الرئيسية / الاسلام والحياة / بداية الطريق شذرات من عبق الإمام الخامنئي دام ظله

بداية الطريق شذرات من عبق الإمام الخامنئي دام ظله

روي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُول:” جُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي بَيْتٍ وَ جُعِلَ مِفْتَاحُهُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: لَا يَجِدُ الرَّجُلُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ حَتَّى لَا يُبَالِيَ مِنْ أَكْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: حَرَامٌ عَلَى قُلُوبِكُمْ أَنْ تَعْرِفَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى تَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا”.1
________________________________________

1- الكافي، الكليني، ج2، ص 128، باب ذم الدنيا والزهد فيها، ح2.

فساد النفوس يُفرز كعب الأحبار:
من الطّبيعي حينما تُفتقد العدالة، وحينما تضمحِلّ العبودية لله،

________________________________________
9- الكامل في التاريخ، م. س، ص59.

يصبح المجتمع مجتمعاً خاوياً وتفسد النّفوس، كالمجتمع الذي وصل فيه اكتناز الثروات والتهافُت على حطام الدنيا، إلى ذلك الحدّ، وأيضاً كالمجتمع الذي آلَ الأمر فيه لأن يَنقُل المعارف للنّاس شخصٌ مثل كعب الأحبار اليهوديّ الذي أَسلَمَ لاحقاً، ولم يُدرِك عهد الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ إنّه لم يدخل الإسلام في عهد الرّسول ولا في عهد أبي بكر، وإنّما في عهد عمر، وتوفّي في عهد عثمان.

بعضهم يقول هو “كعب الأخبار”، وهذا خطأ، والصّحيح هو “كعب الأحبار”، والأحبار جمع حَبْر، والحبر هو عالم اليهود، فكعب هذا, الذي كان قطب علماء اليهود، نجده قد دخل في الإسلام، ثمّ نهض وأخذ يتحدّث في مسائله.

ذات يوم, كان جالسًا في مجلس عثمان إذ دخل أبو ذرّ، فقال كعب الأحبار قولاً أغضب أبا ذرّ، فقال أبو ذرّ: “ما أنت؟ وما ها هنا؟!”10 أتُعلّمنا الإسلام وأحكامه ونحن سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

حينما تُفتقد المعايير، وتتقوّض القيم، وتُفرغ القضايا من المحتوى وتقتصر على الظّواهر، وحينما يستولي حبّ الدّنيا وجمع المال على أناسٍ قضوا عُمراً مديداً بالعزّة، والزُّهد في زخارف الدّنيا، وقُيِّضَ لهم نشر تلك الرّاية عالياً، في ذلك الوقت يتصدّى لشؤون الثقافة والمعرفة مثل ذلك الشخص الذي اعتنق الإسلام لاحقاً، ويطرح باسم الإسلام ما يراه هو شخصيّاً، لا ما يقوله الإسلام، ثمّ يأتي بعضهم ليقدّم قوله على قول مسلِمٍ له سابقة في الإيمان.

________________________________________
10- الكامل في التاريخ، م. س، ص115.

تقوى المسؤولين أن يحفظوا غيرهم أيضاً:
اعلموا يا أعزّائي، أنّ المرء لا يقف على حقيقة مثل هذه التطوّرات الاجتماعيّة إلاّ بعد وقت طويل، فيجب علينا الانتباه والحذر. والتّقوى هي هذه، فالتّقوى معناها أن يراقب نفسه من له سلطان على نفسه. وأولئك الذين حَاكِمِيَّتهم أوسع من سلطانهم على أنفسهم, عليهم أيضاً أن يراقبوا أنفسهم وأن ينتبهوا لغيرهم. أمّا الذين يقفون على رأس السّلطة فيجب عليهم التحرّز على أنفسهم وعلى المجتمع كّله، لكي لا ينزلق نحو التّهافت على الدّنيا والتعلّق بزخارفها، وبالتّالي لا يسقط في هاوية حبّ الذّات.

وهذا لا يعني طبعًا الانصراف عن بناء المجتمع، إذ يجب عليهم بناء المجتمع وإنماء ثرواته، ولكن لا أن يطلبوا ذلك لأنفسهم، فهذا مُستقبح، فكلّ من لديه القدرة على زيادة ثروة المجتمع والقيام بإنجازات كبرى ينال ثواباً عظيماً.

لقد استطاع بعض الناس خلال هذه السّنوات بناء البلد ورفع راية الإعمار عالياً وإنجاز أعمال كبرى – وهذه مفخرة لهم -، ولا يدخل عملهم هذا في إطار حبّ الدّنيا. وإنّما يصدق حبّ الدّنيا فيما لو كان المرء يطلب النّفع لِذَاتِه ويعمل لنفسه، أو يفكّر في جمع الثروة لنفسه من بيت مال المسلمين أو من غيره. هذا هو السّيِّئ.

يجب إذاً الحذر من الوقوع في مثل هذه المنزلقات، وإذا انعدم الحذر، فالمجتمع سينحدر تدريجيّاً نحو التخلّي عن القيم ويبلغ

مرحلة لا يبقى (من الإسلام والقيم) سوى القشور الخارجية. وقد يأتيه ابتلاءٌ شديدٌ على حين غرّة ويُفاجئُه، كالابتلاء الذي تعرّض له ذلك المجتمع حين اندلاع ثورة أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، فلا يخرج منه ظافرًا.

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...