الرئيسية / الاسلام والحياة / رسائل ومقالات – الشيخ جعفر السبحاني

رسائل ومقالات – الشيخ جعفر السبحاني

الرسالة الأولى الشيعة الإمامية الاثنا عشرية رسالة موجزة تتناول تاريخ الشيعة الإمامية الاثني عشرية، نشأتهم، عقائدهم، ومنهجهم الفقهي الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه وآله وعلى رواة سننه وحملة أحاديثه، وحفظة كلمه صلاة دائمة ما دام الفرقدان وكر الجديدان.
أما بعد:
فهذا مقال موجز عن الشيعة الإمامية يبين نشأتهم وعقائدهم ومنهجهم الفقهي والتراث العلمي الذي تركوه، إلى غير ذلك مما يمت لهم بصلة.
إن المذهب الشيعي الإمامي يقوم على دعامتين:
1 – الأصول التي يتبناها في مجال العقيدة.
2 – الشريعة التي يقررها دستورا لجوانب الحياة كافة.
(٧)
وليس المذهب الشيعي مذهبا فقهيا بحتا كالمذاهب الأربعة، وإنما هو منهج متكامل يغذي الإنسان فكرا وعملا، وعلى ضوء ذلك فلا محيص عن دراسة المذهب من جانبين: أحدهما يتعلق بالا صول، والآخر بالفروع.
وإليك الكلام في الجانب الأول.
تمهيد:
الشيعة لغة واصطلاحا وتاريخا الشيعة لغة هم الجماعة المتعاونون على أمر واحد في قضاياهم، يقال تشايع القوم: إذا تعاونوا، وربما يطلق على مطلق التابع، قال تعالى: * (وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم) * (1).
وأما اصطلاحا فتطلق على من يشايع عليا والأئمة من بعده باعتبار أنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، نصبهم لهذا المقام بأمر من الله سبحانه.
فالتشيع عبارة عن استمرار قيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، بمن نصبه للناس إماما وقائدا للأمة.
وأما تاريخا فالشيعة هم ثلة من المسلمين الأوائل الذين عاصروا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وآزروه وعاضدوه في مواقف عصيبة، فلما مضى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى انطووا تحت قيادة علي عليه السلام وأولاده باعتباره الممثل الشرعي للخلافة والمنصوص عليه من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

(١) الصافات: ٨٣ – 84.
(٨)
فليس التشيع ظاهرة طارئة على الإسلام، ولا أن الشيعة وليدة الأحداث التي رافقت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وليس للتشيع تاريخ وراء تاريخ الإسلام، ولا للشيعة أصول سوى أنهم رهط من المسلمين الأوائل في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن جاء بعدهم عبر القرون، كل ذلك يعلم من خلال التحليلات التي ستمر عليك.
تسمية التشيع:
إن الآثار المروية على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكشف اللثام عن وجه الحقيقة وتعرب عن التفاف ثلة من المهاجرين والأنصار حول الإمام علي في حياة الرسول وكانوا معروفين بشيعة علي، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سماهم الشيعة ووصفهم بأنهم الفائزون، وإليك بعض ما روي مقتصرا بالقليل من الكثير:
1 – أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل علي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) * (1) فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البرية (2).
2 – أخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: لما نزلت: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) * قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين (3).
(١) البينة: ٧ (٢) السيوطي: الدر المنثور: ٢ / ٥٨٩. ولاحظ الصواعق: ١٦١، والنهاية لابن الأثير مادة ” قمح “: ٤ / ١٠٦، ربيع الأبرار للزمخشري، فالروايات الواردة في تسمية النبي من يتابع عليا شيعيا، تقارب عشرين رواية.
(٣) السيوطي: الدر المنثور: ٢ / ٥٨٩. ولاحظ الصواعق: ١٦١، والنهاية لابن الأثير مادة ” قمح “: 4 / 106، ربيع الأبرار للزمخشري، فالروايات الواردة في تسمية النبي من يتابع عليا شيعيا، تقارب عشرين رواية.
(٩)
وعلى ضوء هذه التسمية غلب لفظ الشيعة على من يشايع عليا في كلمات غير واحد من المؤرخين.
3 – قال المسعودي في حوادث وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الإمام عليا أقام ومن معه من شيعته في منزله بعد أن تمت البيعة لأبي بكر (1).
4 – وقال النوبختي: إن أول فرق الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي وبعده معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته (2).
5 – وقال الإمام أبو الحسن الأشعري: إنما قيل لهم الشيعة لأنهم شايعوا عليا وقدموه على سائر أصحاب رسول الله (3).
6 – يقول الشهرستاني: الشيعة هم الذين شايعوا عليا على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصية (4).
7 – وقال ابن حزم: ومن وافق الشيعة في أن عليا أفضل الناس بعد رسول الله وأحقهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون، فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيا (5).
جاءت دعوته صلى الله عليه وآله وسلم إلى التشيع متزامنة مع دعوته للرسالة، فقد بذر التشيع حال حياته في غير موقف من مواقفه الحاسمة، وإليك نماذج منها:
1 – حديث يوم الدار الذي جمع فيه أكابر بني هاشم وعشيرته وعرض
(1) المسعودي: الوصية: 121.
(2) النوبختي: فرق الشيعة: 15 (3) الأشعري: مقالات الإسلاميين: 1 / 65.
(4) الشهرستاني: الملل والنحل: 1 / 131.
(5) ابن حزم: الملل والنحل: 2 / 113، طبعة بغداد.
(١٠)
عليهم رسالته، وقال: إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤمن بي ويؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فلم يقم أحد إلا علي، فقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا (1).
2 – حديث المنزلة أعني قوله: ” أما ترضى (مخاطبا عليا) أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ” (2).
3 – حديث الغدير الذي سيوافيك تفصيله.
إن هذه الأحاديث وغيرها الناصة على إمامة علي عليه السلام وخلافته بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم توقفنا على أنه صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي بذر بذرة التشيع حال حياته وألفت أنظار المهاجرين والأنصار إلى قيادة علي عليه السلام للأمة بعد رحيله صلى الله عليه وآله وسلم، مضافا إلى ما صدر على لسانه صلى الله عليه وآله وسلم من الفضائل والمناقب لعلي وعترته حيث صار سببا لاستقطاب الناس حوله في حال حياته صلى الله عليه وآله وسلم وبعد رحيله.
هذا، وقد تزامنت دعوته صلى الله عليه وآله وسلم للرسالة، دعوته للإمامة دون أن يكون بينهما سبق ولحوق.
وهو ما عبرنا عنه أن التشيع ليس ظاهرة طارئة، ولا الشيعة وليدة الأحداث التي رافقت وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، بل إن الإسلام والتشيع وجهان لعملة واحدة.
وإليك أسماء مجموعة من رواد الشيعة في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
رواد التشيع في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
(١) الطبري: التاريخ: ٢ / ٦٢، الجزري: الكامل: ٢ / 40، ولاحظ التفاسير بشأن قوله سبحانه:
* (وأنذر عشيرتك الأقربين) * (الشعراء / 214).
(2) مسلم: الصحيح: ج 6، باب فضائل علي ص 120 طبع محمد علي صبيح.
(١١)
توجد تتمة..

شاهد أيضاً

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)- ج01 / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠ ويقول في ...