ليالي بيشاور – 62 لماذا دفن الامام علي (ع) سرا ؟
15 نوفمبر,2018
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
1,488 زيارة
قبل غروب الشمس جاءني إلى البيت حضرة الفاضل غلام إمامين ، وكان تاجراً محترماً من أهل السنة ، وهو رجل كيس ورزين ، كان يحضر مجلس الحوار في كل ليلة.
جاءني وقال : أيها السيد الجليل إنما جئت في هذا الوقت وقبل مجيء رفاقي ، لأخبرك بأنك كسبت قلوبنا ونورتها بكلامك الحلو وبيانك العذب ، فانجذب أكثر الحاضرين نحوك ، فقد كشفت لنا ما كان مستورا وبينت لنا الحق الذي كان مجهولا .
واعلم أننا حين انصرفنا في الليلة الماضية من المجلس، وقع اختلاف شديد بيننا وبين علمائنا وعاتبناهم عتابا شديدا على إخفائهم هذه الحقائق عنا وإغوائنا بالأكاذيب والأباطيل ، وكاد الأمر يؤول من التشاجر إلى التناحر ، ولكن بعض العقلاء والكبار توسطوا في البين وأنهوا القضية بسلام .
ولما صار وقت المغرب تهيأت وقمت للصلاة ، واقتدى بي كل من كان في البيت ، وصلى غلام إمامين أيضا معنا جماعة.
وبعد إتمامنا الصلاة ، جاء العلماء ومعهم الأصحاب والرفاق ، فأكرمهم صاحب البيت ورحب بهم ورحبت بهم بدوري ، وبعدما شربوا الشاي وتناولوا الحلوى ، وجه الأستاذ نواب عبد القيوم خان نظره إلي واستأذن للسؤال ، فأذنت له .
فقال : نسألكم أن تتموا موضوع الليلة الماضية حول الآية الكريمة : ( محمد رسول الله والذين معه … )
قلت : إذا أذن لي المشايخ الحاضرون ، فلا مانع لدي .
الحافظ ـوكان في حالة غضب ـ : لا مانع … تكلموا ونحن نستمع .
قلت : لقد بينت لكم في الليلة الماضية بعض الإشكالات الأدبية على تأويل الآية وتطبيقها على الخلفاء الراشدين .
وأما في هذه الليلة فنبحث فيها من جهات أخرى حتى ينكشف الحق للحاضرين .
إن جناب الشيخ عبد السلام سلمه الله تعالى أول كل صفه من الصفات الأربعة في الآية الكريمة على أحد الراشدين بالترتيب فأقول :
أولا : لم يذكر أحد من المفسرين في شأن نزول الآية ، هذا التأويل .
ثانيا : كلنا يعرف أن الصفات الأربعة المذكورة إذا اجتمعت كلها في شخص واحد ، فهو المراد من الآية الكريمة .
وأما إذا تحقق بعضها في شخص ، فلا يكون ذلك هو مقصود الآية ومرادها .
ونحن إذا نظرنا في تاريخ الإسلام نظر تحقيق وتعمق ، ودرسنا حياة الصحابة دراسة تحليلية ، ونظرنا في سيرتهم نظرة استقلالية ، بعيدا عن الأغراض النفسية والعوارض القلبية ، لوجدنا أن كل الصفات المذكورة في الآية الكريمة ما اجتمعت في واحد من الصحابة سوى مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام .
الحافظ : إنكم معشر الشيعة تغالون في حق سيدنا علي كرم لله وجهه ، فكلما وجدتم آية في وصف المؤمنين والمتقين والمحسنين والصالحين ، تقولون : نزلت في شأن الإمام علي !!
قلت : هذا اتهام وافتراء آخر منكم ، نحن الشيعة لا نغالي في حق مولانا لإمام علي عليه السلام ، وإنما نواليه ولا نبغضه ، كما أراد الله سبحانه ، فلذلك نقول فيه ما هو حقه ، وإنه لظاهر كالشمس في الضحى .
من ينكر فضلك يا حيدر؟
هل ضوء الشمس ضحى ينكر ؟
وكل ما نقوله نحن في أمير المؤمنين عليه السلام إنما هو من كتبكم ومصادركم !
الآيات النازلة في شأن علي عليه السلام:
وأما الآيات المباركة الكثيرة التي نقول بأنها نزلت في شأن الإمام علي عليه السلام وفضله ، إنما نذكر رواياتها وتفاسيرها من كتبكم المعتبرة ومن تفاسير علمائكم الأعلام .
