الرئيسية / من / طرائف الحكم / ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٣٠١ – ٣٢٠

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٣٠١ – ٣٢٠

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٣٠١ – ٣٢٠

أرسل مروان إلى ابن عمر بعزيمة ليرسلن بها، فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابن عمر فشققها ومزقها مخافة أن يكون في شئ من ذلك خلاف لما نسخ عثمان!). (وشبيه به في مجمع الزوائد:٧/١٥٦، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح).

وبذلك نعرف أن مصحف عمر العتيد الذي جمعه لينشره ويلزم المسلمين به، كان فيه تحريفات لم يتحملها عثمان وبنو أمية لأنها تخالف المصحف الذي جمعه خليفتهم عثمان!

ولا بد أنه كان فيه كل ما روي عن عمر من قراءات شاذة كان يقرأ بها، وفيه سورتا الحفد والخلع اللتان كان يقرؤهما في صلاته، وفيه ما لا نعلم من اجتهادات عمر التي أراح الله المسلمين منها، وبيد مروان!!

 

*  *  *

الأسئلة

١ ـ إذا لم يكن معنى وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالثقلين القرآن والعترة أنها وصيةٌ للأمة بالدستور والمرجع لتفسيره، فما عسى أن يكون معناها؟!

٢ ـ إن قلتم إن أخذ القرآن ومعالم الدين ليس محصوراً بالعترة النبوية الطاهرة (عليهم السلام)، أليس من واجب عمر أن يأخذ القرآن من الأربعة الذين سماهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمر الأمة أن تأخذ القرآن منهم؟

٣ ـ كيف تحول عندكم موقف عمر غير الشرعي والغريب، إلى فضيلة لعمر وخدمة

٣٠١

للقرآن، وصار انتقاده تهمةً بالخروج عن إجماع الأمة، فهل الأمة تعني عمر وحده، حتى لو كان الذين خالفوه كل الصحابة ومعهم وصية نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!!

 

*  *  *

٣٠٢

المســألة: ٧٤
بدعة عمر بأن القرآن نزل على سبعة أحرف!

إذا كنت مسلماً سنياً وكنت من أعلم العلماء، فلن تستطيع أن تقنع أطفالك بنظرية عمر، بأن القرآن نزل على سبعة حروف!

بل سوف تتحير من أول الأمر ماذا تقول لهم؟!

فهل تقول لهم إن الله تعالى أنزل القرآن بسبعة نصوص؟

يعني أنزل سبعة قرائين؟! أو أنزله بسبع طبعات منقحة؟!

وماذا تجيب إذا سألك ولدك الناشئ فقال لك: يا أبتي نحن نعرف أن الملك أو رئيس الجمهورية يصدر المرسوم بنسخة واحدة ونص واحد! وأنت تقول إن جبرئيل كان يضبط نص القرآن على النبي كل سنة مرة، فهل تقصد أنه نزل على النبي من الأول سبع نسخ، وكان جبرئيل يضبط عليه سبعة نسخ؟!

ولماذا السبع نسخ، ألا تكفي نسخة واحدة؟!

ثم ما هو الفرق بين هذه النسخ؟!

تقول لابنك: لا يا ولدي، القرآن نسخة واحدة ومعنى السبعة حروف أن الله تعالى استعمل فيه سبعة أنواع من لغات العرب.

فيقول لك: ولكن هذا لا يقال له نزل على سبعة حروف، بل يقال إن ألفاظه مختارة من كلمات سبع قبائل!

ثم تقول له.. ويقول لك.. حتى تعجز

٣٠٣

أمام ابنك!! ولايمكنك أن تسكته إلا بأن تقول له: أسكت فهذه المقولة حديث نبوي رواه عنه الفاروق عمر، فيجب عليك أن تقبلها حتى ولو لم تفهمها ولم يفهمها أبوك وعلماؤك!

وقد يسكت ابنك، لكن يبقى السؤال يجول في نفسه ويقول:

هل يمكن أن يتكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بغير المعقول؟!

ألا يمكن أن يكون عمر مشتبهاً؟

لقد تحير كبار علماء السنة ومفسروهم وما زالوا متحيرين إلى يومنا هذا في نظرية عمر (الأحرف السبعة)! فلا هم يستطيعون أن يردوها لأنها بتصورهم حديث نبوي رواه عمر! ولا هم يستطيعون أن يقنعوا بها أحداً، أو يقتنعوا هم بها!! وسيظلون متحيرين إلى آخر الدهر، لسبب بسيط هو أنهم يبحثون عن معنى معقول لمقولة ليس لها معنى معقول!!

