اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم
3 سبتمبر,2017
القرآن الكريم
1,026 زيارة
17- الإنفاق بلا من : وإذا كان الإنفاق في سبيل الله مرغوباً ، ومطلوباً له سبحانه ، وهو في توفير الثواب كحبةٍ تزرع ، فتنتج وتعطي الخبر الوفير ، فليكن ذلك بلا من ، واذى ، ولا تحميل على حساب الآخرين تماما كما تصرح به الآية الكريمة في قوله سبحانه : « الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولاأذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون »(1).
وإذا كان الانفاق يتوخى من ورائه لم الشمل ، وانقاذ الطبقة الفقيرة من ويلات العوز فان هذه الفائدة تنعدم لو كان المنفق يتبع إحسانه بالمَنٌ والأذى لمن ينفق عليه .
فالقضية ليست اشباعاً من جوع ، أو كساء من عري فقط بل إفهام الفقير أن هذه المساعدة مما يفرضها الذوق الانساني الرفيع ليصل المجتمع بعضه بالبعض الآخر .
« قول معروف ومغفرة خير من صدقه يتبعها أذى والله غني حليم »(2).
فالكلام الحسن الجميل يرد به الانسان السائل ، ويعتذر منه خير من صدقة تستتبع ايذاء السائل لان السائل في هذه الصورة وان حصل على الصدقة إلا أن الثواب يحرم منه المسؤول.
وقد جاء في الحديث عن النبي الأكرم (ص) «أنه إذا سأل السائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتى يفرغ منها ثم ردوا عليه بوقار ، ولين أما بذل يسير ، أو رد جميل »(1).
وبعد هذا فالله غني حينما يأمركم بهذا الاسلوب الرفيع لانه غني عن طاعاتكم وعما يقربكم ويمنحكم الثواب ، بل هو يدلكم على طرق الخير لحاجتكم إلى الثواب .
____________
(1) ـ سورة البقرة : آية (262).
(2) ـ سورة البقرة آية (263).
(3) ـ مجمع البيان في تفسيره للآية المذكورة.
اليتيم حال القسمة :
« وإذا حضر القسمة اولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً »(1).
ولم يترك الكتاب الكريم جانباً من جوانب انعاش اليتيم إلا وتعرض إليه ، وهذه الآية الكريمة تصور لنا مشهداً مألوفاً لنا طالما نرى مثله في حياتنا اليومية حيث يتجمع الضعفاء في كل مكان يرجون فيه خيراً من طعام ، أو كساء أو ما شاكل.
فنراهم اذا سمعوا بوليمة تجمعوا حول ذلك المكان علهم ينالوا من ذلك الطعام ما يسد به جوعهم.
وقد اختلف المفسرون في مجلس القسمة والذي يحضره هؤلاء الضعفاء من أولي القربى، واليتامى ، والمساكين فهل هو مجلس تقسيم الميراث ، أو هو مجلس الوصية حيث يقسم الميت ما يستحقه من المال بعد وفاته ؟.
فقيل : ان المراد بذلك حضور الضعفاء من الاصناف المذكورة مجلس القسمة لميراث الميت فقد يتفق ان يحضر أقرباء الميت ممن لا ينالهم من الميراث شيء ، وهكذا من لف لفهم من اليتامى ، والمساكين يرجون أن ينالهم شيء من ذلك المال.
وعلى هذا التفسير ، فيكون الخطاب في قوله تعالى ـ فارزقوهم ـ موجهاً إلى الورثة الذين يستحقون الميراث بأن يأخذوا بعين الاعتبار رعاية هؤلاء الذين تجمعهم مع الميت وشائج النسب ، والرحم ولم تشملهم الفرائض الميراثية لوجود ممن هو أسبق منهم من الطبقات الميراثية .
____________
(1) سورة النساء : آية 80.
وبتعبير أوضح : المطلوب من الطبقات القريبة أن تعطف بشيء على الارحام تحقيقاً للاوامر التي تحث على رعاية صلة الرحم.
وهكذا بقية الطبقات الضعيفة ممن تناولتهم الآية الكريمة .
وذهب بعض المفسرين : إلى أن المجلس المذكور هو مجلس الوصية ، وحينئذ فيكون الخطاب موجها إلى (المورثين) وهم من تحضرهم الوفاة فقد أمروا أن لا يغفلوا ذوي قرباهم حين الوصية امتثالاً لما أوصى به الله من رعاية الارحام ، وتفقدهم وكذلك اليتامى ، والمساكين.
ولأي من التفسيرين يميل الباحث فان الآية الكريمة لا شك انها لاحظت باطارها العام جانب المعوزين ولم تتركهم حتى في حالة عدم استحقاقهم الشرعي وخاطبت الورثة ، أو المورث . على الخلاف فيه بلزوم رعاية المحتاجين من أرحامهم ليحققوا بذلك غاية نبيلة انسانية .
