أكد رئيس مجلس الشورى الإسلامي أن الكيان الصهيوني نسّق بشكل كامل مع أمريكا في الحرب التي استمرت 12 يوماً، وقال: لا يتم أي إجراء عسكري أو سياسي أو دولي من قبل هذا الكيان دون التنسيق مع أمريكا. في الحقيقة، ينبغي البحث عن الجذر الحقيقي للحرب في سياسات البيت الأبيض.
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس الشورى الإسلامي، تحدث في برنامج تلفزيوني عن تفاصيل الحرب المفروضة التي بدأت بعد العدوان الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية فجر يوم 13 يونيو.
وأشار إلى القيادة الذكية لسماحة قائد الثورة في هذه المرحلة الحساسة، وقال: بإرادة الله وبتوجيهات القيادة، تحقق هذا النصر الكبير. اليوم، وصل الشعب الإيراني، بفضل أربعين عاماً من الجهاد الذي خاضه أبناؤه، إلى مستوى من الاقتدار لا يستطيع أي عدو النيل منه.
وقال قاليباف مشيراً إلى طبيعة العداء بين الكيان الصهيوني وإيران: مشكلتنا مع الكيان الصهيوني، بل ومع أمريكا، لم تبدأ مع انتصار الثورة الإسلامية، بل لها جذور عميقة تعود إلى قرن مضى. فالأمريكيون سعوا دائماً لإضعاف إيران، سواء في عهد الشاه أو بعده. وكان هدفهم الرئيس أن تكون إيران إما تابعة لهم أو، إذا ما أصبحت مستقلة، أن تكون تحت ضغط دائم.
وأضاف: الكيان الصهيوني، بوصفه ممثلاً لهذا النهج الاستكباري في المنطقة، كان دوماً على تضاد مع معتقدات وقيم الشعب الإيراني، وقد أصبح هذا العداء أكثر وضوحاً في عهد رئاسة نتنياهو للوزراء. حتى إن نتنياهو نفسه يعتبر العداء لإيران أولوية تتقدم على موضوع فلسطين، ومشروعه الرئيس يتمثل في مواجهة القوة الإقليمية والحضارية لإيران.
وفي تحليله لأهداف الكيان الصهيوني من شنّ الحرب الأخيرة، قال رئيس المجلس: كانوا يسعون إلى تحقيق ثلاثة أهداف محددة: أولاً، ضرب البنية السياسية للجمهورية الإسلامية ومحاولة تغيير النظام؛ ثانياً، تعطيل القدرات النووية الإيرانية؛ وثالثاً، إضعاف القدرة الصاروخية للبلاد. وقد طُرحت هذه الأهداف رسمياً من قبل مسؤولي الكيان، من بينهم نتنياهو ووزير الحرب ووزير المالية، وتم الترويج لها على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام التابعة لهم.
وأكد قاليباف على التنسيق الكامل بين الكيان الصهيوني وأمريكا في هذه الحرب، وأضاف: لا يقوم هذا الكيان بأي إجراء عسكري أو سياسي أو دولي دون تنسيق مع أمريكا. في الواقع، ينبغي البحث عن الجذر الأساسي لهذه الحرب في سياسات البيت الأبيض.
وتابع: لكن ما هو مهم أن العدو فشل في تحقيق أيٍّ من أهدافه الثلاثة. حتى المحللين في مراكز التفكير الأمريكية والأوروبية أقروا بأن الصهاينة لم ينجحوا في بلوغ أهدافهم.
وأشار قاليباف إلى الخسائر البشرية والأضرار الناجمة عن الحرب، وقال: نحن لا ننكر الأضرار التي لحقت بنا؛ فالحرب بطبيعتها تصاحبها خسائر، وفي هذا الصراع استُشهد أكثر من ألف شخص، كان الكثير منهم من النساء والأطفال والمدنيين. ولكن نهاية هذه المعركة كانت لصالحنا، إذ لم يحقق العدو أهدافه، بل كانت فرصة كبرى لنا لإعادة تعريف قدراتنا وتعزيزها.
