الوقت – بعد تمكن القوات العراقية من تحرير مدينة الموصل من أيدي الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم “داعش” بدأت التساؤلات تثار بشأن التحديات التي ستواجه العراق بعد هذا الانتصار الكبير الذي تحقق بفضل وحدة وصمود العراقيين واستجابتهم للفتوى الجهادية التي أطلقتها المرجعية الدينية في النجف الأشرف.
وتتوج هذا الانتصار بعد تحرير القوات العراقية لجامع النوري الكبير الذي كان يعد مقر “دولة الخلافة” المزعومة لداعش والذي ألقى فيه زعيمه الإرهابي “أبو بكر البغدادي” خطبته بعد احتلال الموصل في حزيران/يونيو 2014.
وعلى الرغم من إمكانية قيام العناصر المتبقية والخلايا النائمة التابعة لداعش بعمليات إرهابية في الموصل أو مناطق أخرى من العراق إلاّ أنه يمكن القول بأن القوات العراقية تمكنت من قصم ظهر هذا التنظيم بعد القضاء على معظم قياداته وعناصره خلال عمليات تحرير الموصل.
والسؤال المهم المطروح: هل سيتمكن العراق من إنهاء وجود هذا التنظيم بشكل كامل، وما هي التحديات التي ستواجهه بعد ذلك في مختلف المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
للإجابة عن التساؤل الأول يعتقد معظم المراقبين بأن “داعش” وبعد تلقيه هزيمة ساحقة في الموصل سيسعى للتعويض عن هذه الخسارة من خلال الاستمرار بتنفيذ عمليات متفرقة في مناطق مختلفة من العراق خصوصاً في محافظات كركوك وصلاح الدين والأنبار، إلاّ أنه سيُهزم في النهاية بشكل كامل بعد أن تلاشت قوته في الموصل التي تحظى بأهمية استراتيجية على المستويين الداخلي والخارجي.
أمّا فيما يرتبط بالشق الثاني من التساؤل والذي يتعلق بالتحديات فيمكن إجمالها بما يلي:
– يواجه العراق تحدياً سياسياً قريباً يتمثل بإجراء الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها بعد بضعة أشهر. ويكمن هذا التحدي بمحاولة المكوّنات السياسية الفاعلة في هذا البلد لتوظيف الانتصار على “داعش” من أجل تحقيق مصالح حزبية وفئوية، وهذا يحمل بحد ذاته مخاطر جمّة من شأنها أن تكرس الانقسام في الساحة السياسية العراقية والذي ستنعكس آثاره السلبية بكل تأكيد على الأوضاع الأمنية والاجتماعية في البلد.
– إعادة إعمار المناطق التي دمرتها المواجهات العسكرية خصوصاً في الموصل والأنبار وضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لإعادة النازحين إلى مناطق سكناهم وتوفير الخدمات المطلوبة تمثل تحدياً آخر لايقل أهمية عن التحدي الأول إن لم يكن أهم باعتباره يتعلق بالجانب الإنساني الذي يمكن أن يوظف من قبل بعض الأطراف لتحقيق أهداف سياسية على حساب الأطراف الأخرى.
– تسعى أمريكا والدول الحليفة لها لاستغلال الأوضاع الأمنية والإنسانية والاجتماعية المتفاقمة في الموصل لتحقيق مآربها من خلال السعي للاستحواذ على مشاريع إعادة البناء وتكريس الوجود العسكري لهذه الدول بحجة الحفاظ على الأمن، في حين تؤكد جميع القرائن المتوفرة بأن واشنطن تسعى لمواصلة التدخل في شؤون العراق في كافة المجالات من خلال اختلاق الذرائع التي لم تعد تنطلي على أحد سواء في العراق أو في خارجه.
– يسعى المكوّن السنّي لإقامة إقليم على غرار إقليم كردستان بحجة الابتعاد على النزاعات الطائفية، ويهدف هذا الإجراء في حال حصوله إلى إضعاف سيطرة الحكومة المركزية في بغداد على المناطق التي ستخضع لإدارة “الإقليم السنّي” كما هو حاصل الآن مع إقليم كردستان، وهذا الأمر سيضعف بدوره وحدة العراق ويعرضه للتمزق الاجتماعي فضلاً عن التمزق السياسي والإداري.
– يقدر الخبراء الاقتصاديون أن العراق سيكون بحاجة إلى أكثر من 100 مليار دولار لإعادة بناء المناطق التي دمرتها المواجهات العسكرية في الموصل فقط، وهذا من شأنه أن يثقل كاهل البلد اقتصادياً خصوصاً وأنه يواجه مشكلة مالية بسبب تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ نحو ثلاث سنوات.
– يسعى أكراد العراق إلى توسيع نطاق إقليم كردستان في شمال وشمال شرق البلاد من خلال ضم مناطق أخرى تمكنت قوات البيشمركة من السيطرة عليها بعد تحريرها من “داعش” خصوصاً بعض الأقضية التابعة لمحافظتي الموصل وكركوك، وهذا الأمر من شأنه أيضاً أن يزيد من حدّة الاحتقان بين أربيل وبغداد من جهة، والأكراد وباقي القوميات والطوائف العراقية من جهة أخرى خصوصاً الشيعة والسنّة سواء العرب أو التركمان في جنوب ووسط العراق.
– سعي الأكراد لإجراء استفتاء بشأن استقلال إقليم كردستان عن العراق يمثل تحدياً كبيراً آخر من شأنه أن يهدد وحدة البلد الذي بات بحاجة ماسّة إلى الاستقرار السياسي كي يتمكن من إعادة بناء المناطق المدمرة والنهوض بباقي القطاعات لاسيّما القطاع الاقتصادي الذي تعرض هو الآخر لنكبات كبيرة نتيجة تردي أسعار النفط والتكاليف الباهظة التي سببتها الإجراءات الأمنية والعسكرية لمواجهة الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها “داعش”.
– حاجة العراق لإعادة النظر في كيفية تهيئة أجواء سليمة للحفاظ على اللحمة الوطنية بين كافة مكوّناته الاجتماعية والتي تعرضت إلى مشاكل بسبب وقوف بعض الأطراف خصوصاً في المناطق الغربية إلى جانب الجماعات الإرهابية، وضرورة إنهاء هذا الملف بصورة قانونية وقضائية دون اللجوء إلى العنف للاقتصاص من هؤلاء الذين شكّلوا حاضنة للإرهابيين ومكّنوهم من تنفيذ عمليات مسلحة ساهمت في زعزعة الأمن والاستقرار في عموم البلد.
– أخيراً لابدّ من الإشارة إلى محاولات بعض الدول الإقليمية لاسيّما السعودية وتركيا للتدخل في شؤون العراق بعد مرحلة “داعش” بحجة دعم المكوّنين السنّي والتركماني، وهذا الأمر يتطلب من الحكومة العراقية اتخاذ إجراءات حازمة للحدّ من هذا التدخل الذي يهدد استقرار ووحدة العراق ويجعله عرضة للمساومات السياسية والأمنية في المستقبل.