بحضور ممثل المرجعية العليا في اوربا، سماحة العلامة السيد مرتضى الكشميري، استضافت مؤسسة الامام علي (ع) في لندن، عددا من الخطباء والمبلغين للتشاور معهم في ظرف التبليغ بالمملكة المتحدة، مغتنمين فرصة تواجد سماحة العلامة السيد منير الخباز الذي ابتدأ حديثه بالاية الكريمة ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون)) حيث اشار: ان الاية الكريمة تضمنت ثلاثة عناصر للمبلّغ الناجح:
العنصر الاول : التفقه في الدين، وهناك فرق بين عنوات التفقه في الدين وفهم الدين، فلا يكفي في المبلّغ ان يكون فاهما للدين ومحيطا بعلومات عامة عن الدين وانما المطلوب منه ان يكون متفقا، فأن التفقه في الدين عبارة عن الوصول الى كنه مفاهيم الدين وسبر اغواره وتحصيل معارفه اصولا وفروعا استنادا الى العمق والدقة في ذلك فاذا لم يكن متوفرا على معرفة دقيقة عميقة عن الدين فان ذلك يعيق تبليغه عن التاثير والنجاح.
العنصر الثاني: الانذار، والانذار ليس هو مطلق التبليغ وايصال الاحكام او المعارف العقائدية الى المكلفين، وانما الانذار هو عبارة عن ربط المعارف اصولا ووقوعا في الواقع المعاش الذي يعيشه المكلفون، وهذا يعني ان الانذار فن من الفنون يحتاج ان يتقنه المبلّغ، لان الانذار عبارة عن تذكير المكلف بالمبدأ والمنتهى، اي تذكيره بالله وتذكيره بالاخرة، وهذا انما يتحقق اذا استطاع المبلّغ ان يربط المعارف الدينية في الاصول والفروع باثارة احساس المكلف وايقاضه لاستذكار ربه واسذتكار اخرته.
العنصر الثالث: التحذير، حيث قالت الاية ((ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون)) فليس المطلوب مطلق الانذار، بل المطلوب الانذارالمؤدي الى الحذر، و الانذارالمؤدي الى الحذر هو الانذار المؤثر في العقول وفي النفوس، وهنا ينبغي ان يتوفر المبلّغ على عدة مواصفات وركائز تجعل من انذاره انذارا مؤثرا فاعلا: الركيزة الاولى: التجديد في المضامين والاطروحات، فينبغي على المكلف بين فترة واخرى تجديد اطروحاته وتجديد معلوماته وتجديد المضامين التي يقوم بطرحها على المكلفين باعتبر ان المواكبة للثقافة المعاصرة والمواكبة لما يستجد من معلمومات في الحوزات العلمية والمواكبة فيما يتجدد في المعلومات العامة الانسانية تودي الى الانفعال والتأثر من قبل المستمعين للمبلّغ، خلاف اذا ما كانت معلوماته واطروحاته الفعلية هي السابقة قبل عشرين او اربعين سنة، فأن هذا يؤدي الى ان تكون هناك فجوة بينه وبين المستمعين.
الركيزة الثانية: التطوير في الاساليب، فأن لكل زمن اسلوبا ولكل بلد اسلوبا ولكل طبقة من المستمعين اسلوبا ولكل مضمون من ترغيب او ترهيب او موعظة او ارشاد او شرحا او محاضرة اسلوبا، فالتطوير في الاساليب بين فترة واخرى ركيزة ضرورية لنجاح التبليغ، وهذا يعني ان على المبلّغ بين فترة واخرى ان ينقد ذاته بأن يحاسب نفسه على الاساليب التي يستخدمها في ايصال الفكر الديني، فقد ورد عن النبي (ص) (حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا) وهذا لا يختص بمحاسبة النفس عن الذنوب و المعاصي بل يشمل محاسبة النفس في اساليب ايصال الدين اصولا وفروعا الى المكلفين فان هذه المسؤولية من اعظم المسؤليات التي يحاسب عليها الانسان ولذلك ينبغي التركيز على محاسبة النفس وقراءة التجربة ومتابعة الاسالبيب بين فترة واخرى لاختيار الاسلوب الافضل والانجح في ايصال الدين الى العقول والنفوس.
