الرئيسية / من / طرائف الحكم / التوسل والاستغاثة بالزهراء ( عليها السلام )

التوسل والاستغاثة بالزهراء ( عليها السلام )

تتمة-

البحث الثاني
حقيقة السر المستودع في فاطمة ( عليها السلام ) 

أقول : يظهر من هذا الحديث عدة أمور أهمها :
إن أهل البيت ( عليهم السلام ) عندهم أسرار قد آمنهم عليها رب العزة لا يتحملها غيرهم
ولا يخرجونها إلى أحد منهم مكلفون بها وبحملها والحفاظ عليها وهذا هو معنى
” حفظة سر الله ” الوارد في الزيارة الجامعة الكبيرة ، وأيضا قوله ( عليه السلام ) أن عندنا . . . وعلما
من علم الله يعني حكمة الله تعالى أنهم هم الودائع لها وهذا معنى قوله في الزيارة
ومستودعا لحكمته ، وعلى هذا تكون هذه الأسرار خاصة بهم لا يخرجونها إلى
غيرهم فهم أولى بحملها من غيرهم لأنهم فقط الذين يحتملونها . وكذلك عندهم سر
من أسرار الله تعالى وعلما من علم الله تعالى احتمله نبي مرسل وملك مقرب وعبد
امتحن الله قلبه للإيمان وقد عبر الرواية أن هذه الأسرار والعلوم لا يحتملها إلا من هو
مخلوق من طينتهم وهم الشيعة الحقيقيين ، الذين بشرهم هذا الحديث بالدعاء من قبل
الإمام ( عليه السلام ) لهم بأن تكون حياتهم مثل حياة أهل البيت ( عليهم السلام ) .

 
إذن يظهر من هذا الحديث وأحاديث مأثورة عنهم ( عليهم السلام ) أنهم كانوا يحملون أسرار الله
تعالى قد أودعها الباري عز وجل فيهم وكما بينت ذلك الفقرات الواردة في الزيارة
الجامعة ، وبما أنهم ذرية الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها
والتي قد أقر بفضلها ومحبتها جميع الأنبياء والبشر وأنها كانت مفروضة الطاعة وعلى
معرفتها دارت القرون الأولى ، تكون عندئذ أيضا حاملة للأسرار الإلهية لأنه كيف
تكون حجة الله على الأئمة وكما ورد ذلك في الحديث المأثور عن الإمام الحسن
العسكري ” نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا ” وهم حاملين
للأسرار وهي تكون غير حاملة لها ؟ ولكن السؤال الذي ينقدح في المقام هو كيف
كانت مستودعا للسر الإلهي وما هو حقيقة هذا السر المستودع ؟ كل هذه الأسئلة لا بد
من إدراكها وعلى ما نحتمله لكي نعرف فاطمة ولو معشار عشر المعرفة التي فطمنا
عنها – أي عن معرفة فاطمة ( عليها السلام ) .

 
أقول : قبل أن ندخل في تفاصيل السر المستودع وحقيقة ماهيته لا بد أن نرى كيف
اقتضت ذات الزهراء لحمل الأمانة الإلهية التي جعلها مستودعا لها ، وهذا يظهر لنا من
خلال مراجعة واستقراء الأحاديث المأثورة فيها والزيارات الواردة في علو مقامها
وشأنها ونستنطقها الحال ونستقرئها الجواب لكي نفهم كيف اقتضت المشيئة الربانية
ذلك ، وأن أول ما يظهر من الجواب على ذلك من خلال الزيارة الواردة في شأنها في
يوم الأحد والتي تقول الزيارة : ” السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن
يخلقك وكنت لما امتحنك صابرة ” .

 
والذي يظهر من هذه الزيارة المخصوصة للصديقة الشهيدة أنها امتحنت من قبل
الباري عز وجل وقبل خلقها أي عندما كانت نورا من الأنوار التي خلقها الله تعالى
قبل الخلق بألف عام والتي كانت بعرشه محدقة ، والامتحان كان لها لأجل إظهار
مقامها السامي ومنزلتها الحقيقية حيث كانت نتيجة الامتحان صابرة ، والمعروف عند
العرف العقلائي أن الامتحان يمتحن به الشخص ليعرف مدى استعداداته وقابلياته
” عند الامتحان يكرم المرء أو . . . ” ، لذا نجد من باب أن الباري عز وجل الذي هو سيد
العقلاء بل هو خالق العقل أجرى الامتحان الرباني للزهراء حيث امتحنها ، ونحن
نعرف أن الامتحان يكون للمرء إما لزيادة منزلة ومقام أو لأجل شئ آخر ، ولكن
الزهراء ( عليها السلام ) امتحنها الله تعالى لكي تكون حاملة للأسرار الإلهية وذلك ما اقتضته
المشيئة الربانية فيها ، لذا كانت ناجحة في الامتحان الرباني قبل خلقها حيث استحقت
لقب الصابرة ، أما ماهية هذا الامتحان وفي أي موضوع كان ، وكيف أجراه الله تعالى
عليها ؟ فهذا ما أشارت إليه بعض الروايات والتي نستفيد من خلال التمعن فيها
والتدقيق في مدلولاتها أنها امتحنت في حمل العلم والأمانة الربانية فوجدها الباري
عز وجل صابرة على حمل العلم والأمانة الربانية ، لذا استحقت حمل الأسرار الربانية ،
ولكن ينقدح السؤال المهم في المقام ما هو حقيقة هذا السر المستودع في فاطمة ؟ .

