شبكة الشيعة العالمية
كتاب : واستقر بي النوى
المستبصر : السيد محمود بن حمود العمدي
سلسلة الرحلة إلى الثقلين ( 2 ) واستقر بي النوى تأليف : السيد محمد بن حمود العمدي ” مركز الأبحاث العقائدية “
____________________1_______________________
مركز الأبحاث العقائدية إيران – قم – صفائية – ممتاز – رقم 34 ص . ب : 3331 / 37185 هاتف : 742088 ( 251 ) 98 + فاكس : 742056 ( 251 ) 98 + البريد الإلكتروني : aqqed @ aqaed . net الصفحة على الانترنيت : www . aqaed . net شابك ( ردمك ) 5 – 191 – 319 – 964 5 – 191 – 319 – 964 isbn واستقر بي النوى محمد بن حمود العمدي الطبعة الأولى – سنة 1420 ه جميع الحقوق محفوظة للمركز
____________________2_______________________
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم المرسلين محمد وآله الغر الميامين من الثوابت المسلمة في عملية البناء الحضاري القويم استناد الأمة إلى قيمها السليمة ومبادئها الأصلية ، الأمر الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الأكيد في التصدي لمختلف
التحديات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الأفكار المنحرفة والآثار الضالة باستخدام أرقى وسائل التقنية الحديثة .
وإن أنصفنا المقام حقه بعد مزيد من الدقة والتأمل نلحظ أن المرجعية الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الأصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة ، كيف ؟ !
وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة ( عليهم السلام ) بأبهى صورها وأجلى مصاديقها .
هذا ، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني – مد ظله – هي السباقة دوما في مضمار الذب عن حمى العقيدة ومفاهيمها الرصينة ، فخطت بذلك خطوات مؤثرة
والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحوله تعالى . ومركز الأبحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة
____________________5_______________________
الذي أسس لأجل نصرة مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) وتعاليمه الرفيعة .
ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) على مختلف الجهات ، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار – حيث تحكي
بوضوح عظمة نعمة الولاء التي من الله سبحانه وتعالى بها عليهم – إلى مطبوعات توزع في شتى أرجاء العالم .
وهذا المؤلف ” واستقر بي النوى ” الذي يصدر ضمن ” سلسلة الرحلة إلى الثقلين ” مصداق حي وأثر عملي بارز يؤكد صحة هذا المدعى . على أن الجهود مستمرة في تقديم يد العون
والدعم قدر المكنة لكل معتنقي المذهب الحق بشتى الطرق والأساليب ، مضافا إلى استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين كي يتسنى جمعها في كتاب تحت عنوان “
التعريف بمعتنقي مذهب أهل البيت ” . سائلينه تبارك وتعالى أن يتقبل هذا القليل بوافر لطفه وعنايته مركز الأبحاث العقائدية فارس الحسون
____________________6_______________________
بسم الله الرحمن الرحيم ( قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون * وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون ) سورة يونس : 35 – 36
____________________7_______________________
مقدمة المؤلف : يوم خيرت بين الشامخين لم يكن جديدا علي هذه المرة أيضا أن أذعن للحقيقة التي وصلت إليها . فمنذ أن حدثت تلك العاصفة الهوجاء في حياتي سنة 1412 هـ ( 1 ) وأنا أبحث في المذاهب وأدرسها وأرحل منها إليها !
لست أدري إلى * أين يمضي القطار
خلت أن يكتفي * من حطام ونار
فانبرى منكرا * فكرتي ذا القطار
إن نيرانه * من شظايا الفكر
وبما غيرها * ليس يحلو السفر ( 2 )
ولكن الجديد فيها هو هذا الاتصال الروحي بأبعادها المترامية وهذا العشق العرفاني بالإخلاص لها والهيام الروحاني بالسير في سبلها .
* ( هامش ) *
( 1 ) عندما تركت مدينة ” صعدة ” التي كنت أدرس بها متجها نحو صنعاء متنقلا بين محافلها الثقافية والفكرية باحثا عن فكرة أحملها يذعن لها عقلي وتطمئن لها روحي .
( 2 ) المقطع الأخير من قصيدة ” شظايا فكر ” من ديوان ” إلى الله ” للكاتب ( صاحب هذه السطور ) مخطوط . ( * )
____________________9_______________________
كنت قد اعتكفت – شبه اعتكاف ! ! لمدة قصيرة – متصوفا في جامع النهرين بصنعاء ممارسا – كما أسميت تلك المرحلة من حياتي – ب ” دور النقه الروحي ” أمضي بعدها سبيلي
في الصراع مع أمواج أفكار العالم وأطروحات صراع الحضارات . . . ! حين أتى ذلك الأخ المؤمن وقال لي : ما الذي أتى بك إلى هنا ؟ قد سمعنا عنك أنك قد لويت عنانك لعالم الأفكار
الحديثة ( 1 ) والمنهج العلمي المادي ( 2 ) فما أنت وهذا المكان ؟ ! قلت : لا عليك ، أنا كما سمعت ; إلا أني أحببت أن أمر بدور ” نقه روحي ” لأتوثب من جديد لمواصلة طريقي في عالم الفكر الحديث وطرحه العلمي البحت ( التجريبي ) ( 3 ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) أردت بالأفكار الحديثة ما كان من قبيل الطرح الفلسفي المعاصر كفلسفة الأخلاق وفلسفة العلوم ومناهج ونظريات البحوث الابستمولوجية المعاصرة وحوار الأديان وحوار الحضارات أو صراعها و . . .
( 2 ) المنهج هو الطريق المتبوع ، وهو بالمعنى العلمي : مجموعة الإجراءات التي ينبغي اتخاذها بترتيب معين لبلوغ هدف معين ، وتتوقف طبيعة هذه الإجراءات وتفاصيلها على الغاية منها ، وتتنوع بتنوع العلوم ، وتختلف في العلم الواحد من عالم إلى عالم ومن عصر إلى عصر . . . أنظر : الموسوعة الفلسفية : 471 . وقصدت بوصف ” المادي ” : المعنى الفلسفي للنزعة القائلة : بأن كل ما هو موجود مادي . . . أنظر : الموسوعة الفلسفية المختصرة : 284 .
( 3 ) التجريبية : تعاليم نظرية المعرفة التي تذهب إلى أن التجربة الحسية هي المصدر الوحيد ، وتؤكد أن كل معرفة تقوم على أساس التجربة ، ويتم بلوغها = ( * )
____________________10_______________________
قال : وما زلت في مطالعاتك كما كنت ؟ قلت : لا . قال : وكيف تدير رحى ” نقهك الروحي ” هذا إذن ؟ قلت : بما يعنيني ولا يعنيك ! قال : فهلا عرجت على كتاب أو كتب للصوفية
( 1 ) تبهج روحك وتؤنس خلوتك ؟ ! قلت : لي في كتاب الله سلوة وعزاء ! قال : لجدك الإمام يحيى بن حمزة ( 2 ) كتاب اسمه ” تصفية
* ( هامش ) *
= عن طريق التجربة . أنظر : الموسوعة الفلسفية ( السوفياتية ) : 110 . وحاولت – بربطي ل ” التجريبي ” ب ” الفكر الحديث ” – النظر إلى التجريبية المنطقية الحديثة التي تقصر التجربة على المجموع الكلي للإحساسات أو الأفكار ، منكرة أن التجربة تقوم على أساس من العالم الموضوعي .
( 1 ) التصوف : مصدر الفعل الخماسي المصوغ من ” صوف ” للدلالة على لبس الصوف ، ومن ثم كان المتجرد لحياة الصوفية يسمى في الإسلام صوفيا . وورد لفظ ” الصوفي ” لقبا مفردا لأول مرة في التاريخ في
النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي ، إذ نعت به جابر بن حيان ، ولا يستطيع الباحث في تاريخ الصوفية أن يظفر بتعريف جامع مانع للتصوف . ويقول الأنصاري ( ت 929 هـ ) ” التصوف علم تعرف به أحوال
تزكية النفوس ، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية . أنظر : حقائق عن التصوف : 13 ، دائرة المعارف الإسلامية : 5 / 265 ، التصوف منشؤه ومصطلحاته : 21 .
( 2 ) الإمام المؤيد بالله أو المؤيد برب العزة يحيى بن حمزة بن علي ( 669 – 749 هـ =
____________________11_______________________
القلوب ” ( 1 ) فلم لا تجعله ” مصفيا لقلبك ” ؟ ! قلت : ذاك كتاب قرأته منذ زمن ! قال : ” فإحياء علوم الدين ” ( 2 ) .
* ( هامش ) *
= يعتبر من أكابر أئمة الزيدية ، ويجعله الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه ” الزيدية ” : ” قمة اللقاء ” بين الزيدية والمعتزلة ، وألف حوله كتاب ” الإمام المجتهد يحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية ” ، إدعى يحيى بن
حمزة الإمامة سنة ( 748 هـ ) ويروى أن كراريس تصانيفه زادت على عدد أيام عمره ، وهو صاحب موقف سلمي – إن لم يكن مدافعا – في حق ” الخلفاء ” الذين تقدموا جده الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب ( عليه السلام ) ، وله مشرب معتزلي ملحوظ ، من أهم كتبه : ” الشامل ” في علم الكلام ، و ” الإنتصار ” في الفقه المقارن – وهو موسوعة فقهية ضخمة تقع في 18 مجلدا – وله كتاب ” تصفية القلوب
من درن الأوزار والذنوب ” يتصل نسب يحيى بن حمزة بالإمام الجواد علي بن محمد الهادي ( عليهما السلام ) الإمامين العاشر والتاسع من أئمة أهل البيت الاثني عشر ( عليهم السلام ) عن طريق جعفر بن الإمام
الجواد . أنظر : التحف شرح الزلف : 185 ، لوامع الأنوار : 2 / 72 ، البدر الطالع : 2 / 184 ، الأعلام : 8 / 143 ، الموسوعة اليمنية : 2 / 1019 ، أعيان الشيعة : 10 / 289 .
( 1 ) ” تصفية القلوب عن درن الأوزار والذنوب ” لأبي إدريس يحيى بن حمزة ” المؤيد بالله ” كتاب يتناول الأخلاق الفاضلة والأوصاف الحميدة ، وهو – كما قيل – على نمط ” إحياء علوم الدين – للغزالي ” مرتب
في عشر مقالات ، طبع بتحقيق إسماعيل بن أحمد الجرافي – المكتبة السلفية – القاهرة 1985 ، وطبع – مؤخرا – بتحقيق سلفي للأهدل .
( 2 ) كتاب ” إحياء علوم الدين ” : من كتب المواعظ ، رتبه مؤلفه أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الشافعي ( 505 ) على أربعة أقسام : ربع العبادات وربع العادات وربع المهلكات وربع المنجيات في كل منها عشرة كتب . . . ، طبع مرارا . ( * )
____________________12_______________________
قلت : الحق أني بين الفينة والأخرى أقلب صفحات أحد مجلداته وأقرؤها ! قال : فهل لك إلى
كتاب آخر أعطيكه لترى ما فيه من تهذيب للنفس وسير بها في معارج العرفان ؟ قلت : لا بأس ! قال : آتيك به . * * * وبعد يومين أو ثلاثة جاء وأعطاني كتابا عرفانيا من كتب الشيعة الاثني عشرية ( 1 ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) ” والشيعة : القوم الذين يجتمعون على أمر ، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة ، وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض . . . قال الزجاج : والشيعة أتباع الرجل وأنصاره . . . قال الأزهري :
والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويوالونهم . وقد غلب هذا الاسم على من يتولى عليا وأهل بيته ( رضوان الله عليهم أجمعين ) حتى صار لهم اسما خاصا ، فإذا قيل : فلان من الشيعة
عرف أنه منهم ، وفي مذهب الشيعة كذا ، أي عندهم ، وأصل ذلك من المشايعة ، وهي المتابعة والمطاوعة ” أنظر : التشيع نشأته معالمه : 24 ، لسان العرب : 8 / 188 – 189 . ” ولقد استعمل القرآن الكريم كلمة
الشيعة بمعنى الأنصار والأتباع الفكريين فقال : ( وإن من شيعته لإبراهيم ) الصافات : 83 ” التشيع : 24 . ( التشيع ) على التخصيص لا محالة لأتباع أمير المؤمنين ( علي بن أبي طالب ) صلوات الله عليه على سبيل الولاء والاعتقاد لإمامته بعد الرسول = ( * )
____________________13_______________________
* ( هامش ) *
= – صلوات الله عليه وآله – بلا فصل ونفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة . . . ” : أوائل المقالات : 2 . ” الشيعة : هم الذين شايعوا عليا ( رضي الله عنه ) على الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافته نصا
ووصية ، إما جليا ، وإما خفيا ، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده ، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره ، أو بتقية من عنده ، وقالوا : ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة ، وينتصب الإمام بنصبهم ،
بل هي قضية أصولية ، وهي ركن الدين . . . ” الملل والنحل للشهرستاني : 146 – 147 . ” والشيعة : ثلاث فرق : زيدية ، وإمامية ، وباطنية ” الملل والنحل لابن المرتضى ( مقدمة كتاب البحر الزخار ) : 40 .
” وإذا ثبت ما بيناه بالسمة بالتشيع – كما وصفناه – وجبت للإمامية والزيدية الجارودية من بين سائر فرق الأمة . . . ” أوائل المقالات : 3 . ” . . . والعمدة في التشيع مذهب الزيدية وعدلية الإمامية . . . ” الشافي
لابن حمزة : 1 / 139 . والاثنا عشرية هم الإمامية القائلون بوجود النص على اثني عشر إماما – بعد الرسول – نص عليهم هو نفسه صلوات الله عليه وآله . ” باب الفرق بين الإمامية وغيرهم من الشيعة وسائر
أصحاب المقالات : فأما السمة للمذهب بالإمامة ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو علم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان ، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام ، ثم حصر
الإمامة في ولد الحسين بن علي ( عليهما السلام ) وساقها إلى الرضا علي بن موسى ( عليهما السلام ) ، لأنه – وإن كان علما على من دان من الأصول بما ذكرناه ، دون التخصيص لمن قال في الأعيان بما وصفناه –
فإنه قد انتقل عن أصله لاستحقاق فرق من معتقديه ألقابا بأحاديث لهم بأقاويل = ( * )
____________________14_______________________
كان كتابا عجيبا ! ، كنت ” أغرق ” في ” بحوره ” ساعات وساعات وهو يذهب بي ذات اليمين وذات الشمال . . . ، ومنتقى القول أنه كان عاصفة في
* ( هامش ) *
= أحدثوها فغلبت عليهم في الاستعمال دون الوصف بالإمامية ، وصار هذا الاسم – في عرف المتكلمين وغيرهم من الفقهاء والعامة – علما على من ذكرناه ” أوائل المقالات : 4 . ” واتفقت الإمامية على أن الأئمة
بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اثنا عشر إماما . . . ” أوائل المقالات : 6 . ” مذهب الإمامية هو أحد المذاهب الإسلامية الكلامية والفقهية . . يرجع في انتمائه العقيدي والفكري إلى أئمة أهل البيت ( عليهم
السلام ) ، وبه سمي بالإمامي وأتباعه بالإمامية ، وقد يسمى بالمذهب الجعفري نسبة إلى الإمام السادس من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) المتوفى سنة 148 ه
، وذلك لوفرة عطائه الفكري بالنسبة إلى بقية الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ولأنه عاش فترة انطلاقة الفكر الكلامي والخلافات الفكرية في مفاهيم العقيدة وشؤونها الأخرى ، وبروز أعلام الفكر الكلامي
ومدارسه الأولى كالجبرية والمعتزلة ، وفترة توسع الفكر الفقهي وظهور أصحاب المذاهب الفقهية أمثال : مالك بن أنس وأبي حنفية ، حيث كان المسلمون آنذاك يتمايزون بالانتماء ، فيقال : هذا من أتباع المذهب
الكلامي المعين أو المذهب الفقهي المعين . ويعرف هذا المذهب أيضا بمذهب الإمامية الاثني عشرية في مقابلة المذهبين الشيعيين الآخرين : الزيدي والإسماعيلي اللذين تستمر الإمامة – في اعتقادهما – متجاوزة
الحصر بعدد معين . ويطلق عليه – غالبا – المذهب الشيعي لكثرة أتباعه مقارنة بأتباع المذهبين الشيعيين الآخرين الزيدي والإسماعيلي . ويشكل الشيعة الإمامية – في الوقت الحاضر – نصف مسلمي آسيا وثلث مسلمي العالم ” مذهب الإمامية : 7 – 8 . ( * )
____________________15_______________________
حياتي هوجاء لا أرى مجالا متسعا للإستطراد في تسطيرها ! وبعدها بأيام جاءني ذلك الأخ بكتاب آخر حول جهاد النفس .
وحصلت بعدها على كتب أخرى في تهذيب النفس ، ويا لتلك الذكريات العذبة التي ما زالت مخيلتي تحتفظ بها عن تلك الأيام . * * *
انقضت فترة وجيزة و ” غرقي ” في تلك الكتب كان قد بلغ مداه ، ولما وصلت إلى الساحل قلت : من أين أتى كاتب تلك الكتب بما في تلك الكتب ! ؟ إنه لم يكن ليأتي بشئ من عنده
ومن جعبته الخاصة ! ! كل ما هناك أنوار وأحاديث لأهل البيت ( عليهم السلام ) .
