السيدة الزهراء سلام الله عليها أسوة وقدوة
6 أبريل,2019
شخصيات أسلامية, صوتي ومرئي متنوع
958 زيارة
كيف أقتدي؟
الاقتداء لا يستلزم أن يعيش المقتدي والقدوة في الزمن نفسه، كما إنّه لا يستلزم أن يمرّا بالأحداث نفسها، بل إنّ التعرّف إلى الخطوط العريضة والقيم التي حكمت تصرّفات القدوة كفيل بأن يحقّق الاقتداء. فمتى عرف المقتدي الأسس التي سارت عليها قدوته، أمكنه أن يسير عليها ويطبّقها في حياته، كما يبيّن ذلك الإمام الخامنئي دام ظله هذه المسألة
حيث يقول: “أنتِ سيدة تعيشين في عصر طغى عليه التطوّر العلميّ والصناعيّ والتقنيّ وعالمٍ رحبٍ وحضارة ماديّة زاخرة بمختلف المظاهر الجديدة، فما هي الخصائص التي يتحقّق فيها معنى الاقتداء بشخصيّة سبقك عهدها بألف وأربعمئة سنة مثلاً؟ هل تتوقّعين في القدوة التي تتأسّين بها أنْ يكون لها وضع كوضعك، تقتفين أثره في حياتك الحاليّة وتفترضين، على سبيل المثال،
كيف كانت تذهب إلى الجامعة؟ أو كيف كانت تفكّر في القضايا العالميّة، أو ما شابه ذلك؟ لا، ليس الأمر كذلك، والأمور المطلوبة التي يُقتدَى بها ليست هذه، بل هناك في شخصيّة كلّ إنسان خصائص أصيلة يجب تحديدها أولاً، ثمّ ينظر إلى القدوة في ضوء تلك الخصائص والميّزات. لنفرض، على سبيل المثال، كيفيّة التعامل مع وقائع الحياة اليوميّة المحيطة بالإنسان، فقد تكون هذه الوقائع متعلّقة تارةً بعصر انتشار المترو والقطار والطائرة النفّاثة والحاسوب، وقد تكون تارةً أُخرى متعلّقة بعهد لا وجود لمثل هذه الأشياء فيه.
إلّا أنّ الإنسان يجب أن يواجه وقائع الحياة اليوميّة
6- من كلمة لسماحته قدس سره في لقاء جمع الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلاميّة، بتاريخ 11 محرم 1419 هـ ق، في طهران، في إجابة عن سؤال إحدى الطالبات الجامعيّات، وهو: كيف يمكننا الاقتداء بحياة السيدة الزهراء عليها السلام؟
وأحداثها، وبإمكانه التعامل معها على نحوين متفاوتين، من دون فرق بين العصرين، فهو إمّا أن يتعامل معها تعاملاً مسؤولاً، وإمّا أن يقف منها موقفاً لا مبالياً.
ويتفرّع التعامل المسؤول بدوره إلى عدّة أنواع وأقسام، فبأيّ روحية وبأيّ نظرة مستقبليّة يكون التعامل؟ فالإنسان يجب أن يبحث عن تلك الخطوط العريضة والأساسيّة في الشخصيّة التي يتّخذها قدوة له، من أجل اتّباعها والسير على خطاها”1. إذاً، على المقتدي أن يبحث في حياة قدوته لاستكشاف تلك الأسس الحاكمة على حياتها واتّخاذها منهجًا وميزاناً، وبذلك يتحقّق الاقتداء.
السيدة فاطمة عليها السلام القدوة الحقيقيّة
بعد أن اتّضح معنى القدوة وموقعها في حياتنا وخصائصها، علينا البحث عن المصداق الحسن والواقعي لقدوة كلّ مؤمن ومؤمنة في هذه الحياة، يقول الله عزّ وجلّ في محكم كتابه: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾2, حيث تبيّن لنا هذه الآية الكريمة وتعطينا فكرة واضحة عن النموذج الذي ينبغي علينا الاقتداء به، وهم ﴿الَّذِينَ هَدَى اللّهُ﴾، وفي موضع آخر يقول عزّ وجلّ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾3, وتبيّن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الأسوة والنموذج الأحسن والأتمّ، ولكن ليس لجميع الناس بطبيعة الحال، بل لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا. وبالتالي، فإنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو القدوة الحقيقية لكلّ مؤمن متديّن ومؤمنة متديّنة. وكذا هو الحال بالنسبة لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن سار على خطاهم، فهم عليهم السلامقدوة كلّ تائق نحو الكمال الحقيقي والجمال الواقعي وملاذه.
1- من كلمة لسماحته في لقاء جمع الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلاميّة, بتاريخ 11 محرم 1419 هـ ق، في طهران، في إجابة عن سؤال إحدى الطالبات الجامعيّات، وهو: كيف يمكننا الاقتداء بحياة السيدة الزهراء عليها السلام؟
2- سورة الأنعام، الآية 90.
3- سورة الأحزاب، الآية 21.
