روي هذا الحديث بسند معتبر، عن معاوية بن وهب، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو في مصلّاه، فجلست حتّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه، ويقول: “يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا الشّفاعة، وحمّلنا الرسالة، وجعلنا ورثة الأنبياء، وختم بنا الأمم السالفة، وخصّنا بالوصيّة، وأعطانا علم ما مضى، وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي1 الحسين بن عليّ صلوات الله عليهم، الّذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم، رغبة في برّنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمّد صلّى الله عليه وآله، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك، فكافهم عنّا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الّذين خلّفوا بأحسن الخلف، واصحبهم، واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد، وكلّ ضعيف من خلقك أو شديد، وشرّ شياطين الإنس والجن، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم. اللّهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلين، خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه الّتي غيّرها2 الشمس، وارحم تلك الخدود الّتي تقلّبت على قبر أبي عبد الله عليه السلام، وارحم تلك الأعين الّتي جرت دموعه، رحمة لنا، وارحم تلك القلوب الّتي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة الّتي كانت لنا. اللّهمّ إنّي أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتّى ترويهم3 من الحوض يوم العطش”4.
ويستفاد من هذا الحديث عدّة فوائد:
الأولى: أنّ الأئمّة عليهم السلام هم أكرم الخلق عند الله عزّ وجلّ، والكرامة الّتي لهم من الله سبحانه وتعالى مختصّة بهم، ولا يشاركهم أحد فيها.
الثانية: أنّ للأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين مقام الشفاعة – في يوم الحشر والنشر – للمذنبين من المؤمنين، وهذا المقام مقام تكريم لهم، وإعظام لشأنهم، وإظهار لشرفهم، وإجلال لمكانهم من قبل الله عزّ وجلّ.
والنصوص في أصل الشفاعة متواترة بين المسلمين عموماً وخصوصاً:
فمنها: ما رواه الفريقان عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: “ادّخرتُ شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي5“.
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “ليخرجنّ قوم من النّار بشفاعتي، يسمّون الجهنّميّين”6.
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشّهداء”7.
وممّا دلّ على شفاعتهم عليهم السلام: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيّكم، وأهل بيت نبيّكم”8.
ومنها: ما ورد في معتبرة معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: ﴿لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابً﴾9، قال: “نحن والله المأذون لهم في ذلك اليوم، والقائلون صواباً”، قلت: جعلت فداك، وما تقولون (إذا تكلّمتم)؟ قال: “نمجّد ربّنا، ونصلّي على نبيّنا، ونشفع لشيعتنا، فلا يردّنا ربّنا“10.
وقال الصّادق عليه السلام: “شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، وأمّا التائبون فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: ما على المحسنين من سبيل”11.
وعن معاوية بن وهب – أيضاً – قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قوله: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ قال: “نحن أولئك الشافعون”12.
والحاصل: أنّ شفاعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام من الأصول المسلّمة في الشريعة الإسلاميّة، فقد نطق بها القرآن الكريم، والنصوص المتواترة، فضلاً عمّا ادّعي عليها من إجماع المسلمين، واعترف بها العقل السليم، والحديث عنها يحتاج إلى كتاب مستقلّ، وهو خارج عن نطاق هذا الكتاب.
الثالثة: أنّ الأئمّة الهداة صلوات الله عليهم أجمعين هم المعيّنون بنصّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة والخلافة من بعده، حيث جعلهم أوصياءه المنتخبين، وخلفاءه المنصوصين في أمّته، وحججاً على الخلق أجمعين، فيجب الإقرار بإمامتهم، والتسليم لهم، والانقياد لأمرهم، والأخذ بقولهم، ويكون الرادّ عليهم كالرادّ على الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم، والرادّ على الرّسول كالرادّ على الله تعالى، وهم اثنا عشر إماماً، قد جاء النصّ على عددهم من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث صحيحة اتفق المسلمون على روايتها.
فعن جابر بن سمرة، أنّه سمع النبيّ يقول: “لا يزال الدّين قائماً حتّى تقوم الساعة، ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش”13.
وعن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “يكون بعدي عدّة نقباء موسى عليه السلام”14.
وعن الحمويني بإسناده عن عبد الله بن عبّاس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون”15.
