الوقت- لم يتبقى سوا ثلاثة أيام على إنتهاء شهر “مرداد” في السنة الشمسية لجمهورية إيران الاسلامية وهذه الايام تذكرنا بحدث هام للغاية حدث في تاريخ إيراني وهنا تجدر الاشارة إلى أن اليوم الثامن والعشرين من شهر “مرداد” الايراني الموافق للـ19 أغسطس، يصادف ذكرى سقوط حكومة “مصدق” الوطنية نتيجتاً لتدخل بعض الجهات الاجنبية وقيامها بانقلاب خبيث، وهذه الحادثة الاليمة لا تزال بعد حوالي سبعين عامًا راسخة في أذهان الكثيرين من أبناء الشعب الايراني. يذكر أن الانقلاب العسكري ضد حكومة الدكتور “محمد مصدق” سنة 1953، قامت به ونفذته وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية “سي اي ايه” بالتعاون مع وكالة الاستخبارات البريطانية “إم أي -6” وذلك للحفاظ على مصالحهما النفطية في ايران .
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأنه كان لبريطانيا شبكة تجسسية قديمة داخل ايران وكان لديها خبراء يتكلمون الفارسية وكان هولاء لديهم علاقات مع السياسيين وزعماء العشائر والتجار وجنرالات الجيش وقد اعدت “الام اي 6″ قائمة باسماء الضباط الكبار في الجيش الايراني وبينت اتجاهاتهم وارتباطاتهم العائلية وبرامجهم ونقاط الضعف عندهم. ولكن الـ”سي اي ايه” لم تكن قد جمعت مثل هذه المعلومات عن ايران وكانت هذه المعلومات ثمينة بالنسبة اليها، جعلتها تفكر في جمعها عن الدول الاخرى.
ولفتت تلك المصادر الاخبارية بأن الامريكيون كان لهم خبراء يعملون في سفارتها وهم حوالي مائة خبير يتعاونون مع الجيش الايراني، وكان لديهم اتصالات مع الضباط الايرانيين الشباب الذين تدربوا في الولايات المتحدة وعادوا توا الى ايران وكان يعمل اغلبهم في القوة البرية .ولقد وظفت الـ”سي اي ايه” مجموعة كبيرة من المرتزقة في طهران ووصل عددهم إلى نحو 500 شخص ويقودهم “شعبان جعفري” أحد المرتزقة الكبار في طهران، وبعد ذلك تم ارسال “كرميت روزفلت” الى طهران لتنفيذ الانقلاب. يذكر أن هذا الاخير أخبر شاه ايران “محمد رضا بهلوي” بانه سوف يدبر انقلابا عسكريا ضد مصدق ولكن الشاه لم يكن راضيا بان يحل عدد من الجنرالات محل الدكتور “مصدق”. ولكن للاسف الشديد تم تنفيذ الانقلاب العسكري يوم 19 آب 1953، بينما كان الشاه في ايطاليا، وقبل مغادرته وقع قرارين الاول بعزل “مصدق” والثاني بتعيين “فضل الله زاهدي” رئيسا للوزراء .