وأغرقت في التساؤل والإستعجاب ! قلت : ولكن أو ليس ” المؤلف ” من ” الاثني عشرية ” وهم من هم في مخالفتهم لعقائد ” الزيدية ” ( 1 ) الحقة ! ؟
* ( هامش ) *
( 1 ) الزيدية : ” أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها ، ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم ، إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي
عالم شجاع سخي خرج بالإمامة ، أن يكون إماما واجب الطاعة . سواءا كان من أولاد الحسن ، أو من أولاد الحسين رضي الله عنهما . . . وهم أصناف ثلاثة : جارودية ، وسليمانية ، وبترية ” الملل والنحل : 1 / 154 – 157 . = ( * )
____________________16_______________________
* ( هامش ) *
= ” وأما الزيدية فهم القائلون بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين وزيد بن علي ( عليهم السلام ) وبإمامة كل فاطمي دعى إلى نفسه وهو على ظاهر العدالة ومن أهل العلم والشجاعة وكانت
بيعته على تجريد السيف للجهاد ” أوائل المقالات : 4 . ” ] عبد الله بن حمزة [ : وكل آبائنا عليهم السلام زيد إمامه لأنه – عندنا أهل البيت – إمام الأئمة لفتحه باب الجهاد . وزيد بن علي ومحمد بن علي و عبد الله بن
الحسين وإبراهيم بن الحسن ، لم يختلفوا في حرف واحد من أصول دينهم ، فلما قام زيد بن علي ( عليهما السلام ) – دونهم – على أئمة الجور تبعه فضلاء أهل البيت ( عليهم السلام ) في القيام . فقال محمد بن عبد
الله النفس الزكية ( عليه السلام ) : ألا إن زيد بن علي فتح باب الجهاد وأقام الحجة وأوضح المحجة ولن نسلك إلا منهاجه ولن نقفوا إلا أثره . . . فأقول : أخبرني أبي تلقينا وحكاية عن العدل والتوحيد وصدق الوعد
والوعيد . . . والنبوة والإمامة لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بلا فصل ولولديه الحسن والحسين ( عليهما السلام ) بالنص ، وأن الإمامة بعدهما فيمن قام ودعا من
أولادهما وسار بسيرتهما واحتذى حذوهما كزيد بن علي ومن حذا حذوه من العترة الطاهرة سلام الله عليهم واختصت الفرقة هذه من العترة وشيعتهم بالزيدية ، وإلا فالأصل علي ( عليه السلام ) والتشيع له لخروج زيد
بن علي ( عليه السلام ) على أئمة الظلم وقتالهم في الدين فمن صوبهم – من الشيعة – وصوبه وحذا حذوه من العترة فهو زيدي . . . ” أنظر : لوامع الأنوار : 1 / 502 – 503 . ” ونسبة الزيدي إلى الزيدية تعني
النسبة إلى الفكر الزيدي وهي نسبة انتماء واعتزاء . . . والحقيقة هي : أن المذهب الفقهي المعروف بالمذهب الزيدي في اليمن . . . لم يكن
____________________17_______________________
ولن نتجشم العناء بعدما أوضح أمرهم ” الإمام يحيى بن حمزة ” في كتابيه ” الافحام ” ( 1 ) و ” مشكاة الأنوار ” ( 2 ) وأدق منه ” الإمام عبد الله بن حمزة ” ( 3 ) في ” العقد الثمين ” ( 4 ) وغيرهما وغيرها ! !
* ( هامش ) *
= مذهب إمام معين . . . الزيدية لا تعتقد بأن الإمام زيد بن علي أولى بالتقليد من غيره كالإمام جعفر الصادق . . . إن هذه النسبة ] الزيدية [ لم يطلقها الإمام زيد على أتباعه ، ولا أطلقها – في البداية – أتباعه على أنفسهم . . . ” راجع : الزيدية نظرية وتطبيق : 11 – 14 .
( 1 ) كتاب ” الافحام لأفئدة الباطنية الطغام ” كتبه الإمام يحيى بن حمزة ردا على عقائد الباطنية – كما ظاهر من اسمه – وفيه خلط بينهم وبين الإمامية الاثني عشرية ، طبع بتحقيق الدكتور علي سامي النشار وفيصل عون سنة 1966 م – منشأة المعارف – الإسكندرية .
( 2 ) كتاب ” مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار ” ليحيى بن حمزة ، هو كسابقه ” الافحام ” – تقريبا – طبع بتحقيق الدكتور السيد الجليند ، دار الفكر الحديث .
( 3 ) الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان ( 561 – 614 ) من البلغاء والفصحاء والفقهاء ومن أشهر علماء وأئمة الزيدية في القرن السادس ، يعتبر كتابه ” الشافي ” من أهم كتب الزيدية ، ادعى
الإمامة في 594 ، حارب المطرفية وكفرهم – وهم من الزيدية – لمخالفتهم له في الرأي وعدم مبايعتهم له ، أنظر ترجمته في : التحف شرح الزلف : 164 ، الحدائق الوردية : 2 / 133 ، الأعلام : 4 / 83 ،
الموسوعة اليمنية : 2 / 619 . 3 ) ” العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين ” كتاب في الفرق بين الزيدية والإمامية والرد على الإمامية ، وهو كتاب ملئ بالشبه ، ولم يتحر مؤلفه = ( * )
____________________18_______________________
وأعقبت ذلكم السؤال محاورات تترى بيني وبين نفسي ومخزوني الفكري والعقائدي والمذهبي . كانت رياح توجهي ” الحديث ” حينها تصرفه عن ما هو فيه إلا أني كنت أرجعها إليه في
مفارقات عدة لا مجال لتسطيرها هنا ! ! ومن ثم رجعت في نهاية المطاف إلى نفسي وقلت : أولست قد أخذت على نفسك عهدا أن لا تدع قول فرقة في فرقة قائدك ومقنعك إلا بعد “
فحص ” ما جاء عنها في كتبها ؟ أيقبل عقلك أن يكون ” للزيدية ” هذه الردود والنقوض على مذهب الاثني عشرية وتظل واقفة حائرة لا ترد ولا تدافع عن نفسها ، وهي من عرفت في ردودها على أهل السنة ( 1 ) ودحض أقاويلهم عليها .
* ( هامش ) *
= عبد الله بن حمزة فيه – مع الأسف – الموضوعية والدقة ; كحال أكثر الكتب عند كثير من المذاهب والتي تؤلف لهذا الغرض . والكتاب ما زال مخطوطا .
( 1 ) أهل السنة : ” هم القائلون بخلافة أبي بكر وعمر عن استحقاق ويقابلهم الشيعة ” المعجم الوسيط : 456 . ” أما لفظ ” السنة ” فلم يظهر مقرونا بلفظ ” الجماعة ” في بادئ الأمر ، بل ظهر بمفرده أولا في العهد
الأموي أيضا للتمييز بين المنتظمين في سلك ” الجماعة ” وبين الآخرين الذين ما زالوا يؤمنون بقداسة الدين التي تأبى أن يكون رجال بني أمية هؤلاء زعماء له ناطقين باسمه . . . ” تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي :
577 . وأهل السنة – في نظر البغدادي ( 429 ) – ثمانية أصناف : الصفاتية من المتكلمين وأئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث والمحدثون ( أهل الحديث ) = ( * )
____________________19_______________________
وكم لهم من المؤلفات في ذلك ! ! إضرب بطرفك لا ترى إلا ” الغدير ” ( 1 ) و ” عبقات الأنوار ” ( 2 ) و ” إحقاق الحق ” ( 3 ) و ” المراجعات ” ( 4 ) و . . .
* ( هامش ) *
= وبعض النحاة والأدباء والقراء والزهاد والمرابطون في الثغور وعامة البلدان التي غلب فيها شعار أهل السنة . أنظر : الفرق بين الفرق : 276 .
( 1 ) كتاب ” الغدير في الكتاب والسنة والأدب ” كتاب ديني ، علمي ، فني ، تأريخي أدبي ، أخلاقي . . . ، يبحث فيه عن حديث الغدير كتابا وسنة وأدبا ويتضمن تراجم أمة كبيرة من رجالات العلم والدين والأدب من الذين نظموا هذه الإثارة من العلم وغيرهم ، كما يصفه مؤلفه العلامة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي ( 1320 – 1390 ) ، ظهرت طبعته المحققة سنة 1416 ه – 1995 م في قم ، وهو في طبعاته السابقة أحد عشر مجلدا .
( 2 ) ” عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار ” للسيد مير حامد حسين الموسوي الهندي ( 1246 – 1306 ) كتبه ردا على ” التحفة الاثني عشرية لعبد العزيز الدهلوي السني ” طبع بالهند سنة ( 1293 ه ) ، قال عنه السيد علي الحسيني الميلاني : أجل ما كتب في الإمامة من صدر الإسلام إلى الآن ، طبع منه أحد عشر مجلدا ضخاما .
( 3 ) ” إحقاق الحق وإزهاق الباطل ” للقاضي السيد الشهيد نور الله الحسيني المرعشي التستري ( 956 – 1019 ) كتبه ردا على كتاب ” إبطال نهج الباطل لابن روزبهان ” نشرته مكتبة آية الله المرعشي النجفي مع ملحقاته والفهارس في أربعة وثلاثين مجلدا ضخما .
( 4 ) ” المراجعات ” أبحاث جديدة في أصول المذهب والإمامة العامة وهي رسائل متبادلة بين عميد السنة في مصر وهو الأستاذ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر وبين السيد شرف الدين العاملي ، وهو من أشهر الكتب المعاصرة ، طبع الطبعة العشرون بالقاهرة سنة 1399 ه / 1979 م . = ( * )
____________________20_______________________
وقبل أن تراودني نفسي على الاطلاع على ما عند ” الشيعة الاثني عشرية ” أدرت حوارا مع نفسي ” كعادتي ” !
كان نتاجه : البحث العلمي والمنهجي يتطلب موضوعية بحتة ، أي أن يرتكز على نقاط أسسية مبدئية ويناقش فقرات مفصلية في عقيدة أي نحلة أو فرقة .
والبحث في ” الزيدية ” و ” الاثني عشرية ” هو البحث في ” الشيعة ” و ” التشيع ” . إذن هو البحث في ” الإمامة ” و ” الخلافة ” .
البحث عن ” التقية والمتعة والمسح على الأرجل و ( أشهد أن عليا ولي الله ) والسجود على التربة ” ( 1 ) للوصول إلى حل جذري وحاسم عند النقاش
* ( هامش ) *
= . . . وللعلم أن هذه الكتب لا تختص مباحثها – الإختصاص التام – بعقائد السنة ونقاشها – كما يحلو لبعض أن يتصور ، حتى يلقي عن كاهله عبأ الاطلاع عليها وقراءتها بادعاء أنها لا تناقش مذهب الزيدية ولا
تتعرض له – فكثير كثير من مباحث هذه الكتب ومناقشاتها تدخل في نقاش أكثر المذاهب – إن لم يكن كلها – في صميم بحوث الإمامة – كالبحث عن العصمة وضرورتها وعقيدة اللطف والنصوص على الأئمة ( عليهم السلام ) مما لا يختص البحث فيه بالزيدية وحدها .
( 1 ) قال الشيخ الأنصاري ( 1282 ) : التقية : اسم لإتقى يتقي . . . والمراد هنا التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق . وعرف محمد رشيد رضا ( 1354 ) – من علماء أهل السنة – التقية بقوله : ( ما يقال أو يفعل مخالفا للحق لأجل توقي الضرر ) . = ( * )
____________________21_______________________
* ( هامش ) *
= ويدل على جوازها من كتاب الله الكريم قوله تعالى : ( . . . إلا أن تتقوا منهم تقاة . . . ) آل عمران : 28 . وقد تعرض ثامر هاشم حبيب العميدي لبحث التقية عند المذاهب الإسلامية بحث موضوعي في كتابه “
واقع التقية عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية ” وقد طبع هذا الكتاب وصدر عن مركز الغدير للدراسات الإسلامية سنة 1416 ه / 1995 م – قم – إيران . المتعة : هي النكاح بعينه إلا أنها
محددة بالمدة وتشترط فيها شروط العقد الدائم ( في الزواج ) قال الله تعالى : ( . . . فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن . . . ) النساء : 24 . للتوسع أنظر : ” المتعتان بين النص والاجتهاد من كتاب الغدير الشيخ
الأميني ( رحمه الله ) ” ، المتعة وأثرها في الاصلاح الاجتماعي ، زواج المتعة حلال – محاكمة المنهج الفقهي عند أهل السنة . المسح على الأرجل : أحد أركان الوضوء وجاء به الكتاب العزيز في قوله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين . . ) المائدة : 6 . أنظر : القول المبين عن وجوب مسح الرجلين للكراجكي : 449 ، المسح
على الرجلين للمفيد : 413 . الشهادة الثالثة : أشهد أن عليا ولي الله ، والمقصود التلفظ بهذه الشهادة بعد ” أشهد أن محمدا رسول الله ” في الأذان ، والشيعة لا يأتون بها بقصد الجزئية ، جاء في منهاج الصالحين /
فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني حفظه الله : 1 / 191 : ” . . . والشهادة لعلي ( عليه السلام ) بالولاية وإمرة المؤمنين مكملة للشهادة بالرسالة ومستحبة في نفسها وإن لم تكن جزءا من = ( * )
____________________22_______________________
بين ” الزيدية ” و ” الاثني عشرية ” – بنظر صاحب هذه السطور – ليس إلا لجاجة وتعنتا واستعراض عضلات في الفقه والحديث وأبواب الصلاة وكتاب النكاح ! وليس المقصود –
لا سمح الله – أن لا تناقش تلك المسائل وأن لا تطرح ، إذ قد تكون في أغلب الأحيان هي القضية المحورية للنقاش – وإن كان هذا النقاش مما لا أراه مجديا من أجل التوصل إلى أحقية
فرقة عن أخرى – بل إن هنالك حاجة ملحة أحيانا لإبداء وجهة نظر المذهب المدافع عنه في تلك المسائل ، خصوصا إذا كانت في دائرة ” الشبه ” التي تلقى هنا وهناك ! هكذا على عواهنها ! ، لا لشئ إلا للتهويل والتخويف والتحوير والتنفير ! !
* ( هامش ) *
= الأذان والإقامة . . . ” . وانظر : ” سر الإيمان الشهادة الثالثة في الأذان ” . السجود على التربة : من المسائل التي يستدل لها عند الشيعة – على سبيل الاحتجاج – بأحاديث وتصريحات وردت عند السنة أنفسهم
بل وغير السنة أيضا . إلا أن الشيعة كادت أن تكون الوحيدة من بين الفرق التي أصرت على هذه المسألة إن لم تكنها ، واختص التهويل في هذه المسألة على فتوى الاستحباب بالسجود على التربة المأخوذة من أرض
كربلاء أو التربة الحسينية – عند الشيعة الإمامية – وفي الأحكام للهادي يحيى بن الحسين ( ت / 298 ) حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المسوح واللبود وأشباههما فقال : أحب لكل مصل أن يضع جبهته على
التراب وحضيض الأرض . . . ” . وفي صحيح البخاري – من أهل السنة – عن أبي سعيد الخدري : ” . . . فصلى بنا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله ( صلى
الله عليه وآله وسلم ) . . . ” صحيح البخاري : 1 / 207 . أنظر : السجود على التربة الحسينية عند الشيعة الإمامية ، السجود على الأرض . ( * )
____________________23_______________________
أقصد أن هنالك ما هو أكبر في دائرة النقاش ، بل وما هو أهم عند الحديث عن فرقتين من فرق الشيعة كتب لهما البقاء مع أختهما الثالثة ” الإسماعيلية ” ( 1 ) حتى هذا العصر ، ولم تنقرض كما انقرضت الفرق الأخرى سواءا من الشيعة أو السنة .
إن البحث في المذاهب ومنها ” الاثنا عشرية ” و ” الزيدية ” يختزل اختلافا – قد يكون واسعا في بعض أطروحاته – في شتى مناحي التفكير عند تلك المذاهب بدءا من ” العقيدة ” وما فيها
من : ” عدل ” و ” نبوة ” و ” معاد ” و ” إمامة ” بل و ” توحيد ” مرورا ب : ” الحديث ورجاله ومتونه وأسانيده ومسانيده ” و ” التاريخ وحركاته وتطوراته وانكماشاته ” و ” الفقه واختلافاته
واستنباطاته واجتهاداته ومراحله وتدوينه ” و ” التفسير ” و ” الكلام ” وانتهاءا بالطرح المعاصر لذلك المذهب أو ذاك .
من هنا : كان لا بد من تلمس أشد المواضيع صلة برأس الاختلاف وأس
* ( هامش ) *
( 1 ) الإسماعيليون : هم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق ( عليه السلام ) بعد أبيه جعفر وبذلك اختلفوا عن الشيعة الإمامية الاثني عشرية ( الجعفرية ) الذين قالوا بإمامة موسى الكاظم بعد جعفر الصادق
( عليهما السلام ) . وأشهر فرق الإسماعيلية – إن لم تكن الإسماعيلية منحصرة في العصر الحاضر بهما – النزارية والمستعلية ( البهرة ) ويتواجدون في كثير من نقاط العالم الإسلامي .
للتوسع أنظر : بحوث في الملل والنحل / الجزء الثامن ، الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي ، تاريخ الدعوة الإسماعيلية . ( * )
____________________24_______________________
الانشقاق حيث نرى أن للشيعة بمذاهبها الثلاثة المعاصرة : الاثنى عشرية والزيدية والإسماعيلية قاسما مشتركا من عنده افترقت . فما هو أصل اختلاف ” الاثني عشرية ” و ” الزيدية ” ؟
من المعلوم أن الفرقتين شيعيتان أي أنهما تقولان ب : بأحقية أهل البيت النبوي في الخلافة ” الإمامة ” بل وتتفقان على النص على ” علي ( عليه السلام ) والحسنين ( عليهما السلام ) ” .
بغض النظر عن كونه ” جليا ” أو ” خفيا ” ! ومن بعد الحسين ( عليه السلام ) يبدأ الخلاف : فالاثنا عشرية تقول : النص ثابت في من بعد الحسين ( عليه السلام ) وهو ابنه الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) وفي من بعده . . . هكذا حتى ” الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر ( عليه السلام ) ” .
والزيدية تقول : لا نص بعد الحسين ( عليه السلام ) إلا ما كان نصا على أهل البيت صلوات الله عليهم بشكل عام ، كقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” تركت فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي ” . إذن أصل خلاف الفرقتين في ” الإمامة ” ومنها انقسامهما .
ومنهجية خلاف الفرقتين ” الزيدية ” و ” الاثني عشرية ” يتم مرورا بالخطوات التالية :
1 – تعريف ” الإمامة ” عند المذهبين الزيدي والاثني عشري .
2 – صفات الإمام أو شروط الإمام عند المذهبين الزيدي والاثني عشري .
____________________25_______________________
3 – الطريق إلى معرفة الإمام عند المذهبين الاثني عشري والزيدي .
وبطرح آخر : إن قول ” الزيدية ” بأن ” طريق معرفة الإمام هو الدعوة والقيام ” ضرورة اقتضاها قولهم بأن ” شروط الإمام شروط أفضلية بشرية وملكات احتيازية ” – أوصلوها إلى
أربعة عشر شرطا – وهذا القول كان – هو الآخر – ضرورة اقتضاها قولهم بأن ” الإمامة رئاسة عامة في أمور الدنيا لم يوجبها اللطف بل المصلحة ” .
ومن المنطق أن يقول شخص : بأن طريق معرفة الإمام هو قيامه ودعوته ما دام وقد قال بأن الشروط المتطلبة في الإمام هي شروط كمالية بالإمكان حصولها في أي شخص اتفق ، والقول
الأخير هذا يفرضه المنطق أيضا ! ! – بناءا على القول بأن ” الإمامة رئاسة عامة لاحتياج الناس لللطف الذي يطرح في بحث النبوة وأن الإمامة ليست في طول النبوة أو في عرضها “
. لكن الأمر يختلف إذا ما قلنا بأن طريق معرفة الإمام ليست قيامه ودعوته ، وإنما الطريق إلى معرفة الإمام هو ” النص ” ، وهذا بدوره يقود إلى القول بأن المنصوص عليه لا بد وأن
تكون له خصوصيات غير تلك التي تكون ملكة واحتيازية ، أي أنه لا بد أن يكون ” معصوما ” حتى ينص عليه ; كما هو الحال في النبوة والنبي . والقول بهذا ضرورة تقتضيها العقيدة
بأن ” الإمامة رئاسة عامة في الدين والدنيا لللطف الإلهي ” وأن ” الإمامة لطف واستمرار للنبوة ” . إذن من النقطة الأولى ” يتمنهج ” البحث بشكل أكثر منطقية ! ! وكما يعبر ” القدماء ” إن قالوا فنقول وإن قلت قلت ! !
____________________26_______________________
إن قلنا : – كما هو رأي الزيدية – إن ” الإمامة ” رئاسة عامة لشخص معين في الدنيا وأمور الناس ; فسنقول – ضرورة – إن مواصفات هذا الإمام كمالية بشرية أو فقل : ” أربعة عشر شرطا ” .
وعليه فسنقول : إن طريق معرفته قيامه ودعوته لنفسه إذ لا طريق غيره . أما لو قلنا كما تقول ” الاثنا عشرية ” : إن الإمامة لطف واستمرار للنبوة أو رئاسة عامة في الدين والدنيا
يقتضيها اللطف فلا بد من القول بعصمة صاحبها ” الإمام ” وعندها فلا طريق لمعرفة إمامته إلا ” النص ” . * * * وهكذا كانت حركة بحثي في العقيدتين والمذهبين .
تحركت من نقطة ” اللطف أو المصلحة ” فقادتني ” الإشارات المرورية الإلهية والعقلية المنطقية ” إلى ” ضرورة ” القول ب ” اللطف ” ! ثم قادني ” اللطف ” بدوره إلى الإعتقاد “
بضرورة العصمة ” التي دلت بذاتها إلى الإعتقاد ب ” النص ” مخلفا ورائي : أن لا يمكن الإيمان ب ” الشروط الأربعة عشر ” و ” القيام والدعوة ” ، لأعتنق بعد ذلك مذهب الشيعة
الاثني عشرية تاركا مذهبي السابق ” الشامخ ” القديم المذهب الشيعي الزيدي . وكم كان صعبا ذلك التحول والإعتناق الجديد ! لو لم تكن للنفحات الرحمانية جولات وصولات هدأت
النفس وطمأنت القلب وعقلت العقل ! ! محمد بن حمود العمدي ذمار – اليمن 15 شوال 1419 ه
____________________28_______________________
شظايا فكر تعرف الإمامة عند الزيدية بأنها ” تابعة للنبوة في الوجه الذي وجبت له ، لأن الأئمة ( عليهم السلام ) يقومون مقام الأنبياء ( عليهم السلام ) في تبليغ الشريعة وإحياء ما اندرس منها ومقاتلة من عند عنها ، ولهذا لم تكن إلا بإذن من الشارع واختيار منه كالنبوة .
ومسألة الإمامة من أكبر مسائل أصول الدين وأعظمها ، لأنه يترتب عليها طاعة الله وطاعة الرسول والقيام بالشرائع والجهاد والموالاة والمعاداة والحدود وغير ذلك . . . وشرعا – أي
في عرف الشرع – رئاسة عامة – أي على جميع الناس – تثبت باستحقاق شرعي أي بدليل من الشرع ; أي باختيار من الشارع لصاحبها لأنها ، تالية للنبوة . . . وهي واجبة عقلا
وسمعا . وقال بعض أئمتنا ( عليهم السلام ) وهم بعض المتأخرين منهم والجمهور من غيرهم : بل وجبت سمعا فقط ! ! قالوا : ولا إشكال أن الإمام لطف ومصلحة للخلق ، لكن العلم بكونه لطفا ومصلحة إنما طريقه الشرع كالنبوة عندهم ” ( 1 ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) عدة الأكياس : 2 / 109 – 115 .
____________________29_______________________
وقد يظن أن هذا الكلام قول باللطفية ، وحينها فلا خلاف بين الزيدية والاثني عشرية في كون الإمامة لطفا ، إلا أنه ليس كذلك !
1 – لأن للزيدية نصوصا أخرى تدل على عدم اعتقادهم باللطف في مسألة الإمامة . يقول أحمد بن يحيى بن المرتضى ( 1 ) : ” . . . لا طريق إلى اللطف الخاص إلا السمع ، والعام – كالمعرفة – لا بد له من وجه يقتضي اللطفية ; ولا وجه هنا ” ( 2 ) .
وهو رأي ” يحيى بن حمزة ” أيضا : ” وأما القائلون بأن لا طريق إلى وجوب الإمامة إلا الشرع فهم الزيدية والمعتزلة والأشعرية ، وقالوا : لا إشكال في كونه لطفا ومصلحة للخلق ، ولكن العلم بكونه لطفا إنما يكون طريقه الشرع .
* ( هامش ) *
( 1 ) هو أحمد بن يحيى بن المرتضى ( 764 – 840 ) الحسني ، الإمام المهدي لدين الله ، العالم ، الفقيه ، المجتهد ، إدعى الإمامة في 793 ، وخسر وألقي به في السجن وألف في السجن كتابه الفقهي الشهير “
الأزهار ” عمدة المذهب الزيدي ومرجع طلابه وفقهائه ، خلف كتبا كثيرة في أصول الدين والفقه وفي علوم اللغة وغيرها ، يعتبره صبحي في كتابه الزيدية ” زيديا اعتزل ” وله ” طبقات المعتزلة ” .
من آرائه : صحة حكم ( قضاء ) أبي بكر بن أبي قحافة في ” فدك ” التي أنحلها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ! ! أنظر : التحف : 193 ، مقدمة البحر الزخار : 14 – 26 ، الأعلام : 1 / 269 ، الموسوعة اليمنية : 1 / 66 ، الزيدية : 410 ، أعيان الشيعة : 3 / 203 .
( 2 ) مقدمة كتاب البحر الزخار : 91 .
____________________30_______________________
. . . والمختار عندنا من هذه المذاهب ما عليه أئمة الزيدية وشيوخ المعتزلة ومحققو الأشعرية هو : أن الطريق إلى وجوب الإمامة هو الشرع ” ( 1 ) .
2 – والزيدية رغم إجلالها الكبير لعقيدة الإمامة ; حتى لتكاد بعض تصريحات علمائهم الكبار تقارب نوعا ما ما عليه الاثنا عشرية من القول ب : ” اللطف ” كهذا التصريح ” لابن
حابس ” ( 2 ) والذي يعتبره في الأصل قول أئمة الزيدية : ” قلت : الإمامة في الدين – عند أئمتنا ( عليهم السلام ) – عظيمة الشأن ، شامخة البنيان ، وبها نظام أمر الأمة وحفظ دينها
ودنياها ، والحاجة إلى الإمام في القيام بأمر الرعية وتأدية شريعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنه كالحاجة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في القيام بأمر الأمة
وتأدية الشرائع عن الله سبحانه ، فهي إذا أصل كلي وعماد قوي تحفظ به المعارف الإلهية والعلوم الشرعية ، إذ بها أبيدت رسوم أهل الالحاد وبها انطمست معالم ذوي العناد وبها
اندرست آثار أهل الفساد ، وخليق بما هذا حاله أن يرقى إلى الدرجة العليا ، ويبلغ من الفضيلة إلى الغاية القصوى ، ويعد ركنا من أركان دين النبي المصطفى ، وكما أن الشئ
* ( هامش ) *
( 1 ) الإمام المجتهد يحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية ، صبحي : 144 ، 145 ، وأهم مرجع لصبحي في نقل آراء يحيى بن حمزة هو كتابه ” الشامل ” كما يذكر هو نفسه ذلك في كتابه ” الإمام المجتهد يحيى بن حمزة . . . ” : 11 .
