الرئيسية / تقاريـــر / ما هي أسباب العنف السياسي في العراق؟-عبدالله أحمد

ما هي أسباب العنف السياسي في العراق؟-عبدالله أحمد

كتاب “العنف السياسي في العراق المعاصر” للباحث العراقي ناظم نواف إبراهيم هو بحث في العوامل والأحداث التاريخية والصراعات السياسية والأطماع الخارجية التي أدت إلى تفاقم العنف بمختلف أشكاله وبالأخص العنف السياسي، من عام 2003 وصولاً إلى عام 2010.

  يبحث الكتاب النتائج المدمرة لغزو العراق من قبل القوات الأميركية – البريطانية عام 2003. كما يدرس العوامل الداخلية والمتغيرات الدولية وأثرها في تفشي هذه الظاهرة.الكتاب المؤلف من خمسة فصول يطرح في المقدمة أسئلة إشكالية حول ماهية العنف باختلاف المجتمعات وتباين حضارتها، وتباين المفاهيم حول مظاهر العنف وأسبابه ودوافعه حيث من الصعب الوقوف على أنماط وحقائق ثابتة تكمن وراء ظهور العنف وتوسعه.يستعرض الكاتب تعاريف مختلفة للعنف منها تعريف بييرفو بأن “العنف هو ضغط جسدي أو معنوي ذو طابع فردي أو جماعي ينزله الإنسان بالإنسان بالقدر الذي يتحمله على أساس أنه مساس بممارسة حق أقر بأنه حق سياسي”، وله أشكال مختلفة منها العنف السياسي عندما تكون دوافعه وأهدافه سياسية، أي استخدام القوة أو التهديد لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين لتحقيق أهداف سياسية. إلا أنه لا بد من التمييز ما بين العنف السياسي الذي يتمثل في الاستخدام الفعلي للقوة المادية من قبل الأنظمة السياسية ضد الأفراد  أو من قبل الأفراد ضد النظام السياسي لتحقيق أهداف سياسية، وما بين الإرهاب المتمثل في القتل والتدمير والتخريب الموجه ضد طرف ما فرداً أو جماعة أو شعباً أو دولة أو أمة بكاملها ..

فهو بذلك عدوان ومحاولة لنشر الذعر والفزع لأغراض سياسية.كما يبيّن الكاتب الحدود ما بين العنف السياسي والصراع السياسي حيث أن التصادم والتعارض بين طرفين أو أكثر بينهم اختلافات قيم ومصالح وانخراطهم في مجموعة من ردود الأفعال الإرغامية ينتج عنها الأذى والضرر بالطرف أو الأطراف الأخرى، مع سعى كل طرف إلى تعظيم مكاسبه وقوته. كذلك يفرق الكاتب ما بين العنف السياسي وعدم الاستقرار السياسي، حيث أن عدم الاستقرار السياسي يعني وجود عناصر الاضطراب داخل النظام، بسبب اختلال التوازن بين مختلف القوى وبصورة غير سلمية، مما يعرّض النظام للخطر.في المبحث الثاني يضيء الكاتب على مظاهر وأشكال العنف السياسي، حيث يبرز صور العنف بالشكل التقليدي المتمثل بمظاهر الحرب التي تعرف بأنها درجة متصاعدة وحادة من العنف السياسي فيما بين الدول، ولها نتائج مؤلمة من انهيار في الاقتصاد وتفشي البطالة والتضخم، وازدياد الديون المتراكمة وظهور طبقة جديدة من المجرمين، إضافة إلى انتشار الفساد والسوق السوداء والتهريب، وانخفاض مستوى الدخل الإجمالي للبلد أو البلدان المجاورة. كما يعتبر الكاتب الصراع الأقل حدة والذي يولد أعمال العنف الداخلية تشمل الاضطرابات والانقلابات والثورة.

