الرئيسية / الاسلام والحياة / ليالي بيشاور – 63 لسلطان الواعظين السـيّد محمّـد الموسوي الشيرازي

ليالي بيشاور – 63 لسلطان الواعظين السـيّد محمّـد الموسوي الشيرازي

النبي (ص) مربي علي عليه السلام ومعلمه:

لقد ذكر بعض علمائكم موضوع تربية النبي عليا من الصغر .

منهم ابن الصباغ المالكي في كتابه ” الفصول المهمة ” فإنه خصص فصلا في الموضوع .

ومنهم محمد بن طلحة الشافعي في كتابه ” مطالب السؤول ” في الفصل الأول .

والحافظ سليمان الحنفي في ” ينابيع المودة ” الباب السادس والخمسين ، ص 238 المكتبة الحيدرية ، نقلا عن ” ذخائر العقبى ” للطبري .

والثعلبي في تفسيره عن مجاهد .

وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13/198 ط دار إحياء الكتب العربية ، نقلا عن الطبري في تاريخه(3) ، روى بإسناده عن مجاهد قال كان من نعمة الله عز و جل على علي بن أبي طالب ع و ما صنع الله له و أراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة و كان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله ص للعباس و كان من أيسر بني هاشم يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال و قد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة فانطلق بنا فلنخفف عنه من عياله آخذ من بيته واحدا و تأخذ واحدا فنكفيهما عنه فقال العباس نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما إن تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما فأخذ رسول الله ص عليا فضمه إليه و أخذ العباس جعفرا رضي الله عنه فضمه إليه فلم يزل علي بن أبي طالب ع مع رسول الله ص حتى بعثه الله نبيا فاتبعه علي ع فأقر به و صدقه و لم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم و استغنى عنه(4).

وقال ابن الصباغ المالكي بعد نقله للرواية : فلم يزل علي عليه السلام مع رسول الله (ص) حتى بعث الله عز وجل محمدا نبيا ، فاتبعه علي عليه السلام وآمن به وصدقه ، وكان إذ ذاك في السنة الثالثة عشر من عمره لم يبلغ الحلم ، وإنه أول من أسلم وآمن برسول الله (ص) من الذكور .

علي عليه السلام أول من آمن:

ثم ينقل ابن الصباغ المالكي ، قول الإمام الثعلبي في تفسيره للآية الكريمة ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ..)(5) ، إنه روى عن ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن أرقم ومحمد بن المنكدر وربيعة المرائي ، أنهم قالوا : أول من آمن برسول الله (ص) بعد خديجة أم المؤمنين ، هو علي بن أبي طالب .

وهذا الموضوع الهام صرح به كبار علمائكم الأعلام ، مثل : البخاري ومسلم في الصحيح ، والإمام أحمد في مسنده ، وابن عبد البر في الاستيعاب : 3/32 والإمام النسائي في الخصائص ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة : 63 والحافظ سليمان القندوزي في الينابيع باب 12ـ نقلا عن مسلم والترمذي ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : 13/224 ط احياء الكتب العربية ، والحمويني في فرائد السمطين ، والمير السيد الهمداني في مودة القربى ، والترمذي في الجامع :2/214 ، وابن حجر في الصواعق ، ومحمد بن طلحة القرشي في مطالب السؤول ـ الفصل الأول ـ وغيرهم من كبار علمائكم ومحدثيكم ذكروا بأن : النبي (ص) بعث يوم الاثنين وآمن به علي يوم الثلاثاء ـ وفي رواية : وصلى علي يوم الثلاثاء ـ وقالوا : إنه أول من آمن برسول الله (ص) من الذكور .

كما جاء في مطالب السؤول : ولما أنزل الوحي على رسول الله (ص) وشرفه الله سبحانه وتعالى بالنبوة كان علي عليه السلام يومئذ لم يبلغ الحلم ، وكان عمره إذ ذاك في السنة الثالثة عشر ، وقيل : أقل من ذلك ، وقيل : أكثر منه ، وأكثر الأقوال وأشهرها : أنه لم يكن بالغا ، فإنه أول من أسلم وآمن برسول الله (ص) من الذكور ، وقد ذكر عليه السلام ذلك وأشار إليه في أبيات قالها ونقلها عنه الثقات ورواها النقلة الاثبات ، وهي :

محمد النبي أخي وصنوي * وحــــمـزة سيد الشهداء عمي

وجعفر الذي يضحي ويمسي * يطيـر مع الملائكة ابن أمي

وبنت محمد سكني وعرسي * منـــوط لحمها بلحمي ودمي

سبقتكم إلى الإســــلام طــرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي

