أكد رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية أنّ سياسة طهران منذ البداية كانت “التوجه إلى دول الجوار وإقامة علاقة جيدة معهم، مؤكداً أنّ إيران لديها علاقات وارتباط وأخوّة مع البلدان الإسلامية كافةً، ولا سيما بلدان المنطقة، لافتاً إلى انزعاج الكثيرين من استئناف العلاقات مع المملكة العربية السعودية، معتبراً أن “التدخل الأجنبي في البلدان لا يؤدي سوى إلى خلق المشاكل”.
هذا، ووصف الرئيس الإيراني العلاقات بين إيران وسورية، بأنّها علاقات إستراتيجية ومهمة، وأوضح أنّ الظروف التي تحيط بالقضية الفلسطينية لا “تُحدَّد في المفاوضات السياسية، بل يرسمها المجاهدون الفلسطينيون، واليوم القرار في أيديهم”.
كلام السيد رئيسي جاء في مقابلة خاصة مع قناة الميادين تحدث فيها عن عدة ملفات سياسية، أبرزها تفاصيل التقارب الإيراني – السعودي، وانضمام إيران إلى منظمة شنغهاي، والعلاقات بسورية.
العلاقة مع دول الجوار
قال السيد إبراهيم رئيسي، إنّ طهران أعلنت، منذ البداية، أنّ سياستها هي “التوجه إلى دول الجوار”، وقرارها هو إقامة علاقات جيدة وتعامل جيد مع دول الجوار، وأن تستخدم “طاقات بلدان المنطقة لرفع مستوى العلاقات” في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية كافةً، وأضاف أنّ إيران لديها علاقات وارتباط وأخوّة مع البلدان الإسلامية كافةً، ولا سيما بلدان المنطقة، وخصوصًا الإسلامية منها، وهذه من أولى أولوياتها في إقامة العلاقات.
الاتفاق مع السعودية
وفي سياق حديثه عن تفاصيل الاتفاق الإيراني السعودي، أوضح السيد رئيسي أنّه بعد زيارته للصين “تمت الدعوة إلى الحوار بين الجانبين، وأرسل الملك السعودي مستشار الأمن القومي، ونحن قرّرنا أيضًا أنْ نوفد سكرتير مجلس الأمن القومي. وتقرر أن يناقشا المواضيع التي تهم البلدين، واستئناف العلاقات السياسية بيننا”.
وبالتزامن مع استئناف العلاقات، قال رئيسي إنّ “الأعداء شعروا بالغضب وعدم الارتياح، ومنهم الكيان الصهيوني الذي يشعر بالغضب، وقد كشف عن ذلك”.
وأضاف: “نحن نعتقد أن الوحدة الإستراتيجية أساسية ويجب متابعتها”، لافتًا إلى أن الكيان الصهيوني يتبع “إستراتيجية فَرِّقْ تَسُدْ وزرع التفرقة، ونحن نتّبع إستراتيجية الوحدة والانسجام، وأعتقد أن هذه الخطوة بإمكانها أن تعزز الانسجام والوحدة بين البلدان الإسلامية، وبين بلدان المنطقة”.
وأشار إلى أنّ “البعض لا يرغب في أن تكون الصين هي الواسطة بيننا وبين السعودية، لكننا نعتقد أن هذه الخطوة كانت خطوة إيجابية من جانب بكين”.
التدخل الأجنبي يثير المشاكل
وردًّا على سؤال يتعلق بتأثير الاتفاق بين طهران والرياض في العلاقات الإيرانية العربية، قال السيد رئيسي: “نحن على استعداد لاستئناف عمل البعثات الدبلوماسية في طهران والرياض، ووافقنا على المفاوضات بين البلدين، وأن نجلس ونتكلم ونحل مشاكلنا. أمّا في ما يتعلق بالبلدان العربية الأخرى، فيجب عليها أن تتخذ قرارها بشأن مصيرها”.
أضاف: “نحن دعونا لبنان واليمن إلى أنْ يقررا مصيرَيهما بنفسيهما، وأن يمنعا أي أحد من أن يفرض عليهما إرادته، ويتدخل في القرارات السياسية، لأن هذا سيخلق مشاكل”.
ولفت الرئيس الإيراني إلى أنّه في حال تُركت الظروف اليمنية لليمنيين، أو الحوار اليمني اليمني، فـ”في إمكانهم أن يحلوا الأزمة اليمنية”.
وشدّد رئيسي على أنّ “التدخل الأجنبي في البلدان، في لبنان مثلًا، وفي اليمن وفي سائر البلدان، لا يؤدي سوى إلى خلق المشاكل”.