فإن الحافظ أبو نعيم ، صاحب كتاب ” ما نزل من القرآن في علي ” والحافظ أبو بكر الشيرازي ، صاحب كتاب ” نزول القرآن في علي” والحاكم الحسكاني ، صاحب كتاب ” شواهد التنزيل” فهؤلاء من علماء الشيعة أم من علمائكم ؟؟
والمفسرون الكبار ، أمثال : الإمام الثعلبي والسيوطي والطبري والفخر الرازي والزمخشري ، والعلماء الأعلام ، أمثال: ابن كثير ومسلم والحاكم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبي داود وأحمد بن حنبل وابن حجر والطبراني والكنجي والقندوزي ، وغيرهم ، الذين ذكروا في كتبهم ومسانيدهم وصحاحهم ، الآيات القرآنية التي نزلت في شأن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام …
هل هم من علماء الشيعة أم من أهل السنة والجماعة ؟؟
ولقد روى الحسكاني ، والطبراني ، والخطيب البغدادي في تاريخه ، وابن عساكر في تاريخه ، في ترجمة الإمام علي عليه السلام ، وابن حجر في الصواعق : 76 ، ونور الأبصار : 73 ، ومحمد بن يوسف الكنجي في ” كفاية الطالب ” في أوائل الباب الثاني والستين ، في تخصيص علي عليه السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة ، بإسنادهم عن ابن عباس ، قال : نزلت في علي بن أبي طالب ثلاثمائة آية .
وروى العلامة الكنجي في الباب الحادي والثلاثين بإسناده عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله ( ص ) ما أنزل الله تعالى آية فيها : ( يا أيها الذين آمنوا ) إلا وعلي رأسها وأميرها .
ورواه عن طريق آخر : إلا وعلي رأسها وأميرها وشريفها .
وروى في الباب عن ابن عباس أيضا أنه قال : ولقد عاتب الله عز وجل أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في غير آي من القرآن وما ذكر عليا إلا بخير .
فمع هذه الأخبار المتظافرة والروايات المعتبرة الجمة التي رواها كبار علمائنا ومحدثيهم ، نحن لا نحتاج لوضع الأحاديث وجعل الأخبار في شأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وإثبات فضله وجلالته وخلافته .
فإن رفعة مقامه وسمو شأنه وعلو قدره يلوح للمنصفين في سماء العلم والمعرفة ، كشمس الضحى في وسط السماء ، لا ينكرها إلا فاقدي البصر أو السفهاء .
وكما ينسب إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي ـ أو غيره من الأعلام ـ أنه حين سئل عن فضل الإمام علي عليه السلام قال : ما أقول في رجل ، أخفى أعداؤه فضائله بغضا وحسدا ، وأخفى محبوه فضائله خوفا ورهبا ، وهو بين ذين وذين قد ملأت فضائله الخافقين(1).
وأما حول الآية الكريمة ، فإني كل ما أقوله فهو من كتبكم وأقوال علمائكم ، كما إني إلى الآن ما تمسكت بأقوال الشيعة في محاوراتي معكم ، ولا أحتاج أن أتمسك بها في محاوراتي الآتية أيضا إن شاء الله تعالى .
وأما تطبيق الآية الكريمة : ( محمد رسول الله والذين معه … ) على مولانا وسيدنا الإمام علي عليه السلام ، فهو ليس قولي فحسب ، بل أذكر جيدا أن العلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي ، في كتابه ” كفاية الطالب” في الباب الثالث والعشرين ، وبعد روايته للحديث النبوي الشريف الذي يشبه فيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بالأنبياء والمرسلين عليهم السلام .. فيقول العلامة الكنجي في شرحه للحديث : … وشبهه بنوح في حكمته ، وفي رواية في حكمه ، وكأنه أصح لأن عليا عليه السلام كان شديدا على الكافرين رؤوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله : ( والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) وأخبر الله عز وجل عن شدة نوح عليه السلام على الكافرين بقوله : ( .. رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا )(2) … إلى آخر كلام العلامة الكنجي .
وأما قول الشيخ عبد السلام : بأن ( والذين معه ) إشارة إلى أبي بكر لأنه كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار .
فإني أجبت بأن صحبته كانت من باب الصدفة ، ولو سلمنا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذه معه لاعن صدفة ، فهل مرافقة أيام قلائل وصحبة سفر واحد ، تساوي مرافقة أكثر العمر وصحبة سنين عديدة هي التي قضاها مولانا الإمام علي عليه السلام تحت رعاية النبي (ص) وتعلم عنده وتأدب بآدابه وتربى على يده وتحت إشرافه ؟!
فلو أنصفتم لقلتم : إن عليا أخص من أبي بكر في هذه الصفة أيضا ، لأن رسول الله (ص) أخذه من أبي طالب ورباه في حجره وعلمه وأدبه ، فكان أول من آمن به وعمره حينذاك عشر سنين ، آمن علي عليه السلام حين كان أبو بكر وعمر وعثمان وأبو سفيان ومعاوية وغيرهم من المسلمين ، كفارا مشركين ، يعبدون الأوثان ويسجدون للأصنام ، وعلي ما سجد لصنم قط ، كما صرح كثير من علمائكم .
حوارات اسلامية ليالي بيشاور 2018-11-15