الرئيسية / الاسلام والحياة / الطريق إلى الله تعالى للبحراني

الطريق إلى الله تعالى للبحراني

23

…..كما قال أمير المؤمنين (ع)في وصف المؤمن : حزنه في قلبه ، وبشره في وجهه . البحار : 64/305..

وربما يخبر بها إن اقتضى المقام إظهارها ، كما مرّ في حديث الباقر (ع) مع جابر.
فهذا معنى كون المؤمن مستوحشا من أوثق إخوانه.
فما لم تتم لك هذه الحالة ، وهي كون الغالب عليك الاشتغال بالله ، والوحشة عمن سواه ، ولو كان من أوثق إخوانك ، فلا تقدر على جعل معاشرتك للخلق ذريعةً إلى القرب إلى الله ، لكون الغالب عليك الميل الطبيعي ، وحظ النفس من الأنس بالجنس البشري ، فتصير عبداً للنفس ترضى لها وتغضب لها ، وتخرج عن شرف العبودية لله ، وما خلقت لذلك ، قال الله عزّ وجل : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} . الذاريات/56

الباب الثامن : لا يكمل إيمان المؤمن حتى تكون فيه خصال

اعلم أنه يراد منك أن تكون مقتدياً بسنّة من ربك عزّ وجلّ ، ثم بسنّة من نبيك (ص) ، ثم بسنّة من إمامك.
فعن [ الكافي : 2/241 ] .. عن الرضا (ع) أنه:

لا يكون المؤمن مؤمناً حتى تكون فيه ثلاث خصال:
سنّة من ربّه ، وسنّة من نبيه (ص) ، وسنّة من وليّه.

فأما السنّة من ربّه : فكتمان سرّه ، قال الله عزّ وجلّ:
{ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول } . الجن/26 ..
وأما السنّة من نبيه (ص) : فمداراة الناس ، فإنّ الله عزّ وجلّ أمر نبيّه (ص) بمدارة الناس ، فقال: { خذ العفو وأأمر بالعرف } . الأعراف/199 ..
وأما السنّة من وليه فالصبر في البأساء والضرّاء .. انتهى .
فمن يكون مراداً منه الاقتداء بصفة ربّه التي يمتدح بها ، لا شكّ أنّه معدّ لمقامٍ عظيمٍ وخطبٍ جسيمٍ ، وذلك أنّ الله يريد أن يمكّنك داره التي اختارها واجتباها لأوليائه وأصفيائه وأحبائه ، وهي الجنة ، فلا بدّ أن يرشدك إلى الصفات التي تشبه بسكان تلك الدار ، حتى تحصل المناسبة بينك وبين الدار وبين سكانها .

وأما الدار ، فهي طيّبةٌ طاهرةٌ على أكمل ما يكون من الصفاء والنورانية ، وأما أهلها ، فهم الأنبياء ، والمرسلون والشهداء ، والصدّيقون ، فتأبى حكمة الحكيم أن يرضى بكونك بتلك الدار غريباً أجنبياً عنها ، وعن أهلها ، بحيث يكون وضعك في ذلك المكان وضع الشيء في غير محلّه اللائق به . (1)

(1)هذه الفقرات لو تم استيعابها ، فإنها ستحوّل العبد من عالم العبادة المتكلفة ، إلى عالم العبادة المنسجمة مع طبيعة المزاج ، فإنه نظراً لرغبته في أن يكون مسانخاً لتلك الدار ، فإنه يألف كل ما تحقق له تلك المسانخة ، ولو كان تكليفاً شاقاٌ بعنوانه الأولي .. فمن الواضح أن العبادة التي يُؤتي بها تعبداً وتكلفاً ، ليس فيها إلا الأجر ، بينما المطلوب من العبادة ، أن ترفع بالعبد إلى مستوى الأنس برب العالمين، ذلك الأنس الذي يجعل العبد ينسى كل مشقة في سبيل تحصيل رضاه.( المحقق )

وهو سبحانه برأفته ورحمته لك ، لا يرضى لك إلا ذلك المكان الطيّب الطاهر ، فاقتضى ذلك شدة العناية الإلهية بإرشادك إلى أعلى الصفات ، وأكملها ، وأبهاها ، وأسناها.
فلم يرض منك إلا بأن تكون مقتدياً في الصفات التي لشرفها ، ورفعتها ، وجلالتها قد نسبها إليه عزّ وجلّ ، وأثنى بها على نفسه.

