تعرض العراق الى هزة عنيفة عام 2003، ابرز مظاهرها انهيار شكل ومحتوى الدولة بشكل واضح، ضاعف هذا لانهيار جهل او تجاهل من تصدى للحكم لهذه الحقيقة، فلم تقم اي من الحكومات التي تعاقبت على ادارة الدولة، بإعادة بناء حقيقية، تتمثل بثورة ادارية تعيد الاسس وتصحح المسارات، بل استمر البناء على اسس منهارة، لذا اي صعود وتقدم للأمام سرعان ما ينهار، لتبدأ عملية ترميم عشوائي لا يمكنها ان تنتج بناء حقيقي.
ضاعت ثلاثة عشر عام ونيف من عمر العراق الجديد، بين انهيار وترميم دون اي حل وفي شتى الملفات.
حكومة السيد لعبادي التي ورثت الواقع المشار اليه، رفعت شعار الاصلاح، لكنها لم تدرك او ادركت وتجاهلت الاصلاح الحقيقي، جاءت النتائج كسابقاتها، شد وجذب وجدل وازمات بينية وشعارات خالية من المحتوى وشخصنه وتراشق اعلامي واتهامات.
التغيير الوزاري الذي اخذ حوالي نصف عام من عمر الحكومة، وهو لا يمثل ولا يمت بأي صلة للإصلاح، والسبب كما اسلفنا الاسس الخاوية، وربما سيتم تغيير في الدرجات الخاصة الاخرى والوقع يقول لن يحصل اي اصلاح لنفس السبب.
يحتاج الاصلاح لثورة ادارية شاملة، تبدأ بمناقشة القوانين وموائمتها مع النظام السياسي الجديد، ثم الانتقال الى اعادة النظر بالهيكليات المعتمدة في مؤسسات الدولة، بعدها الانتقال الى الملاكات وتوصيفها حسب حاجة كل مؤسسة لتصبح منتجة، انشاء قاعدة بيانات واضحة لكل ما يتعلق بمؤسسات الدولة “واجبات حقوق، ملاكات، موارد، اهداف، خطط، برامج” بعد الانتهاء من كل هذا، يمكن التفكير بالأشخاص من الوزير ومعيته من اصحاب الدرجات الخاصة، ليتم تقييم واقعي لكل متصدي من حيث النزاهة والكفاءة، هذا الطريق الواضح والمعروف للإصلاح، كل ما عداه شعارات فارغة من المحتوى، لا تثمر الا حرق اوراق وكفاءات لو توفرت لها الاسس الصحيحة، لتمكنت من تحقيق امال وطموحات الشعب العراقي.
رئيس الوزراء بعد ان حقق مطلبه بالتكنوقراط، اليوم امام مسؤولية كبيرة، فلم تعد امامه مبررات، فهو من اختار التكنوقراط، الذي وصف كعلاج لأمراض البلد ومشاكلة التي اصبحت مستديمة، واي فشل سيشكل صدمة ويأس للشعب الذي هتف ضد المحاصصة لصالح التكنوقراط، وليس امام رئيس الوزراء الا الدعوة للثورة الادارية، واستثمار التكنوقراط لقيادة هذه الثورة في وزاراتهم، والتفكير باستثمار الموارد البشرية بالشكل الصحيح، بوضع اليات لتعظيم موارد الوزارات والدوائر المختلفة، بما متوفر من عناصر يمكنها ان تتحول الى عناصر انتاج كالأراضي والبنايات والعقول والطاقات البشرية، لتحويل المعاناة التي تسببها جيوش الموظفين العاطلين عن العمل، الى عناصر انتاج، ويمكن الاستفادة من القروض التي يقدمها البنك المركزي للمشاريع الانتاجية في مختلف النشاطات، قد يصطدم هذا بالقوانين، لذا اسلفنا بأن اصلاح القوانين اول مظاهر الثورة الادارية.
هناك وزارات لا تمتلك مقومات او عناصر انتاج، يمكن في هذا الحال تقليص دوام موظفيها، لتوفير اجور نقلهم واشغالهم للبنايات وصرف الطاقة والجهد الاداري، او توزيع الفائض على وزارات اخرى تقدم خدمة مباشرة للمواطن، لغرض استيعاب الزخم الحاصل عليها، بعد ادخال هؤلاء الموظفين في دورات تخصصية في عمل الوزارات المنقولين اليها، الواقع والتجربة يقولان لا اصلاح؛ بدون ثورة ادارية شاملة.