الرئيسية / مناسبات / على هامش الميلاد المجيد.. والجديد

على هامش الميلاد المجيد.. والجديد

الشيخ يوسف سرور

بسم الله الرحمن الرحيم

“وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَاۤءِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ”. آلِ عِمۡرَانَ/42.
“إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةࣲ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ وَجِیهࣰا فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِینَ” آلِ عِمۡرَانَ/45.

في حضرةِ مريمَ المصطفاةِ المطهَّرة الزكيّة، تَبرزُ القيمُ العليا للإنسان، التي تربطه بالكمال المطلَق من الحبِّ والخير والعدل والقوّة والعطاء بلا حدود، ورفضِ الاستبدادِ ومواجهةِ الظّلم والصلابة والثبات والاستقامة في مواجهةِ التحدّيات، وتوطين الذّاتِ على بذلِ الأثمانِ مهما كانت باهظةً في سبيلِ تكريس تلك القيم، وحماية الإنسان في ظلّ هذه القيم.

وفي أجواء الولادة الميمونةِ لرسولِ الله عيسى بن مريم، تَبرزُ الآياتُ الإلهيّةُ المُدهشةُ، التي تَضعُ الإنسانَ في موقِعِ الإذعانِ لقدرةِ الخالقِ وحرصه على اجتراحِ المُعجزاتِ في سبيل تشريعِ سُبُلِ الهدايةِ للبشرِ، وفي سبيل تَخليصِهم من براثنِ سلاطينِ الشرّ ومن حِبالِ كَهَنَةِ الارتزاق والطّمع؛ وفي سبيل استنقاذِهم من مَنابِرِ الشياطين وأقلامِ المأجورين وألسِنَةِ المُضِلّين، الذين يُحرّفون الكَلِمَ عن مواضعِه، ويزيّنون الرّذيلةَ ويُشيعونَ الفاحشةَ، ويعملون على تطويعِ العقولِ وتَليينِ القلوبِ وتَهيئةِ النّفوسِ ليستلمَ الشياطينُ قيادَها ويُمسكَ الأراذلُ زمامَها، ويصيرَ قرارُ البلادِ والعبادِ بأيدي شُذّاذِها وضلّالِها.

فقامَ عيسى بنشرِ الهداية والمحبّة والتسامح، آخذاً بأسبابِ الاقتدار من الآياتِ الربّانيّة التي أسلمَ لها ذوو العقولِ النيّرة والسلائقِ السليمةِ والفطرةِ النقيّة، فأخرستٔ أبواقَ السوء؛ ومتسلّحاً بإرادةٍ فولاذيّةٍ لا تَلينُ أذعنَ لها ذوو المهارات الخاصّة والعلومِ المُتاحةِ والحِرَفِ الرّائجة؛ ومستمدّاً القوّةَ والعزيمةَ من اللهِ، حيثُ أَمكنَه اللهُ من تدميرِ الهيكلِ فوقَ رؤوسِ أهلِ الضلال والانحراف، وكذلك من تحطيمِ الأوثانِ الزائفة وتقويضِ سلطةِ الآلهةِ المُدّعاة.

وفي أجواء الأيّامِ الفاطميّةِ، تتأكّدُ كلُّ هاتيك القيم وتلك المُثُلِ الإنسانيّة، التي يكون من خلالِها ابنُ آدمَ إنساناً، وبها تَتَجَسَّدُ القيمُ الاجتماعيّة.

إنسانُ بيئةِ المقاومة والبيئة الحاضنةِ للمقاومة، هو الإنسان المنتسبِ إلى مريمَ وعيسى، يزيد على ذلك تأكيداً وتعميقاً لتلك القيم وتكريساً لها، فهو ينتسب، كذلك، إلى محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. وميزةُ المرأة فيه استنانُها بسُنَّةِ مريمَ في الطهارةِ والنّقاءِ والصفاء، وبسُنّةِ فاطمةَ في قوّةِ الولاء وإظهار الحقّ وفي العفّةِ والستر والحياءِ. وبسُنّةِ زينبَ في التّحدّي والصمودِ والتضحيةِ والعطاء بلا حدود والصبر على البلاءات؛ وعند الحاجة بقوّة الحجّة والبلاغة والحصافة والفصاحة والبيان والتّبيين.

فكانت نساءُ هذه البيئة، لا سيما العامليّاتُ منهنّ، أمثولةً في تجسيد هذه الروح، حيث قاومت الاحتلال، بكلّ وجوهِه، بكلّ وجوه المقاومة، فكانت مقاتِلةً بما يناسبُ طبيعتَها الأنثوية، وأسيرةً بدّدتٔ ظلام السجن بنور هدايتِها، وكانت جريحة وشهيدة..

وكانتٔ،كذلك، أزراً وعضداً للمقاومين، ثمّ كانت كفيلةً للجرحى ولأيتام الشهيد؛ وهي لا تَعدو أن تكونَ امّاً لشهيد أو زوجةً له أو بنتاً أو أختاً.. وأحياناً اجتمعتٔ كلّ هذه الميزات في بعض النساء. وكما كان ذلك في مواجهة الاحتلال، كان في مواجهة التكفيريّين.. وكلّ العادين.

تميّزتٔ المرأةُ العامليّةُ بهذه الميزة، وتكرّست هذه الصورةُ عنها في الوجدان الجمعيّ والاجتماعي والجَماعيّ، لدى القاصي والداني، وإن خالفَ القاسي والدّنيّ..!!!

نعم، في قعرِ هامشِ هذه البيئةِ عاشتٔ طفيلياتٌ ورَبَتٔ ونَمَتٔ واتّخذَتٔ لها أشكالاً مَكّنَ بعضَ الدكاكين والكرخانات الإعلاميّة من الاستفادةِ منها. بحيث دأَبتٔ هذه الأبواق وأمعنتٔ في استهدافِ المقاومةِ وبيئتِها ومحاولة النَّيل من المرأةِ فيها ومن قِيَمها المبيّنةِ.

تعرفُ هذه الأبواقُ ومَن خَلفَها أنّ معركتَها هذه خاسرة وساقطة، لأنّ هذه القيمَ هي روح الإنسان في بيئة المقاومة، وأنّ فحيحَ الأفاعي وعواء الذئاب لن ينالَ من أشبال بيئتِنا المنيعة. فبهذه القيم، كانت المقاومة وكانت العزّة والتحرير والمِنعةُ والاقتدار.
 “فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَیَذۡهَبُ جُفَاۤءࣰۖ وَأَمَّا مَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَیَمۡكُثُ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ” الرَّعۡدِ/17.     

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...