بيوت اللبن وأكواخ القصب المتواضعة في ربوع جنوب الوطن الحبيب أنجبت جيلًا من المؤمنين الرساليين، حملوا على عاتقهم لواء تغيير الواقع المرير والأيام السوداء التي أناخت بكلكلها على عراق المقدسات إثر تولي عصابات البعث زمام ومقدرات الشعب.
ومن بين من أنجبته تلك البيوت هو گاطع فقد ولد في منطقة الحلفاية التابعة لمحافظة ميسان عام 1962م، ثم انتقلت أسرته للسكن في منطقة اليگعة في ناحية المشرح.
عاش وسط أسرة طيبة فتعلم منها الطيبة والسجايا الحميدة، كما تعلم الرفض للظلم من تلك العشائر العربية الأصيلة، وظهر ذلك جليًّا أثناء دراسته الإعدادية في مدارس قضاء المشرح.
في نيسان عام 1984م، وبعد المضايقات التي تعرض لها أبناء العشائر، قرر گاطع الهجرة مع أسرته متخذين من أهوار الجنوب طريقًا للخلاص، مجتازين الكمائن والدوريات في رحلة شاقة محفوفة بالمخاطر فوصلوا إلى منطقة الرفيع( ) بتاريخ 05/05/1984م وبعد ثلاثة أشهر نقل مع أسرته إلى مخيم عماربن ياسر في مدينة خرم آباد، وفي ذلك المخيم كان قدوة للشباب وكان له دور في حل المشاكل بين الناس رغم وجود من هو أكبر منه سنًّا فقد كان مدرسة في الأخلاق وكانت كلمته مسموعة، وهناك تنفس أبوجهاد الصعداء وعبير الحرية فبعد ان استقرت أسرته واطمئن عليها فضل الجهاد في سبيل الله على الدراسة في الحوزة العلمية فالتحق بالدورة العاشرة — دورة سيد الشهداء— لقوات بدر بتاريخ 01/06/1984م وبعد انتهاء الدورة بشقيها العسكري والعقائدي نسب على الفوج الثالث واشترك معه في العديد من الدوريات القتالية والكمائن والواجبات الأخرى داخل هور الحويزة.
امتاز بالهدوء والرزانة وحسن معاشرته وكان خدومًا لأخوته المجاهدين، كما امتاز ايضا بكثرة عبادته كتلاوة القرآن الكريم والأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهمالسلام وبكثرة النوافل.
كانت محطته الأخيرة عمليات عاشوراء، فقد استعد وتهيأ قبل العمليات بيوم وشاهد المجاهدون ذلك الاستعداد غير المألوف. وهنا يقول عنه المجاهد أبومهدي البغدادي: «كنت قبل العمليات بيوم واحد أنظر إلى وجه الشهيد يشع بالنور وكان ذلك يوحي إليّ بأن أباجهاد سوف يستشهد في هذه العمليات فطلبت منه ان يقسم لي بأن يكون لي شفيعًا إذا ما استشهد فاستجاب لطلبي مبتسمًا قائلًا “إذا كنت من أهل الجنة والشفاعة فسوف أشفع لك إن شاء الله” وفعلًا استشهد في تلك العمليات.
بدأت العمليات وكان واجب الفوج الثالث شمال غرب بحيرة أم النعاج في مناطق الولد والمچري( ) وغيرها فانقض أبوجهاد وأخوته على أوكار العملاء — الذين أذاقوا الأسر المهاجرة من ظلم البعثيين العذاب — التي تهاوت الواحدة تلو الأخرى خلال دقائق معدودة، وفي الصباح أصيب أبوجهاد بشظية مدفع في رأسه وسقط شهيدًا في 24/10/1985م ليصبغ تلك الأهوار بدمه القاني، تلك الأهوار التي تربى فيها وعلى ضفافها وقاتل وفاءًا لها ودفاعًا عنها.
سلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيًّا
من وصيته رحمهالله:
﴿﴾ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴿﴾( ).
إني المجاهد أبوجهاد الساعدي وصيتي أكتبها من الخط الأول لقتال الحق ضد الباطل إلى كل المسلمين، وأوصيهم بالعمل وفق ما يريده القرآن والشريعة السماوية، وأوصيهم أن لايكونوا من الذين حملوا الدنيا على أكتافهم بلا هدف يوصلهم إلى مرضاة الله، وان يجعلوا طريقهم طريق القرآن لأنه خط النجاة في الدنيا والآخرة.
وأوصي أهلي وأخواني المؤمنين بأن الإيمان ليس مجرد الصوم والصلاة بل إيمان المشاعر كلها، فاجعلوا هذه الآية في قلوبكم: ﴿﴾ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴿﴾( ). وأوصيهم بأن منزلة الشهيد عند الله منزلة عظيمة وأن يعلموا بأن الجهاد فرع من فروع الدين ولا يمكن التخلف عنه بدون عذر، واعرفوا ان الجهاد اليوم هو جهاد الإمام الحسين عليهالسلام في كربلاء…
أحد مقرات الفوج الثالث بالقرب من شط الدوب في هورالحويزة 1985م
الشهيد أبوجهاد الساعدي 2. الشهيد شهيد عبدالحسين (أبوكرارالظالمي