الرئيسية / من / طرائف الحكم / سلسلة الحياة الطيبة بغير حساب

سلسلة الحياة الطيبة بغير حساب

الدرس العاشر: مخّ العبادة

النصّ القرآني:
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ .

النقاط المحورية:
– معنى الدعاء.
– موقعيّة الدعاء في العبادة.
– الدعاء بوابة مفتوحة.
– الآداب المعنوية للدعاء.

معنى الدعاء
الدعاء في اللغة أن تميل الشيء إليك بصوتٍ وكلامٍ يكون منك، ويُقال دعوت فلاناً أي ناديته وطلبت إقباله. ودعاء العبد ربّه جلَّ جلاله هو طلب العناية منه، واستمداده المعونة منه .

والدعاء بعبارة بسيطة هو التحدّث إلى الله تعالى، ويعني أن يُنادي الإنسان ربّه ويُناجيه ويُكلّمه، فهو وسيلةٌ لارتباط الإنسان بالله عزّ وجلّ. إنّ الإحساس بالقرب من الله وبثّ هموم القلب بحضرته، وتمجيده وتحميده، والتودّد إليه، وطلب الحاجات منه، كلّها من مصاديق الدعاء.

موقعيّة الدعاء من العبادة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الدُّعَاءُ مُخُ‏ الْعِبَادَةِ وَ لَا يُهْلَكُ‏ مَعَ‏ الدُّعَاءِ أَحَد” .

يكشف لنا هذا الحديث المبارك عن جوهر العبادة وحقيقتها التي تتجلّى في إقبال العبد المحتاج على المعبود الغني .

وهذا الإقبال يجسّد الصلة بين الخالق والمخلوق، وشعوره بحاجته الدائمة إلى ربّه تعالى في جميع أموره، واعترافه بالعبوديّة له تعالى, والدعاء أوسع أبواب ذلك الارتباط، فهو مخّ العبادة وحقيقتها وأجلى صورها.

وقد عدّ الله تعالى الإعراض عن الدعاء استكباراً عن العبادة: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ . وفي تفسير الآية الشريفة قال الإمام الصادق عليه السلام: “الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ الَّتِي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ ‏” .

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الدُّعَاءُ وَ إِذَا أَذِنَ‏ اللهُ‏ لِعَبْدٍ فِي‏ الدُّعَاءِ فَتَّحَ‏ لَهُ‏ أَبْوَابَ‏ الرَّحْمَةِ إِنَّهُ‏ لَنْ‏ يَهْلِكَ‏ مَعَ‏ الدُّعَاءِ أَحَد” .

إذاً، الدعاء في نفسه عبادة، فهما يشتركان في حقيقة واحدة هي إظهار الخشوع والافتقار إلى اللّه تعالى, وهو غاية الخلق وعلّته، قال تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ .

وطالما أنّ هدف العبادة هو تحقيق الرابطة الحقيقية التي ينبغي أن تكون بين العبد وربّه، على أساس اعتراف العبد باحتياجه المطلق إلى الغني المطلق وإقراره بفقره وفاقته وعجزه ولا شيئيته أمام المالك الذي لا ينفد ملكه وسلطانه، فإنّ الدعاء هو من أبرز العبادات التي تُحقّق هذا الهدف لأنّ الدعاء مَظْهَرُ فقر الإنسان إلى الله تعالى واحتياجه إليه، عن الإمام الصادق عليه السلام: “عَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّكُمْ لَا تَتَقَرَّبُونَ بِمِثْلِه‏” .

الدُّعاء بوّابة مفتوحة
إنَّ علاقةَ الإنسانِ بالله سبحانه وتعالى تتضمّن معاني الحاجة والفقر المطلق لله تعالى، ورحمته وعونه. ولا يُمكن أن يُتصوّر – ولو للحظة – كون الإنسان مستقلّاً عن الله سبحانه في تدبير شؤونه وتيسير أموره، ودفع الشّرور عنه، وجلب المصالح إليه، شاء الإنسان ذلك أم أبى. وقد فتح الله سبحانه بالدّعاء باباً لعباده لقضاء الحوائج، صغيرها وكبيرها، وفي كلّ مكان وزمان.

يُروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في نهج البلاغة أنَّه قال: “فَمَتَى‏ شِئْتَ‏ اسْتَفْتَحْتَ‏ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ‏ نِعْمَتِهِ‏ وَاسْتَمْطَرْتَ‏ شَآبِيبَ‏ رَحْمَتِه‏” . فالدّعاء مطلوب في كلّ حال، ومتى ما شاء الإنسان، وفي هذا من الرّحمة له ما يعجز دونه العقل.

