الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / بداية الطريق 06

بداية الطريق 06

 الدرس الرابع: رحلة العودة إلى الله عز وجل

 

الأهداف

1- أن يتعرّف الطالب إلى شروط التوبة والرجوع إلى الله عزَّ وجلَّ.

2- أن يحدِّد آثار التوبة.

 

 

31

 

 هل لي من توبة؟

لا بُدَّ لكلِّ إنسان وخصوصاً الذي قضى شطراً من حياته بعيداً عن الله عزَّ وجلَّ وعن طاعته أنْ يطرح على نفسه بعض الأسئلة يوماً ما:

– أليس الموت يُصيب كلَّ إنسان ويأتي بغتةً في كثير من الحالات؟

– ماذا سيكون حالي عندما يضعونني في القبر؟

– هل أنا بمأمن من الحساب الشديد والعقاب يوم القيامة؟

– ماذا أعددت لحياة الخلود في دار الآخرة؟

 

وغيرها من الأسئلة الّتي ينبغي لكلِّ إنسان أنْ يُراجع نفسه من خلالها متأمِّلاً في كلِّ ما مضى من حياته.

 

وإذا حَرَّكتْ هذه الأسئلة فيه نيّة التوبة والعزم على الرجوع إلى الله عزَّ وجلَّ، قد يواجهه هذا السؤال الحسّاس:

هل لي من توبة؟ وهل الله يقبل توبتي فيما لو تُبت توبة نصوحاً؟

 

والإجابة على هذا السؤال مهمّة جدّاً، لأنَّ الشيطان قد يقف للإنسان عند هذا المفترق، ويوهمه أنَّ المعاصي الكثيرة الّتي جنيتها لا فكاك منها، فيقطع عليه طريق الرجوع، ويجعله ينغمس أكثر في الفساد الّذي هو فيه إلى أنْ يوافيه الموت، مع أنّه كان يملك نيّة حقيقيّة للتراجع والتوبة. من هنا ينبغي أنْ تعلم أخي العزيز أنَّ القرآن الكريم والحديث الشريف مليئان بالنصوص الّتي تُشير إلى أنَّ الله عزَّ وجلَّ يعفو عن عباده ويتوب عليهم فيما إذا تابوا واستغفروا. ونحن سنُتحفك بمجموعة من هذه النصوص الشريفة فيما يلي:

 

33

 

 يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الّذينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾1. تأمّل أخي العزيز في هذا الخطاب الإلهي الّذي يفيض بالرحمة واللطف والكرم، تأمّل في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ لتشرع ببداية جديدة، وتتوب إليه وتستغفره.

 

ويقول تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾2.

عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: “إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبّه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة، فقلت: وكيف يستر عليه؟ قال: يُنسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ويوحي إلى جوارحه: اكتمي عليه ذنوبه ويوحي إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب”3.

 

عن أبي جعفر عليه السلام قال: “يا محمّد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله إنّها ليست إلّا لأهل الإيمان قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب وعاد في التوبة؟! فقال: يا محمّد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثمّ لا يقبل الله توبته؟ 

 

قلت: فإنّه فعل ذلك مراراً، يُذنب ثمّ يتوب ويستغفر (الله). 

 

فقال: كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة وإنّ الله غفور رحيم، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، فإيّاك أن تقنط المؤمنين من رحمة الله”4.

 

لكن الحذر ثمّ الحذر ثمّ الحذر، فالله تعالى وإن كان غفوراً رحيماً إلّا أنّه شديد العقاب، فليست التوبة لعبة بيد الإنسان، فرُبَّ ذنب قد يُسقطك في الهاوية بحيث لا توفّق للتوبة بعده! من هنا يقول الإمام الرضا عليه السلام”المستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربّه”5.

________________________________________

1- سورة الزمر، الآية: 53.

2- سورة التوبة، الآية: 104.

3- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 430 – 431.

4- م. ن، ج 2، ص 434.

5- م. ن، ج2، ص 505.

34

 

 إستنتاج

– ينبغي لكلِّ حريص على آخرته أنْ يُراجع حساباته، ويُصلح أموره قبل أنْ تأتي ساعة الموت بغتة.

– إنّ باب التوبة مفتوح، والشيطان يُحاول إغلاقه أمام العبد فيجب التنبّه من وسوسته وتسويلاته.

