الرئيسية / تقاريـــر / عبد الباري عطوان

عبد الباري عطوان

في زحمةِ انشِغال الغرب باحتِفالات أعياد الميلاد المجيدة، ورأس السنة، كان التّحالف الروسي الصيني المُضاد لعالم القُطب الواحد، يتعزّز على الصّعد كافّة الاقتصاديّة والعسكريّة والسياسيّة، بل والشخصيّة أيضًا، وعلى أرضيّة انعِدام الثّقة المُشتَرك بالغرب، والزّعامة الأمريكيّة له.

اللّقاء الذي تمّ اليوم الجمعة ين الرئيسين الصيني تشي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عبر دائرة تلفزيونيّة مُغلقة، وبثّه التلفزيون الرسمي الروسي، جاء ترسيخًا لاتّفاق الشّراكة الاستراتيجيّة الذي وقّعه الرّئيسان قبل اجتياح القوّات الروسيّة لأوكرانيا، وتطويره، ولعلّ تخطّي النفط الخام الروسي المُصدّر إلى الصين لنظيره السعودي لأوّل مرّة وزيادة روسيا الحصّة المُتاحة لليوان الصيني في صندوق ثروتها الوطني ليصل إلى 60 بالمئة في ظِل مُحاولات موسكو إنهاء الاعتِماد على الدولار واليورو، هو أحد أبرز المُؤشّرات على تطوير هذه الشّراكة الاستراتيجيّة عمليًّا على الصّعيد الاقتِصادي والمالي.

 

أهم ما جرى تسريبه عن هذا اللّقاء التلفزيوني المُباشر يُمكن رصده في النقاط التالية:

  • أوّلًا: قُبول الرئيس الصيني تشي جين بينغ لدعوةٍ من نظيره بوتين لزيارة “دولة” لموسكو في الربيع المُقبل لأنّ هذه الزيارة، وحسب أقوال الرئيس بوتين، ستظهر للعالم مدى تقارب العُلاقات الروسيّة الصينيّة.

  • ثانيًا: تأكيد الرئيس بوتين أن القُوّتين “تعتزمان تعزيز التعاون بين القوّات المُسلّحة لروسيا والصين”، ويأتي هذا التّأكيد بعد مُناورات عسكريّة مُشتركة قبل أيّام بين قوّات البلدين.

  • ثالثًا: تشديد التلفزيون الرسمي الصيني في تحليله للقاء القمّة التلفزيوني المذكور “الصين مُستعدّة للعمل مع روسيا، وجميع القِوى التقدّميّة في جميع أنحاء العالم لمُواجهة القُطب الواحد (أمريكا) والحمائيّة والترهيب”، إنه حِلف عسكري يتبلور لمُواجهة حِلف الناتو.

  • رابعًا: تصريح الرئيس الصيني لأوّل مرّة وبكُل وضوح في اللّقاء المذكور، ونحن نَنْقُل هُنا حرفيًّا، “نحن مُستعدّون لتعزيز التعاون الاستراتيجي مع روسيا، وتبادل فُرص التنمية لنكون شُركاء شامِلين لصالح شعبيّ بلدينا، ولمصلحة الاستِقرار في العالم”.

توقيت هذه القمّة التلفزيونيّة يأتي في ظِل تصاعد الحرب الأوكرانيّة، واعتِماد الكونغرس الأمريكي مُساعدات عسكريّة للرئيس زيلينسكي تتضمّن منظومات صواريخ الباتريوت ومُدرّعات، وذخائر بقيمة 50 مِليار دولار، وتصاعد التوتّر في مضيق تايوان وبين الكوريّتين، ممّا يعني تعزيز التنسيق العسكري الصيني الروسي المُقابل وتطويره.

***

هذه القمّة التلفزيونيّة التي ستتحوّل إلى قمّةٍ مُباشرةٍ أثناء زيارة الرئيس الصيني لموسكو الربيع المُقبل هي رسالة بليغة إلى واشنطن والغرب تؤكّد أن التحالف الروسي الصيني دخل مرحلةً جديدةً، وسينعكس شراكة استراتيجيّة عسكريّة في الحرب الأوكرانيّة الحاليّة، وحرب تايوان القادمة وشِبْه المُؤكّدة.

صحيح أن موسكو دعمت الموقف الصيني تُجاه إعادة جزيرة تايوان إلى اليابسة الأُم، بالوسائل كافّة ودون تحفّظ، بينما اتّسم الموقف الصيني بالحذر تُجاه الحرب في أوكرانيا، ولم تُؤيّد اجتِياح القوّات الروسيّة، ربّما تجنّبًا لأيّ عُقوبات أمريكيّة، ولكن هذا لا يعني عدم وقوف بكين في الخندق الروسي كليًّا في حالِ تدخّل الولايات المتحدة المُباشر أو حِلف النّاتو في هذه الحرب ضدّ روسيا.

هذا الغزل الصيني الروسي المُتصاعِد يُؤكّد أن العام الميلادي الجديد الذي سيبدأ الاحد سيكون مُختلفًا كليًّا عن الأعوام التي سبقته، وسيُدشّن مرحلةً جديدةً في التّعاون الاستراتيجي الصيني الروسي في المجالات كافّة والعسكريّة تحديدًا.. والأيّام بيننا.

شاهد أيضاً

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ کتاب الشمس الساطعة منهج‌ المرحوم‌ القاضي‌ قدّس‌ ...