اخلاق أهل البيت – السيد مهدي الصدر 21
29 ديسمبر,2019
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
1,029 زيارة
البخل
وهو : الامساك عما يحسن السخاء فيه ، وهو ضد الكرم .
والبخل من السجايا الذميمة ، والخلال الخسيسة ، الموجبة لهوان صاحبها ومقته وازدرائه ،
وقد عابها الاسلام ، وحذّر المسلمين منها تحذيراً رهيباً .
قال تعالى : « ها أنتم هؤلاء تُدعون لتنفقوا في سبيل اللّه فمنكم من يبخل ، ومن يبخل
فإنما يبخل عن نفسه واللّه الغنيّ وأنتم الفقراء » ( محمد : 38 )
وقال تعالى : « الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ، ويكتمون ما آتاهم
اللّه من فضله ، وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً » ( النساء : 37 )
وقال تعالى : « ولا يحسبنَّ الذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم بل هو
شر لهم سيُطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة » . ( آل عمران : 180 )
وعن الصادق عن آبائه عليهم السلام : « أن أمير المؤمنين سمع رجلاً يقول : إنّ الشحيح
أغدرُ من الظالم . فقال : كذبت إن الظالم قد يتوب ويستغفر ، ويردّ الظلامة عن أهلها ،
والشحيح إذا شحَّ منع الزكاة ، والصدقة ، وصلة الرحم ، وقرى الضيف ، والنفقة في سبيل
اللّه تعالى ، وأبواب البر ، وحرام على الجنة أن يدخلها شحيح » ( 1 ) .
وعن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله :
السخي قريب من اللّه ، قريب من الناس ، قريب من الجنة ، والبخيل بعيد من اللّه ، بعيد
من الناس ، قريب من النار » ( 2 )
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب ، ويفوته
الغنى الذي إياه طلب ، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب
الأغنياء » ( 3 ) .
وسنعرض أخباراً أخرى في مطاوي هذا البحث .
مساوئ البخل :
البخل سجية خسيسة ، وخُلق لئيم باعث على المساوئ الجمة ، والأخطار الجسيمة في دنيا
الانسان وأخراه .
أما خطره الأُخروي : فقد أعربت عنه أقوال أهل البيت عليهم السلام ولخّصه أمير
المؤمنين عليه السلام في كلمته السالفة حيث قال : « والشحيح إذ شحَّ منع الزكاة ،
والصدقة ، وصلة الرحم ، وقِرى الضيف ، والنفقة في سبيل اللّه ،
وأبواب البر ، وحرام على الجنة أن يدخلها شحيح » .
وأما خطره الدنيوي فإنه داعية المقت والازدراء ، لدى القريب والبعيد وربما تمنى موتَ
البخيل أقربُهم إليه ، وأحبهم له ، لحرمانه من نواله وطمعاً في تراثه .
والبخيل بعد هذا أشدّ الناس عناءاً وشقاءاً ، يكدح في جمع المال والثراء ، ولا يستمتع
به ، وسرعان ما يخلفّه للوارث ، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الآخرة حساب
الأغنياء .
صور البخل :
والبخل – وإن كان ذميماً مقيتاً – بيد أنّه يتفاوت ذمّه ، وتتفاقم مساوئه ، باختلاف
صوره وأبعاده :
فأقبح صوره وأشدُّها إثماً ، هو البخل بالفرائض المالية ، التي أوجبها اللّه تعالى
على المسلمين ، تنظيماً لحياتهم الاقتصادية ، وإنعاشاً لمعوزيهم .
وهكذا تختلف معائب البخل ، باختلاف الأشخاص والحالات :
فبخل الأغنياء أقبح من بخل الفقراء ، والشحّ على العيال أو الأقرباء أو الأصدقاء أو
الأضياف أبشع وأذمّ منه على غيرهم ، والتقتير والتضييق في ضرورات الحياة من طعام
وملابس ، أسوأ منه في مجالات الترف والبذح أعاذنا اللّه من جميع صوره ومثالبه .
علاج البخل :
وحيث كان البخل من النزعات الخسيسة ، والخلال الماحقة ، فجدير
بالعاقل علاجه ومكافحته ، وإليك بعض النصائح العلاجية له :
1 – أن يستعرض ما أسلفناه من محاسن الكرم ، ومساوئ البخل ، فذلك يخفف من سَورة البخل .