 

– النصوص القرآنيّة والروائيّة تحتوي على مضامين تؤكّد على أنّ الله عزَّ وجلَّ يغفر جميع ذنوب العبد؛ فيما لو ندم وتاب إلى ربّه توبة نصوحاً.

 

– ولكن الحذر ثمّ الحذر من استسهال الوقوع في الذنوب، فرُبّ ذنب قد يُسقطك في الهاوية، بحيث لا توفّق للتوبة بعده.

 

ما هي آثار التوبة في حياة الإنسان:

إنّ آثار التوبة والاستغفار والإنابة إليه تعالى كثيرة، منها:

1- البركة في حياة الإنسان وزيادة الرزق وجلاء الهمّ: عن أبي عبد الله عليه السلام: “من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كلِّ همٍّ فرجاً، ومن كلِّ ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب”6 . وفي رواية أخرى عنه عليه السلام يقول فيها: “إنّ الذنب يحرم العبد الرزق”7.

2- رفعة المقام: فعن أبي عبد الله عليه السلام: “إذا أكثر العبد من الاستغفار رُفِعت صحيفته وهي تتلألأ”8.

3- جلاء القلب: فعن أبي عبد الله عليه السلام: “إنّ للقلوب صداء كصداء النحاس فاجلوها بالاستغفار”9.

4- ممحاة الذنوب: فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “العجب ممّن يقنط ومعه الممحاة، قيل: وما الممحاة؟ قال: الاستغفار”10.

5- المحبـّة الإلهية: يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾11.

 

________________________________________

6- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العامليّ، ج 7، ص 177.

7- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 271.

8- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العامليّ، ج 7، ص 176.

9- م. ن، ج 7، ص 176.

10- م. ن، ج 7، ص 177.

11- سورة البقرة، الآية: 222.

 

35

 

 إستنتاج

– البركة والرزق وانجلاء الهمّ ورفعة المقام والمحبّة الإلهيّة وغيرها، كلّها آثار للتوبة النصوح.

 

كيف أتوب إليه تعالى:

التوبة كما غيرها من الأعمال تحتاج إلى بعض المقدّمات والشروط كي تتمَّ وتُقبل، ومن أهمِّ شروطها:

1- استشعار قُبح المعاصي.

2- الندم على اقترافها: يقول أمير المؤمنين عليه السلام: “الندم على الخطيئة استغفار”12.

 

3- المسامحة من الناس: إذا كانت المعاصي متعلِّقة بهم.

4- العزم على تركها وعدم العود إليها.

 

5- الابتهال إليه تعالى والدعاء بالمغفرة والتوبة: جاء في الدعاء الوارد عن أهل بيت العصمة عليهم السلام: “اللهمّ إنّي أسألك توبة نصوحاً تقبلها منّي تبقى عليّ بركتها وتغفر بها ما مضى من ذنوبي، وتعصمني بها فيما بقي من عمري يا أهل التقوى وأهل المغفرة! وصلّى الله على محمّد وآل محمّد إنّك حميد مجيد”13.

 

6- أنْ لا تكون عند حضور الموت ودنو الأجل: يقول تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حتّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الّذينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾14.

 

إستنتاج

– من أهمِّ شروط ومقدّمات التوبة: استشعار قبح الذنوب، والندم على اقترافها، والمسامحة من الناس، والعزم على تركها، والدعاء إلى الله ليغفرها له، وعدم تأخيرها إلى حين دنو الأجل.

 

________________________________________

12- مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري، ج12، ص 118.

13- مصباح المتهجّد، الشيخ الطوسي، ص 506.

14- سورة النساء، الآية: 18.

36

 للمطالعة

 
اتقوا المحقِّرات من الذنوب: 
عن أبي عبد الله عليه السلام: “إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل بأرض قرعاء فقال لأصحابه: ائتوا بحطب. 
 
فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب. 
قال: فليأت كلُّ إنسان بما قدر عليه، فجاؤوا به حتّى رموا بين يديه، بعضه على بعض.
 
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هكذا تجتمع الذنوب. 
ثمّ قال: إيّاكم والمحقّرات من الذنوب، فإنّ لكلِّ شيء طالباً، ألا وإنّ طالبها ﴿يَكتبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾15. 
________________________________________
15- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 288.
 
37
 
 

 

https://t.me/wilayahinfo
https://chat.whatsapp.com/CaA0Mqm7HSuFs24NRCgSQ0

ملاحظة: النشر سيكون 02 – 12- 22 من كل شهر.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...