الأقصى
دلالات سحب الحاملة جيرالد فورد وكابوسية جميع السيناريوهات للكيان
شكلت الأخبار الخاصة بمغادرة المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس جيرالد ر. فورد” شرق البحر الأبيض المتوسط، وعودتها إلى بلادها مادة خبرية وتحليلية تم تجاذبها في أكثر من اتجاه، وتم تجاهل الكثير من الأبعاد والدلالات الأخرى، والتي ربما تكون أكثر وضوحًا واتساقًا مع الواقع ومع حالة الجبهات الحربية في المنطقة.
فقد تم التركيز على اتجاهين:
الأول: اتجاه مغرض ودعائي، وكعادة المغرضين من أعداء المقاومة، تم استغلال الخبر للقول بأن هذا السحب يمثل اطمئنانًا أمريكيًا بأن الحرب لن تتوسع وأن أمريكا لم تعد بحاجة إلى ردع محور المقاومة عن توسيع الحرب، بل وذهبت بعض وسائل إعلام خليجية باختلاق أخبار عن مصادر مجهّلة مزعومة تدعي أن حزب الله أرسل تطمينات بأنه سينسحب إلى شمال الليطاني مقابل مكاسب سياسية!
الثاني: أن أمريكا في إطار خلافاتها مع “إسرائيل” قامت بسحب الحاملة لإجبار الكيان على الانصياع لرغبات أمريكا بالتهدئة، وذلك في تجاهل تام لحقيقة الوضع بأن أمريكا هي من تقود العدوان!
بينما تجاهلت التحليلات الكثير من الحقائق والشواهد والاحتمالات المنطقية المتسقة مع وضع الصراع والموقف الراهن للجبهات، وهو ما يحتاج إلى إلقاء الضوء على بعض منه فيما يلي:
1- يأتي سحب الحاملة في سياق إعادة الانتشار البحري، حيث مُدِّد لوجودها أكثر من مرة، والحاملة كان مقررًا لها العودة قبل 7 أكتوبر، ووُجِّهَت لشرق المتوسط بعد عملية طوفان الأقصى، ظنًا من أمريكا أنها ستردع المقاومة، وكان بحارة فورد البالغ عددهم 5000 تقريبًا ينتظرون قرار البنتاغون بشأن ما إذا كانوا سيعودون إلى ديارهم لقضاء العطلة، وبالتالي خوفًا من التذمر وسوء حالة البحارة، فمن المفترض إعادتهم لقضاء عطلة وخاصة مع احتفالات بداية العام الجديد.
2- الغرض الرئيسي من وجود الحاملة ثبت فشله، حيث لم يرتدع المحور المقاوم، بل تصاعدت عمليات المقاومة في لبنان، وبرزت جبهة الجولان كجبهة نشطة ولم تتوقف عمليات اليمن والعراق، وبالتالي نذر التوسع كانت هي الأوضح في ظل غياب تام لشواهد الردع، وبالتالي فإن حاملة الطائرات أصبحت هدفًا محتملًا للمقاومة على عكس ما أريد لها أن تكون رادعًا وخاصة مع صدور تهديدات صريحة من الحرس الثوري بأن الانزلاقات ستؤدي إلى إغلاق البحر المتوسط وجبل طارق ولن يقتصر التصعيد على البحر الأحمر وباب المندب فقط.
3-لم يعكس قرار سحب الحاملة تغيرًا في الموقف الأمريكي، حيث وصلت في الأسبوع الماضي، السفينتان الهجوميتان البرمائيتان “يو إس إس باتان” و”يو إس إس كارتر هول” إلى شرق البحر الأبيض المتوسط من البحر الأحمر لتتّحدا مع “يو إس إس ميسا فيردي”. وأدت هذه الخطوة إلى إعادة توحيد السفن الثلاث التي تم نشرها معًا في يوليو من ولاية كارولينا الشمالية، بالإضافة إلى 2200 من مشاة البحرية الأمريكية من وحدة المشاة البحرية السادسة والعشرين (MEU) على متن السفن.
4- يتصدر حاليًا البحر الأحمر واجهة التصعيد مع بروز المقاومة اليمنية واستهدافها للمصالح الصهيونية، وما تبعه من اشتباكات أمريكية مع الزوارق اليمنية وسقوط عشرة شهداء يمنيين، وتداعيات ذلك مع توعد أنصار الله بالرد، وبروز نذر مواجهات دولية مع محاولة أمريكا تشكيل ائتلاف دولي ومع دخول بريطانيا علنًا على الخط وتهديدها بالعدوان على اليمن.
ولا شك أن العدوان الأمريكي والصهيوني محاط بالفشل من عدة اتجاهات وذلك لأن جميع السيناريوهات لا تخدم الأهداف الاستراتيجية لأمريكا والكيان:
أولًا: حتى بعد إعلان وزير الحرب الأمريكي أوستن عن تشكيل قوة متعددة الجنسيات لحماية السفن في البحر الأحمر من هجمات أنصار الله، أعلنت المزيد من الشركات، بما في ذلك شركة الشحن العملاقة ميرسك، أنها ستعيد توجيه السفن بعيدًا عن قناة السويس والبحر الأحمر.