هذه القواعد الإلهيّة في رسم علاقةٍ مفتوحةٍ بين البشر وخالقهم دون حدودِ الزّمان والمكان، أمرٌ أكّدت عليه آياتُ الكتاب ونصوصٌ إسلاميّة كثيرة، فقد جاء في القرآن الكريم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ، فالأمر بالدعاء في الآية الكريمة جاء مطلقاً دون قيود. وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الحثّ على الطلب من الله تعالى واللجأ إليه ودعائه: ” فَاسْتَفْتِحُوهُ‏ وَاسْتَنْجِحُوهُ وَاطْلُبُوا إِلَيْهِ وَاسْتَمْنِحُوهُ‏ فَمَا قَطَعَكُمْ‏ عَنْهُ‏ حِجَابٌ‏ وَلَا أُغْلِقَ عَنْكُمْ دُونَهُ

بَابٌ وَإِنَّهُ لَبِكُلِّ مَكَانٍ وَفِي كُلِّ حِينٍ وَأَوَانٍ وَمَعَ كُلِّ إِنْسٍ وَجَانٍّ لَا يَثْلِمُهُ‏ الْعَطَاءُ وَلَا يَنْقُصُهُ الْحِبَاءُ وَلَا يَسْتَنْفِدُهُ سَائِلٌ وَلَا يَسْتَقْصِيهِ نَائِلٌ وَلَا يَلْوِيهِ‏ شَخْصٌ عَنْ شَخْصٍ وَلَا يُلْهِيهِ صَوْتٌ عَنْ صَوْتٍ وَلَا تَحْجُزُهُ هِبَةٌ عَنْ سَلْب‏” .

الآداب المعنوية للدعاء
للدعاء آداب معنويةٌ لطيفة لا بدّ للداعي أن يُحسن الالتزام بها وتقديمها التماساً لاستجابة الباري تعالى لدعائه، ومن هذه الآداب:
الأول: حسن الظنّ بالله تعالى
إنّ حُسن الظنّ بالله متفرّعٌ عن معرفته سبحانه، فعلى الدَّاعي أن يُحسن الظّن باستجابة دعائه ويتذكّر دوماً قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ، وقوله: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ . ويتيقّن بأنّ الله تعالى لا يُخلف الميعاد وسيستجيب دعوته, قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ادْعُوا اللهَ‏ وَأَنْتُمْ‏ مُوقِنُونَ‏ بِالْإِجَابَة” ، وقال الإمام الصادق عليه السلام: “إِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ وَظُنَّ حَاجَتَكَ بِالْبَاب‏” .

الثاني: الوفاء بعهد الله
على الدَّاعي أن يفي بعهد الله ويُطيع أوامره، وهما من أهمّ الشّروط في استجابة الدُّعاء. عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال له رجل: “جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ اللهَ يَقُولُ ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ، وَإِنَّا نَدْعُو فَلَا يُسْتَجَابُ‏ لَنَا، قَالَ لِأَنَّكُمْ لَا تَفُونَ اللهَ بِعَهْدِهِ وَإِنَّ اللهَ يَقُولُ ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ وَاللهِ لَوْ وَفَيْتُمْ لِلهِ لَوَفَى اللهُ لَكُم‏” .

الثالث: الإقرار بالذنوب
على الدَّاعي أن يعترف بذنوبه مقرّاً، مذعناً، تائباً عمَّا اقترفه من خطايا، وما ارتكبه من ذنوب, من دعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام المروي عن كميل بن زياد: “وَقَدْ أَتَيْتُكَ يَا إِلَهِي‏ بَعْدَ تَقْصِيرِي‏ وَإِسْرَافِي‏ عَلَى‏ نَفْسِي‏ مُعْتَذِراً نَادِماً مُنْكَسِراً مُسْتَقِيلًا مُسْتَغْفِراً مُنِيباً مُقِرّاً مُذْعِناً مُعْتَرِفاً لَا أَجِدُ مَفَرّاً مِمَّا كَانَ مِنِّي وَلَا مَفْزَعاً أَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ فِي أَمْرِي غَيْرَ قَبُولِكَ عُذْرِي وَإِدْخَالِكَ إِيَّايَ فِي سَعَةٍ مِنْ رَحْمَتِكَ إِلَهِي فَاقْبَلْ عُذْرِي وَارْحَمْ شِدَّةَ ضُرِّي وَفُكَّنِي مِنْ شَدِّ وَثَاقِي‏!” . فالإمام عليه السلام قدّم الإقرار بالذنب على الطلب والمسألة.