من كبار العلماء المتحيرين الإمام ابن جزي المشهود له في التفسير وعلوم القرآن، فقد نقل في تاريخ القرآن ص٨٧ قوله: (ولا زلت أستشكل هذا الحديث ـ أي حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ـ وأفكر فيه وأمعن النظر من نحو نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليَّ بما يمكن أن يكون صواباً إن شاء الله تعالى، وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وضعيفها وشاذها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه)!! انتهى.

وأنت ترى أن ابن جزي بعد تفكير أكثر من ثلاثين سنة غير مطمئن إلى ما توصل إليه، وإن سماه فتحاً علمياً! ولذا عبر عنه

٣٠٤

بأنه (يمكن أن يكون صواباً) ومن حقه أن يشك في هذا الفتح، لأن معناه أن نسخة القرآن نزلت من عند الله تعالى مفصلة على حسب قراءات سوف يولد أصحابها! وسوف تكون اختلافاتهم في سبعة وجوه لا أكثر!!

فكيف تعقَّل هذا العالم أن نسخة القرآن نزل بها جبرئيل مفتوحة لاجتهادات القراء الذين سوف يأتون! ثم اعتبر ذلك فتحاً علمياً؟!

بالله عليك هل تتعقل أن مؤلفاً يؤلف كتاباً بسبعة نصوص سوف تظهر على يد أشخاص بعد نشره؟!!

قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن:١/١٧٢: (وقال ابن حجر: ذكر القرطبي عن ابن حبان أنه بلغ الإختلاف في الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولاً، ولم يذكر القرطبي منها سوى خمسة، ولم أقف على كلام ابن حبان في هذا، بعد تتبعي مظانه.

قلت: قد حكاه ابن النقيب في مقدمة تفسيره عنه بواسطة الشرف المزني المرسي. فقال: قال ابن حبان اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولاً).

وقال السيوطي في ص١٧٦: (قال ابن حبان: فهذه خمسة وثلاثون قولاً لأهل العلم واللغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف، وهي أقاويل يشبه بعضها بعضاً وكلها محتملة ويحتمل غيرها). انتهى.

وهو اعتراف من ابن حبان بأن جميع هذه الأقوال لاتزيد عن كونها احتمالات استنسابية غير مقنعة!

٣٠٥

ثم نقل السيوطي تصريحاً مشابهاً لأحد علمائهم فقال: (وقال المرسي: هذه الوجوه أكثرها متداخلة، ولا أدري مستندها، ولا عمن نقلت، ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر، مع أن كلها موجودة في القرآن فلا أدري معنى التخصيص! وفيها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة، وأكثرها يعارضه حديث عمر مع هشام بن حكيم الذي في الصحيح، فإنهما لم يختلفا في تفسيره ولا أحكامه، إنما اختلفا في قراءة حروفه. وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها القراءات السبع، وهو جهل قبيح) انتهى.

هذه نماذج من أقوال هؤلاء العلماء الكبار، وهي كافية للتدليل على أن النظرية برأيهم غير قابلة للفهم والتعقل.. فهل يجوز نسبتها والحال هذه إلى الله تعالى وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

سبب ابتداع عمر هذه البدعة؟

السبب ببساطة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في حياته يصحح نص القرآن لمن يقرؤه فكان مصدر نص القرآن واحداً مضبوطاً.

أما بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحداث السقيفة وبيعة أبي بكر، فقد جاءهم علي بنسخة القرآن بخط يده حسب أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرفضوا اعتمادها، لأنه كان فيها برأيهم تفسير بعض الآيات أو كثير منها لمصلحة علي والعترة (عليهم السلام)، فأخذها علي وقال: لهم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرني أن أعرضها عليكم فإن قبلتموها فهو، وإلا فإني أحفظها وأقرأ النسخة التي تعتمدونها، حتى لا يكون في أيدي الناس نسختان للقرآن!

٣٠٦

روى الكليني في الكافي:٢/٦٣٣: (عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبدالله: كف عن هذه القراءة، إقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم (عليه السلام) قرأ كتاب الله عز وجل على حده، وأخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السلام).

وقال: أخرجه علي (عليه السلام) إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد جمعته من اللوحين فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه فقال أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه)! انتهى.

من ذلك اليوم ولدت أرضية التفاوت في النص القرآني وأخذ الخليفة والناس يقرؤون ولا مصحح لهم، ولا مرجع يرجعون إليه في نص القرآن!

