ثمّة قانون حركة مزدوج يحكم ملفات مصيرية في حياة كيان الاحتلال، هي ملفات الوحدة الداخلية، وقوة الردع، والعلاقة بواشنطن، وقانون الحركة المزدوج، يتمثّل من جهة بأن الكيان في لحظة تراجع قدرة الردع أشدّ حاجة للمزيد من الوحدة الداخلية، وأشدّ حاجة للمزيد من العلاقة المميّزة والمريحة مع واشنطن، ومن جهة مقابلة بأن تراجع قدرة الردع يتسبّب بالمزيد من الانقسام الداخلي، والمزيد من الاهتزاز في العلاقة بواشنطن.
– كل يوم تتجذّر كل عناصر الانقسام الحقيقي في الكيان، وهو انقسام آخذ في التعمّق، سواء ربحت المعارضة معركة وقف التعديلات في النظام القضائي وتراجعت حكومة بنيامين نتنياهو لصالح تسوية تحفظ حق المحكمة العليا بمراجعة القرارات الحكومية، وتعيينات الوزراء وكبار الموظفين، لأن التيار الأشدّ تطرفاً في حكومة نتنياهو سوف يسقط الحكومة، ولن يصمت على الهزيمة، ولو انتهى الأمر بحكومة تجمع نتنياهو والمعارضة، كما يرغب الأميركيون، وان مضت الحكومة بالسير في التعديلات وربحت الجولة، فإن الانقسام سيزداد أكثر بين معسكري الحكومة والمعارضة، لكن لا يجب أن ننسى أمرين هما، الأول أنه لا يجوز لأحد أن ينخدع ويتوهم أن الانقسام يطال الطابع الصهيوني العدواني والإجرامي للكيان، والثاني أن الانقسام ناتج عن الفشل الاستراتيجي للكيان،
وخسارته التفوق التاريخي الذي عرفه في مراحل صعود قوته، وهو واحدة من تعبيرات مأزق الوجود، بين دعاة خيار التمسك بدولة ليبرالية تمثل امتداداً للغرب، والاعتماد على الجيش والقضاء ومؤسسات الدولة، ومقابلهم دعاة خيار التمسك بالعقيدة الصهيونية الدينية والعودة إلى الكنيس بدلاً من الكنيست، والعصابة بدلاً من الجيش، الكيبوتسات بدلاً من الشركات، وكلما ازداد مأزق الردع، وتعمّق مأزق الوجود، تعمّق الانقسام حول الخيارات، ما يزيد من مأزق الوجود ومأزق الردع، وكلما تعمّق المأزق ترسّخت الوحدة أكثر تحت سقف العدوان والإجرام، حتى يقع سقف البيت فوق الرؤوس وينخر سوس التآكل جسد الكيان وروحه وتدنو ساعته.
– بالتوازي كلما تكرّس بصورة لا رجعة فيها، أن تراجع قدرة الردع بات قانوناً حاكماً لواقع الكيان، منذ حرب تموز 2006، وما تلاها من حروب على غزة وصولاً لمعركة سيف القدس، ومعركة ثأر الأحرار وانتهاء بمعركة جنين، توسّع النقاش داخل الدوائر الأميركية في الدولة العميقة حول مسألتين بالتوازي، الأولى سقوط الدور الوظيفي للكيان، الذي كان في أصل وأساس تبنيه ودعمه. فالكيان القوي والقادر على شنّ الحروب، هو الكيان الذي يهم واشنطن، وكلما زاد ضعفاً وعجزاً عن شنّ الحروب صار السؤال أكبر عن مبرر الاستثمار على دعم الكيان وتبنيه. وبالمقابل، كلما ضعف الكيان، صار السؤال الاستراتيجي حول استحالة ترك الكيان يلاقي مصيره بالتفكك والزوال، أو تلقي هزيمة كبرى تفتح باب التراجع المصيري، لأن التخلي والتراجع هنا يعنيان إخلاء أميركا لأبرز مواقعها وقواعدها في المدى الأفروآسيوي، وما يعني التخلي عن الكيان من رسالة ضعف في القدرة الأميركية، ويكفي واشنطن ما لحق بصورتها ومدى قوتها، بعيون حلفائها قبل خصومها، من نتاج التخلي عن حكومات موالية لها، ونتاج انسحابها من أفغانستان.
– النتيجة التي توصلنا إليها قوانين الحركة الحاكمة لمساري الوحدة الداخلية في الكيان، والعلاقة بواشنطن، وتفاعلهما مع تراجع قدرة الردع بصورة ثنائية متعاكسة، هي أن قيادة الكيان السياسية والعسكرية سوف تكون مغلولة اليد عن الذهاب لحرب كبرى، أو المخاطرة بمواجهات مفتوحة على فرضية الانزلاق الى حروب كبرى، لأنه بخلاف بعض القراءات والتوقعات بترجيح خيار الهروب إلى الأمام، أي الحرب لتفادي الانقسام وخسارة الدعم الأميركي، وهو ما قد يكون وارداً على طاولة نقاش المستوى السياسي في الكيان، لكن الدولة العميقة التي يمثلها الجيش والاستخبارات تعمل بواقع ما تعلم أن قرار الحرب مستحيل دون دعم أميركي مسبق لقرار الحرب، ودون وحدة داخلية راسخة حول قرار الحرب، وهما أمران غير متاحين، وكل يوم يصبحان أشدّ صعوبة. والهروب صحيح هنا، لكنه الهروب من الحرب مع مواصلة التلويح بها، والبحث عن خواصر رخوة يمكن اختبار صناعة انتصارات صغيرة فيها. والتراجع المنظم في حال الفشل، كما كانت معركة ثأر الأحرار ومعركة جنين، وفي كلتيهما بشراكة أميركية ووحدة داخلية، في قرار المعركة وقرار الخروج منها.
– هذا ما بدأ مع معركة حقول النفط والغاز التي افتتحتها المقاومة في لبنان، وهو ما يحضّر في معركة الحقوق الثابتة على الحدود البرية، من الغجر الى الناقورة وصولاً إلى مزارع شبعا.
.