أساليب الغزو الفكري للعالم الاسلامي 21
26 يوليو,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
702 زيارة
نتائج الدعوة القومية :
وهكذا فإن تيار الفكرة القومية كانت مهمته أقصاء الاسلام وتفريغ
القضية السياسية والاجتماعية بوجه عام من المحتوى الاسلامي ، وإحلال
فلسفة أخرى وعقيدة أخرى محل عقيدته ، واستبدال رابطة أخرى برابطته
لعزل الشعوب الاسلامية بعضها عن بعض عزلا نهائيا بحيث تكون صلة
بعضها ببعض كصلتها بأي شعب من الشعوب الأخرى التي تدين بالوثنية
أو الماركسية أو غيرها ، والتي لم تكن تربطها بها أي رابطة ، وبذلك تنقطع
الصلات بين الشعوب الاسلامية ، وتضعف روابط الثقافة المشتركة ولغة
القرآن ، والقيم الخلقية ، ويقضى على الأخوة الاسلامية .
فما دام باب القومية قد فتح على المسلمين فقد كان طبيعيا أن تنتهي
إلى ظهور القومية الكردية في العراق والبنغالية في باكستان ، بعد أن
أوصد الباب الذي يصل المسلمين بعضهم ببعض وهو الاسلام .
وقد شجعت الدول الأوروبية الكبرى على ظهور القومية العربية في
صورتها العلمانية لتحقيق مطامعها في احتلال الشرق الاسلامي .
وخاصة بريطانيا وفرنسا ، يثول ( لورانس ) منفذ سياسة بريطانيا
أثناء الحرب العالمية الأولى ( وأخذت طول الطريق أفكر في سوريا وفي
الحج ، وأتساءل : هل تتغلب القومية ذات يوم على النزعة الدينية ،
وهل يغلب الاعتقاد الوطني الاعتقاد الديني ؟ وبمعنى أصح : هل تحل
المثل العليا السياسية محل الوحي والإلهام ، وتستبدل سوريا بمثلها
الأعلى الديني مثلها الأعلى الوطني هذا ما كان يجول في خاطري طول الطريق ) ( 1 ) .
ومعلوم أن الثورة العربية على الأتراك قامت بتأييد بريطانيا ودعمها
الأدبي والمادي ، ودعم حليفتها فرنسا ، وقد ثبت أن عددا من الزعماء
كانوا متصلين بالقنصليات الأجنبية لتلقي هذا الدعم .
وينبه ( جب ) الأوروبيين إلى أن العالم الاسلامي المترامي الأطراف
يحيط بأوروبا إحاطة محكمة تعزلها عن العالم ، ويشير إلى أن وحدة
الحضارة الاسلامية تمحو من الأذهان حيثما حلت كل ما يتصل بالتاريخ
القومي لتحل محله الاعتزاز بالتاريخ الاسلامي والتقاليد الاسلامية .
وحيث يتحدث عن الحركات القومية التي أيدتها دعايات الحلفاء
القومية أثناء الحرب العالمية الأولى ينبه إلى أن هذا النصر التي حققته
الاتجاهات القومية في الشرق الاسلامي يجب أن لا يصرف الغرب عن
الانتباه إلى تيار المعارضة الاسلامية الخفي ، الذي يعارض في تفتيت
الوحدة الاسلامية إلى قوميات علمانية ، مبينا أن هذه المعارضة الاسلامية
هي أشد قوة في البلاد العربية .
ويقول ( جب ) في صراحة تامة : ( وقد كان من أهم مظاهر فرنجة
العالم الاسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت
في البلاد المختلفة التي يشغلها المسلمون الآن . فمثل هذا الاهتمام
موجود في تركيا ومصر وأندونيسيا والعراق وفارس ، وقد تكون أهميته
محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوروبا ، ولكن من الممكن أن يلعب
في المستقبل دورا مهما في تقوية الوطنية الشعوبية وتدعيم مقوماتها ( 2 ) .
وهذا يعلل لنا عطف حكومات الاحتلال الغربية على كل مشاريع
الحكومات الوطنية – في الشرق الاسلامي والعربي منه خاصة التي من
شأنها تقوية الشعوبية فيها ، وتعميق الخطوط التي تفرق بين هذه الأوطان
الجديدة ، مثل الاهتمام بتدريس التاريخ القديم السابق على الاسلام
لتلاميذ الدارس وأخذهم بتقديسه ، والاستعانة على ذلك بالأناشيد ،
ومثل خلق أعياد محلية غير الأعياد الدينية التي تلتقي فيها قلوب المسلمين
بزي خاص – ولا سيما غطاء الرأس – مما يترتب عليه تمييز كل منها
بطابع خاص ، بعد أن كانت تشترك في كثير من مظاهره ( 1 ) .
بين العروبة والاسلام وفضل العرب :
إذا كنا ننكر المبادئ العنصرية والقومية ، فإنا نرحب باتحاد العرب
وتعاونهم وتمتين أواصر القربى بينهم على أساس الاسلام فالعرب
هم مادة الاسلام ، بلسانهم نزل القرآن الكريم ، ومنهم اصطفى الله
عز وجل الرسول الذي بعثه إلى الناس كافة بالهدى ودين الحق ليظهره
على الدين كله . ولهذا فلا يمكن فصل العروبة عن الاسلام ، أو فصل
الاسلام عن العروبة ، وليس عجبا أن يكون تفكير العربي الصادق في
عروبته تفكيرا إسلاميا .
ومن هنا كان بغض جنس العرب ومعاداتهم كفرا أو سببا للكفر ،
وهذا معناه أن العرب أفضل الأمم وأن محبتهم سبب قوة الإيمان كما
يقول أبو العباس ابن تيمية ( رحمه الله ) مستدلا بحديث جابر بن عبد الله
رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه و ( آله ) وسلم : ( حب ” أبي بكر وعمر ” من الإيمان وبغضهما من الكفر ، وحب العرب من الإيمان وبغضهم
من الكفر ) ( 2 ) .
كما جاء في حديث آخر ( فمن أحب العرب فبحبي أحبهم ، ومن
أبغض العرب فببغضي أبغضهم ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي رضي الله عنه :
( يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك ) . فقال سلمان يا رسول الله ،
كيف أبغضك وبك هداني الله ، فقال صلى الله عليه و ( آله ) وسلم ( تبغض العرب
فتبغضني ) .
ولكن لا يلزم من الاعتراف بفضل العرب أن يجعلوا عمادا يتكتل حوله
ويوالي عليه ويعادي عليه وإنما ذلك من حق الاسلام الذي أعزهم الله
به ، وأحيا ذكرهم ورفع شأنهم ، فهذا لون وهذا لون ، ثم هذا الفضل
الذي امتازوا به على غيرهم ، وما من الله به عليهم من فصاحة اللسان
ونزول القرآن الكريم بلغتهم وإرسال الرسول العام بلسانهم ليس مما
يقدمهم عند الله في الآخرة ولا يوجب لهم النجاة إذا لم يؤمنوا كما يقول
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز ( 1 ) .
2019-07-26