وعن جابر بن يزيد الجعفيّ، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول: لمّا أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ﴾، قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الأمر الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟
فقال عليه السلام: “هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين (من) بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن والحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه منّي السّلام، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي وكنيّي، حجّة الله في أرضه، وبقيّته في عباده، ابن الحسن بن عليّ، ذاك الّذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان”، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟
فقال عليه السلام: “إي والّذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيؤون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب. يا جابر، هذا من مكنون سرّ الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلّا عن أهله”16.
والحاصل: أنّ من نظر في مجموع الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال يجد: أنّها قد أخذت أوصافاً وعناوين خاصّة لا تنطبق إلّا على الأئمّة الاثني عشر المعروفين عليهم السلام، ولا تصدق على غيرهم، وهذا بنفسه يعدّ من معجزات صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم وإخباره عن المغيّبات.
الرابعة: بمقتضى علوّ شأنهم وفضلهم، ورفعة كرامتهم عند الله عزّ وجلّ، وكونهم أئمّةً وهادين للخلق، فقد منحهم الله تعالى علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، فورّثهم علم الكتاب الّذي فيه تفصيل كلّ شيء، وعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولمّا كان صلى الله عليه وآله وسلم أعلم من جميع الأنبياء والمرسلين فهم عليهم السلام أيضاً كذلك، وقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم- كما في الحديث المتواتر- قوله: “أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب”17.
وعن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: “قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من أراد أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنّة ربّي، جنّة عدن غرسها بيده، فليتولّ عليّاً، وليتولّ وليّه، وليعاد عدوّه، وليأتمّ بالأوصياء من بعده، فإنّهم عترتي من لحمي ودمي، أعطاهم الله فهمي وعلمي. إلى الله أشكو من أمّتي المنكرين لفضائلهم، القاطعين فيهم صلتي. وأيم الله ليقتلنّ ابني، لا أنالهم الله شفاعتي”18.
وعن بريد بن معاوية، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ﴿قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾19، قال: “إيّانا عنى، وعليّ عليه السلام أوّلنا، وعليّ أفضلنا وخيرنا بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم”20.
وعن مثنّى، قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿ ﴾21، قال: “نزلت في عليّ عليه السلام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وفي الأئمّة بعده”22.
وعن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال: “ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّه جمع القرآن كلّه – ظاهره وباطنه – غير الأوصياء”23.
والحاصل: أنّهم – صلوات الله عليهم أجمعين – هم الواقفون على ظاهر الكتاب وباطنه، والعارفون بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومجمله ومفصّله، وعامّه وخاصّه، ومطلقه ومقيّده، وعندهم علم الأنبياء والرسل، وعندهم علم جدّهم صلى الله عليه وآله وسلم، وعندهم الجفر والجامعة وغيرهما، والأخبار بذلك وغيره – من أنواع علومهم عليهم السلام – فوق التواتر، فمن أرادها فليطلبها في كتاب “بصائر الدرجات” للصفّار24، و”الكافي” للكليني25، وغيرهما من الكتب.
الخامسة: أنّ الله – تبارك وتعالى – جعل قلوب بعض الناس – وهم المؤمنون الطيّبون الطاهرون – تحنّ إليهم بالحبّ والولاء، وتشتاق إلى لقائهم في الدنيا والآخرة، وهذا الحنين والشوق إنّما نشأ من عالم الذّر، وعالم الأرواح، وعالم الطينة، لأنّ أبدان وأرواح محبّيهم وشيعتهم مخلوقة من فاضل طينتهم عليهم السلام.
فعن أبي حمزة الثماليّ، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: “إنّ الله عزّ وجلّ خلقنا من أعلى علّيّين، وخلق قلوب شيعتنا ممّا خلقنا منه، وخلق أبدانهم من دون ذلك، وقلوبهم تهوي إلين، لأنّها خلقت ممّا خلقنا منه – ثمّ تلا هذه الآية – ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾26، وخلق عدوّنا من سجّين، وخلق قلوب شيعتهم ممّا خلقهم منه، وأبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إليهم، لأنّها خلقت ممّا خلقوا منه – ثمّ تلا هذه الآية – ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾27.
