سألني أحد الأخوة :
لماذا تتحدث عن التقريب أو الوحدة كثيرا ؟
هل هذا الحديث ( وسيلة ) أم ( غاية ) …؟
هل هو ( تكتيكي ) أم هو ( أستراتيجي ) ..؟
فقلت له :
إنني رأيت بعيني مافعلته الفرقة والتنازع في الأمة من قتل وتدمير ، فعلمت أن الخير في وحدتها واجتماعها .
فقال لي :
هل تعتقد أنه من الممكن الوحدة مع تنظيمات كالقاعدة وداعش والنصرة والجماعات التكفيرية والنواصب والسفيانيين ….؟
فقلت له :
هذه تنظيمات متطرفة وليست أمم وشعوب ومصيرها إلى الزوال أما الشعوب فهي باقية ومعظمها على الفطرة .
فقال لي :
لولم تجد هذه التنظيمات بيئة حاضنة لها في الشعوب والحكام والإعلام لم استطاعت أن تفعل ماتفعل .. فالبيئة الحاضنة بل والشعوب نفسها تنتمي فكرياَ وعقائدياَ إلى نفس الفكر والإعتقادات الداعشية التكفيرية ..
فقلت له :
ليس هذا صحيحاَ تماماَ ، معظم الشعوب العربية مخدوعة ومخدرة ومطحونة تحت أضراس ومخالب وظلم حكامها ومعاناتها المعيشية ، وقد تخدعها التيارات الإرهابية لفترة من الزمن ، ولكن تأتي في لحظة من لحظات الصحوة والإنتباه والوعي فتكتشف الحقيقة ..
فقال لي :
إعطني أمثلة عملية على ماتقول ؟
فقلت له :
في مصر إذا سألت أي مصري من عامة الشعب عن دينه ومذهبه فهو لا يعرف إلا أنه مسلم فقط ، وليس له إنتماء مذهبي إلا بالوراثة والتقليد ، ولا يشغله ذلك …! ولا يعرف الفرق بين المذاهب الأربعة ، ولا بين السني والشيعي … حوالى 90% من الشعب ..!
فقال لي :
ولكن الشعب أيد الأخوان والتيارات السلفية في ثورة 25 يناير ومكنها من الحكم .
فقلت له :
ولكنه أيضاَ ثار عليها بعد عدة شهور وطردها من الحكم عندما شعر بفطرته أنها تريد أن تأخذه إلى تيارات مذهبية معينة وتفرض عليه صراعات ليست من شأنه ..
فقال لي :
ماهي هذه الصراعات التي أرادت التيارات السلفية والأخوان فرضها على الشعب المصري ؟
قلت له :
هل تتذكر مهرجان ( نصرة سوريا ) في الإستاد وماحدث فيه من مهازل ، حيث دعا الرئيس السابق ( مرسي ) الشعب للتطوع مع الأرهابين المسلحين للقتال ضد الدولة السورية وجيشها وشعبها ، وأجتماع قادة التيار السلفي في هذا المؤتمر ليتحدثوا عن الشيعة الأرجاس .. وكأن مصر فيها أزمة مذهبية حادة ، وكأن الشيعة فيها يملأون الشوارع والطرقات ..
فقال لي :
لقد كان مؤتمرا أقيم لتأييد ما كان يروج له الإعلام تحت عنوان الثورة السورية كثورة من ضمن ثورات الربيع العربي المزعوم .. ؟
فقلت له :
لم يكن فقط مجرد مؤتمر ، فلقد كان سيتلوه برنامج مخطط للشحن المذهبي والطائفي في مصر ، وإرسال الجيش المصري ليحارب مع الأرهابين ( المجاهدين ) في سوريا ..
ألم ترى ماحدث بعد ذلك من قيام الألاف في قرية من قرى الجيزة بقتل وسحل الشيخ حسن شحاته وهو أحد علماء الأزهر الشريف وينتمي للمذهب الشيعي الذي يدرس في الأزهر وقتل وسحل أخوته وأحد الأهالي ..؟
وكان مشهداَ وحشياَ بربرياَ يختلف مع طبيعة الشعب المصري المسامح ..
واستطردت قائلاَ :
لا أبالغ ، ولا يبالغ غيري عندما نقول أن حادثة قتل وسحل الشيخ حسن شحاته كان عاقبتها الفورية أن أتى الله بنيان هذه الجماعات من القواعد ، كأنما هبت عليهم ريح عاصف أتت على كل شئ فلم يبقي منهم أحد ، فهل تحس في مصر الأن صوتا أو همساَ ، وأصبح كبار سدنتهم ممن حضروا مؤتمر الصالة المغطاه المشئوم إما في السجون أو هاربين من العدالة مشردين بين تركيا وقطر يتسولون قناة أو برنامجاَ يخترعون فيه الأخبار الكاذبة ..