وما لبث أن انتشر التفاوت في قراءاتهم، ثم تحول التفاوت إلى اختلاف بين القراء في هذه الكلمة وتلك، وهذه الآية وتلك، فهذا يقرأ في صلاته أو يعلم المسلمين بنحو، وذاك بنحو آخر! وهذا يؤكد صحة قراءته وخطأ القراءة المخالفة، وذاك بعكسه.. وهذا يتعصب لهذه القراءة وقارئها، وهذا لذاك.. إلى آخر المشكلة الكبيرة التي تهم كيان الدولة الإسلامية وتمس قرآنها المنزل!!

٣٠٧

٣٠٨

 

وستعرف أن عمر قام بتحريف حديث نبوي في أن القرآن نزل على سبعة أقسام من المعاني، ولا علاقة له بألفاظ القرآن وحروفه!

فالنظرية إذن، ولدت على يد عمر عندما واجه مشكلة لايعرفها، ولم يعالجها بنسخة القرآن، بل روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديث الأحرف السبعة ليثبت مشروعية التسامح والتفاوت في قراءة النص القرآني!

ولكنه بذلك سكن المشكلة تسكيناً آنياً، ثم حير أتباعه من علماء الأمة أربعة عشر قرناً في تصور معنى معقول لنظريته العتيدة وحديثه الغريب المزعوم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!

من أدلة بطلان بدعة عمر

أولاً: أن صاحب المقولة لم يطبقها! فقد رخص بقراءة القرآن بسبعة أنواع، لكنه لم يسمح لأحد بذلك! فكان يتدخل في القراءات ويحاسب عليها، ويرفض منها ويقبل، ويأمر بمحو هذا وإثبات ذاك! وكم وقعت مشاكل بينه وبين أبيِّ بن كعب وغيره من القراء، بسبب أنه قرأ آية بلفظ لم يعجب عمر!

فقد كانت هذه التوسعة المزعومة خاصة به دون غيره!!

ثانياً: أن عثمان نقضها وأوجب أن يقرأ القرآن بالحرف الذي كتب عليه مصحفه! فأين صارت السبعة أحرف التي قلتم إن حديثها صحيح متواتر؟!

٣٠٩

لقد صار معناها أن القرآن نزل من عند الله تعالى على سبعة أحرف، ثم صار في زمن عثمان إلى حرف واحد!! فيكون حديث عمر مفصلاً لمشكلة اضطراب القراءة في زمنه فقط! فهل رأيتم حديثاً نبوياً لادور إلى يوم القيامة إلا أداء وظيفة خاصة وهي تسكين مشكلة اختلاف القراءات آنياً؟!

ثالثاً: إن التوسعة على الناس والتسامح في نص القرآن مسألة كبيرة وخطيرة! فكيف لم تكن معروفة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعامة الصحابة والمسلمين؟

ثم عرفت على يد عمر عندما وجدت مشكلة تفاوت القراءات؟!

رابعاً: إذا صحت نظرية عمر في الأحرف السبعة، وأن الله تعالى قد وسع على المسلمين في قراءة نص كتابه، فلماذا حَرَمَ الله نبيه من هذه النعمة وحرم عليه تبديل شئ منه فقال تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لايَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (سورة يونس: ١٥)، وألزمه بحفظه حرفياً بدقة عالية وكان ينزل عليه جبرئيل كل عام مرة ليضبط عليه نص القرآن، وفي سنة وفاته ضبطه عليه مرتين ليتأكد من دقة تبليغه له؟!

وهل يقبل العقل من رئيس عادي أن يصدر قانوناً ويتشدد مع وزيره في ضبط نصه وطباعته، وبعد نشره للتطبيق يجيز للناس أن يقرؤوا نصه بعدة ولو بتغيير ألفاظه!!

٣١٠

خامساً: هشام بن حكيم بن حزام الذي قال عمر إن القصة حدثت معه، هو أحد الطلقاء الذين أسلموا تحت السيف في فتح مكة، أي في السنة الثامنة للهجرة، واختلاف عمر معه في القراءة لا بد أن يكون بعد أن جاء هشام إلى المدينة مع ألوف الطلقاء الذين أرسلتهم قريش ليكونوا لها ثقلاً في المدينة!