وعن حنان بن منذر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: “إنّ الله عجن طينتنا وطينة شيعتنا، فخلطنا بهم، وخلطهم بنا، فمن كان في خلقه شيء من طينتنا حنّ إلينا، فأنتم – والله – منّا”28.
والروايات الّتي تشير إلى العلاقة بين أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم كثيرة:
فعن سلام الخثعمي، قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام، فقلت: يابن رسول الله، قول الله تعالى: ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء﴾29، قال: “يا سلام، الشجرة محمّد، والفرع عليّ أمير المؤمنين، والثمر الحسن والحسين، والغصن فاطمة، وشعب ذلك الغصن الأئمّة من ولد فاطمة عليها السلام، والورق شيعتنا ومحبّونا أهل البيت…”30.
وعن مينا بن أبي مينا مولى عبد الرّحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها”، وزاد عبد الرزّاق: “وشيعتنا ورقها. الشجرة أصلها في جنّة عدن، والفرع والورق والثمر في الجنّة”31.
وعن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: “من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم”، قال: قلت: جعلت فداك، ما أوّل النعم؟ قال: “طيب الولادة…”32.
وعن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه، قال: كنّا ننور أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب، فإذا رأينا أحداً لا يحبّ عليّ بن أبي طالب علمنا: أنّه ليس منّا، وأنّه لغير رشده33.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: “معاشر الأنصار، اغدو أولادكم على محبّة عليّ”، قال جابر: كنّا نبور أولادنا في وقعة الحرّة (كذا) بحبّ عليّ، فمن أحبّه علمنا أنّه من أولادنا، ومن أبغضه أشفينا منه34.
وعن أنس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهر عليّاً يوم خيبر فقال: “يا أيّها النّاس، امتحنوا أولادكم بحبّه، فإنّ علياً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يبعد عن هدىً، فمن أحبّه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم”35.
وعن ابن الزبير، عن جابر: أمرنا رسول الله: أن نعرض أولادنا على حبّ عليّ بن أبي طالب36.
السادسة: أنّ حجّة الله في أرضه وخليفته على عباده الإمام الصّادق عليه السلام قد دعا لزوّار قبر الحسين عليه السلام بدعاء خاصّ لهم، ينبغي للمؤمنين أن يغتنموه، وهو يدلّ على لزوم شدّة الاهتمام بإحياء ذكرى استشهاد سيّد الشهداء عليه السلام، والمواظبة على زيارته من قريب وبعيد.
السابعة: أنّ قوله عليه السلام: “رغبة في برّنا” يدلّ على: استحباب الإنفاق والبذل في كلّ ما يمت بصلة برّ إلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام، سواء كان في الزيارة أو غيرها، بل عموم التعليل في قوله عليه السلام: “رغبة في برّنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم” شامل للشعائر الحسينيّة بمختلف أشكالها، من إقامة مجلس العزاء، وإنشاء الشعر وإنشاده في مدحهم ومصيبتهم عليهم السلام، والبكاء، ولطم الخدود والصدور، ولبس السواد، والخروج إلى الشوارع والطرقات على شكل كراديس منتظمة للدلالة على عظم المصاب، وإخراج التشابيه، إلى غير ذلك من صور وأشكال العزاء الحسينيّ، وشموله مشروط بعدم كون الفعل محرّماً في نفسه، أو مستلزماً لمحرّم، أو صار محرّماً بالعنوان الثانويّ.
الثامنة: يدلّ قوله عليه السلام: “وغيظاً أدخلوه على عدوّنا” على: أنّ هذه المجالس والشعائر الحسينيّة – الّتي فيها ذكر لمصائب محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وبيان لمظلوميّتهم – كالسهام في عيون أعداء آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وكالرماح المشرعة في وجوههم، لأنّ فيها تعريتهم وتقريعهم وخزيهم وفضيحتهم وكشف بدعهم وانحرافهم، لذا تجدهم يبذلون أقصى جهدهم للطعن والاستهزاء والسخرية، والتشكيك في هذه المجالس.