وشدد على أن مكاسب هذه الحرب لم تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل كانت ذات أهمية استراتيجية وسياسية أيضاً. وأثبتت هذه التجربة أن الشعب الإيراني، والنظام الإسلامي، والقوات المسلحة في البلاد، يقفون أمام كل تهديد، ولن يسمحوا لأعدائهم بتحقيق مآربهم الشريرة.
وفي سياق حديثه عن الأبعاد الجيوسياسية لإيران وأهداف الأعداء بعيدة المدى، أوضح رئيس المجلس: بعيداً عن الجوانب السياسية البحتة، فإن الجغرافيا الإيرانية تُعد عنصراً حاسماً في معادلات القوة العالمية؛ وهي جغرافيا لطالما كانت محل أطماع القوى الكبرى عبر التاريخ.
وقال قاليباف: قد نقول إننا لا شأن لنا بالكيان الصهيوني، لكنهم هم من لديهم مشكلة مع جغرافيتنا. حتى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، أعلنت إيران حيادها، لكن هذا الحياد لم يُقبل، لأن المسألة لم تكن سياسية فحسب، بل تتعلق بجغرافيا إيران.
وأضاف: هذه الجغرافيا التي تحمل تاريخاً حضارياً غنياً، وتحتضن قيماً راسخة في الإسلام والإنسانية والكرامة ومناهضة الظلم والاستقلال والهوية، لا يمكن أن تكون مقبولة لدى الكيان الصهيوني؛ كيان قائم على فكر توسعي وعنصري، ومدعوم بالكامل من أمريكا والغرب.
وأكد قاليباف: حتى لو لم تنتج السياسات الإيرانية قوة، فإن هذه الجغرافيا بما تحمله من تاريخ وقيم، بحد ذاتها كافية لأن تكون سبباً لعداء الكيان الصهيوني وحلفائه. الحرب الأخيرة أثبتت أنه رغم وجود اختلافات في الأذواق والرؤى في بعض المجالات، فإن الشعب والتيارات السياسية اجتمعت جميعاً في مواجهة التهديد الخارجي تحت قيادة سماحة قائد الثورة.
وأشار رئيس المجلس إلى الخلفية الجغرافية لإيران، وقال: انظروا إلى أرض إيران؛ كنا في الماضي أوسع بكثير مما نحن عليه الآن. خلال الثلاثمئة عام الماضية، أدت هشاشة الأنظمة السياسية إلى فقدان أجزاء مثل البحرين. لكن اليوم، أثبت الشعب الإيراني أنه في مواجهة أي عدوان، سيصمد ويقاوم.
وتطرق قاليباف إلى الحرب المفروضة، مشيراً إلى تجربة قيادة الإمام الخميني (رض) والحضور المباشر للسيد الخامنئي في المجلس الأعلى للدفاع آنذاك، وقال: في ذلك الوقت، وقف العالم بأسره ضدنا؛ من الشرق إلى الغرب، من الاتحاد السوفيتي إلى أمريكا. لكن الشعب الإيراني والنظام الإسلامي، تحت قيادة ولاية الفقيه، دافعوا عن الوطن والإسلام. وكما قال الإمام الخميني (رض) بحق: الإسلام والوطن في إيران متطابقان، وهما لا ينفصلان.
وفي سياق حديثه، أشار إلى حادثة بدء الحرب الأخيرة وقال: من أبرز الأسئلة المطروحة هو: هل فوجئت إيران بهجوم تلك الليلة؟ الجواب: لم نتفاجأ بالحرب نفسها، لكننا فوجئنا بأسلوب تنفيذها. هذا الأسلوب يعكس طبيعة الكيان الصهيوني الإرهابي، الذي لا يعترف بأي حدود إنسانية أو قوانين دولية. فقد استهدف منذ الدقائق الأولى رأس القيادة لدينا.