الرابع: الإقبال على الله تعالى
من أهمّ آداب الدُّعاء هو أن يُقبل الدَّاعي على الله سبحانه بقلبه، وعواطفه، ووجوده، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدّنيا، فهناك اختلافٌ كبيرٌ بين مجرّد قراءة الدُّعاء، وبين الدُّعاء الحقيقي الذي ينسجم فيه اللسان انسجاماً تامّاً مع القلب، فَتَهتَزُّ له الرّوح، لكي تحصل فيه الحاجة.

قال الإمام الصادق عليه السلام: “إِنَ‏ اللهَ‏ عَزَّ وَ جَلَ‏ لَا يَسْتَجِيبُ‏ دُعَاءً بِظَهْرِ قَلْبٍ‏ سَاهٍ‏ فَإِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ ثُمَّ اسْتَيْقِنْ بِالْإِجَابَة” .

الخامس: ترقيق القلب والخشوع
يُستحب الدُّعاء عند استشعار رقّة القلب وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت والبرزخ ومنازل الآخرة وأهوال يوم المحشر، وذلك لأنّ رقَّة القلب سببٌ في الإخلاص المؤدّي إلى القرب من رحمة الله وفضله. روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “اغْتَنِمُوا الدُّعَاءَ عِنْدَ الرِّقَّةِ فَإِنَّهَا رَحْمَة” . فكلّما رقَّ قلب الدَّاعي كلّما كان مهيّئاً لاستقبال ذخائر الرحمة الإلهية، وتحقّق قصده في الاستجابة، وعن الإمام الصادق عليه السلام: “إِذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُكَ‏ وَدَمَعَتْ عَيْنَاكَ وَوَجِلَ قَلْبُكَ فَدُونَكَ دُونَكَ فَقَدْ قُصِدَ قَصْدُك‏” .

وقد أجاز الشّرع توسّل بعض الوسائل من أجل تحصيل رقّة القلب، فقد قيل للإمام الصّادق عليه السلام: “أَكُونُ‏ أَدْعُو فَأَشْتَهِي‏ الْبُكَاءَ وَلَا يَجِيئُنِي‏ وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ بَعْضَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي فَأَرِقُّ وَأَبْكِي فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ فَتَذَكَّرْهُمْ فَإِذَا رَقَقْتَ فَابْكِ وَادْعُ رَبَّكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏” .

وممّا يرتبط بترقيق القلب، هو تحصيل أدب الخشوع ولو أردنا أن نتعرّف على حقيقة الخشوع، لأرشدنا إليها الإمام الخميني قدس سره: “عبارة عن حالة قلبية تحصل للقلب من إدراك الجلال والجمال”.

فإذا حصل الدَّاعي على مرتبة الخشوع، كشف ذلك عن انقطاعه لله سبحانه وتعالى، وتوجّهه التامّ إليه، وافتقاره الكامل له، وصار دعاؤه مستجاباً بإذن الله تعالى. والله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ .

وفيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام: “يَا مُوسَى كُنْ‏ إِذَا دَعَوْتَنِي‏ خَائِفاً مُشْفِقاً وَجِلًا عَفِّرْ وَجْهَكَ لِي فِي التُّرَابِ وَاسْجُدْ لِي بِمَكَارِمِ بَدَنِكَ وَاقْنُتْ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْقِيَامِ وَنَاجِنِي حِينَ تُنَاجِينِي بِخَشْيَةٍ مِنْ قَلْبٍ وَجِل‏” .

السّادس: عدم القنوط
على الدَّاعي أن لا يقنط من رحمة الله، ولا يستبطئ الإجابة فيترك الدُّعاء، لأنّ ذلك من الآفات التي تمنع ترتّب أثر الدُّعاء، وهو بذلك أشبه بالزّارع الذي بذر بذراً فأخذ يتعاهده ويرعاه، فلمّا استبطأ كماله وإدراكه أهمله. فعن أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: “لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ بِخَيْرٍ وَرَجَاءٍ رَحْمَةً مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَمْ‏ يَسْتَعْجِلْ‏ فَيَقْنَطَ وَيَتْرُكَ‏ الدُّعَاءَ قُلْتُ لَهُ كَيْفَ يَسْتَعْجِلُ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَمَا أَرَى الْإِجَابَة” .

