الرئيسية / القرآن الكريم / آيات الأحكام للعلامة السيد الأسترآبادي 03

آيات الأحكام للعلامة السيد الأسترآبادي 03

وأما الإشارة إلى موجبات الغسل جميعا كتركها كلا ، فربما نافى الإيجاز والاعجاز
فوكَّل على البيان ، على أنه لا يبعد أن لا يكون غيرها يوجب الغسل بعد .
« وإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ » فيشقّ عليكم الوضوء أو الغسل لمرض أبدانكم أو خلل أحوالكم وإن وجدتم الماء .
« أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً » وإن لم تكونوا مرضى أو على سفر فإنه لا مانع للجمع .

ولئلا يتوهم اختصاص الغسل بوقوع التيمم بدلا منه مع العذر لوقوعه بعده جاء بذكر موجب ظاهر مناسب كثير الوقوع لكلّ من الوضوء والغسل .
وفي وقوع « لامَسْتُمُ النِّساءَ » في موقع « كُنْتُمْ جُنُباً » مع التفنّن والخروج عن ركاكة التكرار تنبيه على أنّ الأمر هنا ليس مبنيا على استيفاء الموجب في ظاهر اللفظ ، فلا يتوهّم أيضا حصر موجب الوضوء في المجيء من الغائط مع احتمال إرادة الباقي استتباعا فافهم ، وعلى كلّ حال فيه تنبيه على أنّ كونهم محدثين ملحوظ في إيجاب الوضوء كما قدّمنا .

« فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً » هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره بالنقل عن فضلاء اللغة ذكر ذلك الخليل وثعلب عن ابن الأعرابيّ ونقله في الكشاف عن الزجاج ولم يذكر خلافه ، ويؤيده قوله تعالى « : « صَعِيداً زَلَقاً » أي أرضا ملساء مزلقة ، وقوله عليه السّلام يحشر الناس يوم القيمة عراة على صعيد واحد ( 1 ) أي أرض واحدة وقوله عليه السّلام جعلت لي
الأرض مسجدا وطهورا ( 1 ) ونحو ذلك كثير في الروايات عن الأئمة أيضا وحجة الخصم لا تفيد إلَّا كون التراب صعيدا ولا منافاة ولو سلم ظاهرا فليكن للقدر المشترك حذرا من الاشتراك فافهم .
« طَيِّباً » طاهرا بل مباحا أيضا .

« فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُمْ مِنْهُ » أي من ذلك التيمّم أو من ذلك الصعيد المتيمّم أي مبتدئين منه ، ولعلّ التبعيض هنا ليس بلازم ، وإن كان لا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب إلَّا معنى التبعيض كما قاله في الكشاف ، فان ذلك قد يكون للغرض المعروف عندهم من التدهين والتنظيف ونحو ذلك مع إمكان المنع عند الإطلاق في قوله من ، التراب على أنه يمكن أن يقال أنّ « من » في الأمثلة كلها للابتداء كما هو الأصل فيها ، وأما التبعيض فإنّما جاء من لزوم تعلَّق شيء من الدهن والماء باليد ، فيقع المسح به ، ونحوه التراب إن فهم ، فلا يلزم مثله في الصعيد الأعمّ من التراب والصخر .

ويؤيّده ما روى أنّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله نفض يديه من التراب ، لأنه تعريض لإزالته وهو عندنا في الصحيح عن الأئمة عليهم السّلام فعلا وقولا ، وأيضا لو كان « من » هنا للتبعيض لأوهم أنّ المراد أن يؤخذ بعض الصعيد ويمسح به بعض الوجه والأيدي وهو ليس بمراد قطعا ، وإذا كان للابتداء دلّ على أنّ المراد مسح الوجه واليدين بعد مسح الصعيد أو تيممه وليس بعيدا من المراد ، وموهما خلافه فتدبر .

« ما يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ » أي أن يجعل ، فاللام زائدة « عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ » في باب الطهارة حتّى لا يرخّص في التيمم « ولكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ » بالتراب إذا أعوزكم التطهير بالماء كما في الكشاف ، أو أن يجعل عليكم من حرج في الدين أصلا خصوصا
في باب الطهارة ، ولذلك لم يوجب على المحدث الغسل ، واكتفى عند عدم وجدان الماء من غير حرج أو حصول حرج في استعماله بالتيمم ولم يوجب فيه إيصال الصعيد إلى جميع البدن ، ولا إلى جميع أعضاء الوضوء ، ولا جميع أعضاء التيمّم ، ولكن يريد أن يطهّركم من الذنوب أو من الأحداث ، أو منهما ، أو وغيرهما بما يليق بكم ، ولا يضيق عليكم ، كما أمركم علي الوجه المذكور .

قال القاضي ( 1 )
أي ما يريد الأمر بالطهارة للصلاة أو الأمر بالتيمّم تضييقا عليكم ، ولكن يريد ذلك لينظَّفكم أو يطهّركم من الذنوب ، فان الوضوء تكفير للذنوب ، أو ليطهركم بالتراب إذا أعوزكم التطهّر بالماء ، فمفعول يريد في الموضعين محذوف واللام للعلَّة ، قال : وقيل مزيدة أي اللَّام وهو ضعيف ، لأنّ أن لا يقدّر بعد المزيدة وهو سهو منه ، فإنّه قال ( 2 ) في تفسير قوله : « يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ » أنّ يبيّن مفعول يريد ، واللام مزيدة لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للإرادة ، وهو تناقض .

وقال المحقق الرضى قدس اللَّه سره : إن اللام زائدة في لا أبا لك عند سيبويه ( 3 )
وكذا اللام المقدّر بعدها « أن » بعد فعل الأمر والإرادة كقوله تعالى : « وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » .
و « لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ » أي ليتمّ بشرعه ما هو مطهّر لأبدانكم أو مكفّر لذنوبكم نعمته عليكم في الدين ، أو ليتمّ برخصه إنعامه عليكم بعزائمه ، وربما كان في هذا تنبيه على أن الصلاة بلا طهارة غير تامة ، فربما احتمل أن يراد بالنعمة الصلاة أو شرعها .

« لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » ( 1 ) نعمته أو إتمام النعمة أو هما بالعمل بما شرع لكم ، فيثيبكم ويزيدكم من فضله ، وفيه كما قيل إيماء إلى كون العبادات تقع شكرا وهو قول البلخيّ وتحقيقه في الكلام .

شاهد أيضاً

آداب الأسرة في الإسلام

رابعاً : حقوق الأبناء : للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد لخّصها الإمام علي بن ...