وتابع قاليباف: عند الساعة الثالثة فجرًا، بدأ الهجوم باستهداف رئيس هيئة الأركان العامة. لقد استهدفوا العقول التي تخطط وتقود، ثم نفذوا هجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة على المراكز الرادارية، ما يعني أنهم أصابوا “عيننا”. وقد تم تنفيذ هذا الجزء من العملية بتخطيط دقيق وبالاستفادة من معلومات الأقمار الصناعية.
رئيس مجلس الشورى تابع قائلًا: في مثل هذه الظروف، اتخذ قائد الثورة الإسلامية، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، قرارًا ذكيًا، فأصدر في الساعات الأولى من صدمة الحرب التعيينات اللازمة وحدد قادة جدد، ما أخرج القوات المسلحة بسرعة من حالة الصدمة؛ على غرار ما حدث في بداية الحرب المفروضة عام 1979م.
وأضاف: بناءً على هذه القرارات السريعة، تم تنفيذ رد قوي خلال ساعات قليلة فقط، حيث أُطلق 1050 صاروخًا و350 طائرة مسيرة باتجاه مواقع العدو؛ هجوم لم يكن متوقعًا بهذا الحجم والسرعة. كان العدو يظن أنه بضرب المراكز الرادارية والقيادية سيفقد إيران قدرتها، لكن حساباته كانت خاطئة.
قال قاليباف: هذا هو نفس الخطأ الذي أشار إليه قائد الثورة مرارًا؛ وهو أن الأمريكيين والصهاينة لا يعرفون الشعب الإيراني ولا الثقافة الإيرانية. فالشعب الإيراني يدرك الموقف، ويعي التوقيت، وهو شعب واعٍ محلل، ومستعد للتضحية بحياته في اللحظات الحاسمة.
وأكد: إن مسؤوليتنا نحن المسؤولين تجاه هذا الوعي والمعرفة لدى الشعب أصبحت مضاعفة. لا ينبغي أن نتعامل مع الشعب بعقلية الاستخدام المؤقت. هذه الرأسمال الاجتماعي هي نقطة قوتنا ونقطة ضعف أعدائنا.
وأشار قاليباف إلى الأهداف الثلاثة المعلنة للكيان الصهيوني—تغيير النظام، القضاء على القدرات النووية، وكبح البرنامج الصاروخي الإيراني—قائلًا: لم يحققوا أيًا من هذه الأهداف. وعلى الجانب الآخر، أظهر الشعب الإيراني تماسكًا اجتماعيًا غير مسبوق، سواء في الداخل أو في الخارج. هذا التلاحم والتحرك الشعبي، كان في الحرب الإدراكية أكثر تأثيرًا من أي صاروخ أو طائرة مسيّرة.
وتابع قاليباف مشيرًا إلى الأهداف المعلنة للكيان الصهيوني من الحرب الأخيرة، وإلى الأداء الناجح للجمهورية الإسلامية الإيرانية في التصدي لهذا العدوان، فقال: كان الكيان الصهيوني يسعى إلى تدمير العناصر الأساسية لقوة إيران. لم يكن هدفهم مجرد إسقاط النظام، بل كانوا يسعون إلى تفكيك إيران كدولة ذات جغرافيا موحدة وحضارة عميقة الجذور.
وأضاف: الشعب الإيراني يدرك جيدًا أن النظام الإسلامي اليوم هو الحامي لهويته، ووحدة أراضيه وتماسك بلده. الكيان الصهيوني ينفذ في إيران نفس السيناريو الذي طبقه في سوريا. خطتهم تبدأ بالإسقاط، ثم تنتهي بالتقسيم.
وأشار قاليباف إلى القدرات الصاروخية للبلاد بوصفها أحد أهم أركان القوة الوطنية، وقال: في كل المفاوضات التي جرت سابقًا مع أمريكا، كانت هناك دائمًا ثلاثة محاور رئيسية: النووي، الصواريخ، والنفوذ الإقليمي لإيران. ونحن دخلنا التفاوض فقط ضمن الملف النووي، وكررنا دائمًا أن إيران عضو في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وتعمل ضمن إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لم نسعَ قط للحصول على سلاح نووي، ولن نسعى لذلك، لكننا نعتبر التخصيب حقًا مشروعًا لنا.
