الوقت – مع دخول الأزمة السورية عامها السابع وفي الوقت الذي لازال فيه الصراع العسكري هو الحاكم في هذه الأزمة بعد انحسار فرصة الحل السياسي، توقع بعض المراقبين حصول تطور ملحوظ في مجريات الأحداث إثر تسلم الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” مهام عمله في البيت الأبيض قبل شهرين.
وأعلن ترامب في البداية عن نيته إقامة ما أسماه “مناطق آمنة” في سوريا بالاتفاق مع روسيا وأشار في تصريح إلى أنه أوعز إلى وزير الدفاع الأمريكي “جيمس ماتيس” بإعداد خطة متماسكة للقضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا والعراق خلال شهر واحد، ولكن لم نرَ حتى الآن أي تغيير ملموس في السياسة الأمريكية رغم مرور شهرين على هذا التصريح.
والشيء الوحيد الذي قامت به واشنطن هو زيادة الدعم للقوات الكردية في شمال سوريا وهي ذات السياسة التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” خلال الأشهر الأخيرة من تواجدها في البيت الأبيض.
والمتغير الجديد الذي طرأ على هذه المعادلة هو موقف أنقرة، حيث سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمسؤولين الآخرين إلى انتهاج سياسة تهدف إلى استمالة إدارة ترامب للوقوف إلى جانبهم وتأييد موقفهم إزاء الأزمة السورية.
ويتلخص الموقف التركي بالتصدي للأكراد السوريين المنضوين تحت قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الموالي لحزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور في تركيا والمصنف كمنظمة إرهابية.
وتخشى أنقرة من تمكن أكراد سوريا من إقامة منطقة حكم ذاتي في شمال وشمال شرق هذا البلد لاعتقادها بأن ذلك من شأنه أن يمهد الأرضية لإقامة منطقة مماثلة لأكراد تركيا في جنوب وجنوب شرق البلاد.
يأتي هذا في وقت تسعى فيه واشنطن إلى السيطرة على مدينة الرقّة السورية “العاصمة المزعومة لداعش” من خلال دعم القوات الكردية التي تمكنت في وقت سابق من تحرير قرى كثيرة في المناطق المحيطة بهذه المدينة ونجحت لأول مرة في الوصول إلى أطراف مدينة “دير الزور”.
وفي وقت سابق قامت القوات الأمريكية بنشر بطاريات مدفعية قرب الرقة، فيما تمّ نشر بطارية “هاوتزرز” من عيار 155 ملمتراً في أحد المراكز الأمامية في سوريا. كما أشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن 500 جندي من مشاة البحرية الأمريكية قد وصلوا الأسبوع الماضي إلى سوريا لدعم “قوات سوريا الديمقراطية” ذات الأغلبية الكردية في دخول الرقّة.
ويبدو أن القوات الأمريكية والكردية تعتزم السيطرة على الرقّة في وقت قريب بعد أن تمت محاصرتها بشكل كامل من قبل هذه القوات قبل نحو شهر. ويتوقع المراقبون أن تحصل كوارث إنسانية خلال عمليات تحرير الرقّة خصوصاً بعد أن تم تدمير جميع الجسور المحيطة بهذه المدينة.
في مقابل ذلك تعتقد كل من إيران وروسيا والحكومة السورية بأن هدف القوات الأمريكية ليس تحرير الرقّة بقدر ما تسعى لاقتطاع جزء من الأراضي السورية للتمهيد لإقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد في شمال وشمال شرق البلاد وهو ما تخشاه أنقرة أيضاً كما أسلفنا.
ويبدو أن هذه الاستراتيجية تمثل الورقة الوحيدة في اللعبة الأمريكية التي تسعى واشنطن من خلالها إلى إيجاد موطئ قدم لها في سوريا والتدخل في شؤون هذا البلد بحجة محاربة الإرهاب وذلك في إطار خطتها الرامية إلى إقامة حزام أمني في المناطق الممتدة بين غرب العراق وشرق سوريا.
وتسعى واشنطن من خلال ذلك إلى لعب دور أكبر في سوريا يمكنها بالتالي من فرض شروطها في أي مفاوضات سياسية قادمة ترمي إلى تسوية الأزمة في هذا البلد.
ويرى المحللون بأن هدف إدارة ترامب النهائي من وراء عمليات الرقّة ودعم الأكراد يكمن بتعزيز وجود القوات الأمريكية في العراق وسوريا لحفظ التوازن العسكري والسياسي مع كل من روسيا وإيران اللتين تمكنتا من خلال دعم القوات السورية من تحقيق انتصارات كبيرة على الجماعات الإرهابية، وعلى أنقرة أن تدرك أن واشنطن بصدد تقوية نفوذها في المنطقة عبر البوابة الكردية حتى وإن أدى ذلك إلى تجاهل مطالبها بضرورة منع الأكراد من إقامة منطقة حكم ذاتي قرب الحدود التركية الجنوبية المتاخمة لشمال وشمال شرق سوريا.