فقال لي :
إذن فمن المستحيل الدعوة للتقارب أو الوحدة مع هؤلاء ؟
فقلت له :
لا بالعكس تماماَ ، فلقد ثار الشعب بالملايين على مؤامرة الأخوان والسلفية الأمريكية الصهيونية لإحداث الفوضى المدمرة ( الخلاقة ) ، ثار الشعب في ثورة 30 / 6 ، وانضم له الجيش في ثورته في منحة إلهية قضت على المحنة الشيطانية ..
وانكشفت حقيقة هذه التيارات التي تدعي أنها جماعات رسالية عندما تعاملت وتأمرت مع أمريكا وأسرائيل والرجعية العربية ، فتبادلت الرسائل مع العدو الصهيوني وعزيزهم الهالك
ونست تماماَ شعار الإسلام هو الحل ..
إذن فيجب أن نفرق بين القاعدة العريضة من الشعب ، وبين هذه الجماعات التي أنكشفت للعالم أجمع ، وأصبح الحرب عليها مطلباَ عالمياَ لإنقاذ الإنسانية .. وهي تعيش الأن لحظاتها الأخيرة بعد أن سقط القناع عن وجهها القبيح ..
فقال لي :
لقد أجتمعت الدول العربية ( السنية ) كلها من المحيط إلى الخليج في تحالف إسلامي ( سني ) بقيادة الشيطان الأمريكي تحت زعم محاربة الأرهاب ، والهدف هو مواجهة إيران وحزب الله والشعب اليمني ؟ فكيف تتوحد معها ..؟
فقلت له :
إن الشعوب كانت في غفلة عن هذا ولا تعيره إهتماماَ ، ولذلك سقط هذا التحالف الذي تم رغم إرادت الشعوب ،،
فأين هو التحالف ..؟
إنه ليس تحالف شعوب سنية ، بل هو تحالف أنظمة معينة تم الضغط على إقتصادها ، لقد كان تحالفاَ شكليا ، الشعوب لا تعرف سني ولا شيعي ، ولا مسلم ولا قبطي ، الشعوب لها مقياس أخر أسمه الفطرة ، ولها قلوب يقلبها الله كما يشاء ..
فقال لي :
فماذا عن الناحية المذهبية في الدين ، فالإختلافات موجودة في النصوص المعتمدة عند المدارس الإسلامية المختلفة ؟
فقلت له :
إن الأمة كلها مجمعة على القرأن الكريم ، وفي القرأن نصوص كثيرة تدعوا إلى الوحدة ، والتعايش وعدم التنازع ، وهي نصوص محكمة لا تردها بعض الروايات من هنا أو هناك ..
مثال ذلك :
قوله تعالى عن ( الأعتصام بحبل الله ):
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) أل عمران
)
وقوله تعالى عن ( عدم التنازع ) :
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46 ) الأنفال
وقوله تعالى عن الأمة الواحدة :
( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ۖ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) الأنبياء
وقوله تعالى التعارف الإنساني:
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات 49
..
ولا ننسي حادثة قتل أحد المشركين في إحدي الغزوات بعد أن نطق الشهادتين خوفاَ من القتل ، فقال الرسول صلوات الله عليه للصحابي :
أقتلته بعد إن قالها ,,,!
فقال الصحابي :
إنه قالها خوفاَ من القتل ؟
فقال الرسول صلوات الله عليه وأله :
أشققت عن قلبه ..!
وظل يكرر الرسول صلوات الله عليه وأله هذه الكلمات الخالدة :
( أقتلته بعد إن قالها ) أي الشهادتين
أشققت عن قلبه ..
ظل يكررها حتى قال الصحابي في نقسه ليتني لم أسلم إلا بعد هذه الحادثة ، كأنما كان هذا الفعل خروج له عن الإسلام ..
ونختم هذه النصوص القرأنية بهذا النص الكريم بالنهي عن التكفير صراحة ولو بمجرد قرينة إلقاء السلام ، وأن من يفعل ذلك لا يريد إلا المغانم والحياة الدنيا ..
يقول الله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) النساء
ثم أنهيت النقاش بقولي له :
صديقي أيها العزيز …
لا نحتاج لكثير من الأدلة الشرعية على أهمية الوحدة بين المسلمين وبين الشعوب والتعايش في سلام ، يكفي أن ننظر حولنا ونتساءل ماذا فعلت الفتنة المذهبية بالشعب العراقي والشعب السوري والشعب اليمني ، أيهما أفضل أن نتعايش أم أن يفني بعضنا بعضاَ ..
إن الإسلام وباقي الأديان الإلهية والشرائع السماوية تحتاج للتفكر والتعقل والتدبر والبحث والتنقيب للصعود إلى العوالم العليا ، وهذا يحتاج مناخ وبيئة حاضنة هادئة ، ولا ينموا أبدا في بيئة النزاع والقتال ..
مشكلة هذه الجماعات أنها تركت القرأن والسنة الصحيحة ، ولجأت إلى كراسات صغيرة مدون فيها تفكير (الأمير ) المحصور في كتب كتبها سدنة فرقة معينة خارجة على الأمة ..
فهل اَن الاوان لليقظة قبل فوات الأوان ..
هل أن الأوان أن نستعد ونعد أنفسنا لدولة العدل الألهي المنتظرة ..