الوقت- في موقف تركزت فيه التطورات الأخيرة في العراق على قضايا تتعلق بتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات النيابية في 10 تشرين الأول / أكتوبر 2021 والصراع بين التيارات السياسية، أعلن اللواء قيس المحمداوي، نائب رئيس أركان الجيش العراقي، في 3 آذار / مارس 2022، عزم بغداد بناء جدار حدودي على الحدود الغربية للبلاد مع سوريا.
في السنوات الأخيرة، أصبح بناء الجدران الحدودية بين مختلف البلدان في النظام العالمي الجديد بحجة الأمن والهجرة ممارسة شائعة. لكن خطة بناء الجدار الحدودي بين العراق وسوريا لا يمكن تحليلها في شكل تبريرات مبتذلة منها توفير الأمن، بدلاً من ذلك، من أجل فهم أبعاد القضية، من الضروري معالجة مقاربتين للقضية، أي أهدافها الواضحة وأهدافها الخفية. بمعنى آخر، الغرض من هذا المقال هو التحقيق في الأسباب المخفية وراء خطة إنشاء جدار حدودي بين العراق وسوريا.
أهداف الحكومة العراقية من إنشاء جدار حدودي أمني
في ظل الوضع الراهن، فإن أهم هدف للحكومة العراقية في بناء جدار حدودي مع سوريا هو محاربة الإرهاب. حقيقة الأمر أن تحركات إرهابيي داعش على الحدود العراقية السورية كانت من أهم التحديات التي تواجه قوات الأمن العراقية في محاربة الإرهاب. ومن أجل منع ذلك، أكدت دمشق وبغداد مراراً وتكراراً على تعزيز أمن الحدود المشتركة، ومنع تسلل الإرهابيين عبرهما، وتبادل المعلومات الأمنية بين الجانبين في هذا الصدد.
وقال نائب رئيس هيئة الأركان العراقية المشتركة قيس المحمداوي: “فيما يتعلق بالخطة الأخيرة، تقوم قيادة الحدود المشتركة، بإشراف رئيس الأركان العامة، بعمل استثنائي خلال العامين الماضيين لتأمين الحدود، لا سيما الحدود الغربية مع سوريا، لكن الحكومة العراقية تعتزم الآن بناء جدار حدودي في المنطقة، وستقوم بالترتيبات الأمنية اللازمة لإنشاء خط دفاع عسكري على الحدود لتوفير مزيد من الأمن.” بشكل عام، هدف الحكومة العراقية هو محاربة الإرهاب وتعزيز الأمن على حدودها الغربية مع سوريا.
أدرك المسؤولون في بغداد في السنوات الأخيرة أن الحدود مع سوريا هو المحور الأمني الأكثر ضعفًا، ويتجلى ذلك بشكل واضح بإرسال قوات داعش إلى البلاد من سوريا في عام 2013. لذلك، يسعى مسؤولو حكومة مصطفى الكاظمي الآن إلى استخدام كل الأدوات والاستراتيجيات الممكنة لحماية حدودهم في الشريط الحدودي السوري، والذي يتمثل الآن في إنشاء جدار حدودي.
خطة أمريكية وراء الكواليس تحت ستار محاربة الإرهاب
على الرغم من أن الحكومة العراقية قد ركزت هدفها الرئيسي على بناء جدار حدودي لمكافحة التهديدات التي يشكلها تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن الحقيقة هي أنه خلف كواليس مثل هذه الخطة، يمكن التعرف على الخطة الأمريكية الشريرة وتحليلها. في الوقت الحالي، يأتي بناء هذا الجدار الحدودي في وقت أعلنت فيه مصادر أمنية عراقية رفيعة المستوى في آذار / مارس 2021، عن خطة أمريكية لتأمين وجود قواتها في غرب العراق بالقرب من الحدود مع سوريا. ومع ذلك، فيما يتعلق بأهداف الولايات المتحدة وراء الكواليس لتقديم مثل هذه الخطة، يمكن تقديم احتمالين. على المستوى العام، تهدف الخطة الأمريكية إلى الضغط على الحكومة المركزية العراقية لبناء جدار إسمنتي لفصل الأراضي السورية عن محافظة الأنبار الغربية لضمان أمن القوات الأمريكية وتعزيز وترسيخ السيطرة الأمريكية على المناطق الواقعة تحت نفوذها داخل سوريا. في المستوى الثاني، هدف الولايات المتحدة هو ضرب تحالف القوى في محور المقاومة؛ حيث تسعى واشنطن إلى إقناع الحكومة العراقية ببناء جدار خرساني لتقليل التعاون والتنسيق بين القوات السورية والعراقية، وبالتالي تقليل التقارب بشكل كبير بين قوات المقاومة.
في ضوء هذه التفسيرات، وفي مسألة إنشاء مثل هذا الجدار الحدودي، يمكن النظر في قضيتين. في المستوى الأول، الغرض من إنشاء جدار إسمنتي للحكومة العراقية هو تعزيز أمن الحدود في المناطق الغربية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو أنه إذا كانت قضية الأمن هي الأولوية، فلماذا يتم بناء هذا الجدار الخرساني فقط في محافظة الانبار وهي تقع تحديداً أمام الحدود مع مواقع القوات الامريكية في سوريا؟ بمعنى آخر، إذا كانت قضية الأمن أولوية، فلماذا لا يغطي هذا الجدار كامل الحدود العراقية السورية؟ كما أن قوة هذا الجدار الخرساني وآلية بنائه التي يمكن كسرها بسهولة يمكن أن تكون مسألة مهمة أخرى في هذا الصدد. في المستوى الثاني، وحسب التقديرات الأولية، فإن بناء مثل هذا الجدار الحدودي المحدود في محافظة الأنبار، بالقرب من انتشار القوات الأمريكية في سوريا، سيكلف حوالي 17 مليون دولار. ويأتي فرض مثل هذه التكلفة على الحكومة العراقية في وقت يمر فيه البلد بأزمة اقتصادية عميقة في السنوات الأخيرة ويواجه أزمة عجز في الميزانية.