وتابع: هدفهم من اغتيال العلماء النوويين والهجمات الاستخبارية لم يكن الأفراد فقط، بل كان تدمير القدرة العلمية للبلاد. لكن هذه القدرة تستند إلى ثقافة وجذور اجتماعية لا يمكن القضاء عليها بالاغتيالات أو العقوبات.
رئيس مجلس الشورى شرح تفاصيل الهجوم الإيراني المضاد ردًا على عدوان الكيان الصهيوني، وقال: في الليلة الأولى نفسها، تمكنا من تنفيذ 150 عملية إطلاق صاروخي. رغم أن الأجواء العراقية كانت بيد أمريكا، والسورية بيد الكيان الصهيوني، ورغم استخدامهم لكل إمكانياتهم، استطعنا استهداف عمق مواقعهم.
وأضاف قاليباف: الكيان الصهيوني يسعى لتوسيع جغرافيته، لكن ما جرى في هذه المعركة أثبت قدرة إيران النارية. فقد تم استخدام طائرات مسيّرة تطلق الصواريخ، وطائرات استطلاع، وطائرات حربية ومعدات أخرى، وتمكّنت قواتنا من التفوق حتى في مجال الدفاع الجوي.
وأكد: لم نسمح للكيان الصهيوني بتحقيق أهدافه، بل استهدفنا أهدافه العسكرية بدقة. في هذه العملية، كانت أجواء الكيان وأراضيه تحت سيطرتنا؛ من الشرق إلى الجنوب، استُهدفت مراكزه البحثية، ومطاراته، وقواعده الاستخبارية، وصناعاته العسكرية بدقة عالية.
وأضاف قاليباف: العقيدة العسكرية للكيان الصهيوني، القائمة على “الردع الاجتماعي”، قد انهارت. كانوا يزعمون أن “أرض الميعاد” هي أكثر مكان آمن للعيش؛ وأن “القبة الحديدية” مصممة لاعتراض الصواريخ في المصدر، أو في المسار، أو عند الهدف. لكننا استهدفنا مواقعهم الحساسة بصواريخ دقيقة التوجيه وبدقة عالية.
وأضاف: صواريخنا انطلقت من طهران نحو تل أبيب، بقوة ودقة. في إحدى العمليات، تم إطلاق صاروخ واحد فقط في توقيت معين، فأصاب هدفًا شديد الحساسية وأوقع أكبر خسائر في صفوف العدو. هذا يدل على سيطرة معلوماتية كاملة، واستطلاع دقيق، ورد محسوب ومدروس.
وفي جزء آخر من كلمته، قال رئيس مجلس الشورى: أجبرنا حتى منظوماتهم الدفاعية على الركوع. ورغم كل المساعي لوقف الحرب، أكدنا أن الطرف الذي بدأ العدوان هو الذي يجب أن يتلقى الضربة الأخيرة. وهذا يعكس قوتنا وسيطرتنا على الميدان.
وأضاف قاليباف: كانت قوتنا العسكرية من الحجم الذي جعل الكيان الصهيوني غير قادر على مواصلة الحرب لأسبوع واحد. وذلك في وقت كانت فيه أمريكا تتولى قيادة الحرب بشكل مباشر، وكان الكيان الصهيوني عمليًا مجرد وكيل لها في ساحة المعركة.
وقال: الكيان الصهيوني اليوم فقد حتى أمنه الداخلي. فبينما عاد بعض الناس في طهران إلى مدنهم الأصلية كإجراء احترازي، فإن سكان الأراضي المحتلة اليوم لا يملكون أي ملجأ. بل ليس لديهم حتى دولة يعودون إليها، لأنهم كيان مغتصب يفتقر للشرعية أصلًا.