وأوجب لي ولايته عليكــــم * رسول الله يــــوم غـدير خــم

فويل ثم ويل ثم ويل لمن يلقى * الإلــــه غـــــدا بظلمي(6)

ونقل الطبري في تاريخه : 2/ 241 والترمذي في الجامع : 2 ص 215 والإمام أحمد في مسنده : 4/ 368 وابن الاثير في تاريخه الكامل : 2/22 والحاكم في المستدرك : 4/336 ومحمد بن يوسف القرشي الكنجي في كفاية الطالب : الباب الخامس والعشرون ، وغيرهم من علمائكم الثقات رووا بإسنادهم عن ابن عباس : أول من صلى علي بن أبي طالب عليه السلام(7).

وروى الحاكم الحسكاني في كتابه ” شواهد التنزيل ” في ذيل الآية ( السابقون الأولون …) بسنده عن عبد الرحمن بن عوف ، أن عشرة من قريش آمنوا وكان أولهم علي بن أبي طالب .

وروى كثير من علمائكم ـ منهم الإمام أحمد في مسنده ، والخطيب الخوارزمي في ” المناقب” والحافظ سليمان الحنفي القندوزي في الباب الثاني عشر من ” الينابيع ” وغيرهم ـ بإسنادهم عن أنس بن مالك ، أن النبي (ص) قال : صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنه لم ترفع شهادة أن لا إله إلا الله إلى السماء ، إلا مني ومن علي .

وأما ابن أبي الحديد في سرح نهج البلاغة : 4/125 ط دار إحياء الكتب العربية ، بعدما نقل روايات كثيرة في سبق علي عليه السلام إلى الإيمان ، وأخرى مخالفة ، قال : فدل مجموع ما ذكرناه أن عليا عليه السلام أول الناس إسلاما وأن المخالف في ذلك شاذ ، والشاذ لا يعتد به .

وهذا الإمام الحافظ أحمد بن شعيب النسائي ، صاحب واحد من الصحاح الستة عندكم ، له كتاب ” خصائص الإمام علي عليه السلام ” فإنه روى أول حديث في هذا الكتاب بإسناده عن زيد بن أرقم ، قال : أول من صلى مع رسول الله (ص) علي رضي الله عنه .

وابن حجر الهيتمي ـ مع شدة تعصبه ـ يرى أن عليا عليه السام أول من آمن ، كما في الفصل الثاني من كتابه ” الصواعق المحرقة ” .

ونقل الحافظ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه ” ينابيع المودة ” في الباب الثاني عشر ، نقل واحدا وثلاثين خبرا ورواية عن الترمذي والحمويني وابن ماجة وأحمد بن حنبل والحافظ أبي نعيم والامام الثعلبي وابن المغازلي وأبي المؤيد الخوارزمي والديلمي وغيرهم ، بعبارات مختلفة والمعنى واحد ، وهو أن عليا عليه السلام أول من أسلم وآمن وصلى مع رسول الله (ص) .

وينقل رواية شريفة في آخر الباب ، من كتاب المناقب بالاسناد عن أبي زبير المكي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، أنقلها لكم إتماما للحجة وإكمالا للفائدة .

عن رسول الله (ص) قال : ” إن الله تبارك و تعالى اصطفاني و اختارني و جعلني رسولا ، وأنزل علي سيد الكتب ، فقلت : إلهي و سيدي ، إنك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيرا ، تشد به عضده و يصدق به قوله و إني أسألك يا سيدي و إلهي ، أن تجعل لي من أهلي وزيرا تشد به عضدي ، فاجعل لي عليا وزيرا وأخا ، واجعل الشجاعة في قلبه، و ألبسه الهيبة على عدوه ، وهو أول من آمن بي و صدقني و أول من وحد الله معي .

و إني سألت ذلك ربي عز و جل فأعطانيه ، فهو سيد الأوصياء ، اللحوق به سعادة ، و الموت في طاعته شهادة ، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي ، وزوجته الصديقة الكبرى ابنتي . و ابناه سيدا شباب أهل الجنة ابناي ، وهو وهما والأئمة بعدهم حجج الله على خلقه بعد النبيين ، وهم أبواب العلم في أمتي ، من تبعهم نجا من النار ، ومن اقتدى بهم هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، لم يهب الله عز و جل محبتهم لعبد إلا أدخله الله الجنة ” .