( 2 ) هو أحمد بن يحيى حابس الصعدي ( 1061 ) تولى القضاء بصعدة حتى توفي ، أحد مشاهير علماء الزيدية ، برع في علوم عدة وصنف تصانيف يقول عنها الشوكاني : ” جميع تصانيفه مقبولة ، منها ” المقصد الحسن ” و ” تكملة الأحكام ” أنظر : البدر الطالع : 1 / 86 ، الأعلام : 1 / 270 . ( * )
____________________31_______________________
يعد أصلا بالنظر إلى ترتيب غيره عليه فيكتسب بذلك المرتبة الرفيعة ; فكذلك يعد أصلا بالنظر إلى حفظ ذلك الأصل عن الذهاب وإحرازه عن العدم وما عسى أن ينتفع بذلك الأصل
مع غموضه وعدمه ، فلا يوجد حينئذ توحيد ولا شريعة ولا مرتبة من ذلك رفيعة ولا وضيعة ، وإذا كان ما ترتب عليه غيره حقيقا بالأصلية فكيف بما حاجة وجود هذا الأصل ونظام أمره
إليه ماسة ضرورية ، فافهم ! فإن أساس ذلك ورأسه عظم أمر الإمامة أو عدم عظمه ، فمن عظم في صدره شأنها وولج في ذهنه ما ذكرنا من الدليل الذي استعلى به بنيانها جعلها أصلا
قطعيا وركنا للدين قويا ، وذلك هم أئمتنا ( عليهم السلام ) وشيعتهم الأعلام . لكن منهم من جعلها من فروض العلماء فقط ومنهم من رقاها إلى درجة فروض الأعيان ، بل من أهل هذا
القول من جعلها أصلا من أصول الدين ، ولذا جعلوا معرفة إمامة علي ( عليه السلام ) وولديه الحسنين خصوصا ومعرفة إمامة القائم بعدهما عموما من فروض الأعيان ، ووجه
خصوصية إمامة على وولديه كون معرفة أحوال الإمام مترتبة على معرفة إمامتهم ، والله أعلم . ومن صغر عنده أمر الإمامة وسهل في جانبها ، جعلها حكما ظنيا ، حتى تفاحش الأمر
على من وقع في تلك الورطة فجعل كل مجتهد – فيها – مصيبا وصوب ( . . . ) معاوية وعليا معا ، وزاد في الفحش من أنكر حكم وجوبها وترك الجماعة فوضى شايعا فيها قبيح عيوبها وجنح إلى التسهيل في باب
____________________32_______________________
الدين ، وانتظم في سلك الظلمة المعتدين ” ( 1 ) .
رغم إجلالها هذا العقيدة الإمامة لم تستطع أن تقول باللطف ! ! وذلك لأسباب كثيرة ، لا تستطيع أن تكون مقنعة للباحث المدقق والمتعامل مع الأقوال بروح موضوعية منطقية ; جوها
الدائم تحكيم العقل والمنطق في الآراء الكلامية والعقائدية والفلسفية ، ولعل أهم تلك الأسباب هي التخلص من تبعات القول ب : ” اللطف ” الضرورية والتي على رأسها – كما أسلفنا –
القول بالحاجة إلى ” إمام معصوم ” وبالتالي القول : بالحاجة إلى ” النص ” الطريق الوحيد لمعرفة ” المعصوم ” وهو الشئ الذي لا تملكه الزيدية على آحاد أئمتها ; وإن كانت قد افتعلت
نصوصا ما في حق بعض أئمتها ( 2 ) إن سلم بها ; وهو بعيد جدا ! ! – فلا تعدو أن تكون فضائل ومناقب ليس فيها أدنى رائحة من نص على أمر خطير كالإمامة .
وبمجرد نظرة موضوعية إلى استدلالات الاثني عشرية على القول باللطف ، سنجد اللطف الطريق الوحيد والمتكامل لإيجاب الإمامة ، إذ لا معنى للقول بإيجابها ” شرعا ” مع ذلك الاستدلال ” العقلي ” الفريد – عند الزيدية – مع عدم القول بإيجابها عقلا ! !
* ( هامش ) *
( 1 ) المقصد الحسن : 291 – 292 .
( 2 ) أنظر : التحف شرح الزلف : 52 ، 79 ، 100 ، 102 ، 114 ، وغير ” التحف ” من الكتب التي تعرضت لسير أئمة الزيدية ، وهذا يجعلنا في ريب من موقف الزيدية من النص ; فهذه المرويات في “
الناصر الأطروش والمنصور ابن حمزة ويحيى بن الحسين الرسي وغيرهم ” تكشف لنا عن توق شديد عند الزيدية – كان ولا يزال – للنص في الإمامة ! ( * )
____________________33_______________________
ولم الآنفة عن القول بوجوبها عقلا ؟ ! ! هل هو إلا التخلص من القول بلوازم ” اللطفية ” ؟ ! خصوصا ما إذا ردت بعض إشكالات زيدية القرن الثامن على القول باللطف كإشكال أحمد بن يحيى بن المرتضى ( 1 ) بما ذكره أوسع من أن يعرض هنا ، كردود ” الحمصي الرازي ” ( 2 ) و ” الشريف المرتضى ” ( 3 ) وغيرهما .
* ( هامش ) *
( 1 ) مقدمة البحر الزخار : 91 .
( 2 ) الشيخ سديد الدين محمود بن علي بن الحسن الحمصي الرازي : ( توفي في أوائل المائة السابعة ) قال في ” الفهرست ” : علامة زمانه في الأصولين ، ورع ثقة ، له تصانيف ” وقال صاحب ” مقابس الأنوار ” :
عمدة المحققين ، ونخبة المدققين ، نزل الري ونسب إليها ، قال فخر الدين الرازي : كان معلم الاثني عشرية . . . ” . أنظر : مقدمة تحقيق كتابه ” المنقذ من التقليد ” وانظر : معجم رجال الحديث : 19 / 97 ، أعيان
الشيعة : 10 / 105 ، جاءت بحوثه وردوده في مسألة اللطف في كتابه المنقذ من التقليد : 2 / 240 – 256 .
( 3 ) الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي ( 355 – 436 ) ذو المجدين ، علم الهدى ، يكنى بأبي القاسم ، تولى نقابة النقباء وإمارة الحاج وديوان المظالم ، قال فيه أبو العلاء المعري : يا سائلي عنه لما جئت
أسأله * ألا هو الرجل العاري من العار لو جئته لرأيت الناس في رجل * والدهر في ساعة والأرض في دار قال ابن خلكان : كان هذا الشريف إمام أئمة العراق بين الاختلاف والاتفاق ، إليه فزع علماؤها وعنه أخذ عظماؤها . . . = ( * )
____________________34_______________________
وغيرهما . وكإطلالة بسيطة على دفاع الاثني عشرية عن عقيدة ” اللطف ” والقول بها ومنافحتهم عنها نستعرض هذا النص للسيوري ( 1 ) : ” قال ( 2 ) : لا يقال : اللطف إنما يجب إذا لم يقم غيره مقامه ، أما مع قيام
* ( هامش ) *
= أنظر : مقدمة تحقيق كتابه ” شرح جمل العلم والعمل ” ، دمية القصر : 1 / 299 ، سير أعلام النبلاء : 17 / 588 ، تاريخ الإسلام ( حوادث 431 – 440 ) : 433 ، معجم رجال الحديث : 12 / 400 ، أعيان
الشيعة : 8 / 213 ، الأعلام : 4 / 278 ، دفاعه وبحثه لللطف جاء في ” الذخيرة ” : 410 – 417 ، وفي كتب أخرى له .
( 1 ) أبو عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد السيوري الأسدي الحلي ( ت / 826 ) الشيخ الفاضل الفقيه المتكلم ، كان من أعيان العلماء ، قال عن تصانيفه العلامة المجلسي صاحب البحار : تصانيفه في نهاية
الاعتبار والاشتهار . أنظر : معجم رجال الحديث : 19 / 348 ، أعيان الشيعة : 10 / 134 ، الأعلام : 7 / 282 ، وانظر مقدمة تحقيق ” إرشاد الطالبين ” .
