقة والعالم، إنما كان نتيجة لإدراك القيادة التركية “وصول السكين إلى اللحية”، إثر تفجيرات اسطنبول التي أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أعقابها أنها من فعل “داعش”.
وزير الخارجية السعودي، تقول الأوساط الروسية، وفي طرحه على موسكو لمقايضة نفوذها في العالم برحيل الأسد، لا يشذ عن قاعدة ترسخت في أذهان الرّكب الذي لحقت به قيادات معسكر واسع في العالم، أسهبت في تكرار تعويذة “على الأسد الرحيل”، وتجاهلت ما يحدث على أراضي بلدانها حتى صار مواطنوها ورعاياها يقتلون دهسا بالشاحنات، وتقطيعا بالسواطير على أيدي مجرمي “داعش” وسواه.
فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، هدّد وتوعّد وأقسم لموسكو في أعقاب الاعتداء الإرهابي السابق على بلاده، بأن يتعاون معها على مكافحة الإرهاب، بل أرسل سربا كاملا من الطائرات، لضرب “داعش” في سوريا، لكنه سرعان ما صمت وعاد عن وعوده، فور أن هدأ غبار التفجيرات وانقشع دخان حريقها في بلاده، وذلك إثر مشاورات مع حلفائه الذين أقنعوه على ما يبدو، بضرورة تكرار تعويذتهم المعروفة المطالبة برحيل الأسد شرطا لإحلال السلام في المعمورة.
شاحنة “داعش” التي دهست العشرات مؤخرا في نيس، أيقظت هولاند وحكومته من غفوتهما، وأمدّتهما بقدر يحسدان عليه من الحماس لمكافحة “داعش” وصل بهما إلى درجة قصف الأخضر واليابس في منبج السورية، وقتل ما لا يقل عن 120 مدنيا، في جريمة غطاها حجاب إعلامي وإخباري، اضطر “المعارضة السورية المعتدلة” نفسها، لمناشدة تحالف واشنطن الدولي ككل، وقف القصف وتعليق الحل في سوريا إذا كان سيتم بهذه الطريقة.
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، “مايسترو” التسوية في سوريا، وقائد جوقة تخليص العالم من بلاء “داعش” الذي نشأ، وحسب وزير الخارجية الروسي، نتيجة لغزو قوات واشنطن العراق سنة 2003، لم يكف هو الآخر عن ترديد التعويذة، رغم الآمال التي علقها الكثيرون على اتصالاته الأخيرة مع موسكو، واشترط حسب لافروف أيضا، رحيل الأسد قبل أي تسوية.
قائمة أسماء ومناصب حفظة التعويذة المذكورة تطول وتطول، فيما كان من الأجدى تناسيها، أو وضعها على الرف كما ناشدت روسيا منذ البدايات الأولى للأزمة السورية، وقبل وصول الإرهاب إلى عقر دار الأوروبيين.
وعليه، وبالوقوف على ما خلصت إليه سياسة معسكر “التعويذة” المعقوفة للتسوية في سوريا والقضاء على الإرهاب الذي انتشر على أرضها وأرض العراق ووصل أوروبا عبر تركيا، لا تستعيد الذاكرة سوى السؤال الذي طرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من على منبر الأمم المتحدة خلال أعمال قمة الجمعية العامة الخريف الماضي على الحفظة، حيث قال: “هل تدركون ماذا فعلتم؟”!
أحسنت يا بوتين، قالها آنذاك مؤيدو الحل السلمي في سوريا، والمطالبون بالقضاء على الإرهاب، ممن اعتبروا ولا يزالون مؤمنين بأن الحل في سوريا لن يتم بإزاحة الحكومة الشرعية فيها عن السلطة، وإنما بعمل دولي مشترك يقضي على الإرهاب ويمهد الأرض أمام السوريين لتسوية أزمتهم بأنفسهم.