وتكون النتائج الحتمية لهذه العملية هي تقوية أواصر المحبة ، والود بين أفراد الاسرة الواحدة والتي تجمع أفرادها وحدة النسب ، والسبب.
وكان اليتامى على التفسيرين من جملة من شملهم العطف الالهي في هذه الوصية المقدسة .
***
3 ـ تربية اليتيم :
« ووجدك ضالاً فهدى ».
والآن وحيث استوفت الآيات القرآنية الجوانب المعاشية لليتيم ودفعت بالاثرياء لأن يساعدوا الايتام ، ويهيئوا لهم الملاجىء السكينة فلا بد من الاتجاه ، والحث على تربية هؤلاء تربية صالحة للئلا يبقى اليتيم عاطلاً لا تستفيد الامة من مواهبه .
وفي هذه الآية الكريمة يتضح لنا جانب من هذه النقطة الدقيقة حيث جاء سياقها مذكراً النبي الاكرم (ص) بما من الله عليه به من قبل فقد نشأ (ص) في جو مليء بالعقائد المنحرفة ، والاوضاع المتلونة النابعة من عادات جاهلية سالفة لذلك شملته العناية الالهية باتمام العقل ، والهداية ، وجعله بالمنزلة اللائقة لتحمل أعباء الرسالة ، والسفارة السماوية لابناء الارض.
فالهداية من متممات النعمة ، والمنٌة عليه ، ولذلك لا بد من رعاية هذه الجهة بالنسبة إلى يتامى الناس ، وانتشالهم من هوة الجهل التي تلازم هؤلاء المساكين الذين باتوا ، ولا كافل لهم.
ولا بد من تطبيق هذا الدرس على يتامى الناس ، وإحتضانهم وهدايتهم بتثقيفهم ، وتعليمهم ، ورعايتهم من الجوانب التعليمية وجعلهم كأداة صالحة ، ونافعة في هذه الحياة .
فكما هداك ، ومن عليك من قبل لا بد أن تسير على هذا النهج من التطبيق وقد أسلفنا ان هذا النوع من التذكير للنبي الاكرم إنما هو لاجل جعل المشرع الاسلامي (ص) أمام أمر واقع مر به ، وذاق طعمه المرير ليكون التبليغ أوصل ، وأنفع.
« كلا بل لا تكرمون اليتيم ».
وفي هذه الآية الكريمة يبدو لنا واضحاً ما ترمي إليه من تصحيح المفاهيم الخاطئة والتي يبني البعض عليها الجوانب التي يتطلع إليها في حياته اليومية فقد جاءت هذه الآية تعقيباً لما يتصوره البعض من ذلك.
« فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمٌه فيقول ربي أكرمن ، وأما إذا ما اتبلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن »(1).
____________
(1) ـ سورة الفجر : آية ( 15 ـ 16).
لقد جعل الانسان هذا المقياس ركيزة يبني عليها واقعه الاجتماعي حيث يصرح بأن توفير الخير عليه هو لكرامته عند الله بينما يعتبر التقتير عليه مادياً اهانة له من الله .
ولكن الحقيقة تكمن وراء كل هذا اللف ، والدوران من هذا الانسان المراوغ.
أنه يجابه بها من القرآن الكريم في قوله تعالى :
« كلا بل لا تكرمون اليتيم ».
أنه ظن خاطيء يلجأ إليه الانسان في تكوينه لذلك المعيار الذي اعتبره لتحقيق كرامته ، واهانته .
إن الله جلٌت عظمته بيده كل شيء ورحمته أوسع من كل هذه الحيالات ، والتصورات فلا يوفر الرزق لكرامة الانسان ولا يقتره لاهانته ، بل يعطي ، ويمنح حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية ولربما كان التوفير على أحد في رزقه نقمة عليه .
« إنما نملي لهم ليزدادوا اثماً »
وإنما الاهانة لها أسبابها الخاصة ومن تلك الاسباب هو : هذا الجفاء الذي يلاقيه الضعفاء منكم خصوصاً إذا كانوا يتامى « كلا بل لا تكرمون اليتيم ».
والاكرام بنفسه شامل لكل صور حفظ اليتيم من ناحية حقوقه الاجتماعية سواء فيها الايواء ، أو الانفاق ، أو التربية .
فمن اكرامه عدم تركه بلا تربية ، وتعليم .
ومن اكرامه تهذيبه كما يهذب الشخص أولاده .
وليس المراد بالاكرام في الآية الكريمة هو الانفاق عليه فقط بل
القرآن الكريم اليتيم عز الدين بحر العلوم 2017-09-03