العلاقات مع سورية مستمرة
وتطرق رئيسي إلى الملف السوري، وقال إنّ “سورية كانت على الدوام في محور المقاومة، ووقفتْ وصمدتْ في وجه الاعتداءات الصهيونية والاستكبارية، ومواقفها كانت على الدوام تحظى بدعم إيران”، وأضاف أنّ “الولايات المتحدة الأميركية، من خلال خلق “داعش” والفصائل التكفيرية، وعبر إثارة الفتنة في سورية، كانت تسعى لتقسيم سورية، وزرعت كثيرًا من الفرقة والخلافات داخلها”.
وأشار رئيسي إلى أنّ الولايات المتحدة حرّضت البلدان العربية ضد سورية، مشيرًا إلى أنّ “البلدان العربية سعت أيضًا لتصفية حساباتها مع دمشق، واعتقدت أن سورية سوف تنهار، وظنت أنها ستكسر الخط الأمامي للمقاومة، وعلقت آمالًا كثيرة على ذلك”.
وتابع رئيسي: “صمدت إيران، وربما هي البلد الوحيد الذي دعم نظام الحكومة السورية، ووقف في وجه كل الفصائل التكفيرية وجميع الحركات الانفصالية، وحتى في وجه بعض بلدان المنطقة، التي سعت لتقسيم سورية”، ولفت إلى أنّ الظروف، اليوم، تباينت بصورة كبيرة في سورية، و”الرئيس بشار الأسد، وهو جدير بالتقدير، صمد مع الشعب السوري”.
وقال: إنّ “في ذلك اليوم الذي دعمت طهران سورية… كان لبنان وحزب الله، والشعب السوري وإيران معًا، وسعوا كي يمنعوا تقسيم سورية”.
ورحّب السيد رئيسي بإعادة علاقات الحكومة السورية بمختلف بلدان العالم، ولا سيما بلدان المنطقة، وخصوصًا البلدان الإسلامية.
ووصف العلاقات بين إيران وسورية، بأنّها “علاقات إستراتيجية ومهمة”، وقال: “هذه العلاقات سوف تستمر”، مضيفًا بأنّ زيارته لدمشق هي في إطار العلاقات بين البلدين، وفي إطار دعم جبهة المقاومة، وشدّد على عدة أمور تتعلق بسورية، أبرزها سيادة الحكومة السورية على الأراضي السورية كافةً، وضرورة مغادرة القوات الأميركية سورية “بسرعة”.
وأعلن الرئيس الإيراني استعداد إيران للتعاون مع الشعب والحكومة السوريين لإعادة الإعمار، وقال: “لدينا في إيران طواقم فنية وشركات ذات كفاءة عالية، قادرة على أن تؤدي دوراً مهمًا في إعادة إعمار سورية”.
القضية الفلسطينية وجبهة المقاومة
وفيما يخص القضية الفلسطينية، قال رئيسي: “ليس في إمكان الاحتلال “الإسرائيلي” أن ينافس الشبان الفلسطينيين، وهو لا يستطيع التغلب على غزة، ولا يستطيع أن ينافس الضفة الغربية، ولا يستطيع إيجاد الأمن وتوفير الأمن في الداخل الفلسطيني المحتل”، وأكّد أنّ الظروف تباينت عن السابق “بصورة كبيرة”. ورأى أن كيان الاحتلال كان يطرح سابقًا، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، إقامة معاهدات، مثل “شرم الشيخ” واتفاقية “أوسلو”. أما اليوم، فبات واضحًا أنّ “هذه الاتفاقيات لا يمكنها مطلقًا توفير الأمن لهذا الكيان”.
وأوضح رئيسي أنّ الظروف لا “تُحدَّد في المفاوضات السياسية، بل يرسمها المجاهدون الفلسطينيون. واليوم، إن القرار في أيديهم”، وأضاف أنّ “الكيان الصهيوني، سواء في حرب الأيام الـ33 (لبنان)، أو في حربَي الأيام الـ 22، والأيام الـ11 (غزة)، واجه فشلًا ذريعًا، فكيف يريد أن يواجه إيران ويهاجم شعبها”مؤكداً أنّ الظروف اليوم “تتجه لمصلحة جبهة المقاومة وضد الكيان الصهيوني”، مضيفاً: “إذا رأيتمْ جميع أجزاء المنطقة، فإن المقاومة في حالة نمو ورقي وزيادة القوة”. مشددًا على أنّ التهديدات التي يطلقها العدو في بعض الأحيان “خاوية ولا تستند الى أي أساس من القوة”.
وقال إنّ “إيران أعلنت عدة مرات، أن هذا الكيان إذا ما اتخذ أقل خطوة ضد إيران، فإن خطوتنا الأولى سوف تكون بمنزلة اضمحلاله وإزالته”، مشددًا على أنّ “أول حماقة وخطوة لـ “إسرائيل” ستكون الخطوة الأخيرة لها، ولن يبقى شيء باسم الاحتلال”.
الانضمام إلى منظمة شنغهاي.. والـ “بريكس”
وقال الرئيس الإيراني: إنّ “إيران تمدّ يد الصداقة والتعاون إلى أي بلد يريد التعاون معها، وهي، من هذه الناحية، مستعدة للتعامل والتعاون مع جميع البلدان”.
وأدان رئيسي الأحادية والتفرد الأميركيين والتحكّم في العالم، مشددًا على ضرورة “ألا نكون تحت سلطة الآخرين، وألا نمارس السلطة على أحد”.
وقال السيد رئيسي: “إنّ المجتمع الدولي لا ينحصر فقط في ثلاثة بلدان أو أربعة، بل يشمل كل البلدان في مختلف القارات في العالم”، لافتًا إلى أن إيران “تعتمد على العلاقات البناءة بالبلدان كافة، على أساس المصالح المشتركة”.
وفيما يخص الانضمام إلى منظمة شنغهاي، قال رئيسي: “لدينا علاقات بالصين، وبروسيا أيضًا، وانضمامنا إلى منظمة شانغهاي وفرّ لنا أرضية للتعاون مع البنى التحتية في آسيا”. مشيرًا إلى أن إيران على “استعداد للانضمام إلى مجموعة بريكس”.
ولفت إلى أنّ “الولايات المتحدة الأميركية تريد بثّ اليأس وتيئيس الشعب الإيراني بشأن قدراته، لكن نظام الجمهورية الاسلامية الإيرانية يشدد على زرع الثقة والأمل، ويسير بالأمل، وإنّ مصاديق ذلك تتجلى في مختلف المجالات”.
وقال: إنّ “العدو كان يريد فرض العزلة علينا، وأن يحدّ علاقاتنا ويعرقل حضورنا في منظمة شانغهاي والمنظمات الإقليمية والدولية، لكنه واجه الفشل. فعلاقاتنا تنمو وتقْوى، يومًا بعد آخر”.
الشهيد قاسم سليماني عسكري ودبلوماسي
وتحدث السيد رئيسي عن القائد السابق لقوة القدس في حرس الثورة، الشهيد الفريق قاسم سليماني، قائلًا إنّه بطل مكافحة الإرهاب، وكان له دور بارزًا جدًّا، “بحيث، عبر الاستعانة بالقوى الشعبية في سورية والعراق، واجه القوى المهاجمة من داعش والقوى التكفيرية، وحقق نجاحًا باهرًا”.
وأضاف رئيسي: “بالتعاون مع الشعبين العراقي والسوري، وبالتعاون مع حزب الله في لبنان، استطاع سليماني أن يزيل إلى الأبد تيار داعش والإرهابيين”.
وقال رئيسي، بشأن رفعه صورة سليماني في الأمم المتحدة، إن “الموضوع الذي أثرته أنا هناك”، هو من أجل تبيان أن مَن “يتشدقون بمكافحة الإرهاب يغتالون بطل محاربة الإرهاب، وبيد من؟ بيد رئيس الجمهورية في ذلك الوقت”، أي دونالد ترامب.
ولفت رئيسي إلى أنّ “اغتيال الحاج قاسم سليماني هو اغتيال شخصية لم تكن عسكرية بارزة فقط، بل كانت شخصية إستراتيجية أيضًا. كان إنسانًا إستراتيجيًّا، ورجلًا موجودًا في الساحة. وفي الوقت نفسه، كان دبلوماسيًّا وقادرًا ومقتدرًا. ومثل هذا الشخص يقوم الأميركيون باغتياله”.
وفي المقابلة، استشهد رئيسي بمقولة لآية الله العظمى السيد علي الخامنئي، حين قال إنّ “الشهيد الحاج قاسم سليماني أخطر من الحاج قاسم سليماني نفسه”، لافتاً إلى أنهم كانوا يتصورون “أنّهم عبر اغتيال الحاج قاسم سليماني سيقضون على نهجه، واليوم باتوا يشهدون في جميع أرجاء المنطقة صور الحاج، وأبناء المنطقة وشبانها يفتخرون بشخصه، إذ أصبح مدرسةً لشباننا ولشبان المقاومة في جميع أرجاء المنطقة”.
العراق والشهيد أبو مهدي المهندس
وتحدّث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عن نائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي”، الشهيد أبي مهدي المهندس، قائلًا إنّ “المهندس هو الشخص الذي يُعَدّ رمزاً لمكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية، فتيار الحشد الشعبي والتيارات الثورية وشبان العراق اليوم اجتمعوا، ويحاربون الإرهاب، وقائدهم استُشهد على أيدي الأميركيين”.