الركيزة الثالثة: ان يكون المبلّغ على اتصال بأهل الاختصاص في معالجة اي مشكلة فكرية او اجتماعية، فنرى كثيرا من المبلغين يطرحون مشاكل اجتماعية من طريق المنبر كمشكلة الطلاق او التفكك الاسري او قطيعة الارحام او المشاكل الخلقية السلوكية، ولكنه يطرحها كمشكلة قائمة من دون ان يختار الاسلوب الموضوعي لطرحها، والمنهج الموضوعي في طرح المشاكل يقتضي ان تبحث المشكلة بحثا ميداينا بالاعتماد على اهل الاختصاص وهم علماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء التربية حيث ان لكل مشكلة اسباب ونتائج وطرق علاج وتحديد الاسباب والنتائج، وطرق علاج اي مشكلة اجتماعية لا يمكن ان يقوم به رجل الدين وحده بل يحتاح الى متخصصين في هذه المجالات باستشارتهم ثم يقوم بطرح المشكلة على المنبر طرحا موضعيا يستفيد منه كل مستمع، وكذلك بالنسبة الى المشاكل الفكرية فلابد ان يقوم بمراجعة اهل الاختصاص في كل حقل فكري بحسبه ليكون الطرح طرحا موضوعيا متكاملا.
الركيزة الرابعة: التواصل المباشر مع الشباب الذين يركز عليهيم سماحة المرجع الاعلى ويراهم زاد المستقبل، اذ لا يكفي في معالجة مشاكلهم الفكرية والسلوكية مجرد المحاضرات، بل لابد من التواصل المباشر معهم بالجلسات لاستماعهم بمعرفة همومهم الشخصية الاجتماعية والاصغاء الى مقترحاتهم واعانتهم على حل مشاكلهم بانفسهم وان اقتضى التواصل المباشر قضاء ساعات طويلة من الفراغ مع هؤلاء الشباب مجتمعين او منفردين، كل ذلك في سبيل ان تشعر هذه الفئة من المجتمع وهي فئة الشباب بأن الدين يواكبها وينفس عن همومها ويحل مشاكلها مما يوجب انجذابا لهم نحو الدين ونحو القيم.
الركيزة الخامسة: ان يكون المبلّغ متحليا بالقيم الخلقية الجذابة، فالمرجع الاعلى السيد السيستاني دام ظله يقول (ان الناس لم يعتنقوا الدين اعتمادا على براهين عقلية ومنطقية قادتهم الى الاقتناع بالدين واعتناقه، وانما اعتنقوا الدين تاثرا برجال الدين) اي انهم لما رأوا رجال الدين اصحاب اخلاق رفيعة واصحاب قيم سلوكية سامية انجذبوا للدين من خلال مظهر رجل الدين، فالعامل المؤثر في جذب الناس الى الدين هو القيم السلوكية التي يحملها رجل الدين، فاذا كان رجل الدين امينا متواضعا صادقا بحيث يراه الناس مظهرا للخلق الرفيع الذي اتسم به الائمة الطاهرون (ع) كان ذلك عاملا في جذب الناس الى الدين واعتقادهم بالدين، واما اذا كان المبلّغ او رجل الدين معاكسا للقيم الخلقية العالية كان ذلك عامل ارتداد عن الدين وسببا في نفور الناس من الدين، ولذلك قبل كل تبليغ وقبل كل انذار وتحذير على المبلّغ ان يتسم بالخلق الجذاب نحو الدين ومعارفه التي يقوم بتبليغها.
وفي الختام استمع الى مداخلات الحاضرين واجاب على استفساراتهم