من المهم للإنسان الباحث عن الحق والحقيقة أن يكون له تصور صحيح لمفهوم الخير والشر ، ويعتبر الإمام الخميني ـ في شرحه لحديث جنود العقل والجهل ـ أن الخير والشر من جهة طبيعتهما من الأمور الواضحة ومن الفطرة وأن الأقرب إلى الصواب إسنادهما إلى الوجدان والفطرة .
وفي حديث جنود العقل والجهل المروي عن الإمام الصادق عليه السلام أن الله أول ما خلق خلق العقل وجعل له خمسة وسبعين من الجنود وكلها من الصفات الأخلاقية الحسنة وجعل وزيرها ( الخير ) ، ثم خلق الجهل ضده وجعل له خمسة وسبعين من الجند وجعل وزيرها ( الشر ) .
ومن أمثلة جنود الخير والشر :
ـ الخير وهو وزير العقل ، وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل
ـ والإيمان وضده الكفر
ـ والتصديق وضده الجحود
ـ والرجاء وضده القنوط
ـ والعدل وضده الجور ..
وهكذا بقية صفات الخير وضدها من صفات الشر ..
ويقول الإمام الخميني موضحاَ معنى الخير والشر وزيري العقل والجهل في الحديث ، أن الأمر متعلق بالفطرة التي أشير إليها في قوله تعالى :
( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) سورة الروم الأية 30
يقول الإمام الخميني :
أن الحق تبارك وتعالى بعنايته ورعايته ويد قدرته التي خمر بها طينة أدم الأول أعطاه فطرتين وجبلتين :
إحداهما أصلية ، والأخرى تبعية ، وهما بمثابة براق السلوك ورفرف العروج إلى المقصد والمقصود الأصلي ، وهما أيضاَ أصل جميع الفطر التي خُمرت في الإنسان ، وبقية الفطر أغصانها وأوراقها ..
إحدى هاتين الفطرتين التي لها سمة الأصلية ـ هي فطرة العشق إلى الكمال المطلق والخير والسعادة المطلقة وهي مخمرة ومطبوعة في ذات كل إنسان في سلسلة البشر سواء فيهم السعيد والشقي ، والعالم والجاهل ، والعالي والداني ،(يقصد الإمام بالكمال المطلق هو الحق جلا وعلا ..) انتهى
والثانية من الفطرتين ـ التي لها سمة ـ الفرعية والتابعية ـ هي فطرة النفور من النقص والإبتعاد عن الشر والشقاوة ..
والنفور من النقص أيضاَ مطبوع ومخمر في الإنسان ..) أنتهى كلام الإمام الخمينى
شرح كلام الإمام الخمينى :
أن الله فطر الناس كلها على فطرتين : ( أصلية / وتابعة )
فطرة أصلية وهي فطرة العشق إلى الكمال المطلق كحب الخير والتوجه له والمقصود بالكمال المطلق هو الله عز وجل
وفطرة تابعة للفطرة الأصلية هي فطرة النفور من النقص والإبتعاد عن الشر والشقاوة
فمثلا الصدق فضيلة أصلية وهو من الفطرة ويعشقها الناس على أختلاف أنواعهم ، لا فرق بين شعب وشعب ولادين ودين ولا مذهب ومذهب ..
والنفور من الكذب هو فضيلة أيضا ولكنها تابعة للفضيلة الأصلية وهي عشق الصدق .. وهي فطرة مخمرة في الإنسان ..
ومن شروط الفطرة :
أولاَ : أنها تشمل كل الناس
ثانية : أنها لا تبديل لها
يقول الله عز وجل عن الفطرة :
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ….) الروم 30
ولو تفكرنا في وصفه تعالى للفطرة بأنها الدين القيم ، لاستراح الإنسان ، ووجد مركزا تلتف حوله البشرية ، بل وتطوف حوله وهو ( الفطرة ) أي فطرة عشق الكمال المطلق .. ولعله هو مايطلق عليه في هذا العصر التوحد حول مفهوم ( الإنسانية ) ..
وقد يسأل البعض :
ولكننا في الواقع المنظور نجد أن أكثر الناس تتوجه إلى الشر ..؟
نعم .. هم أخطأوا في تعيين مصداق الكمال :
فبدلا من أن يعرف أن ( الغني المطلق ) هو الله ، فهو يظنه في بعض من الناس الأغنياء أو في جمع المال
وبدلا من أن يعرف أن ( الجمال المطلق ) هو الله ، فهو يتخيله في أمرأة حسناء ..
وهكذا أنطفأ نور الفطرة في قلوبهم ، ومالم يستدركوا أنفسهم قبل إنطفاء شعلة الفطرة ، لعم الظلام أنفسهم وسقطوا في بئر الطبيعة ،
يقول الإمام الخميني :
( ولو توجهت الفطرة إلى الطبيعة وصارت محكومة بأحكامها ومحجوبة عن الروحانية وعالمها الأصلي لصارت مبدأ الشرور ومنشأ لجميع الشقاوات والتعاسات وأصبحت فطرة محجوبة ،) انتهى
وأصبح إبن للطبيعة كما تشير الأية الكريمة : ( وأمه هاوية )
ولإرتد إلى أسفل سافلين ، كما تشير الأية الكريمة :
( لقد خقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ) 2 التين
إن الأحكام الإلهية تنقسم إلى قسمين بهدف توجيه الفطرة:
القسم الأول أصلي مستقل وهو العقائد الحقة ( الأيمان بالله والملائكة وكتبه ورسله واليوم الأخر ) ومايتعلق بها ..وهدفها توجيه الفطرة إلى عشق الكمال المطلق ومعرفته والتوجه إليه وهو الحق جلا وعلا ..
والقسم الثاني من الأحكام الإلهية وهو تابع للقسم الأول وهو تنفير الفطرة من الشجرة الدنيوية الخبيثة التي هي أم النقائص والأمراض ، ويكون هذا عن طريق المواعظ الإلهية والنبوية ومواعظ الأئمة عليهم السلام وفروع الدين ..
والهدف منها هو تخليص الفطرة من حجب الطبيعة الظلمانية
يقول الإمام الخميني في هذا المعنى :
( فلو أزيلت هذه الحجب الظلمانية بل النورانية عن وجه الفطرة الشريف وخُليت فطرة الله كما خُمرت بيد القدرة الإلهية في روحانيتها فعند ذلك يظهر العشق للكمال المطلق بلا حجاب واشتباه ، ويكسر كل محبوب عابر وكل صنم موجود في بيت القلب ويترك كل نفسه وحبها ، وكل ماهو موجود يجعله تحت قدميه ويتمسك بذيل محبوب تتوجه إليه جميع القلوب شاءت أو أبت … )
والحمد لله رب العالمين )
أنتهى كلام السيد الإمام الخميني رضوان الله عليه