وأبرزت التقارير الغربية أن سبب ذلك هو أن الولايات المتحدة لم تتناول لا هي ولا القوة الدولية، المعروفة باسم حارس الازدهار، كيفية تخطيطهم لإحباط عمليات أنصار الله أو توفير حماية إضافية. وذكرت التقارير بأنه، وخلال الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت عقدًا من الزمن في الثمانينيات، رافقت السفن البحرية الناقلات داخل وخارج الخليج لضمان سلامتها خلال فترات الصراع البحري. وهذا لن يوفر الأمن الكافي في البحر الأحمر اليوم لأن حجم السفن أكبر بكثير، والقدرة على استخدام الطائرات بدون طيار تجعل الحراسة العسكرية أقل فعالية في الردع الأمني. ويمتلك أنصار الله مخزونات كبيرة من الصواريخ والطائرات بدون طيار التي يمكنهم إطلاقها على السفن من الأرض. قد يعني هذا أنه بدون عمليات برية لتدمير البنية التحتية العسكرية للحوثيين، لن تكون هناك ضمانات للسلامة.
ثانيا: أي اشتباكات وعدوان ورد على العدوان هو بمثابة توسيع للصراع وغلق تام للبحر الأحمر بدلًا من إغلاقه الجزئي القاصر على السفن الصهيونية أو التي تتعامل مع الصهاينة، وهي حماقة كبيرة.
وعلى صعيد الحرب الدائرة فإن الكيان لا يريد وقف إطلاق النار رغم فشله، والسؤال هنا هو، لماذا لا تريد “إسرائيل” وقف إطلاق النار؟
والجواب هنا، هو أن “إسرائيل” ترى في الحرب فرصة للملمة الجبهة الداخلية وفي صناعة (عدو إرهابي) وتهديد وجودي فرصة في القفز على الخلافات والشروخ التي تهدد بانهيار المنظومة السياسية والاجتماعية داخل الكيان، وكذلك هناك أهداف شخصية تتعلق بتأجيل محاكمة نتنياهو وأهداف تتعلق بتسليح المستوطنين والاعتداء على أهالي الضفة وسلب الأراضي والممتلكات وتنفيذ مخطط ابتلاع الضفة.
وربما يوضح جوهر هذه الصورة عالم سياسي صهيوني مثل رافائيل س. كوهين، مدير برنامج الإستراتيجية والعقيدة في مؤسسة راند حيث يقول في مقال له ما يلي:
“منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تقدم 260 ألف إسرائيلي بطلبات للحصول على تصاريح حمل أسلحة، وزادت الموافقات ثلاثين ضعفًا عما كانت عليه في الفترة الزمنية المماثلة قبل الصراع. ومع وجود جيش معبأ حاليًا يبلغ تعداده نصف مليون جندي في بلد يقل عدد سكانه عن 10 ملايين نسمة، فإن كل شخص تقريبًا لديه فرد من أفراد الأسرة إما في حالة حرب أو جاهز للحرب. ونظراً لوعد حماس بتكرار هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول حتى إبادة إسرائيل، فليس من المستغرب أن يرغب الإسرائيليون بشكل موحد تقريباً، كما قال لي أحد الساسة الإسرائيليين، في “إنجاز المهمة” هذه المرة”، حسب تعبيره.
وبالتالي يمكننا القول إن الكيان الصهيوني حاول ولا يزال يحاول تحويل التهديد إلى فرصة، بمعنى أنه حاول الالتفاف على التفتت الخطير في جبهته الداخلية بشكل غير مسبوق منذ نشأته المشؤومة وانتهز فرصة الحرب لتوحيدها وراء لافتة “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”.
وهنا فإن الكيان محاط بالفشل أيضًا لأنه حتى لو خرج منتصرًا فستعود الانشقاقات لأنه تم تأجيلها، ولو انتصرت المقاومة بإفشال عدوانه وانسحابه واحتفاظها بقدراتها، فإن انهياراته ستكون أسرع وأكثر حدة، وبالتالي يرى الكيان أن وقف إطلاق النار هو انتحار فلا هو قادر على الانتصار ولا قادر على تحمل الهزيمة، وهو ما يقوده للكبر وارتكاب الحماقات والتورط في مزيد من الجرائم، وهو ما يرفع من نذر المواجهات الشاملة والتي ستجعل من المشروع الصهيوني غير ذي جدوى وكابوسا للمستوطنين والصهاينة ويعجل بالزوال.
هذا الفشل المحيط بالكيان في جميع السيناريوهات يقود إلى ارتفاع احتمالات المواجهات الكبرى من جهة، واليقين بالزوال القريب للكيان وبخروج أمريكا من المنطقة من جهة أخرى.