17
والإسلام العزيز، كدين، قد منّ على المؤمنات أيضاً أنّ قدّم لهنّ نموذجًا كاملًا من النساء، يلحظ خصوصيّاتهن ويجسّد حياتهن بمختلف أبعادها، وهذا النموذج هو السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام. فالسيّدة فاطمة عليها السلام هي بنت الوحي والرسالة، وهي التي تربّت في حجر سيّد الخلق، فكانت الناطق العمليّ والمترجم السلوكيّ للإسلام في الحياة، كما يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: “إنّ مختلف الأبعاد التي يمكن تصورّها للمرأة وللإنسان تجسّدت في شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام. لم تكن امرأة عاديّة، كانت امرأة روحانيّة ملكوتيّة…”1. فعندما نطّلع على سيرتها العطرة نجد أنّ أغلب الجوانب الحياتيّة التي تقاسيها المرأة – إن لم نقل كلّها – قد مرّت بها عليها السلام، حيث تقدّم لنا، بسلوكها النابع من الذوبان في الإسلام، الأسس والقواعد – على أقلّ تقدير – التي ينبغي اتّباعها في الحياة للالتحاق بها وتحقيق الهدف من الخلق. إنّ طريق الزهراء عليها السلام هو طريق العظمة، هو طريق رضى الله عزّ وجلّ والمراتب العلى، كما يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في إحدى كلماته مخاطباً النساء بمناسبة يوم المرأة: “إنكنّ حين رضيتنّ بأنْ يكون يوم ولادة فاطمة الزهراء عليها السلام يوماً للمرأة، فهذا يرتّب على عواتقكنّ مسؤوليّات وتكاليف. يومكم، يوم المرأة ويوم الأمّ، وهو يوم فاطمة الزهراء عليها السلام، فما معنى هذا؟ إنّها خطوة رمزيّة وعمل رمزيّ (شعائري)، ومعناه أنّ المرأة يجب أن تسير على هذا الصراط، والعظمة والجلالة، وعلوّ المقام والقدر يتحقّق للمرأة في هذا الدرب، الدرب الذي تتوافر فيه التقوى والعفاف، والعلم والخطابة، والصمود في مختلف الميادين التي تحتاج إلى الصمود، وتربية الأبناء، والحياة العائليّة، وفيه الفضائل والجواهر المعنويّة كلّها. على النساء السير في هذا الاتّجاه2.
1- الإمام الخمينيّ، السيد روح الله الموسويّ، مكانة المرأة في فكر الإمام الخمينيّ قدس سره، مؤسّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخمينيّ قدس سره – قسم الشؤون الدولية، إيران، لا.ت، لا.ط، ص 12.
2- الإمام الخامنئيّ دام ظله، خطاب الولي 2011م، إعداد لجنة التأليف في مركز المعارف للتأليف والتحقيق، دار المعارف الإسلاميّة الثقافية، لبنان – بيروت، 2012م، ط1، ص168، خطابه في ذكرى ولادة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام، بمناسبة ولادة بضعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات ، بتاريخ 12/05/2012م، 01/03/1390 ه.ش، 18/06/1432ه.ق.
18
ولا يقولنّ لنا أحد أنّ السيدة فاطمة عليها السلام كانت معصومة فلا يصدر عنها إلّا الكامل من القول أو الفعل، وليست هذه حال الناس، فكيف يمكن أن يَقْتدي غير المعصوم بالمعصوم؟ أليس ذلك تكليفاً بما لا يُطاق؟
ففي سياق الإجابة نورد كلامًا للإمام الخمينيّ قدس سره، يقول فيه: “والإنسان الشرعيّ هو الذي ينظّم سلوكه وفق ما يتطلّبه الشرع، يكون ظاهره كظاهر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، يقتدي بالنبيّ العظيم صلى الله عليه وآله وسلم ويتأسّى به في جميع حركاته وسكناته، وفي جميع ما يفعل وما يترك. وهذا أمر ممكن، لأنَّ جعْلَ الظاهر مثل هذا القائد أمر مقدور لأيّ فرد من عباد الله”1. فلو رجع الإنسان إلى نفسه ووجدانه لوجد أنّه يستطيع أن لا يعصي، ولكنّه يركن إلى الشيطان ونفسه الأمّارة، فالعصمة عن الذنوب والمعاصي أمر مقدور للجميع وإن احتاج إلى مجاهدة، إلّا أنّ هذا السلوك الظاهريّ المعصوم ليس مُختصًّا بالمعصوم، بل إنّ العديد من مراتب العصمة الأخرى أيضًا مُتاحة للإنسان، وهو أمر نشهده في سير العلماء. فقابليّة الإنسان أن يعصم نفسه تدفع الإشكال إن ورد، وإن كان للكمّل من خلق الله عليهم السلام من الأنبياء والسيدة فاطمة والأئمة خصوصيّة أنّ الله يصطفيهم ويعصمهم، ولديهم مراتب عصمة مختصّة بهم، وليس هذا محلّ البحث، وإنّما يبحث في علم العقائد والكلام، فنكتفي بالإشارة.
1- الإمام الخمينيّ، السيد روح الله الموسويّ، الأربعون حديثًا، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص4.
19
2019-04-06