الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم 9

المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم 9

من الذي يتقلد ولاية المجتمع في الإسلام وما سيرته ؟
كانت ولاية أمر المجتمع الاسلامي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وافتراض
طاعته صلى الله عليه وآله وسلم على الناس واتباعه صريح القرآن الكريم .
قال تعالى : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) ( 2 ) .
وقال تعالى : ( لتحكم بين الناس بما أراك الله ) ( 3 ) .
وقال تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) ( 4 ) .
وقال تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) ( 5 ) .
إلى غير ذلك من الآيات الكبيرة التي يتضمن كل منها بعض شؤون ولايته العامة في
المجتمع الاسلامي أو جميعها .
والوجه الوافي لغرض الباحث في هذا الباب أن يطالع سيرته صلى الله عليه وآله وسلم
ويمتلئ منه نظرا ثم يعود إلى مجموع ما نزل من الآيات في الأخلاق والقوانين
المشرعة في الأحكام العبادية والمعاملات والسياسات وسائر
المرابطات والمعاشرات فإن هذا الدليل المتخذ بنحو الانتزاع من ذوق التنزيل الإلهي
له من اللسان الكافي والبيان الوافي ما لا يوجد في الجملة والجملتين من الكلام
البتة .
وهاهنا نقطة أخرى يجب على الباحث الاعتناء بأمرها ، وهو أن عامة الآيات المتضمنة
لإقامة العبادات والقيام بأمر الجهاد وإجراء الحدود والقصاص وغير ذلك توجه خطاباتها
إلى عامة المؤمنين دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، كقوله تعالى : (
وأقيموا الصلاة ) ( 1 ) .
وقوله : ( وأنفقوا في سبيل الله ) ( 2 ) .
وقوله : ( كتب عليكم الصيام ) ( 3 ) .
وقوله : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )
( 4 ) .
وقوله : ( وجاهدوا في سبيله ) ( 5 ) .
وقوله : ( وجاهدوا في الله حق جهاد ) ( 6 ) .
وقوله : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما ) ( 7 ) .
وقوله : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ( 8 ) .
وقوله : ( ولكم في القصاص حياة ) ( 1 ) .
وقوله : ( وأقيموا الشهادة لله ) ( 2 ) .
وقوله : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ( 3 ) .
وقوله : ( إن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) ( 4 ) .
وقوله : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) ( 5 ) إلى
غير ذلك من الآيات الكثيرة .
ويستفاد من الجميع أن الدين صبغة اجتماعية حمله الله على الناس ولا يرضى لعباده
الكفر ، ولم يرد إقامته إلا منهم ، فالمجتمع المتكون منهم أمره إليهم من غير مزية
في ذلك لبعضهم ولا اختصاص منهم ببعضهم والنبي ومن دونه في ذلك سواء .
قال تعالى : ( أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) ( 6 ) .
فإطلاق الآية تدل على أن التأثير الطبيعي الذي لأجزاء المجتمع الاسلامي في مجتمعهم
مراعى عند الله سبحانه تشريعا كما راعاه تكوينا وأنه تعالى لا يضيعه ، وقال تعالى
: ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده
والعاقبة للمتقين ) ( 1 ) .
نعم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدعوة والهداية والتربية ، قال تعالى : (
يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) ( 2 ) .
فهو صلى الله عليه وآله وسلم المتعين من عند الله للقيام على شأن الأمة وولاية
أمورهم في الدنيا والآخرة وللإمامة لهم ما دام حيا .
لكن الذي يجب أن لا يغفل عنه الباحث أن هذه الطريقة غير طريقة السلطة الملوكية
التي تجعل مال الله فيئا لصاحب العرش وعباد الله أرقاء له يفعل بهم ما يشاء ويحكم
فيهم ما يريد وليست هي من الطرق الاجتماعية التي وضعت على أساس التمتع المادي من
الديمقراطية وغيرها فإن بينها وبين الاسلام فروقا بينة مانعة من التشابه والتماثل
.