كما يبحث الكاتب في أسباب ومثيرات العنف السياسي، ابتداء من التفسيرات السيكولوجية والعصبية، وصولاً إلى العدوان أو كنتيجة للكبت وغياب الحريات وأن احتمال حدوث العنف الاجتماعي أو السياسي هو متعلق بمدى وشدة السخط الناجم عن عدم الرضا المشترك بين أعضاء مجتمع ما، ونظر الأفراد إلى النظام السياسي على أنه المسؤول عن حالة عدم الرضا.يستعرض الكاتب في الفصل الثاني تطور ظاهرة العنف السياسي في العراق المعاصر، ابتداء من أثر التركيبة الاجتماعية والسياسية في العراق، حيث أن المجتمع العراقي مكون من عدة جماعات عرقية واثنية ومذهبية واجتماعية، فضلاً عن الجماعات الحضرية والريفية ضمن عزلة طبيعية تعيش في ها هذه الجماعات نتيجة قلة وسوء الموصلات وعدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بمعالجة موضوع الأقليات معالجة جذرية وسلمية.

كما يبرز الباحث دور التباين الديني والطائفي في نشوء العنف، فالانقسام الإسلامي ما بين الشيعة والسنة ووجود طوائف مختلفة مثل اليهود والصابئة في ظل التمايزات الاجتماعية القائمة على العصبية والولاءات الفرعية ولّدت ممارسات وقيم رفض الآخر. ففي ظل التنوع القائم وكون الصراع الطائفي قد وجد منذ صدر الإسلام، حيث شهدت بغداد في العصر العباسي معارك مذهبية وانتهاك حرمات المراقد المقدسة، وبلغ الصراع ذروته في فترة الحروب المتقطعة بين الدولتين الفارسية والعثمانية للسيطرة على العراق، حيث كانت هذه الحروب من أكثر الأساليب تفريقاً وتفكيكاً لوحدة السكان في منطقة واحدة.

ويضيف الكاتب أن الأرقام المتاحة تشير إلى أن ما يسمّى بالنزاعات العرقية تسبب في مقتل  أكثر من 1,2 مليون نسمة في العراق، حيث ساهمت في انتعاش ظاهرة العنف السياسي الصراعات والعنف السياسي والاحتلال البريطاني إذ وقفت بريطانيا في مواجهة إرادة المجتمع  بالحديد والنار وتنفيذ المجازر الوحشية لتحقيق أهدافها في العراق حيث استخدمت العنف والإرهاب السياسي لأجل ذلك.واستمر العنف في أعقاب ثورة تموز يوليو 1958 والمراحل التالية وما رافقها من تجاوزات ومؤامرات وانقلابات سياسية، وصراعات حزبية ما بين البعثتين والقوميين والشيوعيين، وإعدام  وتصفية المعارضات في السجون حيث فشلت نظم الحكم المختلفة في الحد من هذه الظاهرة،   بل ساهمت في استمرار العنف السياسي حالات العنف التي نتجت عن قمع التمرد الكردي في شمال العراق، وأدت الحرب العراقية – الإيرانية التي ركزت عليها الدعاية الإعلامية على أنها صراع طائفي ومذهبي إلى تفاقم العنف في المجتمع العراقي، إضافة إلى ما خلفته حربا الخليج الأولى والثانية واجتياح القوات الأميركية للعراق من نمو وتفاقم ظاهرة العنف بمختلف أشكاله.

في الإطار التاريخي لظاهرة العنف السياسي، يرى الكاتب أن الصفات التي يوسم بها الشعب العراقي عموماً هي القسوة والصلابة والشراسة والتطرف والعنف في التعامل في ما بينه ومع الآخرين. وهذه الصفة الثابتة منذ القدم هي نتاج الاستبداد من جانب الدولة إزاء المجتمع، وهي صفات لا تزال تتجلى في أفعال الفرد والمجتمع، مع عدم إنكار المزايا الإيجابية مثل الكرم الفائق والطيبة والشجاعة والجدية وقوة الاحتمال أمام المحن.فقد شهد العراق عبر تاريخه الطويل ممارسات فردية استبدادية وأعمال عنف من قبل الحكام، فمن بطش الحجاج بن يوسف الثقفي في العصر الأموي وما تميّز به من قتل وترهيب لمعارضيه، وصولاً إلى مذبحة كربلاء حيث قتل يزيد بن معاوية الإمام الحسين وحُمل رأسه على رمح مع السبايا إلى الشام.