وفي سياق متصل كشف العديد من الخبراء السياسيين والاقتصاديين بأن الحكومتين البريطانية والامريكية قامتا بهذا الانقلاب الغادر بعدما توسعت الاحتجاجات داخل الشارع الايراني والتي طالبت بشكل مستمر بطرد البريطانيين والامريكيين وتأميم النفط الإيراني وتمثل هذا في مواقف الدكتور “محمد مصدق” خاصة في عام 1933 ولكن آمال الشعب الإيراني لم تتحقق إلا بعد عقود من الزمن عندما قرر البرلمان الإيراني تأميم شركة نفط “الأنجلو-فارسية” في عام 1951 ولكن القرار لم يطبق فعلياً لعدم توقيع الشاه عليه حتى تم انتخاب “محمد مصدق” رئيساً للوزراء في آخر شهر إبريل من عام 1951. وكان أول ما قام به “مصدق” كرئيس للوزراء هو إجبار الشاه على توقيع القرار الذي بدأ مفعوله في أول شهر مايو، بعد أيام من تسلم “مصدق” لرئاسة الوزارة. وهنا تجدر الاشارة إلى أن قرار التأميم شكّل صفعة شديدة الألم لبريطانيا وسياساتها في المنطقة، خاصة أنها أتت بعد خسائر عديدة منيت بها بريطانيا بسبب اكتشاف الشركات الأمريكية للنفط في معظم المناطق في منطقة الخليج الفارسي. ولفتت اولئك الخبراء السياسيين والاقتصاديين بأنه كان للانقلاب العسكري الامريكي البريطاني ضد حكومة الدكتور “مصدق” اثار سلبية وعميقة على الشعب الايراني، خاصتا وأنها قد اطاحت برئيس وزراء عمل على تاميم النفط وتخليص بلاده من سيطرة الشركات البريطانية والامريكية، وكان الانقلاب العسكري قد اثار كره الشعب الإيراني للامريكيين و للانقلابيين وللشاه “محمد رضا بهلوي” الذي فر قبل الانقلاب الى ايطاليا وعاد بعد تنفيذ الانقلاب ملكاً على ايران .
إن انهيار حكومة “مصدق” في إيران يرجع إلى التدخلات الامريكية التي جاءت بمثابة بداية فصل جديد من تاريخ التدخل الأمريكي في التطورات الداخلية لدول العالم الأخرى، يذكر أن الأمريكيون طبقوا فيما بعد نفس هذا الأسلوب لإسقاط حكومة “الليندي” في تشيلي، بل إن الكثيرين يعتقدون أن الحرب الأمريكية في فيتنام، جاءت كنتيجة لقيام واشنطن بانقلاب ضد حكومة “مصدق” في إيران. ومن ناحية أخرى، يمكن القول هنا بأن انقلاب 1953 ضد حكومة “مصدق”، فتح الابواب على مصراعيها أمام تدخلات الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية الإيرانية، والتي أعقبها تشكيل “السافاك” وإرسال مستشارين عسكريين إلى قصور الشاة في طهران، وبعد ذلك تقديم برامج اقتصادية أمريكية للحكومة في إيران، ولقد استمرت هذه التدخلات الامريكية طوال فترة حكم “محمد رضا بهلوي” وحتى سقوطه في فبراير 1979.
تجدر الاشارة هنا أن إيران بعد الانقلاب الذي وقع في عام 1953 ضد حكومة الدكتور “مصدق”، لم تعد دولة قريبة من بريطانيا وأوروبا، بل إنها اصبحت ممثلة بالوكالة للإدارة الأمريكية في المنطقة وكانت هي المتورطة بشكل مباشر في حرب “ظفار” ضد اليساريين العمانيين والتي جاءت بناءً على طلب من البنتاغون الامريكي وفي أثناء المقاطعة النفطية التي قامت بها الدول العربية ضد الكيان الصهيوني بعد حرب عام 1973، قامت إيران بمخالفة بلدان المنطقة وقامت بتزويد إسرائيل بالنفط.
ومع ذلك، فلقد توقفت التدخلات الغربية وخاصة الأمريكية في الشؤون الإيرانية، عقب قيام الثورة الإسلامية عام 1979، ولكن الإدارة الامريكية على مدار الأربعين عامًا الماضية بذلت الكثير من الجهود للتدخل في الشؤون الداخلية الايرانية على الرغم من انهيار نظام “بهلوي” ونظرا لعدم قدرتها على التدخل في الشؤون الايرانية، قامت الولايات المتحدة بفرض الكثير من العقوبات الاقتصادية والنفطية على ايران. يذكر أن تلك العقوبات وصلت إلى اوجها في عهد الرئيس الامريكي الحالي “دونالد ترامب” وهنا يؤكد العديد من الخبراء السياسيين بأن جميع تلك المحاولات الامريكية التي بذلتها خلال الاربعين عام الماضية للتدخل في الشؤون الايرانية كان مصيرها الفشل.