ومن أعظمها أن هذه المجتمعات لما بنيت على أساس التمتع المادي نفخت في قالبها روح
الاستخدام والاستثمار وهو الاستكبار الإنساني الذي يجعل كل شئ تحت إرادة الإنسان
وعمله حتى الإنسان بالنسبة إلى الإنسان ، ويبيح له طريق الوصول إليه والتسلط على ما
يهواه ويأمله منه لنفسه ، وهذا بعينه هو الاستبداد الملوكي في الأعصار السالفة وقد
ظهرت في زي الاجتماع المدني على ما هو نصب أعيننا اليوم من مظالم الملل القوية
وإجحافاتهم وتحكماتهم بالنسبة إلى الأمم الضعيفة وعلى ما هو في ذكرنا من أعمالهم
المضبوطة في التواريخ .
فقد كان الواحد من الفراعنة والقياصرة والأكاسرة يجري في ضعفاء عهده بتحكمه ولعبه
كل ما يريده ويهواه . ويعتذر – لو اعتذر – أن ذلك من
شؤون السلطنة ولصلاح المملكة وتحكيم أساس الدولة ، ويعتقد أن ذلك حق نبوغه وسيادته
، ويستدل عليه بسيفه ، وكذلك إذا تعمقت في المرابطات السياسية الدائرة بين أقوياء
الأمم وضعفائهم اليوم وجدت أن التاريخ وحوادثه كرت علينا ولن تزال تكر غير أنها
أبدلت الشكل السابق الفردي بالشكل الحاضر الاجتماعي والروح هي الروح والهوى هو
الهوى وأما الإسلام فطريقته بريئة من هذه الأهواء ودليله السيرة النبوية في فتوحاته
وعهوده .
ومنها أن أقسام الاجتماعات على ما هو مشهور ومضبوط في تاريخ هذا النوع لا تخلو عن
وجود تفاضل بين أفرادها مؤد إلى الفساد فإن اختلاف الطبقات بالثروة أو الجاه
والمقام المؤدي بالآخرة إلى بروز الفساد في المجتمع من لوازمها ، لكن المجتمع
الإسلامي مجتمع متشابه الاجزاء لا تقدم فيها للبعض على البعض ، ولا تفاضل ولا تفاخر
، ولا كرامة وإنما التفاوت الذي تستدعيه القريحة الإنسانية ولا تسكت عنه إنما هو في
التقوى وأمره إلى الله سبحانه لا إلى الناس ، قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا
خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )
( 1 ) .
وقال تعالى : ( فاستبقوا الخيرات ) ( 2 ) .
فالحاكم والمحكوم والأمير والمأمور والرئيس والمرؤوس والحر والعبد والرجل والمرأة
والغني والفقير والصغير والكبير في الاسلام في موقف سواء من حيث جريان القانون
الديني في حقهم ومن حيث انتفاء فواصل الطبقات بينهم في الشؤون الاجتماعية على ما
تدل عليه السيرة النبوية
على سائرها السلام والتحية . ومنها أن القوة التنفيذية في الاسلام ليست هي طائفة
متميزة في المجتمع بل تعم جميع أفراد المجتمع فعلى كل فرد أن يدعو إلى الخير ويأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر وهناك فروق أخر لا تخفى على الباحث المتتبع .
هذا كله في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما بعده فالجمهور من المسلمين
على أن انتخاب الخليفة الحاكم في المجتمع إلى المسلمين والشيعة من المسلمين على أن
الخليفة منصوص من جانب الله ورسوله وهم أثنا عشر إماما على التفصيل المودوع في كتب
الكلام .
ولكن على أي حال أمر الحكومة الإسلامية بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد
غيبة الإمام كما في زماننا الحاضر إلى المسلمين من غير إشكال ، والذي يمكن أن
يستفاد من الكتاب في ذلك أن عليهم تعيين الحاكم في المجتمع على سيرة رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وهي سنة الإمامة دون الملوكية والامبراطورية والسير فيهم
بحفاظة الأحكام من غير تغيير والتولي بالشور في غير الأحكام من حوادث الوقت والمحل
كما تقدم والدليل على ذلك كله جميع ما تقدم من الآيات في ولاية النبي صلى الله عليه
وآله وسلم مضافة إلى قوله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) ( 1 ) .

https://t.me/wilayahinfo

https://chat.whatsapp.com/JG7F4QaZ1oBCy3y9yhSxpC

 

شاهد أيضاً

المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم 7

التكامل في المجتمع الاسلامي ربما أمكن أن يقال : هب أن السنة الإسلامية سنة جامعة ...