فزمن القصة نحو السنة الأخيرة من حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعناها أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إلى ذلك الوقت يقرأ نص القرآن بصيغة واحدة وحرف واحد ولم يقل لجبرئيل شيئاً، إلى أن جاءه جبرئيل في أواخر حياته وقال له: (إن الله عز وجل يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، قال: أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك!) فصعد جبرئيل ثم نزل وزاده حرفاً وقال على حرفين، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أمتي لا تطيق ذلك) وأخذ يساومه ويستزيده وهو يصعد وينزل، حتى وصل معه إلى سبعة أحرف! (النسائي:٢/١٥٠، وغيره من مصادرهم!!) فهل ترون هذا النوع من تعامل الأنبياء (عليهم السلام) مع ربهم تعالى، إلا في روايات اليهود؟!

الأحاديث الصحيحة التي رفضوها من أجل بدعة عمر!

وهي كأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) تفسر الأحرف السبعة في الحديث النبوي بالمعاني، لكن القوم ظلموها مع أن فيها الصحيح، ولم يفتحوا أسماعهم لها لمجرد أنها تعارض تفسير عمر ومن تبعه للحديث ونصهم التحريفي له!

٣١١

وأكبر مرجح لها على حديث عمر وما وافقه أنها ذات معنى معقول، وأنها تسد ذريعة التوسع في نص القرآن وتحريفه!

روى الحاكم:١/٥٥٣ و:٢/٢٨٩: (عن ابن مسعود عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجراً وآمراً وحلالاً وحراماً ومحكماً ومتشابهاً وأمثالاً، فأحلُّوا حلاله وحرِّموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله واعملوا بمُحْكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا آمنا به كل من عند ربنا. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه). (ورواه السيوطي في الدر المنثور:٢/٦،عن ابن جرير والحاكم وصححه وأبو نصر السجزي في الابانة عن ابن مسعود عن النبي (ص)… وعن الطبراني عن عمر بن أبي سلمة أن النبي (ص) قال لعبد الله بن مسعود… إلخ. وعن ابن الضريس وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود… إلخ. وعن البيهقي في شعب الايمان عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): أعربوا القرآن واتبعوا غرائبه وغرائبه فرائضه وحدوده، فإن القرآن نزل على خمسة أوجه حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فاعملوا بالحلال واجتنبوا الحرام واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال). انتهى.

وقال السيوطي في الإتقان ص١٧٠ وهو يعدد الأربعين وجهاً في تفسير كلام عمر: (الحادي عشر: أن المراد سبعة أصناف، والأحاديث السابقة ترده، والقائلون به اختلفوا في تعيين السبعة فقيل: أمر ونهي وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، واحتجوا بما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود عن

٣١٢

النبي (ص) قال: (كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه، وأمثال..الخ.). انتهى.

وقصده بالأحاديث السابقة التي ترد هذا الوجه: أحاديث عمر التي تنص على أن السبعة أحرف تقصد ألفاظ القرآن لامعانيه! وبهذا يكون السيوطي وقف إلى صف الذين أقفلوا باب الحل المعقول لورطة الأحرف السبعة!

وقال في ص١٧٢: (السادس عشر: إن المراد بها سبعة علوم: علم الإنشاد والإيجاد، وعلم التوحيد والتنزيه، وعلم صفات الذات، وعلم صفات الفعل، وعلم العفو والعذاب، وعلم الحشر والحساب، وعلم النبوات). انتهى. ولا بد أنه يرد هذا الوجه أيضاً، لأن حديث عمر ينص على أن المقصود بالسبعة الألفاظ لا المعاني!

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:٧/١٥٢: (وعن عبد الله يعني ابن مسعود أن النبي (ص) قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن… الخ. رواه البزار وأبو يعلى في الكبير وفي رواية عنده لكل حرف منها بطن وظهر، والطبراني في الأوسط باختصار آخره، ورجال أحدهما ثقات. ورواية البزار عنه محمد بن عجلان عن أبي إسحاق، قال في آخرها: لم يرو محمد بن عجلان عن إبراهيم الهجري غير هذا الحديث، قلت: ومحمد بن عجلان إنما روى عن أبي إسحاق السبيعي، فإن كان هو أبو إسحاق

٣١٣

السبيعي فرجال البزار أيضاً ثقات).انتهى.

أهل البيت عليهم السلام.. كلامهم نور

روى الكليني في الكافي:٢/٦٣٠: (عن زرارة، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: إن القرآن واحد نزل من عند واحد، ولكن الإختلاف يجئ من قبل الرواة….

عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الناس يقولون: إن القرآن نزل على سبعة أحرف، فقال: كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد!) انتهى.

ويدل قوله (عليه السلام):كذبوا أعداء الله، على أنه كان يوجد جماعة يريدون تمييع نص القرآن بهذه المقولة!

