ذلك حكم بما لم ينزل الله تعالى. وتقول في الدين وأبدع في ترتيب التراويح جماعة (1)، وقد أجمع كل الامة على أنها بدعة، حتى هو قال: بدعة ونعمت البدعة (2)، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار (3). وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن عمر قال للعباس وعلي: فلما توفي رسول الله قال أبو بكر (أنا ولي رسول الله)، فجئتما أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته، فقال أبو بكر: قال رسول الله: لا نورث ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذبا ” آثما ” غادرا ” خائنا “، والله انه لراشد تابع للحق، ثم لما توفي أبو بكر قال عمر (أنا ولي رسول الله وولي أبى بكر)، فرأيتماني كاذبا ” آثما ” خائنا ” غادرا “، والله يعلم اني لصادق بار تابع للحق (4). ولم يعتذر العباس ولا علي عن هذا الاعتقاد، ولا شبهة أن اعتقادهما حق، لان الله قد طهر عليا ” وجعل النبي الحق دائرا ” مع علي في قوله صلى الله عليه وآله في حديث غدير خم: وأدر الحق معه كيفما دار (5). كما جاء في غيره أيضا. (فصل) ومنهم (6) من ولي أمور المسلمين لمن ظهر منه الفسق والفساد ولا علم عنده
- شرح ابن ابى الحديد 12 / 281. 2. صحيح البخاري 1 / 269. 3. سنن ابى داود 4 / 201، سنن ابن ماجة 1 / 16. 4. صحيح البخاري 2 / 996 باختلاف في اللفظ. 5. سنن الترمذي 5 / 633. 6. في المخطوطة (وفيهم).
[ 76 ]
مراعاة لحرمة القرابة وعدولا عن مراعاة حرمة الدين، كالوليد بن عقبة فشرب الخمر حال امارته (1)، وصلى وهو سكران والتفت الى من خلفه وقال: أزيدكم في الصلاة (2). وسعيد بن العاص ظهر منه في الكوفة المناكر فتكلموا فيه وفي عثمان وأرادوا خلع عثمان فعزله عنهم قهرا ” (3). وعبيد الله بن ابى سرح ظلم في مصر وعشم (4) وتكلم فيها أهل مصر فصرفه عنهم بمحمد بن ابى بكر، ثم كاتبه سرا ” بأن استمر على الولاية وأمره بقتل محمد وغيره ممن يرد عليه، ولما ظفروا بذلك الكتاب كان أحد الاسباب في قتله. ومن رد الحكم بن العاص الى المدينة وقد طرده رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان قد كلم أبا بكر وعمر في رده فلم يقبلا وزبراه، ولما رده جاءه علي وطلحة والزبير وأكابر الصحابة وخوفوه من الله تعالى فلم يسمع. ومن ضرب اباذر مع تقدمه في الاسلام وعلو شأنه عند النبي صلى الله عليه وآله ونفاه الى الربذة، وذم ابى ذر لعثمان ووقائعه معه كثيرة مشهورة (5). ومن ضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر بعض أضلاعه فعهد ألا يصلي عليه عثمان، وقال عثمان له لما عاده في مرض موته: استغفر لي. فقال عبد الله:
- شرح ابن ابى الحديد 3 / 11. 2. شرح ابن ابى الحديد 17 / 229، وانظر العقد الفريد 4 / 308. 3. انظر مروج الذهب 2 / 336. 4. كذا في النسخ بالعين بمعنى الطمع، ولعله بالغين المعجمة وهو الظلم والغضب، والغشوم الذى يخبط الناس ويأخذ كل ما قدر عليه. 5. مروج الذهب 2 / 341، شرح ابن ابى الحديد 3 / 52.
[ 77 ]
أسأل الله أن يأخذ لي حقي منك (1). ومن ضرب عمار بن ياسر حتى حدث به فتق بغير جرم منه الا أنه نهاه عن بعض المناكر، وكان عمار من اكبر المؤلبين (2) على قتله هو ومحمد بن ابى بكر وكانا يقولان: قتلناه كافرا “. وكان عمار يقول: ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر وأنا الرابع، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (3). وقيل لزيد بن أرقم: بأي شئ كفرتم عثمان ؟ فقال: بثلاث: جعل المال دولة بين الاغنياء، وجعل المهاجرين من الصحابة بمنزلة من حارب الله ورسوله، وعمل بغير كتاب الله (4). وكان حذيقة بن اليمان يقول: ما في كفر عثمان بحمد الله شك (5). ومن كان يؤثر أهله بالاموال العظيمة من بيت مال المسلمين، حتى دفع الى أربعة زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار، وأعطى مروان مائة ألف دينار (6). ومن عطل الحد الواجب على عبيدالله بن عمر حيث قتل الهرمزان مسلما ” وكان قد أوصى عمر بقتله، فدافع عثمان عنه وحمله الى الكوفة وأقطعه بها دارا ” ونقم عليه المسلمون في ذلك (7).
- شرح ابن ابى الحديد 3 / 40. 2. ألب القوم على كذا: اجتمعوا على عداوته. 3. سورة المائدة: 44. 4. شرح ابن ابى الحديد 3 / 51. 5. بحار الانوار 8 / 339. 6. شرح ابن ابى الحديد 3 / 33. 7. شرح ابن ابى الحديد 3 / 59.
[ 78 ]
ومن تبرأ منه كل الصحابة، فكانوا بين قاتل له وبين راض، حتى تركوه بعد قتله ثلاثة أيام بغير دفن ومنعوا من الصلاة عليه (1)، وحكمه بغير ما أنزل الله وبدعه أكثر من أن يحصر. (فصل) ومنهم من هو رأس الفئة الباغية باخبار النبي صلى الله عليه وآله في قتل عمار (2) وأنه يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار (3). ومن هو دعي ابن دعي. روى هشام بن السائب الكلبى قال: كان معاوية لاربعة نفر: لعمارة بن الوليد، ولمسافر بن ابى عمر، ولابي سفيان، ولرجل سماه (4). وكانت أمه هند من المغتلمات (5)، وكان أحب الرجال إليها السودان، وكانت إذا ولدت أسود قتله. وحمامة جدة معاوية كانت من ذوات الريات، أي الغايات في الزنا (6). ومن دعا عليه النبي صلى الله عليه وآله فقال: لا أشبع الله بطنه (7)، واستجبت
- شرح ابن ابى الحديد 3 / 63. 2. كنز العمال 11 / 722، 725، 727. 3. كنز العمال 11 / 724. 4. شرح ابن ابى الحديد 1 / 336. 5. الغلمة كغرقة: شدة الشهوة. 6. شرح ابن ابى الحديد 2 / 125. 7. اسد الغابة 4 / 386.