الأرض… هي الأرض لم تزل منذ خلقت مسرحاً لتصارع قيم السماء مع قيود الأرض المادية، فقيم السماء تريد بالإنسان الانشداد إلى الأعلى، والسير إلى الكمال المطلق، وتأبى قوانين الأرض ألا أن تُخلده إلى القاع وتجره إليها.
آدم، وهابيل، ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ويحيى و…
ثم قابيل ونمرود وفرعون وقارون وهامان وأبو جهل و…
ويشتد الصراع، فكلما أخلد البشر إلى الأرض واتبعوا أهوائهم جهلاً، بعث الله إليهم من يستنقذهم منها، ويكسّر القيود عنهم، ويرفعهم إلى السماء.
ثم كان ابن محمد صلى الله عليه وآله، إنه الحسين السبط الذي ادّخرته السماء ليقوم بالإنسان ويزيح عنه كل ما يشده إلى الأرض. إنه الإنسان الكامل، يقود الصراع كما قاده من كان قبله، فكان صراعه خلاصة صراع الأنبياء مع طواغيت زمانهم، فتجسدت فيه كل ظلامات من كان قبله.
عطش، جوع، ألم، جراحات، قتل أولاد، قتل أخوة، قتل أصحاب، سبي نساء، انتهاك حرمات…
إنها ظلامة الإنسان الكامل، حينما قام بوجه الظلم.
فحق لكل إنسان أن يبكي الحسين.
تقول الكاتبة الإنجليزية فرياستارك: (إن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها من دون أن ينتابني البكاء).1
لقد حيرت ـ يا حسين ـ ألباب ذوي الألباب حتى عشقك البعيد والقريب.
فهذا غاندي ـ الزعيم الهندي الكبير ـ يقول: (أنا هندوسي بالولادة، ومع ذلك فلست أعرف كثيراً عن الهندوسية… ولقد تناقشت مع بعض الأصدقاء المسلمين وشعرت بأنني كنت أطمع أن أكون صديقاً صدوقاً للمسلمين…).
وخاطب شعبه الهندي قائلاً: (على الهند إذا أرادت أن تنتصر أن تقتدي بالإمام الحسين).
وقال أيضاً: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر.2
وها هو المستشرق الأمريكي غوستاف غرونيبام يؤكد بأن أهمية ثورة الحسين امتدت إلى الكون كله فيقول في ذلك: (إن وقعة كربلاء ذات أهمية كونية، فلقد أثرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين ـ الرجل النبيل الشجاع ـ في المسلمين تأثيراً لم تبلغه أية شخصية مسلمة أخرى…).3
بل لقد عشقك غير المسلم مع المسلم على حد سواء لأنك أيقظت ضمير الإنسان فراح يبحث عن ذاته فيك كما الفراشة تبحث عن الضوء لتحترق فيه.4