وإن لم يُجدِ ذلك ، كان على الشحيح أن يخادع نفسه بتشويقها إلى السخاء ، رغبة في
الثناء والسمعة ، فإذا ما أنس بالبذل ، وارتاح إليه ، هذّب نفسه بالاخلاص ، وحبب إليها
البذل في سبيل اللّه عز وجل .
2 – للبخل أسباب ودوافع ، وعلاجه منوط بعلاجها ، وبدرء الأسباب تزول المسَّببات .
وأقوى دوافع الشحّ خوف الفقر ، وهذا الخوف من نزعات الشيطان ، وإيحائه المثّبِّط عن
السخاء ، وقد عالج القران الكريم ذلك بأسلوبه البديع الحكيم ، فقرّر : أن الامساك لا
يجدي البخيل نفعاً ، وإنما ينعكس عليه إفلاساً وحرماناً ، فقال تعالى : « ها أنتم هؤلاء
تُدعون لتنفقوا في سبيل اللّه فمنكم من يبخل ، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ، واللّه
الغني وأنتم الفقراء » ( محمد : 38 )
وقرر كذلك أن ما يسديه المرء من عوارف السخاء ، لا تضيع هدراً ، بل تعود مخلوقة على
المُسدي ، من الرزاق الكريم ، قال عز وجل : « وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ، وهو خير
الرازقين » ( سبأ : 39 )
وهكذا يضاعف القرآن تشويقه إلى السخاء ، مؤكداً أن المنفق في سبيل اللّه هو كالمقرض
للّه عز وجل ، وأنه تعالى بلطفه الواسع يُّرَدُ عليه القرض أضعافاً مضاعفة : « مثل
الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة ،
واللّه يضاعف لمن يشاء ، واللّه واسع عليم » ( البقرة : 261 )
أما الذين استرقهم البخل ، ولم يُجدهم الاغراء والتشويق إلى السخاء ، يوجّه القرآن
إليهم تهديداً رهيباً ، يملأ النفس ويهزّ المشاعر :
« والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشرهم بعذاب أليم . يوم
يُحمى عليها في نار جهنم ، فتُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم
فذوقوا ما كنتم تكنزون » ( التوبة : 34 – 35 )
ومن دواعي البخل : اهتمام الآباء بمستقبل أبنائهم من بعدهم ، فيضنون بالمال توفيراً
لأولادهم ، وليكون ذخيرة لهم ، تقيهم العوز والفاقة .
وهذه غريزة عاطفية راسخة في الانسان ، لا تضرّه ولا تجحف به ، ما دامت سويّة معتدلة .
بعيدة عن الافراط والمغالاة .
بيد أنه لا يليق بالعاقل ، أن يسرف فيها ، وينجرف بتيارها ، مضحياً بمصالحه الدنيوية
والدينية في سبيل أبنائه .
وقد حذّر القرآن الكريم الآباء من سطوة تلك العاطفة ، وسيطرتها عليهم كيلا يفتتنوا
بحب أبنائهم ، ويقترفوا في سبيلهم ما يخالف الدين والضمير : « واعلموا أنّما أموالكم ،
وأولادكم فِتنة ، وأن اللّه عنده أجر عظيم » ( الأنفال : 29 )
وأعظم بما قاله أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب له : « أما بعد ، فإن الذي في يديك
من الدنيا ، قد كان له أهل قبلك ، وهو صائر إلى أهل بعدك ، وإنما أنت جامع لأحد رجلين :
رجل عمل فيما جمعته بطاعة اللّه ، فسعد بما
شقيت به ، أو رجل عمل فيه بمعصية اللّه ، فشقي بما جمعت له ، وليس أحد هذين أهلاً أن
تؤثره على نفسك ، وتحمل له على ظهرك ، فأرجو لمن مضى رحمة اللّه ، ولمن بقيَ رزق
اللّه » ( 1 ) .
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه تعالى : « كذلك يريهم اللّه أعمالهم
حسرات عليهم » ( البقرة : 167 ) قال : « هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة اللّه بخلاً ،
ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة اللّه ، أو في معصية اللّه ، فإن عمل فيه بطاعة
اللّه ، رآه في ميزان غيره فرآه حسرةً ، وقد كان المال له ، وإن كان عمل به في معصية
اللّه ، قوّاه بذلك المال حتى عمل به في معصية اللّه » ( 2 ) .
2019-12-29