السابع: الإلحاح بالدعاء
في حال تأخّر الإجابة يجب معاودة الدُّعاء والإلحاح في المسألة, فلعلّ تأخير الإجابة لمنزلة الداعي عند الله سبحانه، فهو يُحبّ سماع صوته والإكثار من دعائه، فعليه أن لا يترك ما يُحبّه الله سبحانه، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال: “إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةً

فَيُؤَخِّرُ عَنْهُ تَعْجِيلَ إِجَابَتِهِ حُبّاً لِصَوْتِهِ وَاسْتِمَاعِ نَحِيبِه‏” . وعليه، فيجب الإلحاح بالدّعاء في جميع الأحوال، ولما في ذلك من الرحمة، والمغفرة، واستجابة الدعوات، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “رَحِمَ‏ اللهُ‏ عَبْداً طَلَبَ‏ مِنَ‏ اللهِ‏ عَزَّ وَجَلَ‏ حَاجَةً فَأَلَحَ‏ فِي‏ الدُّعَاءِ اسْتُجِيبَ‏ لَهُ‏ أَوْ لَمْ‏ يُسْتَجَبْ‏ لَه‏” .

الثامن: الدعاء في الرخاء
من آداب الدُّعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدّة، لما في ذلك من الثّقة بالله، والانقطاع إليه، ولفضله في دفع البلاء، واستجابة الدُّعاء عند الشدّة، وقد روي الإمام الصادق عليه السلام: “مَنْ‏ سَرَّهُ‏ أَنْ‏ يُسْتَجَابَ‏ لَهُ‏ فِي‏ الشِّدَّةِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي‏ الرَّخَاءِ” .

التاسع: أن يكون عالي الهمّة فيما يطلب
أن يدعو الله سبحانه وتعالى بمعالي الأمور التي لا يُمكن تحصيلها إلا ببذل الهمم. فقد ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام أنَّه قال: “بَكَى أَبُو ذَرٍّ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى‏ اشْتَكَى‏ بَصَرَهُ‏ فَقِيلَ لَهُ يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ دَعَوْتَ اللهَ أَنْ يَشْفِيَ بَصَرَكَ فَقَالَ إِنِّي عَنْهُ لَمَشْغُولٌ وَمَا هُوَ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي قَالُوا وَمَا يَشْغَلُكَ عَنْهُ قَالَ الْعَظِيمَتَانِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ” .

ومن القصص الجميلة ما روي عن ربيعة بن كعب أنَّه قال: “قال لي ذات يوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا ربيعة، خدمتني سبع سنين أفلا تسألني حاجة؟ فقلت: يا رسول الله، أمهلني حتى أُفكّر، فلمّا أصبحت ودخلت عليه، قال لي: يا ربيعة، هاتِ حاجتك، فقُلتُ: تسأل الله أن يدخلني معك الجنّة، فقال لي: من علّمك هذا؟ فقُلتُ: يا رسول الله، ما علّمني أحد، لكنّي فكّرت في نفسي، وقُلتُ: إن سألته مالاً كان إلى نفاد، وإن سألته عمراً طويلاً وأولاداً كان عاقبتهم الموت، قال ربيعة: فنكّس رأسه ساعةً، ثمّ قال: أفعل ذلك، فأعنّي بكثرة السجود” .

العاشر: الاضطرار إلى الله تعالى
روي أنّ الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام: “ادْعُنِي‏ دُعَاءَ الْحَزِينِ‏ الْغَرِيقِ‏ الَّذِي‏ لَيْسَ‏ لَهُ‏ مُغِيثٌ‏ يَا عِيسَى سَلْنِي وَلَا تَسْأَلْ غَيْرِي فَيَحْسُنَ مِنْكَ الدُّعَاءُ وَمِنِّي الْإِجَابَةُ” .

ويقول الله تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ . والاضطرار أن يقطع الإنسان أمله من كلّ سببٍ سوى الله سبحانه، وأن يجعل قلبه وروحه بين يدي رحمة الله، وأن يرى كلّ شي‏ء منه وله. فيربط الأسباب بمسبّبها الأوّل والحقيقي الذي لا يخرج شيء في هذا الوجود من تحت دائرة سلطانه, عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال الله عزّ وجلّ: “مَا مِنْ‏ مَخْلُوقٍ‏ يَعْتَصِمُ‏ بِي‏ دُونَ‏ خَلْقِي‏ إِلَّا ضَمَّنْتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ رِزْقَهُ، فَإِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ، وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَإِنِ اسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ” .

والحمد لله رب العالمين

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...