الرئيسية / تقاريـــر / بين عمليتي ديزنكوف 1994 و2022.. لماذا اقترب زوال العدو؟

بين عمليتي ديزنكوف 1994 و2022.. لماذا اقترب زوال العدو؟

إيهاب شوقي

العملية الفدائية البطولية التي قام بها الشهيد رعد خازم، لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في صراع وجودي لن ينتهي إلا بتحرير كامل فلسطين وزوال الاحتلال الصهيوني.

ويمكننا أن نسترشد بتغريدة نراها معبرة لشاهد من أهله، وهو حاييم هار زهافي، روائي وصحفي إسرائيلي ومؤلف كتاب “لبنان.. الحرب المفقودة”، حيث كتب في أعقاب عملية شارع ديزنكوف: “الذي أطلق النار بالأمس في مدينتي كان في الثامنة من عمره قبل 20 عامًا، عندما كنت حينها طالبًا أبلغ من العمر 24 عامًا، أطلقت وقتها صواريخ على مخيم اللاجئين حيث كان يسكن، واقتحمت منازل سكانه في هذا المخيم، ونمت في غرفة معيشتهم”.

وهنا نرى مقدار اليأس الصهيوني والذي يعكس في وجهه الآخر مدى صلابة الأمل والصمود الفلسطيني، وأن جريمة احتلال فلسطين لن تسقط بالتقادم، بل تتوارثها أجيال لم يزدها الزمن وتصعيد الجرائم إلا تصميمًا على استعادة الحق وإصرارًا على التحرير.

منذ ثمانية وعشرون عامًا، وتحديدًا في 19 أكتوبر 1994، شهد نفس الشارع عملية استشهادية، حيث فجَّر الاستشهادي القسامي صالح عبد الرحيم حسن صوّي (نزال) “26 عاماً” من قلقيلية نفسه داخل حافلة إسرائيلية، مما أسفر عن مصرع 22 مستوطنًا وإصابة ما يزيد عن 47 آخرين.

وفي خلال هذه الأعوام التي اقتربت من العقود الثلاثة، تغيرت الكثير من الأمور والموازين، بينما لم تتغير روح الفداء الفلسطينية، إلا أن المتغير الأبرز الذي يمكن استنتاجه، هو أن العمليات الراهنة هي الأقرب إلى النصر وإلى زوال الكيان للأسباب التالية:

أولًا: تزامنت العمليات الاستشهادية في التسعينيات ومنها عملية ديزنكوف 1994 مع توقيع اتفاقيات أوسلو، وكانت بمثابة اعتراض عليها وتكريس لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة، ولكن كانت هناك انقسامات وخلافات بين تيارات مارست المقاومة وحفل تاريخها بالنضال، مما سبّب التباسات ولا سيما في تصدر شخصية تاريخية بحجم ياسر عرفات مشهد التوقيع والتفاوض، وبالتالي كان المشهد ضبابيًا لدى الشعوب ومنها الشعب الفلسطيني نفسه.

بينما تتزامن العمليات الراهنة ومنها عملية ديزنكوف 2022 مع وضوح وفرز تام في المعسكرات ووجود معسكرين واضحين، أحدهما متمسك بالحقوق وبالمقاومة، والآخر خائن ومفرط ومتعاون مع العدو ضد شعبه، مما يعني أن العمليات المقاومة هي خيار وجودي حتمي وليس مجرد خيار لتثبيت المواقف.

ثانيًا: في مرحلة التسعينيات كان العدو الإسرائيلي يحتفظ ببعض جبروته وبفجوة في القوة والتوازنات جعلت خيار التفاوض يبدو وجيهًا لدى بعض القوى السياسية، وهو ما أعطى فرصة لأنظمة التفريط كي تلعب على هذا الوتر وتسفّه من خيار المقاومة رغم احتفاظ الأنظمة رسميًا بمعظم ثوابت القضية وعدم اعترافها الرسمي بالعدو أو التطبيع معه باستثناء مصر التي وقعت معاهدة مع العدو، والأردن التي وقعت اتفاق وادي عربة بعد أسبوع واحد من عملية ديزنكوف 1994.

بينما في وقتنا الراهن ومع صمود المقاومة، تغيرت التوازنات وأثبتت المقاومة في لبنان أن العدو أوهن من بيت العنكبوت، وأثبت أنظمة عربية خيانتها الصريحة بالتطبيع المجاني الذي تزامن مع ابتلاع العدو لكامل الحقوق، وأثبت أنصار السلام المزعوم فشلهم وخيانتهم باحتفاظهم بذات الخيار دون مقابل ومحاربتهم للمقاومة وإدانتهم لعملياتها ووصفها بالإرهاب، وهو ما بيّن للشعب الفلسطيني حقيقة الأمور وأن المقاومة هي الخيار الوحيد لاسترداد الحقوق.

ثالثًا: كانت العمليات الاستشهادية ممثلة لحركات المقاومة وهو ما مكن العدو من استهداف هذه الحركات واغتيال قيادتها ومحاولة الضغط عليها بالتعاون مع أنظمة عربية للتهدئة أو الهدنة الطويلة، وكذلك محاولة إيقاعها في فخاخ السياسة واستقطاب بعض أجنحتها السياسية لخيارات التفاوض والسلام المزعوم.

بينما العمليات الراهنة هي عمليات شعبية تعرف في العلوم الأمنية بـ”الذئاب المنفردة” ويصعب تعقبها ومنعها، ولا تنتمي لحركات بعينها يمكن الضغط عليها أو استهدافها وهو تهديد وجودي يعترف العدو بأنه أصعب أزمة مرت عليه في تاريخه.

كما تهاوت فجوة القوة وأصبح العدو محاصرًا بمحور المقاومة، وأبرزت معركة “سيف القدس” هشاشة جبهته الداخلية ولا سيما وسط فلسطينيي 48 والذين أثبتوا وطنيتهم وانتماءهم لفلسطين وليس للعدو، ويتزامن ذلك مع أزمة سياسية طاحنة توشك معها حكومة بينيت وائتلافها الهش على السقوط والدخول في دوامة انتخابية جديدة تعكس اهتراء الوضع السياسي الصهيوني.

هنا نجد العدو محاصرًا بين أزمة سياسية تعكس شيخوخة وانعدامًا للرؤية وافتقادًا للمشروع وزخمه، وأزمة أمنية بات فيها مكشوفًا وبين فكي كماشة مقاومة في الداخل والخارج، وهو وضع منذر باقتراب الزوال.

هنا نجد أن خطاب المباركات للعمليات الفدائية يجب أن يرتبط بالتحرير الكامل، ولا يكون مجرد خطاب للوعظ أو لبيان أن العمليات هي رد على جرائم الاحتلال، بل على مجرد الاحتلال في ذاته، وأنها ليست ردا على الانتهاكات للمقدسات، بل لاحتلال المقدسات، وليست لتحرير الأسرى، بل لتحرير كامل فلسطين من النهر إلى البحر.

نحن بحاجة لضبط خطاب مقاوم يرتفع لمستوى طموح الشعب الفلسطيني وشبابه الذي يخرج ليحرر فلسطين ويزيل الكيان الصهيوني بيده وبدمه.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...