ويدل أيضاً على جواز الجمع بين فاعلين مضمر وظاهر لغرض التأكيد على الفاعل، مثل تمييز أحد المعطوفات بإعراب آخر لتأكيده، كما ورد في القرآن، وأن هذ القاعدة فات النحاة استقراؤها في كلام العرب، كما فاتهم إضافة (بقي) إلى أخوات كان، مع أنه لافرق بينهما.

وروى المجلسي في بحار الأنوار:٩٠/٣: حديثاً جاء فيه (عن إسماعيل بن جابر قال سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول: إن الله تبارك وتعالى بعث محمداً فختم به الأنبياء فلا نبي بعده، وأنزل عليه كتاباً فختم به الكتب فلا كتاب بعده، أحل فيه حلالاً وحرم حراماً، فحلاله حلال إلى يوم

٣١٤

القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فيه شرعكم وخبر من قبلكم وبعدكم، وجعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علماً باقياً في أوصيائه، فتركهم الناس وهم الشهداء على أهل كل زمان، فعدلوا عنهم ثم قتلوهم واتبعوا غيرهم… ضربوا بعض القرآن ببعض، واحتجوا بالمنسوخ، وهم يظنون أنه الناسخ، واحتجوا بالمتشابه وهم يرون أنه المحكم، واحتجوا بالخاص وهم يقدرون أنه العام، واحتجوا بأول الآية وتركوا السبب في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره، إذ لم يأخذوه عن أهله… ولقد سأل أمير المؤمنين صلوات الله عليه شيعتُه عن مثل هذا فقال: إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل منها شاف كاف، وهي أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص. وفي القرآن ناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وخاص وعام، ومقدم ومؤخر، وعزائم ورخص، وحلال وحرام، وفرائض وأحكام، ومنقطع ومعطوف، ومنقطع غير معطوف، وحرف مكان حرف، ومنه ما لفظه خاص، ومنه ما لفظه عام محتمل العموم، ومنه ما لفظه واحد ومعناه جمع، ومنه ما لفظه جمع ومعناه واحد، ومنه ما لفظه ماض ومعناه مستقبل، ومنه ما لفظه على الخبر ومعناه حكاية عن قوم أخر، ومنه ما هو باق محرف عن جهته، ومنه ما هو على خلاف تنزيله، ومنه ما تأويله في تنزيله، ومنه ما تأويله قبل تنزيله، ومنه ما تأويله بعد تنزيله. ومنه

٣١٥

آيات بعضها في سورة وتمامها في سورة أخرى، ومنه آيات نصفها منسوخ ونصفها متروك على حاله، ومنه آيات مختلفة اللفظ متفقة المعنى، ومنه آيات متفقه اللفظ مختلفة المعنى، ومنه آيات فيها رخصة وإطلاق بعد العزيمة…الخ.).

وينبغي الإلتفات إلى أنه (عليه السلام) استعمل كلمة (أقسام) وترك استعمال كلمة (أحرف أو حروف) حتى لا يفسرها أحد بألفاظ القرآن كما فسروا السبعة أحرف في الحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!

قال المحقق البحراني في الحدائق الناضرة:٨/٩٩: (ثم اعلم أن العامة قد رووا في أخبارهم أن القرآن قد نزل على سبعة أحرف كلها شاف واف، وادعوا تواتر ذلك عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، واختلفوا في معناه إلى ما يبلغ أربعين قولاً، أشهرها الحمل على القراءات السبع. وقدروى الصدوق قدس سره في كتاب الخصال بإسناده إليهم (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أتاني آت من الله عز وجل يقول إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت يا رب وسع على أمتي فقال إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف.

وفي هذا الحديث ما يوافق أخبار العامة المذكورة، مع أنه (عليه السلام) قد نفى ذلك في الأحاديث المتقدمة وكذبهم في ما زعموه من التعدد، فهذا الخبر بظاهره مناف لما دلت عليه تلك الأخبار والحمل على التقية أقرب فيه) انتهى.