التاسعة: يدلّ قوله عليه السلام: “اللّهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا” على: أنّ أعداء الله عزّ وجلّ وأعداء آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم يعيبون على شيعة أهل البيت عليهم السلام ومواليهم قيامهم بالأعمال الّتي رسمها لهم أهل البيت عليهم السلام، ليرفعوا ما يوجب التشهير والتنديد بهم بين الملأ جهاراً نهاراً، فهم يريدون ليطفئوا نور الله بمكرهم، ولكنّ الله شاء غير ما يشاؤون، ودبّر غير ما يدبّرون، فقد أراد الله لهذه المجالس الحسينيّة والمواكب العزائيّة أن تبقى إلى يوم القيامة، كما تذكر الصدّيقة الطاهرة زينب الكبرى عليها السلام بما سمعته عن أمّ أيمن، عن جدّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقولها – وهي تحدّث الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام -: “ينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء، لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيّام، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلّا ظهوراً، وأمره إلّا علوّاً”37.
وفعلاً كان كما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذه إحدى معاجزه الظاهرة الدالّة على صدقه، وأنّ ما جاء به من عند الله تعالى لا من عند نفسه.
أضف إلى ذلك فإنّ زينب الكبرى عليها السلام قد أقسمت ببقاء ذكر أهل البيت عند مخاطبتها يزيد قائلة: “فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا”38.
وعليه فمن اللازم على شيعة أهل البيت عليهم السلام ومواليهم – زادهم الله عزّاً وشرفاً – الإكثار من إقامة هذه المجالس، والحضور فيها، والإنفاق عليها لأجل تشييدها على أحسن وجه، وأتمّ نظام، وعدم الإصغاء إلى تشكيكات المشكّكين وأغراض المنحرفين.
والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين39.
* كتاب الشعائر الحسينية – إحياؤها وأبعادها، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، إعداد : معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني.
1- في كامل الزيارات ووسائل الشيعة: “قبر أبي عبد الله الحسين”.
2- في وسائل الشيعة”غيّرتها”.
3- في كامل الزيارات ووسائل الشيعة “توافيهم” بدل “ترويهم”، وفي الكافي “نوافيهم”.
4- ثواب الأعمال، ص122، الحديث 44، الكافي، ج ، ص579، كتاب الحجّ، باب 358، الحديث 11، كامل الزيارات، ص228، باب 40، الحديث 2، وسائل الشيعة، ج14، ص411، باب 37 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 7.
5- التبيان في تفسير القرآن، ج1، ص213، تفسير سورة البقرة، الآية: 48، بحار الأنوار، ج8، ص62، مسند أحمد، ج2، ص602، وفيه: “أؤخّر دعوتي، شفاعة لأمّتي إلى يوم القيامة”، سنن ابن ماجة، ج2، ص1441، الحديث 4310 وفيه: “إنّ شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمّتي”، المستدرك على الصحيحين، ج1، ص69، وفيه: “الشفاعة لأهل الكبائر من أمّتي”، والمصدر نفسه ج2، ص382، وفيه:”إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي”، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.
6- سنن ابن ماجة، ج2، ص1443، الحديث4315، سنن أبي داود، ج4، ص236، الحديث 4740، مع اختلاف يسير، والجامع الصغير، ج2، ص448، الحديث 7552، مع اختلاف يسير.
7- المصدر السابق، الحديث 4313، الجامع الصغير، ج1، ص434، الحديث 2834، مع اختلاف يسير، والمصدر نفسه ج2، ص761، الحديث 10011 وقال عنه في الحاشية: إنّه حديث حسن، روضة الواعظين، ص11، مع اختلاف يسير.
8- بحار الأنوار، ج8، ص43، الحديث 39، الجامع الصغير، ج2، ص86، الحديث 4942، مع اختلاف يسير، كنز العمّال، ج14، ص390، الحديث 39041، مع اختلاف يسير.
9- سورة النبأ، الآية: 38.
10- المحاسن، ج1، ص292، باب شيعتنا آخذون بحجزتنا، الحديث 580، الكافي، ج1، ص501، كتاب الحجّة، الباب 165، الحديث 91.
11- من لا يحضره الفقيه، ج3، ص574، الحديث 4964.
12- المحاسن، ج1، ص292، باب شيعتنا آخذون بحجزتنا، الحديث 581، تفسير العيّاشي، ج1، ص136، تفسير سورة البقرة، الحديث 450، مع اختلاف يسير.