وأكد قاليباف: هذه الحرب أظهرت بوضوح أن الكيان الصهيوني إذا تُرك وحيدًا، من دون دعم مباشر من أمريكا، فلن يصمد حتى أسبوعًا واحدًا أمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. إن شعبنا، وقدرتنا الدفاعية، وقيادتنا القوية، هي أضلاع ثلاثية للقوة لا يمكن لأي عدو اختراقها.
وقال رئيس مجلس الشورى الإسلامي، إنّ الحرب الأخيرة أظهرت حجم الدعم الشعبي والرسمي الذي حظيت به إيران على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأضاف: “خلال هذه الحرب، وقف شيخ الأزهر إلى جانب إيران، وكذلك إمام المسجد الحرام عبّر عن دعمه بوضوح، كما دعمت جماعة الإخوان المسلمين في مصر موقفنا، وأيّدنا المراجع الشيعية في إيران والعراق وسائر الدول، إلى جانب علماء أهل السنة. بدا وكأنّ فتوى تحريم التنباك قد صدرت من جديد، هذا كله جزء من مكاسبنا”.
وأضاف: “أغنية «بوم بوم؛ تل أبيب» حظيت بمليار مشاهدة، وهذا إنجاز إعلامي غير مسبوق، لم نكن قادرين على تحقيقه بجهدنا وحده داخل إيران. لقد شاهدنا كيف تفاعل الشعب الإيراني مع من تحدثوا عن الحريات، وكيف هبّ الفنانون لإنتاج أناشيد وطنية، من ضمنها فنان هتف بشعار «الموت لجيش إسرائيل» وتعرض للمنع من دخول الولايات المتحدة، وشهدنا حالات مماثلة في بريطانيا”.
وأكد قاليباف أنّ “إيران ليست وحدها، وهذه الوحدة تمثل رأسمالاً وطنياً وإقليمياً وعالمياً، فكل إنسان يعارض وحشية الكيان الصهيوني نزل إلى الميدان. وهذه المكاسب المعنوية تعد من أبرز انتصاراتنا الراسخة”.
وفيما يخص المفاوضات مع الولايات المتحدة، قال قاليباف: “يُثار اليوم في المجتمع سؤال حول جدوى الحوار مع أمريكا. أطلب من الناس والشباب أن ينتبهوا جيداً لهذا الموضوع. سابقاً، كان يُطرح السؤال: لماذا لا تتفاوضون مع أمريكا؟ وقد تفاوضنا، وتم توقيع الاتفاق النووي رغم كل الملاحظات عليه، لكن ما إن جاء ترامب في 2016 حتى مزّقه، ومع ذلك جلسنا مرة أخرى إلى طاولة التفاوض هذا العام – بشكل غير مباشر – وحتّى حدّدنا موعد الجولة السادسة. ولكن إسرائيل شنت هجوماً علينا، ولا يمكن لأمريكا أن تتنصل من مسؤوليتها، لأنّ إسرائيل لا تتحرك إلا بإذنها، وقد دخلت الحرب لاحقاً بشكل مباشر ثم انسحبت”.
وأشار إلى أنّ الحديث عن “الصدق الأمريكي” ليس دعوة لعدم التحدث، بل هو تذكير بأنّ الدبلوماسية نوع من أنواع النضال، تماماً كما هو الحال مع الصواريخ، والتعامل مع العدو يتطلب الحذر، لأنّ الثقة به سذاجة. وأضاف: “تفاوضنا في الاتفاق النووي، ثم رأينا ما حدث. واليوم، إذا كان هناك حديث عن تفاوض، فلنعلم أنّنا كما لم نقبل حرباً مفروضة، لن نقبل سلاماً مفروضاً”.