فهذا قليل من كثير مما نقله حملة الأخبار ، من علمائكم الكبار ، في هذا المضمار ، ولو نقلتها كلها لطال بنا المجلس في موضوع واحد إلى النهار ، ولكن أكتفي بهذه النماذج التي ذكرتها لكي يعرف العلماء والحاضرون أن الإمام علي عليه السلام كان مع النبي (ص) منذ صغره وقبل أن يبعث .

وحينما بعث (ص) بالنبوة ، آمن به علي عليه السلام ولازمه ولم يفارقه أبدا .

فهو أولى وأجلى لمصداق الآية : ( والذين معه ) من الذي صاحب النبي وكان معه في سفر واحد .

شبهة على الموضوع وردها:

الحافظ : نحن كلنا نقول بما تقولون ، ونقر بأن عليا كرم الله وجهه أول من آمن ، وأن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة آمنوا بعده بمدة من الزمن ، ولكن إيمان أولئك يفرق عن إيمان علي بن أبي طالب إذ لا يحسب العقلاء إيمانه في ذلك الزمان فضيلة ، ويحسبون إيمان أولئك المتأخرين عنه فضيلة !

لأن عليا كرم الله وجهه ، آمن وهو صبي لم يبلغ الحلم ، وأولئك آمنوا وهم شيوخ كبار في كمال العقل والإدراك .

ومن الواضح أن إيمان شيخ محنك ومجرب ذي عقل وبصيرة أفضل من إيمان طفل لم يبلغ الحلم .

وأضف على هذا أن إيمان سيدنا علي تقليدا وإيمانهم كان تحقيقا وهو أفضل من الإيمان التقليدي .

قلت : إني أتعجب من هذا الكلام ، وأنتم علماء القوم ! أنا لا أنسبكم إلى اللجاج والعناد والتعصب ، ولكن أقول : إنكم تفوهتم من غير تفكر ، وتكلمتم من غير تدبر ، تبعا لأسلافكم الذي قلدوا بني أمية وتبعوا الناصبين العداء للعترة الهادية !

والآن ، لكي يتضح لكم الأمر ، أجيبوا على سؤالي :

هل إن عليا عليه السلام حين آمن صبيا ، كان إيمانه بدعوة من رسول الله (ص) أم من عند نفسه ؟!

الحافظ : أولا : لماذا تنزعجون من طرح الشبهة وتتضجرون من إيراد الإشكال ، فإذا لم نطرح ما يختلج في صدورنا من الشبهات ، ولا نستشكل على كلامكم ، فلن يصدق على مجلسنا اسم الحوار والمناظرة ، فقد اجتمعنا هنا لنعرف الحق ، وهذا يقتضي أن نطرح كل ما يكون في أذهاننا من الشبهات والإشكالات حول مذهبكم وعقائدكم ، فإن دفعتم الشبهات ورفعتم الاشكالات وأوضحتم الحق ، يلزم علينا أن نصدقكم ونعتنق مذهبكم ، وإذا لم تتمكنوا من ذلك فيلزم عليكم تصديق مذهبنا وترك مذهبكم .

ثانيا : وأما جواب سؤالكم ، أقول : من الواضح أن عليا كرم الله وجهه إنما آمن بدعوة من النبي (ص) لا من عند نفسه .

قلت : هل إن النبي (ص) حين دعا عليا عليه السلام إلى الإيمان كان يعلم أن لا تكليف على الطفل الذي لم يبلغ الحلم أم لا ؟!

إذا قلتم : ما كان يعلم ! فقد نسبتم الجهل إلى النبي (ص) وذلك لا يجوز ، لأنه (ص) مدينة العلم ، ولا يخفى عليه شيء من الأحكام .

وإذا قلتم : إنه (ص) كان يعلم أن لا تكليف على الطفل ومع ذلك دعا عليا عليه السلام وهو صبي إلى الإيمان بالله والإيمان برسالته ، فيلزم من قولكم إن النبي (ص) قام بعمل لغو وعبث ، والقول بهذا في حد الكفر بالله سبحانه !

لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤيد بالعصمة ، ومسدد بالحكمة من الله تعالى وهو بريء من اللغو والعبث ، وقد قال عز وجل في شأنه :

( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )(8).

شاهد أيضاً

ليالي بيشاور – 62 لماذا دفن الامام علي (ع) سرا ؟

قبل غروب الشمس جاءني إلى البيت حضرة الفاضل غلام إمامين ، وكان تاجراً محترماً من ...