13- الخصال، ص473، باب الاثني عشر، الحديث 29، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص289، مسند أحمد، ج6، ص93، الحديث 20319، صحيح مسلم، ج 3، ص1453، الحديث 1822، المعجم الكبير، ج2، ص199، الحديث 1809، كنز العمّال، ج12، ص33، الحديث 33855.
14- الخصال: ص511، أبواب الاثني عشر، الحديث 10، الغيبة للطوسي، ص133، الحديث 97، الجامع الصغير، ج1، ص350، الحديث 2297، مع اختلاف يسير، كنز العمّال، ج6، ص89، الحديث 14971، ولكن ورد فيه: “إنّ عدّة الخلفاء بعدي”، والمصدر نفسه 12: 33، الحديث 33859، مع اختلاف يسير.
15- فرائد السمطين، ج2، ص99، باب 31، الحديث 425، ورواه الصّدوق في كمال الدّين وتمام النعمة، ج1، ص280، باب 24، الحديث 28.
16- كمال الدّين، ج1، ص253، باب 23، الحديث 3، أعلام الورى، ج2، ص181، كشف الغمّة، ج2، ص1005، مع اختلاف يسير.
17- شرح الأخبار، ج1، ص89، الحديث 2، المستدرك على الصحيحين، ج3، ص127، الجامع الصغير، ج1، ص415، الحديث 2705، كنز العمّال، ج11، ص600، الحديث 32890.
18- بصائر الدرجات، ج1، ص73، باب22، الحديث 5، الكافي، ج1، ص266، كتاب الحجّة، باب ما فرض الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الكون مع الأئمّة عليهم السلام، مع اختلاف يسير، كنز العمّال، ج12، ص103، الحديث 34198، مع اختلاف في بعض ألفاظه.
19- سورة الرّعد، الآية: 43.
20- بصائر الدرجات، ج5، ص283، باب 1، الحديث 12، والمصدر نفسه، ج5، ص284، باب 1، الحديث 20، الكافي، ج 1، ص286، كتاب الحجّة، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام عندهم جميع الكتب الّتي نزلت من عند الله عزّ وجلّ، الحديث 6، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص400، وفيه: يزيد ابن معاوية، وسائل الشيعة، ج27، ص181، باب 13 من أبواب صفات القاضي، الحديث 15.
21- سورة الرّعد، الآية: 43.
22- بصائر الدرجات، ج5، ص282، باب 1، الحديث 10.
23-المصدر السابق، ج4، ص256، باب 6، الحديث 1، الكافي، ج1، ص284، كتاب الحجّة، باب 91، الحديث 2، وفيه: “إنّ عنده جميع القرآن كلّه” بدل “إنّه جمع القرآن كلّه”.
24- بصائر الدرجات،ج3، ص208 219، باب 14.
25- الكافي، ج1، ص294 298، كتاب الحجّة، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام.
26- سورة المطفّفين، الآية: 18 21.
27- الكافي، ج2، ص6، كتاب الإيمان والكفر، باب طينة المؤمن والكافر، الحديث 4.
28- بصائر الدرجات، ج1، ص29، باب 9، الحديث 8.
29- سورة إبراهيم، الآية: 24.
30- شواهد التنزيل، ج1، ص406، الحديث 428.
31- أمالي الطوسي، ص610، المجلس 28، الحديث 10، بحار الأنوار، ج35، ص31، المستدرك على الصحيحين، ج3، ص160، مع اختلاف يسير، شواهد التنزيل، ج1، ص408، الحديث 431، مع اختلاف يسير.
32- تهذيب الأحكام، ج4، ص125، باب 39، الحديث 401، وسائل الشيعة، ج9، ص547، باب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 10.
33- تاريخ دمشق، ج42، ص287.
34- شواهد التنزيل، ج1، ص343، الحديث 475.
35- تاريخ دمشق، ج42، ص288.
36- ميزان الاعتدال، ج1، ص506 / 1904، لسان الميزان، ج2، ص271/2530.
37- بحار الأنوار، ج45، ص179، باب 39، الحديث 30.
38- المصدر السابق، ص135، باب 39، الحديث 1.
39- الداوري الشيخ مسلم، زيارة عاشوراء تحفة من السماء، ص 324 339 بتصرف قليل .
.
يمكنكم الانضمام إلى الولاية الاخبارية على تلكرام