( 2 ) القائل هو العلامة الحلي ، لأن كتاب ” إرشاد الطالبين ” للسيوري شرح لمتن ” نهج المسترشدين ” للحلي . والعلامة الحلي هو : الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي ( 647 – 726 ) هو الوحيد الذي أطلق
عليه في التاريخ العلمي الشيعي الطويل لقب : ” العلامة ” من مصنفاته : المختلف ، التذكرة ، القواعد ، التبصرة ، وغيرها ، لم تزل كتبه محط أنظار العلماء من عصره إلى اليوم تدريسا وشرحا وتعليقا قال عنه
الشيخ الحر : الشيخ العلامة ، جمال الدين أبو منصور ، الحسن بن يوسف . . . ، فاضل ، عالم ، علامة العلماء ، محقق مدقق ، ثقة ثقة ، فقيه محدث متكلم ، ماهر ، جليل القدر . . . ، لا نظير له في الفنون
والعلوم والعقليات والنقليات ” أنظر مقدمة ” كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد ” . أعيان الشيعة : 5 / 396 ، الأعلام : 2 / 227 ، معجم رجال الحديث : 6 / 171 . ( * )
____________________35_______________________
غيره مقامه فلا يجب ، فلم قلتم أن الإمامة من قبيل القسم الأول ( 1 ) .
أو نقول : إنما يجب اللطف إذا لم يشتمل على وجه قبح ، فلم لا يجوز استعمال الإمامة على وجه قبح لا يعلمونه ؟ ولأن الإمامة إنما تكون لطفا إذا كان الإمام ظاهرا مبسوط اليد ليحصل
منه منفعة الإمامة ، وهو انزجار العاصي ، أما مع غيبة الإمام وكف يده فلا يجب ، لانتفاء الفائدة . لأنا نقول ( 2 ) : التجاء العقلاء في جميع الأصقاع والأزمنة إلى نصب الرؤساء في
حفظ نظامهم ، يدل على انتفاء طريق آخر سوى الإمامة ، وجهة القبح معلومة محصورة ، لأنا مكلفون باجتنابها ، فلا بد وأن تكون معلومة ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، ولا شئ من
تلك الوجوه بمتحقق في الإمامة ، والفائدة موجودة وإن كان الإمام غائبا ، لأن تجويز ظهوره في كل وقت لطف في حق المكلف .
أقول ( 3 ) : لما قرر الدليل على مطلوبه ، شرع في الاعتراض عليه والجواب عنه ، وأورد منع الكبرى ( 4 ) أولا ثم منع الصغرى ( 5 ) ، والمناسب للترتيب البحثي هو العكس ، وتوجيه الاعتراض ( 6 ) : هو أن دليلكم ممنوع
* ( هامش ) *
( 1 ) وهو الذي يجب إذا لم يقم غيره مقامه .
( 2 ) هذا رد على من قال : إنه مع غيبة الإمام وكف يده لا يجب اللطف في الإمامة حينها .
( 3 ) القائل هو الشيخ جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلي .
( 4 ) الكبرى في القضيتين هنا هي : القول بتعين وجوب لطفية الإمام .
( 5 ) والصغرى هي : أن الإمامة إنما تكون لطفا إذا كان الإمام ظاهرا مبسوط اليد .
( 6 ) يصوغ ” السيوري ” إشكال المخالفين لمسألة اللطف – والذي ذكره العلامة الحلي – صياغة جديدة تتناسب وما أسماه بالترتيب البحثي . ( * )
____________________36_______________________
بكلتا مقدمتيه ( 1 ) ، فلا تصدق نتيجته التي هي عين مطلوبكم . أما منع كبراه فلوجهين :
الأول : أن لطفية الإمامة إنما يتعين للوجوب إذا لم يقم غيرها مقامها ، وهو ممنوع ، لجواز أن يقوم غيرها مقامها ، كوعظ الواعظ فإنه قد يقوم غيره مقامه مع كونه لطفا ، فلا يكون متعينة للوجوب ، كالواحدة من خصال الكفارة ، وهو المطلوب .
الثاني : أن الواجب لا يكفي في وجوبه وجه وجوبه ، بل لا بد مع ذلك من انتفاء سائر وجوه القبح والمفاسد عنه ، لاستحالة وجوب ما يشتمل على مفسدة وإن اشتمل على مصلحة ، وإلا لكان الله تعالى فاعلا للمفسدة ، وهو قبيح .
وحينئذ نقول : الإمامة على تقدير تسليم لطفيتها لا يكفي ذلك في وجوبها ، بل لا بد مع ذلك من انتفاء وجوه المفاسد منها ، فلم قلتم بانتفائها ؟ ولم لا يجوز اشتمالها على نوع مفسدة لا نعلمها ؟ ( 2 ) .
وحينئذ لا يمكن الجزم بوجوبها عليه تعالى . وأما صغراه : فلأنا نمنع كون الإمامة لطفا مطلقا ، بل إذا كان ظاهرا مبسوط اليد جاز الانزجار عن المعاصي ، والانبعاث على الطاعات إنما يحصل بظهوره وانبساط يده وانتشار أوامره ، لا مع كونه خائفا مستورا .
.
* ( هامش ) *
( 1 ) المقدمتين الصغرى والكبرى .
( 2 ) ورد التلميح بكون الإمامة مشتملة على مفسدة – بناءا على أن العقل يقضي بقبحها – في بعض كتب الزيدية كمقدمة لوجوبها الشرعي ، الذي يحفظها من المفسدة . راجع : ينابيع النصيحة : 250 . ( * )
____________________37_______________________
والجواب عن الأول ( 1 ) : أنا نختار أن الإمام لطف لا يقوم غيره مقامه ، كالمعرفة بالله تعالى ; فإنها لا يقوم غيرها مقامها ، والدليل على ما قلناه أن العقلاء في سائر البلدان والأزمان يلتجؤون في دفع المفاسد إلى نصب الرؤساء دون غيره ، ولو كان له بدل لالتجؤوا إليه في وقت من الأوقات أو بلد من البلدان .
وعن الثاني ( 2 ) : أن وجوه القبح والمفاسد معلومة محصورة لنا ، وذلك لأنا مكلفون باجتنابها ، والتكليف بالشئ من دون العلم به محال ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، ولا شئ من تلك المفاسد موجودة في الإمامة .
وفي هذا الجواب نظر ( 3 ) : فإنه إنما يصلح جوابا لمن قال بوجوبها على الخلق ” كأبي الحسين ” ( 4 ) ، لا لمن قال بوجوبها على الله تعالى كأصحابنا ، فإنه إنما يجب عليه تعالى أن يعرفنا المفاسد إذا كانت من أفعالنا أو من لوازم
* ( هامش ) *
( 1 ) وهو الإشكال على ( لطفية الإمامة ) بأنها لا تجب إذ أن غيرها يمكن أن يقوم مقامها .
( 2 ) وهو الإشكال ب : ” لم لا يجوز استعمال الإمامة على وجه قبح لا يعلمونه ” .
( 3 ) هذا النظر للسيوري شارح متن ” نهج المسترشدين ” .
( 4 ) أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط ( م – 311 ) شيخ المعتزلة البغداديين من نظراء الجبائي ، كان من بحور العلم ، ترجم له ” القاضي عبد الجبار ” في ” فضل الاعتزال ” وقال : ” كان عالما
فاضلا من أصحاب جعفر ] بن مبشر الثقفي المتكلم [ وله كتب كثيرة في النقوض على ابن الراوندي وغيره ، من أشهر كتبه ” الإنتصار ” رد فيه على كتاب ” فضيحة المعتزلة ” لابن الراوندي ، وله آراء شنيعة في حق
الشيعة . أنظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء : 14 / 220 ، الأعلام : 3 / 347 ، بحوث في الملل والنحل : 3 / 284 . ( * )
____________________38_______________________
أفعالنا ، لئلا يلزم ما لا يطاق كما ذكرتم ، أما إذا لم تكن من أفعالنا بل من فعله فلا يجب أن يعرفنا المفسدة اللازمة لو كانت ثابتة ، وحينئذ يجوز أن لا يكون نصب الإمام واجبا عليه تعالى ، لاستلزامه مفسدة لا نعلمها .
والأجود في الجواب أن نقول : لو كان هناك مفسدة لكانت إما لازمة للإمامة ، وهو باطل ، وإلا لما فعلها الله تعالى ، لكنه فعلها بقوله تعالى ( إني جاعلك للناس إماما . . . ) ( 1 ) ،
ولاستحال تكليفنا باتباعه ، لكنا مكلفون باتباعه أو ( مفارقته ) وحينئذ يجوز انفكاكها عنه ، فيكون واجبة على تقدير الانفكاك ، وأيضا هذا السؤال وارد على كل ما يوجبه المعتزلة على الله تعالى ، فكلما أجاب به فهو جوابنا .
وعن الثالث ( 2 ) : أنا نختار أن الإمام لطف مطلقا ، أما مع ظهوره وانبساط يده فظاهر ، وأما مع غيبته فلأن نفس وجوده لطف ، لأن اعتقاد المكلفين لوجود الإمام وتجويز ظهوره وإنفاذ أحكامه في كل وقت سبب لردعهم عن المفاسد ولقربهم إلى الصلاح ، وهو ظاهر .
وتحقيق هذا المقام : هو أن لطفية الإمام تتم بأمور ثلاثة :
الأول : ما هو واجب عليه تعالى ، وهو خلق الإمام وتمكينه بالقدرة والعلم ، والنص عليه باسمه ، ونصبه ، وهذا قد فعله الله تعالى .
الثاني : ما هو واجب على الإمام ، وهو تحمله الإمامة وقبولها ، وهذا قد فعله الإمام .