وأضاف أنّ “الأميركيين جاؤوا إلى العراق ويدّعون مكافحة الإرهاب، ثم يقتلون بطلَي مكافحة الإرهاب، الحاج قاسم سليماني وأبا مهدي المهندس. لذلك، كان يجب أن نفضح هذه الكذبة، وأن يعلم العالم بأنهم هم الذين يديرون الإرهاب في العالم”.
السيد حسن نصر الله شخصية بارزة وخالدة
ونوّه الرئيس الإيراني بحزب الله، مؤكدًا أنه “يتمتع بمكانة مميزة، ليس في لبنان فقط، بل هو دعامة كبيرة للمقاومة في المنطقة أيضًا”، وأضاف: “منذ تشكيل الحزب مع الشهيد السيد عباس الموسوي، وصولًا إلى السيد حسن نصر الله، والشبان المقاومين في لبنان، لم يكنْ أحد يتنبأ بأنه يمكن للكيان الصهيوني أن ينسحب من الجنوب اللبناني”.
وأوضح أنّه “في ذلك اليوم، عندما وقف حزب الله بشموخ وصمد أمام الهجوم الصهيوني في حرب تموز/يوليو 2006، وأثبت، للمرة الأولى، أنّ “إسرائيل” قابلة للاندحار، نجح في إلهام الشبان الفلسطينيين الصمود أمام الكيان الصهيوني، وفي القيام بالانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية والانتفاضة الثالثة”.
وتابع رئيسي: “اليوم، أنتم ترون أن الشبان الفلسطينيين يقفون، بكل جدية، ويصمدون في ساحات القتال والجهاد. وهذا هو الدرس الذي تعلموه من حزب الله في لبنان”.
وقال السيد رئيسي: إنّ “السيد نصر الله شخصية بارزة ورجل دين وعالِم. وهو سياسي وشخصية مجاهدة وثورية في المنطقة، ولديه قدرة على امتلاك القلوب”، مضيفًا: “ليس فقط قلوب الشيعة، بل قلوب السنّة والمسيحيين أيضًا، وحتى قلوب أصحاب المذاهب المتعددة في لبنان”.
ولفت رئيسي إلى أنّ كثيرين من شبان العالم اليوم، يَعُدّون السيد حسن نصر الله شخصية مجاهدة ومقاومة، ونموذجًا عن الجهاد والمقاومة، وأن كثيرين من الشبان الثوريين في العالم يفتخرون بشخصيته. وفي إيران، تُعَدّ شخصية السيد نصر الله “شخصية بارزة وخالدة، كونه شخصية مجاهدة في وجه الكيان الصهيوني”.
وبيَّن رئيسي أن “الثقة الموجودة تجاه حزب الله في لبنان، والثقة الموجودة بشخص السيد نصر الله في لبنان، تمثّلان ثقة كبيرة وخاصة”، موضحًا أنه سمع من داخل الأراضي المحتلة أن الثقة بالسيد نصر الله عالية جدًا، واصفاً علاقة السيد حسن نصر الله بالشعوب المسلمة بالـ”وثيقة”، مشيرًا إلى أنّ “هناك ثقة كبيرة داخل إيران أيضًا بالسيد حسن نصر الله”.
الشعب الإيراني يثق بقدراته الذاتية
وأشار السيد رئيسي إلى أنّ الشعب الإيراني “اقتنع بأنه يستطيع أن يقف على قدميه، ويستطيع أن يدير شؤونه الذاتية باستقلالية، وألّا يتكئ على الأجانب”. معتبرًا أنّ “هذه الثقة بالقدرات الذاتية، ترسَّختْ في ذهن الشعب الإيراني، وهذا هو، في حد ذاته، سر انتصاره ونجاحه”.
كذلك أشار إلى دور القيادة وتوجيهات القائد، قائلاً إنّ “من الإنصاف أن نقول، إن سماحة المرشد الايراني يقود الشعب في مختلف المجالات. وبالرغم من كل الاضطرابات والانعطافات، فإنه قاد النظام وصنع القوة له”.
وأوضح أنّ “الشعب الإيراني أدرك أن هذا النظام هو خيمة، وعمود هذه الخيمة هو الولاية، والذي يقيم ويحفظ هذه الخيمة هو الولاية والإمامة. لذلك، فإن الإيرانيين يثقون بالنظام وبالقيادة”.
وختم: “اليوم، وصلنا إلى مرحلة تحقيق الاكتفاء الذاتي، واستطعنا أن نكون أحد البلدان المطروحة في الصناعات الدفاعية والنووية”.