فمن يكون متصفاً بالصفات المنسوبة إليه ، يليق به أن يسكن في الدار المنسوبة إليه ، ولما كان جيرانه في تلك الدار أولياء الله ، ألزمه بأن يتصف بصفاتهم.
فعندها يخاطب الباري سبحانه نفسه ، التي طابت وطهرت بالاتصاف بتلك الصفات الطيّبة الطاهرة ، بقوله عز وجل : { يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية ، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي } . الفجر/27 ..

وتلك الصفات كثيرةٌ ، إلا أنّ الإمام (ع) اختار منها ثلاثةً للاهتمام بشأن هذه الثلاثة ، حتى وصف الإيمان معلّقاً عليها.

فالأولى : كونه كاتماً لسرّه ، وذلك أنّ أغلب الخلق غالبٌ فيهم النقص وعدم الكمال ، ولكنّ صفات الكمال معلومةُ الحسن والجمال والشرفية ، بحيث أنهم يتمنونها لأنفسهم ، لكن لمخالفتها لهوى النفس الأمّارة ، وضعف همّتهم لمجاهدتها يتقاعدون عنها.
فإذا رأوا مَن له همّة الاتصاف بها يخافون أن يتصف بها ، فيفوقهم في ذلك ، والنفس لا ترضى بالانحطاط عن الأقران ، بل تريد التفوّق عليهم طبعاً ، فما دام يمكنهم يسعون كلّ السعي في منعه من ذلك بالأفعال ، والأقوال ، وبكلّ حيلةٍ .
والشخص الواحد لا قابلية له على مقاومة من لا يحصى عددهم ، فلم يجعل الشارع للمؤمن طريق خلاص من ذلك إلا بكتم سرّه ، وهو عدم إظهار ما هو بانٍ عليه ، فحينئذ يُكفَى من شرّ الخلق ، ولا ينقطع عليه الطريق.

فلما علم أهل البيت (ع) الأطباء الماهرون والحكماء المشفقون ، أنّ نفس هذا المؤمن الأمّارة بالسوء أيضا هي من جملة أعدائه ، وهي من جنس هؤلاء القطّاع للطريق ، رغّبوا المؤمن هذا الترغيب العظيم في كتم السرّ ، وبيّنوا له من صفات الربّ التي مدح بها نفسه ، وأنّ وصف الإيمان موقوفٌ على ذلك.
والمقصود رفع منازعة النفس ، وميلها إلى الإظهار ، فيتوسل إلى ذلك تارةً بأن فيه انتفاعاً لمن تظهره له ، وتارةً بقصد إدخال السرور عليه ، وتارةً بقصد الاستعانة بنظره لعل له نظراً في ذلك ، أو بدعائه ، أو لعله ينقله إلى مَن ينتفع به ، إلى غير ذلك من الرجحان للإظهار. (2)

(2)إشارات جميلة إلى صور تلبيس إبليس ، الذي عندما يئس من إيقاع العبد في الباطل المكشوف ، يلجأ إلى إسلوب تزيين الباطل بالحق .. ومن هنا كانت البصيرة الكاشفة عن هذا التزيين ، من لوازم السير الى الله تعالى، وهذا التزيين ممكن في كل مرحلة من مراحل السالك ، إلهاءً له بالمهم عن الأهم .. فكان لزاماً على العبد عند كل إقدام أو إحجام أن يدرس المحتملات الأخرى البديلة، ليكون اختيار الأفضل من بين الأفراد المتشابهة ، أقرب إلى العمل بالتكليف الواقعي ، الذي يستبطن مراد المولى واقعاً.( المحقق )

شاهد أيضاً

(( هَلَّ الْمُحَرَّمُ فَالسُّرُورُ مُحَرَّمُ )) – قصيدةٌ من ديوان مدائح الأطهار

(( هَلَّ الْمُحَرَّمُ فَالسُّرُورُ مُحَرَّمُ )) – قصيدةٌ من ديوان مدائح الأطهار . يمكنكم الانضمام ...