* ( هامش ) *
( 1 ) سورة البقرة : 124 .
( 2 ) وهو الإشكال ب : ” أن الإمامة إنما تكون لطفا إذا كان الإمام ظاهرا مبسوط اليد ” ( * )
____________________39_______________________
الثالث : ما هو واجب على الرعية ، وهو أن ينصروه ويطيعوه ، ويذبوا عنه ويقبلوا أوامره ، وهذا ما لم يفعله أكثر الرعية . فمجموع هذه الأمور هو السبب التام للطفية ، وعدم السبب التام ليس من الله ولا من الإمام لما قلناه ، فيكون من الرعية .
إن قلت : إن الله تعالى قادر على أن يكثر أولياءه ويحملهم على طاعته ، ويقلل أعداءه ويقهرهم على طاعته ، فحيث لم يفعل كان مخلا بالواجب .
قلت : لما كان فعل ذلك مؤديا إلى الجبر المنافي للتكليف لم يفعله تعالى ، فقد ظهر أن نفس وجود الإمام لطف وتصرفه لطف آخر ، وعدم الثاني ( 1 ) لا يلزم منه عدم الأول ( 2 ) ، فتكون الإمامة لطفا مطلقا ، وهو المطلوب ” ( 3 ) .
وما أجمل ما قاله السيد محسن الأمين العاملي ( 4 ) :
وباللطف يقضي العقل حتما فربنا * لطيف وفي كل الأمور له خبر
يقربنا من كل نفع وطاعة * ويبعدنا عن كل ذنب به الضر
* ( هامش ) *
( 1 ) وهو تصرف الإمام ” انبساط يده وظهوره ” .
( 2 ) وهو أن وجوده – بحد ذاته – لطف .
( 3 ) إرشاد الطالبين : 328 – 332 .
( 4 ) السيد محسن الأمين العاملي ( 1284 – 1371 ) عالم ، جليل ، ذائع الصيت له مؤلفات عدة منها موسوعته الكبيرة ” أعيان الشيعة ” . أنظر : الحسين والحسينيون : 171 ، الأعلام : 5 / 287 ، أعيان الشيعة : 10 / 333 . ( * )
____________________40_______________________
ومن لطفه أمسى مثيبا معاقبا * ومن لطفه أن ترسل الرسل والنذر
تبين لنا طرق الضلالة والهدى * جميعا وما في حكمه أبدا قسر
لئلا يرى للناس من بعد حجة * على الله أو يبدو لهم في غد عذر
ويحيى الذي يحيى ويهلك هالك * وقد جاءه التبيان ما دونه ستر
فأرسل فينا أنبياء تنزهوا * عن الذنب لا يعصى له فيهم أمر
ولو جاز أن يعصوه ما كان أمرهم * مطاعا وخيف الكذب منهم أو المكر
ومن بعدهم أبقوا رعاة لدينهم * يحوطونه من أن يحيق به الكفر
هم الأوصياء الراشدون وكلهم * بحور علوم لا يخاض لها غمر
وكل دليل بالنبوة قد مضى * منه بإثبات الإمام قضى الفكر ( 1 )
* ( هامش ) *
( 1 ) البرهان على وجود صاحب الزمان : 39 ، قادتنا كيف نعرفهم : 7 / 242 – 243 . ( * )
____________________42_______________________
العصمة أم الشروط الأربعة عشر ؟ ترى الإمامية الاثنا عشرية – بناءا على قولها باللطف الإلهي المطلق – أن الإمام لا بد أن يكون معصوما ، وأن منصب الإمامة منصب لا يستحقه إلا المعصوم .
يقول الشيخ المفيد ( 1 ) في ” أوائل المقالات ” ( 2 ) : ” واتفقت الإمامية على أن
* ( هامش ) *
( 1 ) محمد بن محمد بن النعمان البغدادي الكرخي ( 336 أو 338 – 413 ه ) الشيخ المفيد ، ابن المعلم ، عالم الشيعة ، صاحب التصانيف الكثيرة ، شيخ مشائخ الطائفة الإمامية الاثني عشرية ، لسان الإمامية ،
رئيس الكلام والفقه ، كان يناظر أهل كل عقيدة ، كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، خشن اللباس ، له أكثر من مائتي مصنف ، كانت جنازته مشهودة ، وشيعه ثمانون ألفا . أنظر : حياة الشيخ
المفيد ومصنفاته ، أعيان الشيعة : 9 / 420 ، سير أعلام النبلاء : 17 / 344 ، تاريخ الإسلام : ( حوادث 411 – 420 ه : 332 ) الأعلام : 7 / 21 ، معجم رجال الحديث : 18 / 213 .
( 2 ) ” أوائل المقالات في المذاهب والمختارات ” للشيخ المفيد ، كتاب يشتمل على ” الفرق بين الشيعة والمعتزلة وفصل ما بين العدلية من الشيعة ومن ذهب إلى العدل من المعتزلة والفرق ما بينهم من بعد وبين
الإمامية فيما اتفقوا عليه من خلافهم فيه من الأصول ، وذكر – في أصل ذلك – ما اجتباه هو من المذاهب المتفرعة عن أصول التوحيد والعدل والقول في اللطيف من الكلام . . . ” . وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات ، وهو من أجود الكتب في بابه . ( * )
____________________43_______________________
أن إمام الدين لا يكون إلا معصوما من الخلاف لله تعالى ، عالما بجميع علوم الدين ، كاملا في الفضل ، باينا من الكل بالفضل عليهم في الأعمال التي يستحق بها النعيم المقيم ” ( 1 ) .
ويستدل على ذلك بالعقل قبل النقل ، جاء في ” الذخيرة ” ( 2 ) للشريف المرتضى : ” فأما الذي يدل على وجوب العصمة له من طريق العقل ، فهو أنا قد بينا وجوب حاجة الأمة إلى
الإمام ، ووجدنا هذه الحاجة تثبت عند جواز الغلط عليهم ( 3 ) ، وانتفاء العصمة عنهم ، لما بيناه من لزومها لكل من كان بهذه الصفة ، وينتفي بانتفاء جواز الغلط ، بدلالة أنهم لو كانوا
بأجمعهم معصومين لا يجوز الخطأ عليهم ; لما احتاجوا إلى إمام يكون لطفا لهم في ارتفاع الخطأ ، وكذلك لما كان الأنبياء معصومين لم يحتاجوا إلى الرؤساء والأئمة ، فثبت أن جهة
الحاجة هي جواز الخطأ . فإن كان الإمام مشاركا لهم في جواز الخطأ عليه فيجب أن يكون مشاركا لهم في الحاجة إلى إمام يكون وراءه ، لأن الاشتراك في العلة يقتضي
* ( هامش ) *
( 1 ) أوائل المقالات : 4 ، 5 .
( 2 ) ” الذخيرة في علم الكلام أو ذخيرة العالم وبصيرة المعلم وهو من تتمة كتاب الملخص في أصول الدين ” هو أحد كتابين جليلين في علم الكلام حلا في الرعيل الأول من الكتب الكلامية التي تناولت بيان مذهب
الشيعة الإمامية وتبنت الذب عن أصوله الاعتقادية وتركيز الأسس العلمية التي اعتمدتها في دعم عقيدتها ، كما يصفه المحقق السيد أحمد الحسيني .
( 3 ) أي على الأمة . ( * )
____________________44_______________________
الاشتراك في المعلول . والقول في الإمام الثاني كالقول في الأول ، وهذا يؤدي إلى إثبات ما لا يتناهى من الأئمة أو الوقوف إلى إمام معصوم ، وهو المطلوب ” ( 1 ) .
وترى الاثنا عشرية أن لقولها بالعصمة أدلة من النقل أيضا ; فالآية الشريفة ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي
الظالمين ) ( 2 ) ، دليل كبير على العصمة من كتاب الله تعالى مع تفصيل وتفسير طويلان جدا ، ليس هذا مجال بحثهما . ! ولكن على سبيل الاختصار يمكن أن يقال : ” إن الظلم بكل
ألوانه وصوره مانع عن نيل هذا المنصب الإلهي ( 1 ) ، فالاستغراق في جانب الأفراد يستلزم الاستغراق في جانب الظلم ، وتكون النتيجة ممنوعية كل فرد من أفراد الظلمة عن
الارتقاء إلى منصب الإمامة ، سواء أكان ظالما في فترة من عمره ثم تاب وصار غير ظالم ، أو بقي على ظلمه ، فالظالم عندما يرتكب الظلم يشمله قوله سبحانه : ( لا ينال عهدي الظالمين ) ، فصلاحيته بعد ارتفاع الظلم تحتاج إلى دليل .
وعلى ذلك ، فكل من ارتكب ظلما ، وتجاوز حدا في يوم من أيام عمره ، أو عبد صنما ، أو لاذ إلى وثن ، وبالجملة ارتكب ما هو حرام ، فضلا عما هو كفر ،
* ( هامش ) *
( 1 ) الذخيرة : 430 ، 431 .
( 2 ) سورة البقرة : 124 .
( 3 ) الإمامة . ( * )
____________________45_______________________
https://chat.whatsapp.com/JG7F4QaZ1oBCy3y9yhSxpC