وتابع: “بالنسبة للأمريكيين، التفاوض يعني أن نُذعن لكل ما يريدونه، وهذا ما نرفضه من حيث المبدأ. لطالما قلت إن التفاوض وسيلة نضالية لتبيان زيف مزاعمهم، فهم لا يعترفون لا بالقانون الدولي ولا بالكرامة الإنسانية، ويقبلون فقط بما يحقق مصالحهم الأحادية”.
وأكد أن “الطاقة النووية حق لإيران، بل هي فوق خطوطنا الحمراء، لأنها حق مشروع وفق معاهدة NPT. إذا كانوا جادين في التفاوض، عليهم أولاً أن يجيبوا: لماذا هاجمونا ونحن على طاولة الحوار؟ عليهم أن يقدّموا ضمانات، لكنهم لا يفعلون. وإذا كانوا صادقين، فعليهم دفع تعويضات عن عدوانهم غير القانوني”.
وأضاف: “قد يزعمون أنهم سيواصلون سياساتهم، لكن لهذا السبب بالضبط نجد اليوم أن العالم وشعوب العالم – باستثناء حلفائهم – تقف معنا وتدينهم. حتى المستشار الألماني اعترف مؤخراً بأنّ إسرائيل تنفذ المهام القذرة بالنيابة عن الغرب، وهذا يوضح أن مكبّ نفاياتهم هو من يرتكب الجرائم. الضمير الإنساني يرى الأمور بشكل مختلف، والدول النامية كانت صفاً واحداً في دعمنا”.
وقال قاليباف: “علينا أن نحدّد في التفاوض أمرين: استقرار أمني دائم في المنطقة، وتحقيق منافع اقتصادية ملموسة لإيران، أي رفع العقوبات المفروضة بذريعة الإرهاب أو حقوق الإنسان أو الملف النووي. يجب تحرير مواردنا من النفط والبنك المركزي وسائر الإمكانيات الاقتصادية”.
وأكد: “نحن ندرك أنّنا خسرنا أعزاء وتكبدنا أضراراً مادية ومعنوية، لكنّنا أيضاً خرجنا بدروس عظيمة. حتى لو اختبرنا مئات الصواريخ في المناورات، ما كنا لنصل إلى القدرات التي حققناها خلال 12 يوماً من الحرب، وهذه مكاسب لا تُقدّر بثمن. يجب أن نُعزّز عناصر قوتنا أكثر فأكثر”.
وقال: “لو كان العدو قادراً على الاستمرار لما توقف، لكنهم عجزوا، ولهذا انسحبوا، وبهذا تحقق النصر. لقد جنينا مكاسب تقنية وعسكرية ومعنوية، وكذلك في مجال القوة الناعمة. يظن البعض أن بإمكاننا إسقاط الكيان الصهيوني فقط بالقوة العسكرية، وهذا خطأ. هناك إمكانات أخرى تؤثر وتُجبر العدو على التراجع، وقد رأينا نتائج ذلك في هذه الحرب”.
وأضاف: “الولايات المتحدة التي تطرد طلاباً مؤيدين لفلسطين من جامعة كولومبيا، يجب أن تدرك أنّها إذا واصلت دعمها لإسرائيل بهذا الشكل، فستواجه رداً حازماً. هذه المكاسب هي الأساس في رؤيتنا الاستراتيجية، والأمة الإسلامية اليوم تتّحد أمام الظلم، ولا يمكن للغرب أن يواجه إرادة الشعوب”.
وأكد: “نحن لا نسعى إلى الحرب أو العدوان، لكنّنا نمتلك قدرات، حتى وإن حاولت الحكومات الغربية التصدي لها. إنّ نواة هذا الدعم الشعبي عابرة للمذاهب والديانات، وكل من يقف في وجه الظلم نعتبره إنساناً شريفاً ومجاهدًا”.
وتابع: “لا يمكننا كدولة أن نقبل أن يكون هناك أمن للعدو مقابل انعدام الأمن لنا، أو أن ندفع نحن ثمن تأمين الأمن بينما يجني هو ثماره. هذا أمر غير مقبول”.