وفي هذا السياق يذكر الكاتب العنف والقتل الذي مارسه أبو العباس السفاح ضد خصومه الأمويين، ويشير إلى الخليفة المهدي أكثر خلفاء العباسين قسوة وعنفاً في مطاردة خصومه “الزنادقة”، من دون أن يغيب عن الأذهان الغزو المغولي واستباحة هولاكو لبغداد لمدة 40 يوماً حيث وصل عدد القتلى خلالها إلى ستين ألف قتيل.فالصورة المكررة في العراق هي صورة المدينة التي تتكدس في طرقاتها جثث القتلى وأشلاء الموتى وجثث الناس ويبيع الناس أطفالهم ليأكلوا بثمنها.

ويخلص الكاتب إلى أن هذه الممارسات ستستمر وكأنها سلسلة لا تنقطع بسبب الأخطاء الفاحشة التي كانت ولا تزال ترتكب في هذا البلد من قبل قوات التحالف الأميركي – البريطاني وأعوانهم لتصفية حسابات قديمة مع العراق فضلاً عن مصالحهم السياسية.في الفصول التالية يبحث الكاتب في أثر المتغيرات الدولية والإقليمية والداخلية في تنامي العنف السياسي في العراق، وأثر النظام العالمي الجديد والذي تميز بتفرد الولايات المتحدة وهيمنتها وإتباعها المنهج العسكري المدمر ضد العراق، وكذلك أثر العولمة وما أفرزته من سياسات تهدف إلى الهيمنة الاقتصادية والاستيلاء على الثروات، وصولاً إلى الصراع الإقليمي والتدخلات الإيرانية والتركية والسعودية والإسرائيلية، إضافة إلى المتغيرات الداخلية وبالأخص انتفاضة الجنوب والشمال في عام 1991، والصراع على كركوك والاختلافات السياسية بما يتعلق بالفيدرالية. كلها عوامل أدت إلى تفاقم ظاهرة العنف السياسي في العراق.

ويتعمق الكاتب في تداعيات حرب واحتلال العراق من تدهور الوضع الأمني والذي أدى إلى تنامي الصراع الطائفي وما أفرزته من حركة مقاومة، وأعمال إرهابية وتداعيات وصراعات سياسية وإخفاق مسار المصالحات الوطنية وأثر ذلك كله في تفاقم ظاهرة العنف.في استنتاجات البحث حول ظاهرة العنف السياسي في العراق المعاصر، يخلص الكاتب إلى أن ظاهرة العنف السياسي وان كانت ليست حالة شاذة وفريدة من نوعها في تاريخ الإنسانية، فإن آثارها السلبية تصل إلى تهديد الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية للعراق وتؤثر على مستقبله، وهذا العنف ليس وليد الصدفة، فهو مخطط له مسبقاً من قبل المناوئين للعراق وبالأخص الولايات المتحدة اللاعب الأكبر في صنع الأزمات (العنف).

إن الوصول إلى الاستقرار السياسي يستدعي مراجعات وجهود تبذل في مكافحة الفقر والبطالة، وتصحيح مسارات تشكيل الأحزاب والعملية السياسية، ومعالجة القضايا الإشكالية مثل قضية كركوك. ويستدعي الحد من العنف أيضاً الحد من التدخلات الإقليمية والدولية في العراق، وذلك مرتبط إلى حد ما باتجاه الدولة إلى ترصين السيادة وتوضيح المؤشرات بين مصالح العراق والآخرين.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...