وقال المحقق الهمداني في مصباح الفقيه:٢/٢٧٤:

٣١٦

(والحق أنه لم يتحقق أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ شيئاً من القرآن بكيفيات مختلفة، بل ثبت خلافه فيما كان الإختلاف في المادة أو الصورة النوعية التي يؤثر تغييرها في انقلاب ماهية الكلام عرفاً، كما في ضم التاء من أنعمت، ضرورة أن القرآن واحد نزل من عند الواحد كما نطقت به الأخبار المعتبرة المروية عن أهل بيت الوحي والتنزيل، مثل ما رواه ثقة الإسلام الكليني بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن القرآن واحد من عند الواحد ولكن الإختلاف يجئ من قبل الرواة! وعن الفضيل بن يسار في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الناس يقولون نزل القرآن على سبعة أحرف، فقال كذبوا أعداء الله، ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد. ولعل المراد بتكذيبهم تكذيبهم بالنظر إلى ما أرادوه من هذا القول مما يوجب تعدد القرآن، وإلا فالظاهر كون هذه العبارة صادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل قد يدعى تواتره، ولكنهم حرفوها عن موضعها وفسروها بآرائهم، مع أن في بعض رواياتهم إشارة إلى أن المراد بالأحرف أقسامه ومقاصده، فإنهم على ما حكي عنهم رووا عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: نزل القرآن على سبعة أحرف: أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل. ويؤيده ما روي من طرقنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف، وهي أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص….. فظهر مما ذكرنا أن الإستشهاد

٣١٧

بالخبر المزبور لصحة القراءات السبع وتواترها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غير محله. وكفاك شاهداً لذلك ما قيل من أنه نقل اختلافهم في معناه إلى ما يقرب من أربعين قولاً!).

وقال السيد الخوئي في مستند العروة:١٤/٤٧٤: (هذا، وحيث قد جرت القراءة الخارجية على طبق هذه القراءات السبع لكونها معروفة مشهورة ظن بعض الجهلاء أنها المعني بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما روي عنه، إن القرآن نزل على سبعة أحرف، وهذا كما ترى غلط فاحش، فإن أصل الرواية لم تثبت، وإنما رويت من طريق العامة، بل هي منحولة مجعولة كما نص الصادق (عليه السلام) على تكذيبها بقوله: كذبوا أعداء الله نزل على حرف واحد). انتهى.

وقال السيد الخوئي في البيان في تفسير القرآن ص١٨٠: بعد إيراد روايات السبعة أحرف: (وعلى هذا فلا بد من طرح الروايات، لأن الإلتزام بمفادها غير ممكن. والدليل على ذلك:

أولاً: أن هذا إنما يتم في بعض معاني القرآن، التي يمكن أن يعبر عنها بألفاظ سبعة متقاربة….

ثانياً: إن كان المراد من هذا الوجه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جوز تبديل كلمات القرآن الموجودة بكلمات أخرى تقاربها في المعنى، ويشهد لهذا بعض الروايات المتقدمة، فهذا الإحتمال يوجب هدم أساس القرآن، المعجزة الأبدية، والحجة على جميع البشر… وقد قال الله تعالى: قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي. وإذا لم يكن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبدل القرآن من تلقاء نفسه

٣١٨

، فكيف يجوز ذلك لغيره؟! وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علم البراء بن عازب دعاء كان فيه ونبيك الذي أرسلت فقرأ براء:ورسولك الذي أرسلت، فأمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لايضع الرسول موضع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! فإذا كان هذا في الدعاء فماذا يكون الشأن في القرآن؟…..

ثالثاً: أنه صرحت الروايات المتقدمة بأن الحكمة في نزول القرآن على سبعة أحرف هي التوسعة على الأمة، لأنهم لا يستطيعون القراءة على حرف واحد، وأن هذا هو الذي دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإستزادة إلى سبعة أحرف. وقد رأينا أن اختلاف القراءات أوجب أن يكفر بعض المسلمين بعضاً حتى حصر عثمان القراءة بحرف واحد وأمر بإحراق بقية المصاحف.

ويستنتج من ذلك…. أن الاختلاف في القراءة كان نقمةً على الأمة وقد ظهر ذلك في عصر عثمان، فكيف يصح أن يطلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الله ما فيه فساد الأمة. وكيف يصح على الله أن يجيبه إلى ذلك؟ وقد ورد في كثير من الروايات النهي عن الإختلاف، وأن فيه هلاك الأمة، وفي بعضها أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تغير وجهه واحمر حين ذكر له الاختلاف في القراءة….. وحاصل ما قدمناه: أن نزول القرآن على سبعة أحرف لايرجع إلى معنى صحيح، فلا بد من طرح الروايات الدالة عليه، ولاسيما بعد أن دلت أحاديث الصادقين (عليهم السلام) على تكذيبها وأن القرآن إنما نزل على حرف واحد، وأن الاختلاف قد جاء من قبل الرواة). انتهى.

 

*  *  *

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...