وقال: “أهم ما تحقق في هذه الحرب هو دخول الناس إلى الساحة. أقول بوضوح لأولئك الذين أرادوا تفكيك أو إسقاط إيران من خلال هذا العدوان: الشعب الإيراني، وعدده 90 مليون نسمة، يشكّل نواة صلبة لا تتزعزع. اليوم، الإيرانيون صنفان فقط: وطنيون وخونة، ولا تصنيفات أخرى. الإسلام والوطن متلازمان، وهذا هو إنجازنا الأهم”.
وتابع: “معيار الناس اليوم بات واضحاً: من مع إيران ومن ضدها. حتى الإيرانيون في الخارج، رغم اختلافاتهم، توحدوا عند لحظة الحقيقة. البعض رفض إجراء مقابلة مع من أجرى مقابلة مع قناة «إيران إنترنشنال» بسبب دعمه لإيران، وهذه قمة الوعي”.
وأضاف: “شاهدنا شخصيات كانت ترفض الظهور في الإعلام الرسمي مثل شمس الواعظين، وبعض الرياضيين أيضاً. يوم الجمعة، دخل لاعبو المنتخب الوطني للكرة الطائرة إلى الملعب بتحية عسكرية. لم يُمْلِ عليهم أحد هذا الموقف، بل كان نابعاً من داخلهم. هذا هو العنصر الحقيقي في توازن القوى لصالحنا”.
وتابع: “أكثر من 450 شخصية داخل وخارج البلاد وقّعوا رسالة لدعم إيران وإدانة إسرائيل. حتى مغنو الراب الإيرانيون وقفوا ودافعوا عن الوطن، وأجبروا نظراءهم في الخارج على التراجع. حتى النساء غير المحجبات نشرت صور العلم الإيراني دعماً للوطن. لقد تجسدت مقولة الشهيد سليماني: (هذه الفتاة غير المحجبة أيضاً ابنتي)”.
وقال قاليباف: “منذ أكثر من 20 عاماً، كنت أتحدث مع الشهداء، مثل الشهيد باقري، محرابي، رشيد، كاظمي، ورباني، وبالطبع الشهيد سليماني، عن هذا السؤال: هل سيهبّ شباب اليوم إذا ما تكرر سيناريو عام 1980؟ كنا نشكّ أحياناً. خلال أحداث الدفاع عن الحرم، قلت لحاج قاسم: لقد رأينا الشباب يهبّون. لكننا ظننا أن البعض فقط سيشارك. كنا نؤمن أنّنا نحمي أمننا الوطني حتى من بعيد”.
وأضاف: “اليوم، أقول لأصدقائي الشهداء: يا شهيد كاظمي، يا شهيد باقري، ليتكم كنتم لتروا كيف نهضت إيران أقوى من عام 1980. شباب جيل 2000 أثبتوا أنهم أشدّ صلابةً من جيل الأربعينات الذين شاركناهم الجبهات. إيران حيّة، والرجولة والوفاء جزء من ثقافتنا وتاريخنا”.
واختتم قاليباف: “رأينا خبازاً فقد شقيقه شهيداً لكنه بقي يخبز للناس، وطفلاً يوزع العصائر على الواقفين في طوابير البنزين، وأناساً قلّلوا استهلاكهم للكهرباء والماء. هذا هو معنى الأخوة والتعاضد. لا يهم المذهب أو الرأي، المهم هو حب الوطن والدين، والوقوف ضد الظلم والطغيان. لا نصر أعظم من هذا”.
وأضاف: “رأينا الجميع، من المنتقدين وحتى من يعارضون النظام، يلتفون حول قائد الثورة الذي يقود المعركة منذ عام 1980، إلى جانب الأطفال والنساء الحوامل الذين استُشهدوا ظلماً. علينا أن نقدّر هذا الشعب وننحني إجلالاً له. أقول بكل فخر: نفدي هذا الشعب بأرواحنا، ونحفظ طريق الشهداء، ونطلب من الله حسن الخاتمة”.