 
أقول : قبل الإجابة على حقيقة هذا السر ، أود أن أشير إلى مسألة مهمة تظهر لنا من
خلال عرض الروايات التي تقول أن الأسرار التي كان يحملها أهل البيت لا يتحملها
إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد أمتحن الله قلبه للإيمان ، أي من خلال عرض
هذه الروايات الواردة في حمل أسرار الأئمة وأنه لا يحملها إلا الممتحن ومطابقتها مع
الزيارة الخاصة بالصديقة الطاهرة والتي تقول ” السلام عليك يا ممتحنة ” ، يظهر لنا من
خلال هذه المطابقة أن العبد الممتحن هو الوحيد الذي يستطيع حمل الأسرار والعلوم
الربانية فأفهم تغنم فإن في الأمر إشارات لا يسع المقام أن يظهرها من خلال القلم أو
الكتاب .

 
أما حقيقة السر المستودع فيظهر لنا من خلال عدة احتمالات نحتملها في كونها هي
مفاد السر المستودع ، ولا نقصد من أن ظهور هذه الاحتمالات يكون بالقطع اليقيني ، كلا
فإن الأمر أعلى وأجل من أن يظهره قلم أو يخطر على ذهن كاتب ، أو عالم ، وأنما الأمر
يتجاوز المقام ، فإن من الأسرار التي يمتلكها أهل البيت ( عليهم السلام ) ما لم يخطر على بال بشر ،
وكيف لا وهم الذين اصطفاهم الله تعالى ليكونوا الدالين على مرضاته وهم الصراط
الأقوم ، أما هذه الاحتمالات فلها شواهد ولها قرائن تدل عليها ولا يعني أنها هي السر
المستودع في فاطمة ( عليها السلام ) بل نترك ذلك للمؤمن لكي يتبحر في عرفان الصديقة الطاهرة
سلام الله عليها عسى ولعل يصل إلى حقيقة الأمر ، أما هذه الاحتمالات مع بعض
القرائن والشواهد عليها :

 
1 – السر المستودع هو المهدي ( عج ) : قد يكون السر هو صاحب الزمان عج الذي

سوف يظهر الله الدين كله على يديه في آخر الزمان ، لكون أن الزهراء عليها السلام
جدته ، وخصوصا نحن نعلم أن الأئمة من ولدها ، فعليه قد يكون السر الذي سوف
يظهره الله في وقته هو الإمام الحجة ، ويدل على كون المهدي هو من ولد فاطمة ( عليها السلام ) ،
في الحديث المروي عن أبي أيوب الأنصاري والذي من جملته كان الخطاب لفاطمة
( عليها السلام ) . . . عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . . ” ومنا سبطا هذه الأمة وسيدا شباب أهل الجنة الحسن
والحسين وهما ابناك ، والذي نفسي بيده منا مهدي هذه الأمة وهو من ولدك ” ( 1 ) .
وعن أم سلمة ، قالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ” المهدي من عترتي من ولد
فاطمة ” ( 1 ) .

 
وقد يرد على هذا الاحتمال بأنه إذا كان المهدي ( عج ) سرا من الأسرار المستودعة في
فاطمة في ذلك الزمان ولم يعرف ولم يظهر لأحدنا فإن هذا القول الآن يصبح منتفي
لكون مسألة الإمام المهدي والوعد الإلهي فيه أصبحت من المتسالمات عند أكثر
المسلمين ، هذا من جهة ، وكون الدعاء يقول اللهم أي أتوسل بفاطمة وأبيها وبعلها
وبنيها . . . ولفظة بنيها تشمل كل أبناء الزهراء المعصومين والدعاء في ختامه يقول
والسر المستودع ، فإنه لا معنى أن يتوسل المؤمن بالسر المستودع الذي يكون
المهدي ( عج ) وفي نفس الوقت يتوسل ببنيها ، الذي هو منهم ومشترك معهم ، وربما
يجاب أنه من باب ذكر الخاص بعد العام ليفيد الحصر أو الاختصاص ؟ ! ! !

 
2 – وقد يكون السر المستودع إشارة إلى أن ولاية الله تعالى سوف تكون في ولد
فاطمة وأن الأئمة المعصومين منها سلام الله عليها ، وقد وردت عدة شواهد روائية تدل
على أن الأئمة من ولد فاطمة ( عليها السلام ) وأن الولاية فيهم والإمامة منحصرة في وجودهم
المبارك وهذا ما أثبته القرآن الكريم والسنة الشريفة ويكفي في إثبات ولايتهم ما جاء
في كتاب الغدير للعلامة الأميني ، ولكن ننقل لك بعض الشواهد في هذا الأمر المهم
والتي كان منها ما جاء عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حديث طويل قال :
” إن الله عز وجل نظر إلى الأرض ثالثة فاختار منها أحد عشر إماما . . . وأمهم فاطمة
ابنتي ( 2 ) .

 

 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...